الثلاثاء، سبتمبر 09، 2008

بوش والهالكي وحكايات ألف ليلة وليلة في العراق



د فيصل الفهد
اثارت الانباء التي تتحدث عن قيام الرئيس بوش بالتجسس على الهالكي رغم أنه احد عماله في العراق المحتل اهتمام الكثير من المتابعين بهذا الامر في وقت لانجد فيه نحن العراقيين أي مستغرب علما ان الامر مبالغ فيه لسبب بسيط هو ان بوش لا يحتاج لان يقوم بهذا الموضوع وهو لديه جيوش من العاملين في المخابرات المركزية الامريكية والاجهزة الاخرى المعروفة والسرية منها ناهيك عن أن كل مايدور في العراق هو صناعة اميريكية بامتياز,والهالكي وكل من عملوا تحت عباءة الاحتلال لا يحتاجون لان يتجسس عليهم اسيادهم لأنهم إنما ينفذون ارادة وخطط وبرامج الاحتلال... اللهم الا اذا كان المقصود بالخبر هو التجسس على الشطر الثاني من ولاء الهالكي اي ولاؤه لايران .
وأياً كانت مبررات إعلان هذا الخبر واطلاقه في هذا الوقت فهو لا يخرج عن ان يكون احد موجبات العمل الدعائي التنافسي بين الديمقراطيين والجمهوريين , والمرشح الجمهوري احوج ما يكون لتلميع جلده بعدما اتت اخطاء بوش على الاخضر واليابس في أميريكا...
في ذات الوقت الذي يريد فيه الهالكي تلميع صورته وتقديم نفسه على اساس انه زعيم وطني يحسب له حسابه من قبل بوش وغيره ويعامله معاملة الند للند... انها مفارقة بالفعل..؟!
من جهة اخرى اهتمت وسائل الاعلام بشكل مركز بمسرحية تسليم الملف الامني في محافظة الانبار الى الجهات المرتبطة بالاحتلال والسبب ليس كما تزعم الجهات الاميريكية وعملاؤها في حكومة الهالكي المنصبة من قبل الاحتلال من أن الامن يتحسن على مستوى محافظة الانبار ويزداد هذا التحسن في كل انحاء العراق.. وهذا التحسن المزعوم لم يحقق شيئاً يذكر للعراقيين لان مستوى العنف ما زال اسوأ مقارنة بالعام 2005 وبداية العام 2007 ..
بيد ان السبب لم يعد خافيا ,فماذا يستطيع المسؤولون الاميريكيون قوله غير هذا الكلام وهم بحاجة ماسة لنقل الالاف من قوات المارينز من محافظة الانبار حيث يوجد اكثر من خمسة وعشرين الف جندي من المارينز حيث الحاجة الماسة لهم في المناطق الملتهبة في افغانستان .
في هذا الوقت يستمر كبار الرسميين من الاميريكان وذيولهم في العراق المحتل وكذلك السياسيون في التبشير بأن العراق يعود للوقوف على قدميه وتم تحقيق الامن في اكثر المحافظات عنفا مثل الانبار ..
وبحسب العسكريين الاميريكيين فأن مسؤولية الامن في هذه المحافظة كان يفترض ان تسلم للعملاء في اذار الماضي. والشئ الوحيد الاكيد في العراق اليوم هو ان الهجمات لم تتوقف والجنود الاميريكان يُقتلون باعداد لا يستهان بها يوميا والا بماذا يفسر استمرار الحرب الجوية للمحتل الاميريكي على المدن العراقية يوميا, كما يتم اغتيال العديد من قادة الصحوة والمليشيات الاخرى المرتبطة بالمحتل الامريكي اضافة الى اغتيال اعداد من قادة الشرطة و الاجهزة المنصبة من قبل الاحتلال في انحاء البلاد –العراق- ,ومع ذلك يستمر كبار الرسميين من الامريكان وحكومة الاحتلال في بغداد بالكذب بأن العراق امن ومستقر ويبقى السؤال اين ذلك الامن والاستقرار الذي تتبجحون به.
ربما نجح بوش في اقناع الكثيرين في الولايات المتحدة الاميريكية بان كل شئ في العراق يسير بشكل صحيح ,والناس ووسائل الاعلام في العالم كثيرا ماتخدعهم الاخبار الكاذبة بشان الحالة في العراق... فكل ما فيه انه بلد خرب ,والملفت أن أياً من مسؤولي الاحتلال او الحكومة المرتبطة به غير معنيين بما وصل اليه العراقيون من مآسٍ.
تشير الاحصاءات التي تصدر عن جهات مستقلة ومنها جهات امريكية ان اكثر من مليون ونصف عراقي لقوا حتفهم منذ الاحتلال وان ستة ملايين عراقي هم بحاجة عاجلة للمساعدة... بينما قدرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجود 5 مليون عراقي مشردين من ديارهم داخل العراق أضافة الى اكثر من خمسة ملايين ونصف المليون هاجروا خارج العراق, وهناك اكثر من خمسة ملايين طفل يتيم واربعة ملايين امراة ارملة وقرابة مليون معوق... فأية سعادة وأمن واستقرار تلك التي حصل عليها العراقيون في ظل ديمقراطية بوش والهالكي!
فالزراعة ماتت بسبب نقص الكهرباء والوقود والعراقيون يريدون ببساطة رحيل القوات الاميريكية من البلاد, اما مايتبجح به المسؤولون الاميريكان بكلامهم عن تسليم الامن لعملائهم فإنه مجرد مسرحية اخرى كتلك التي مرروها في اماكن اخرى من العراق عندما تم ربط جميع العملاء بالغسيل الاميريكي القذر, فالعراقيون يريدون ان يعود بلدهم عودة حقيقية ليس على الورق فقط .
ان المواطن العراقي ما يزال واقعاً في قبضة الاجراءات الامنية الوحشية القاسية للقوات الاميريكية التي يتبجح قادتها بشأن الامن والرخاء.
ان اهل العراق لا يتكلمون عن التحسن لانهم لا يرونه وكل مايرونه فقط هذه المزاعم والاكاذيب التي اصبحت مسألة مهمة للانتخابات الاميريكية ولتبييض وجوه الهالكي وبقية جوقة العملاء التي اسودت بفعل ما ارتكبوه من جرائم ضد العراقيين...
والملفت للانتباه اليوم ان ما يحدث في العراق لم يعد حبيسا داخله بل ذهب ليطرق بشدة على الجدار الداخلي للولايات المتحدة الاميريكية.
ان اغلى هدية يمكن ان يقدمها الرئيس القادم للشعوب الاميريكية هي ان يضع حدا لسياسة الخوف التي تقض مضاجعهم, فالخوف بالطبع له مكانة, واليوم اصبح العراق يمثل مخزن بارود وافغانستان صراعا وايران خطرا محتملا وكوريا الشمالية لغزاً لم يحل بعد.
فوضع اميريكا في العالم قد تهاوى خلال السنوات القليلة الماضية بسبب ان البعض يرى ان اميريكا تحاول فرض واقعها لصياغة عالم امن ومريح لها بصرف النظر عن مشاعر واحاسيس ومصالح الدول الاخرى
لاشك ان اغلب الاميركيين يحبون بلدهم بعمق ويرون انه ما يزال الافضل في العالم إلا ان السواد الاعظم من الشعوب الاميريكية يعاني من نقص خطير في الوعي الذاتي, فالاميريكيون يقولون لا للاسلحة النووية ودولتهم تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم, ويطالبون باحترام القانون في حين لا يعيرون اهتماما لمواثيق جنيف وهم اول من رفع الشعار السئ (من ليس معنا فهو ضدنا), وقادة البيت الاسود يتجاهلون اثر اعمالهم الطائشة على حلفائهم لاسيما تركيا وبقية دول الشرق الاوسط, وتهدد ادارة بوش ايران وغيرها من المساس بالعراق والقوات الاميريكية تحتله وتتقاسم النفوذ فيه مع ايران, وتحذر الادارة الاميريكية من خطورة تعاظم القدرات العسكرية الصينية بينما تنفق مئات المليارات على صناعتها العسكرية بل ان ما تنفقه اميريكا لوحدها اكبر مما تنفقه دول العالم مجتمعة, هذا عدا ان بوش وادارته اللعينة لايقيمون وزنا لكل الدعوات الهادفة لحماية المستقبل لاسيما ما يتعلق منها بالاحتباس الحراري والتغير المناخي
ان اخطر ما يواجه العالم الان وفي المستقبل هو الطريقة التي ينظر فيها الساسة الامريكان للاخرين, فالمسؤولون في واشنطن ايا كانوا - جمهوريين او ديمقراطيين- يعظمون المخاوف لدى الشعوب الاميريكية من احتمالات نشوب هجمات ارهابية ووجود الدول المارقة وازدياد ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين والمنافسة الاقتصادية برغم كل ماتملكه امريكا من قوة وثروة, في ظل هكذا اجواء مشحونة تاتي زيارة وزيرة الخارجية اميريكا الى المنطقة حيث لا يزال التوتر قائماً مع النظام الايراني والاوضاع تتدهور في افغانستان وباكستان.
ومع كل هذا تستمر محاولات الادارة الاميريكية لاستغلال ما تبقى من ولاية بوش لتحقيق اكبر قدر ممكن من مصالح شركات انتاج السلاح والاطباق على المخزون النفطي الاستراتيجي سواء كان في الخليج العربي او في افريقيا السوداء.
واذا ما اردنا ان نعرج على الجعجعة الاعلامية المستمرة بين الاميريكان والايرانيين فاننا سنتوقف عند دلالات تصب في مصلحة الطرفين وبما يعني انهما متفقان في الباطن مختلفان في الظاهر وهذا ما ظهر واضحا في الوثيقة البالغة الاهمية التي كشفتها اجهزة الاستخبارات التابعة للمقاومة العراقية اخيرا والتي تثبت ان احتلال العراق كان القاسم المشترك بين الاميريكان والنظام الايراني... فسياسة الهلع والتخويف التي تمارس ضد دول الخليج والتلويح بالخطر النووي الايراني... ومن المفارقات العجيبة انه بينما جعل بوش و تشيني محاربة الارهاب المعركة الاساسية للإدارة الامريكية فان سياستهما - خصوصا في العراق - زادت من تهديد الارهاب وقلصت من امن الولايات المتحدة..
إننا فعلا نعيش في زمن العجائب وحكايات الف ليلة وليلة !

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار