1/20/2009
بقلم الدكتور فيليب سالم
هذا اليوم هو يومٌ للتاريخ. في هذا اليوم يتسلم السلطة، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، رجلٌ اسود ذو جذور إفريقية وإسلامية. وهذا المساء، وبعد الاحتفالات التقليدية، يدخل هذا الرجل البيت الأبيض ويصير القائد الجديد للبلاد، وتالياً القائد الجديد للعالم الحر بأسره. على كتفي هذا الرجل تقع مسؤولية الارتقاء بأميركا من دولة تؤمن بقوة القوة إلى دولة تؤمن بقوة العقل والحوار. من دولة تؤمن بأنها وحدها يحق لها الحياة ، إلى دولة تؤمن بان لا حياة لها دون حياة الآخرين. ونأمل أن يعرف هذا الرجل إن قيادة العالم الحر تتطلب رؤية جديدة خلاّقة، والكثير من الشجاعة والانتصار على الذات. إنها تتطلب الإيمان بقدسية الإنسان وقدسية العدالة.
لم يكن مجيء هذا الرجل انتصاراً للديمقراطية بقدر ما كان انتصاراً للرؤية التي تحدد ماهية أميركا. هذه الرؤية التي تؤمن بالحرية وأهمية الفرد والتي تجعل المجتمع الأميركي مجتمعا ديناميكياً يتغير ويتجدد ويتكون كل يوم. في هذه الرؤية يقاس الإنسان على حقيقته وعلى قدرته على الإنتاج والعطاء، ولا يقاس بأصله وفصله، أو انتمائه إلى دين أو جماعة أو قبيلة ما، كما هو الحال في الشرق. لذلك تمكن رجل، أبوه إفريقي مسلم، من أن يقفز فوق الحواجز الاجتماعية التقليدية ويصير رئيساً للجمهورية. ولم يعد مستحيلا أن يأتي يوم يصل فيه إلى رئاسة الجمهورية رجل أو امرأة ذوي جذور عربية . وفي هذه الرؤية أيضا أن الإنسان يتعلم ويتغير ويتجدد ويرتفع كل يوم. لذلك فالتجربة الأميركية هي في حالة دائمة من التكوين ، في حالة دائمة من الحركة إلى الأمام، إلى المستقبل. إنها تجربة فريدة ترفض أن تكون أسيرة الماضي، وتصر دائما أن تكون مشدودة إلى المستقبل. هذا، على عكس التجربة في الشرق حيث الماضي يحاول دائما اغتيال المستقبل. في التجربة الأميركية ، كل شيء ممكن، وليس من شيء مستحيل. كل يوم فرصة جديدة. وان قدرة العقل الإنساني والإبداع لا يحدهما إلا مخيلة الإنسان. هذا لا يعني فقط إن أميركا قادرة على التغيير، وعلى صنع نفسها كل يوم، بل يعني إن التغيير هو من ماهية الفكرة التي هي أميركا. ولذلك تمكن باراك أوباما وفي مدة زمنية لا تتجاوز السنة ونصف من تغيير أميركا، ومن جعل شعار " التغيير" قوة هائلة تصل به إلى الرئاسة . وهنا نود أن نسأل، ولماذا نحن العرب وفي مدة زمنية تتجاوز الستين سنة لم نتمكن من إحداث أي تغيير في أميركا وسياستها في الشرق الأوسط؟ الجواب عن هذا السؤال: هو انه بدل أن نثمر الوقت في إقناع أميركا، الدولة والشعب، بحقوقنا وبعدالة القضية الفلسطينية، أمضينا هذه السنين نثمر بالغضب والعنف والشعارات. إن الاعتقاد السائد في الشرق العربي ان أميركا لا تتغير هو خطأ كبير. والاعتقاد الثاني إن سياسة اميركا في الشرق لا يمكن تغييرها لأن اللوبي اليهودي لا يقهر هو خطأ أكبر. وهناك اعتقاد أكبر من الخطأ، انه خطيئة. وهو أن أميركا هي رأي واحد، مجتمع واحد، شعب واحد، وأن هذا الشعب بكليته ضد العرب. والحقيقة هي أن في الولايات المتحدة الأميركية الألوف من المواطنين والمفكرين والمثقفين والسياسيين الذين يدعمون قضايانا ويشاركون في آلامنا، ولكنه وبدل أن ندعم هؤلاء الأميركيين ونسوق أفكارهم في المجتمع الأميركي ذاته، أضعنا الوقت في توجيه التهم والشتائم للمجتمع الأميركي كله. وها نحن نأمل اليوم ان يكون العرب قد اقتنعوا بأنهم قادرون، إذا حزموا وأرادوا، على تغيير السياسة الأميركية. ونأمل أيضا أن يعتبر العرب مجيء الرئيس الجديد فرصة جديدة للعودة عن أخطائهم والتوبة عن خطاياهم. ولكي نتمكن من الإفادة من هذه الفرصة يجب أن نتعرف إلى الرجل وأن نتلمس المعالم الجديدة لسياسته. هذا ما نعتقده معالم هذه السياسة:
أولا : على عكس إدارة الرئيس بوش التي تؤمن بان القوة العسكرية هي الآلية الفضلى لحل النزاعات في العالم ، تؤمن هذه الإدارة بقوة الدبلوماسية وقوة الحوار والمفاوضات. إلا ان هذا لا يعني إطلاقا أنها لن تلجأ مطلقا إلى القوة العسكرية. ولكن من المؤكد أن استعمال هذه القوة سيكون في أسفل سلم الخيارات عندها. وكذلك على عكس إدارة بوش، تؤمن الإدارة الجديدة بان حل النزاعات في العالم ليس ممكنا إلا بالعمل والتعاون مع الدول الأخرى في العالم، وبالأخص مع الدول التي لا تعتبر حليفة للغرب، كروسيا والصين. ففي عهد الرئيس أوباما ستنتقل أميركا من عهد التفرد بزعامة العالم إلى عهد التعاون مع المجتمع الدولي. إن هذا الرئيس يعرف انه لن يتمكن من قيادة العالم الحر إن لم يتمكن من العمل مع العالم كله ومن أجل العالم كله.
ثانيا: سيكون المحور الأساسي لاهتمام الرئيس وإدارته وبالأخص في النصف الأول من ولايته الأزمة المالية. أما المحور الثاني فهو الحرب على الإرهاب. وفي هذا المضمار يختلف الرئيس أوباما جذريا عن الرئيس بوش. فالرئيس بوش كان يعتبر العراق ساحة الحرب ضد الإرهاب، أما أوباما فأنه يعتبر أن ساحة الحرب هذه هي أفغانستان. ذلك أن الذين أقدموا على العمليات الإرهابية في 9/11 جاؤوا من هناك وليس من العراق. لذلك سنرى انحسارا في الوجود العسكري الأميركي في العراق وازدياداً لهذا الحضور في أفغانستان. ولكنه مخطئ من يظن إن أوباما سيشن حربا في أفغانستان كالحرب في العراق . ففي اعتقادنا ان الحرب في أفغانستان ستكون حرباً ديبلوماسية واقتصادية أكثر منها عسكرية. فالرجل لا يؤمن بالقوة العسكرية كما يؤمن بقوة الديبلوماسية.
ثالثاًً : من دون أي شك سيكون الشرق الأوسط المحور الثالث. هذا الشرق الأوسط الممتد من تركيا إلى إسرائيل، إلى العالم العربي إلى إيران. هذا الشرق الأوسط الذي ينوء بالأزمات المتراكمة من القضية الفلسطينية إلى الصراع العربي-الإسرائيلي إلى القضية اللبنانية إلى العراق إلى سوريا وإلى الملف النووي في إيران . وتعرف هذه الإدارة ما لم تعرفه إدارة بوش، وهو انه ليس في الإمكان حل هذه الأزمات في الشرق العربي من دون الحل مع إيران. وتعرف أيضا ان الحل مع إيران لن يكون إلا من خلال آلية المفاوضات المكثفة، والحوار العميق، والديبلوماسية الذكية المدعومة بالعقوبات الاقتصادية. وكذلك تعرف هذه الإدارة شيئاً آخر لم تعرفه الإدارة السابقة، وهي أن الديبلوماسية إن لم تكن مدعومة من المجتمع الدولي ككل فلن تصل إلى الأهداف المنشودة. لذلك سيعمل الرئيس الجديد جاهداً لإغراء روسيا والصين بالتعاون معه في حل هذه المشكلة . والرئيس الجديد يعرف جيدا ان التعاون مع روسيا والصين ليس ضروريا لحل النزاع مع إيران فحسب بل أيضا لحل القضية المحورية في الشرق العربي وهي القضية الفلسطينية .
رابعاًً: وبينما تحتل الأزمة بين الغرب وإيران المرتبة الأولى من اهتمام أوباما في الشرق الأوسط، تحتل القضية الفلسطينية المرتبة الثانية. والهدف المعلن لهذه الإدارة هو الهدف ذاته للرئيس بوش وهو إنشاء دولتين. دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب. إلا أننا نأمل من الرئيس الجديد أن يتعلم من أخطاء الإدارات السابقة والعقبات التي كانت سببا في فشل جميع المحاولات لحل هذه القضية في السنوات الستين الاخيرة. من هذه العقبات إن أميركا كانت ولا تزال تريد الحل حلا أميركيا وترفض إشراك المجتمع الدولي. أما العقبة الثانية فهي أن أميركا لم تكن وسيطا عادلا في هذا النزاع. والعقبة الثالثة، هي أن الاسرائيلين والفلسطينيين لن يتمكنوا وحدهم من الوصول إلى حل نهائي. للوصول إلى هذا الحل، على المجتمع الدولي، بعد أن يكون الطرفان قد استهلكا قدرتهما على المفوضات، أن يتدخل ويفرض حلا ما. دون ذلك لن يكون هناك حل.
خامساً: وماذا عن لبنان؟ كان لبنان، بحد ذاته، على سلم الأولويات في إدارة الرئيس بوش. هذا لن يكون في إدارة الرئيس أوباما. هذه الإدارة تنظر إلى الأزمة اللبنانية على انها نتيجة للنزاعات الإقليمية. وسينصب الاهتمام على عملية فك الارتباط بين إيران وسوريا وإغراء سوريا باحتضانها من الغرب وذلك من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ألا أن هذه الإدارة ستدعم ولا شك الديموقراطية في لبنان، وستدعم لبنان السيد الحر المستقل. وأهم من ذلك أن هذه الإدارة ستكون حاضرة للحوار مع اللبنانيين، ولكن يبقى على اللبنانيين أن يتقنوا فن الحوار معها. وعلى عكس معظم الإدارات التي سبقتها، فهذه الإدارة مستعدة لصنع سياسات جديدة نتيجة للحوار. فهل نحن حاضرون للحوار؟ ولكي نكون حاضرين للحوار يجب ان نعرف ماذا نريد. ويجب أن يكون موقفنا من لبنان واحداً. هذا ليتكلم لبنان بصوت واحد. أما آن الأوان لجميع هؤلاء الذين ذهبوا الى خارج حدود أرضنا للتسلق إلى النفوذ والسلطة على حساب الوطن وكرامته، أن يعودوا؟ بل أن يتوبوا؟ أما آن لهم أن يعودوا إلى البيت، إلى لبنان، إلى لبناننا....
افتتاحية جريدة النهار - بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق