منشورات حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي 2007
حزب البعث العربي الاشتراكي
إنجازات نهضوية إستراتيجية في العراق بقيادة
صــدام حســين
من رمزيته في الثورة العربية
إلى رمزيته في الثورة العالميةالحلقة الاولى
شبكة البصرة
تنويه وشكر خاص إلى:
- أرشيف موقع المحرر الذي شكَّل مرجعاً أساسياً في الحصول على خطب الرئيس صدام حسين.
- موقعا البصرة ودورية العراق في الحصول على بعض الكتابات عن المشروع النهضوي، ومن أهمها:
1- مقال كتبه الباحث حمدان حمدان تحت عنوان (جزاء سنمار لمؤسس مشروع الحداثة في العراق).
2- مقال كتبه الدكتور فيصل الفهد تحت عنوان: (لأن ثورة تموز عظيمة استهدفها الأعداء).
3- كما استفدنا في صياغة فصل المشروع النهضوي بشكل أساسي من دراسة قيمة وضعها الدكتور سعد داوود قرياقوس تحت عنوان (ثورة 17- 30 تموز.. ثورة التحديات والانجازات الوطنية الكبرى)، كما وفَّر لنا مشكوراً بعض المعلومات من أرشيفه الخاص.
4- لقد حصلنا على معلومات أساسية عن المرحلة الثانية من المشروع النهضوي من كتاب (العراق: ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم): الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام في العراق في العام 1998. مما يدعونا للتنويه بالصديق الذي وفَّره لنا من مكتبته الخاصة.
إذا كانت المقدمة هي آخر ما يُكتب فهي أيضاً أول ما يُنشر.
ونحن نقدِّم للكتاب بآخر وقفة عزٍّ أنهى بها الرئيس الثائر الشهيد حياته، فظلَّ عظيماً، وكبيراً، وهذا ما دلَّت عليه مواقفه في آخر لحظات حياته:
لقطات من مواقفه قبل أن يلاقي وجه ربه:
ظل يحدق بالحاضرين في قاعة الاغتيال من دون ان تبدو عليه علامات الوجل، وقال ردّاً على أهازيج أطلقها بعض الحاقدين سبقت تنفيذ الحكم: «هيه هاي الرجوله؟».
وردَّد عبارات من بينها: عاش العراق، ويسقط الاميركيون والمجوس، وعاشت فلسطين، والحرية لشعب العراق المجاهد، والله أكبر والنصر للمقاومة، والخزي والعار لأعداء العراق.
وساد صمت، لم يغلق القائد عينيه، وهتف: «لا قرَّت أعين الجبناء... عاش العراق».
ثم تلا الشهادتين، وتقدم بهدوء الى المشنقة مرفوع الرأس بوجه مكشوف، بينما خاف الجبناء من كشف وجوهم الخبيثة السوداء.
تمهيد
قاصر هذا الكتاب بحجمه عن أن يُلمَّ بكل جوانب دور صدام حسين الذي لعبه أثناء قيادة الحزب والثورة في العراق، والسبب يعود إلى كثرة الإنجازات التي تحققت في شتى جوانب الفكر والنضال والبناء ومواجهة أعداء الأمة...
لكننا في ذكرى استشهاده ببطولة وإباء مع رفيقيه، برزان التكريتي وعواد البندر،
ووفاء له لأنه كان وفياً لأمته،
ووفاء لكل الشهداء الذين عبَّدوا طريق السيادة والكرامة أمام أمتهم،
ووفاء لحزبه الذي يخوض اليوم، جنباً إلى جنب كل الشرفاء في العراق، أشرس معارك المواجهة مع كل أعداء الأمة في معركة الحواسم،
ووفاء لكل من يقاتل الاحتلال الأميركي أينما دنَّست أقدامه سيادة الدول وكرامة الشعوب،
ولأن في تكريمه تكريماً لهم جميعاً،
كان لا بدَّ من أن نُضيء على دوره المميز في تحقيق الإنجازات النهضوية في العراق بإيجاز وتكثيف، الأمر الذي يعمِّق النظرة في الإضاءة على موقعه الفكري والنضالي في حزب البعث العربي الاشتراكي، والكشف عن حقيقة قيادته للسلطة وأهميتها، وهي الحقيقة التي يجب أن تعمِّق النظرة إلى شخصيته وإلى الانجازات الاستراتيجية التي حققها الحزب بقيادته. فكانت الغاية من الكتاب، الإضاءة على كل ذلك، من الزوايا التالية:
- صدام المفكر الذي تبوَّأ مسؤولياته، في السلطة والحزب، من موقعه كمفكر استراتيجي، وكمخطط سياسي استراتيجي أيضاً.
- صدام الرئيس الثوري الوطني الذي قاد السلطة في العراق، ومارسها باستراتيجية نهضوية ثورية، فوصل مع حزبه إلى وضع العراق على سكة التطور والنهضة والتجديد.
- صدام القائد القومي الذي قاد العراق باستراتيجية حزب البعث العربي الاشتراكي على أسس قومية عربية، فجعل من التجربة في العراق معلماً يثير مخاوف الذين تقوقعوا في أصداف النخبوية القطرية. ويثير أساساً مخاوف كل الذين يرون في الفكر القومي الوحدوي حاجزاً يحول دون تحقيق أطماعهم الخبيثة في الأمة العربية.
- صدام الثائر العالمي الذي واجه ترهيب الاستعمار والصهيونية وترغيبهما بالرفض والمواجهة السياسية، واختار طريق الدفاع عن سيادة أمته وكرامتها بالمقاومة العسكرية. وهو الذي أشرف على تأسيس المقاومة العراقية قبل الاحتلال وقادها من الخندق والأسر والاغتيال، فأنعش بدوره حركة التحرر العالمية، التي ظهرت أهم معالمها في دول أميركا اللاتينية.
ونحن نتمنى أن نكون قد أدينا الغرض مما أردنا أن يكون إسهاماً في الوفاء لقائد عظيم، نتمنى أيضاً أن يكون ما بدأنا به نواة لعمل أوسع وأشمل، لدراسة التجربة كونها أصبحت ملكاً للعراقيين والعرب وللشعوب التي تتوق إلى النهضة الحضارية والتحرر من الاستعمار والصهيونية.
27/ 1/ 2007
الفهرست
تمهيد في سيرته الذاتية
الفصل الأول: صدام حسين مفكرٌ قوميٌ استراتيجي
أولاً: منهجيته استراتيجية فكرياً وسياسياً
ثانياً: ثوابته الفكرية: لا تغيير من دون تحرير العقول فالسواعد
ثالثاً: رؤية صدام حسين لمستقبل العلاقات مع الثلاثي المعيق لتطور الأمة:
1-النظام العربي الرسمي.
2-النظام الدولي للرأسمالية العالمية، الصهيونية.
3-الإقليم المجاور للوطن العربي وخاصة النظام الإيراني.
الفصل الثاني: مواجهة الأحداث الكبرى:
أولاً: الحرب العدوانية الإيرانية ضد العراق.
ثانياً: «أم المعارك» استئناف لـ«لقادسية الثانية»
ثالثاً: «معركة الحواسم» في آذار من العام 2003
الفصل الثالث: ملامح من المشروع النهضوي في العراق
أولاً: مقدمات تمهيدية فكرية وسياسية:
1-ثوابت المشروع النهضوي الفكرية والسياسية
2-نظرة سريعة ومكثَّفة على المشروع النهضوي
ثانياً: المرحلة الأولى (1968 – 1980)
1-الاهداف التنموية لثورة 17-30 تموز 1968:
2-تأميم النفط
3-بواكير خيرات التأميم تأسيس البنى التحتية النفطية
4-في تأسيس البُنية المعرفية:
أ-بناء مؤسسات البحث العلمي:
ب-التوسع الكبير في تعليم الشعب وتطوير قدراته.
ج- تعزيز دور المرأة.
د-النهضة الفنية.
5-ثورة في القطاع الصناعي وتنميته
أ-أهداف خطة التنمية الصناعية
ب-استراتيجية التصنيع في العراق
ج-الانجازات الصناعية – القطاع العام
د-أهم المشاريع الصناعية المنجزة
6-التطور الزراعي بعد ثورة 17 - 30 تموز
أ-أهداف خطة التنمية الزراعية
ب-المنجزات الزراعية لثورة 17- 30 تموز
7-في البنى التحتية الأخرى
أ-البنية العسكرية:
ب-المرافق الحيوية:
ج-الخدمات العامة:
8-استثمار العلاقات الاقتصادية الخارجية لدعم قضايا الأمة العادلة.
ثالثاً: المرحلة الثانية من المشروع (1980- 1991).
1-الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد الوطني:
2-مؤشرات قطاعية
3-النقل والمواصلات
4-خدمات التربية والتعليم
5-الخدمات الصحية والاجتماعية
6-السدود والأنهر
7-استراتيجية الدفاع عن الوطن
- خاتمة
تقديم
بشهادتك يا أبا الشهداء ازددت شموخاً
بشهادتك انتصرت الكرامة على جيوش الاحتلال
يوم عزٍّ آخر يطل على العراق والأمة العربية، صبيحة عيد الأضحى المبارك، في العاشر من ذي الحجة 1427هـ، الثلاثين من شهر كانون الأول من العام 2006م.
يوم عزٍّ في تاريخ الأمة،
يوم عزٍّ لا يفقهه إلاَّ أصحاب الكرامة من الذين نذروا أنفسهم في سبيل أمتهم منذ الشهقة الأولى حتى الرمق الأخير,
يوم عزٍّ لا يفقهه إلاَّ المؤمنون، رفاق صدام حسين
يوم عزٍّ لا يفقهه إلاَّ المقاومون على أرض الرافدين، وعلى كل ساحة عربية تشتعل فيها نار المقاومة.
ولا يفقهه إلاَّ أصحاب الكرامة من الصادقين في محبة أمتهم، والمدافعين عن سيادتها.
يوم العز هذا سطَّر أحرفه بالشهادة العظمى صبيحة هذا اليوم الرئيس صدام حسين، رئيس جمهورية العراق، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي .
أيها الشعب العربي العظيم
أيها المقاومون في كل أنحاء الأمة وأقطارها
أيها الرفاق في المقاومة العراقية البطلة
يا رفاق الشهيد
لقد رسم صدام حسين لكم خط البداية والنهاية، خط مقاومة الاستعمار والصهيونية، خط مواجهة الخونة وفضحهم، ومواجهة الذين ارتكبوا فعل الخيانة العظمى، خط مواجهة المتقاعسين والساكتين عن استباحة كراماتهم، خط الشهادة حتى تحقيق النصر.
لقد رسم صدام حسين بشهادته سقف الانتماء إلى هذه الأمة العظيمة ومبادئها.
لقد حذا الرئيس الشهيد خط من سبقه من قادة الأمة وعظمائها التاريخيين، ولم ترهبه كما لم ترهبهم كثرة العدو، ليقينهم بأن المؤمنين منتصرون لا محالة إذا أمسكوا إيمانهم بأيديهم، ورهنوا حياتهم في سبيل مبادئهم حتى الشهادة، وأنت آمنت أيها الشهيد القائد بمبدأ «إما النصر وإما الشهادة».
لقد حذا الرئيس الشهيد، حتى آخر لحظة من حياته، خط وحدة العراق والعراقيين في مواجهة الانفصال والانفصاليين، ودعا في رسالته الأخيرة إلى اجتماع العراق بجناحيه، بل أجنحته كلها، لمواجهة الاحتلال والعدوان، وليس لأي شيء آخر قبلهما.
لقد دعا إلى التحام العراقيين على خط المقاومة، ودعا المقاومين إلى الاستمرار فيها، لأنه ليس هناك انتصار من دونها. دعاهم وقد رسم لهم ذلك بدمه ودماء فلذات كبده، ولبَّى رفاقه في الخندق النداء وهم مستمرون، وثابتون.
أيها المقاومون على أرض الرافدين
أيها الشعب العربي العظيم
أيها المؤمنون في كل مكان
لقد راهن الاحتلال الأميركي، منذ أسر صدام حسين في 15/ 12/ 2003، على أن الأسر سوف يدفع المقاومة العراقية إلى موقع الضعف، والاضمحلال، فازدادت أواراً واشتعالاً، وراح العدو المحتل يئن من كثرة الجراح.
وراهن على أن الحكم بإعدامه سيدفعه إلى الاستسلام، ويدفع المقاومة للرضوخ إلى شروط الاحتلال، وجرها إلى طاولة المساومة، فرفضت المقاومة وقائدها وثبتا على أنهما لن يتنازلا عن شبر واحد من أرض العراق، مباشرة أو مداورة.
إن الاحتلال يراهن اليوم على الغاية ذاتها، إلاَّ أن ردَّ المقاومة كان أسرع مما يتصورون، فقد أعلنت أنها لا ولن ترضخ، بل عقدت العزم على الاستمرار بزخم أقوى وعزيمة أشد، وهي تُنزل بالعدو المحتل الخسائر الفادحة، وتوعَّدت بأن ضرباتها القادمة ستكون أكثر إيلاماً.
أما سر رهان الاحتلال فلأنه يحسب أن المقاومة فرد، وهذا الفرد هو صدام حسين، حينما يغيِّبه ينهي معه المقاومة، ولكنه تغافل، كما هي عادته دائماً، أن المقاومة مؤسسة، كما الحزب الذي قاده صدام حسين مؤسسة أيضاَ، يغيب عنها فرد أو أفراد ولكنها تمتلك مخزوناً لا ينتهي ممن يسلكون طريق المبادئ التي آمن بها قائدهم.
لقد سلك صدام حسين طريق الشهادة.
وصمَّمت المقاومة، بإرادة كل المقاومين وإيمانهم منذ انطلاقتها، على الاستمرار. فكلما هوى مقاوم، يحمل بندقيته مقاومون.
أما الاحتلال الأميركي وعملاؤه وشلة الخونة من الصفويين الشعوبيين الذين استقطبهم، وأمرهم بتوقيع الحكم بإعدام صدام حسين ورفاقه، ونفَّذوه بكل خسة الخونة ودناءتهم، فسينالون عقابهم، وليس ذلك اليوم ببعيد.
أيها الشهيد القائد
ستبقى شامخاً، وستبقى قائداً، برمزيتك ومبادئك، وستبقى رؤوسنا شامخة بأمثالك، وهذا هو خط البعث الذي سلكته، وهو الخط الذي على هديه سائرون.
سيبقى دمك وقوداً تستمد منه المقاومة مخزونها الثوري، وسيبقى ماثلاً في زنود الثوار. وستبقى الرمز الأكبر، والنقطة الكبرى المضيئة ليس في تاريخ العراق والأمة العربية فحسب، بل في تاريخ المقاومة العالمية في كل مكان أيضاً.
أيها الشهيد القائد
ستبقى أمثولتك درساً مخيفاً لكل من تسوِّل له النفس في العدوان على الأمة، وستبقى الشبح الذي يرهب المسؤولين عن الاحتلال ويؤرق مضاجعهم، ولا يستثني المنسقين معه، والمتواطئين، هذا بالإضافة إلى عملائه والخونة في هذه الأمة. فلهم جولة ولروح المقاومة العربية جولات.
وكانت أمثولتك في الشهادة خط البداية للبعثيين، وستبقى لهم خط المواصلة والاستمرار على درب تحقيق الأهداف والاستشهاد.
وستبقى نار المقاومة مستعرة حتى تطهير العراق من دنس كل محتل خبيث، وكل خائن لئيم.
كما ستبقى نار المقاومة جاهزة للاشتعال في كل قطر عربي يتعرَّض للعدوان والاحتلال.
وإنه عهد الثورة حتى النصر والتحرير
حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
في 30/ 12/ 2006
تمهيد في سيرته الذاتية
وُلد صدام حسين عبد المجيد التكريتي بتاريخ (
28 ابريل،
1937)، في قرية
العوجة التابعة لمحافظة
صلاح الدين لعائلة تمتهن الزراعة. توفي والده قبل ولادته بخمسة شهور. وقام خاله،
خير الله طلفاح، برعايته حينئذ. وانتقل للعيش معه في بغداد عام 1947.
تزوجت أمه للمرة الثانية إبراهيم الحسن وأنجبت له ثلاثة أخوة. في سن العاشرة، انتقل الى العاصمة
بغداد حيث قام بالعيش مع خاله. لاحقاً وبتوجيهٍ من خاله، التحق صدام بثانوية الكرخ الوطنية في
بغداد.
وفي سن العشرين، أي في العام
1957، ارتبط بحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان يعمل سراً في تلك الفترة في العراق.
بعد عام من انضمامه شارك حزب البعث بثورة 14 تموز من العام 1958، التي تمكنت من الإطاحة بالنظام الملكي القائم. ومن بعدها استأثر الشيوعيون بالسلطة بالتعاون مع رئيس الوزراء
عبد الكريم قاسم. ونكَّلوا بالبعثيين أيما تنكيل. ومن جراء ما لحق بالبعثيين، حاولوا في العام
1959اغتيال
عبد الكريم قاسم، وكان صدام حسين مشاركاً فيها، ولكن قاسم نجا. وفي المحاولة أصيب صدام حسين بطلق ناري في ساقه، فلجأ إلى
سوريا ومنها الى
القاهرة. وفيها تابع الدراسة الثانوية بمدرسة قصر النيل، منذ العام 1959 حتى تخرجه منها في العام 1961، وانتسب إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة حتى العام 1963، حيث أكمل دراسته لاحقاً في جامعة بغداد. وقضى حياة النفي السياسي، منشغلا بالأحداث التي تدور في بلده، وكان يتقاضى مرتباً بسيطاً تصرفه له حكومة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا آنذاك). في تلك الأثناء كثف نشاطه في فرع الحزب بالقاهرة، وانتخبه زملاؤه عضوا في اللجنة القيادية لهذا الفرع.
لكنه عاد إلى العراق بعد أن تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة، في العام 1963، إلا أنه سُجن بعد تسعة أشهر عندما انقلب عبد السلام عارف، الذي كان رئيساً للجمهورية، على الحزب وأبعده عن السلطة.
تمكن صدام حسين من الهرب من السجن في العام 1966، وانتخب عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث، الذي تمكن في العام 1968 من تفجير ثورة 17 – 30 تموز. وما لبث أن تولى رسمياً منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في كانون الثاني من العام 1969. وفي 17 تموز من العام 1979 تبوأ منصب رئاسة الجمهورية وأمانة سر قيادة الحزب بعد استقالة الرفيق أحمد حسن البكر بسبب حالته الصحية.
كان صدام حسين طوال وجوده في السلطة يعمل من 14 إلى 16 ساعة يومياً. ومن بين أهم الأعمال التي لاقت ترحيباً من العامة في بداية توليه السلطة الإفراج عن آلاف المعتقلين، وقال كلمة في المناسبة، جاء فيها: «إن القانون فوق الجميع، وإن اعتقال الناس دون إعمال القانون لن يحدث ثانية أبدا»!!
وعمد صدام حسين إلى التقرب للشعب العراقي حتى وصفه أحد المعارضين الكبار بقوله: «لقد أبدى صدام تفهمًا حقيقيًا لأحوال الناس البسطاء أكثر من أي زعيم آخر في تاريخ العراق».
وطوال فترة مسؤولياته في السلطة حصلت أبرز الإنجازات التالية:
-تأميم شركة نفط العراق (I.P.C) التي كانت تستغل ثروات العراق الطبيعية، في الوقت الذي كان فيه العراق مديوناً وفقيراً: ففي
الأول من حزيران
1972، قاد صدام حسين عملية تأميم شركات النفط الغربية، التي كانت تحتكر نفط
العراق. وفي 1/ 3/ 1973، انتصرت الثورة في معركة التأميم، واستطاع الحزب متابعة خططه الطموحة بتطوير العراق بعائدات النفط الكبيرة بعد التأميم الخالد. وبفترة لا تتجاوز عدة سنوات، قدمت الدولة الكثير من الخدمات الاجتماعية للعراقيين ، الأمر الذي كان غير مسبوق في أقطار الأمة العربية، وفي دول
الشرق الأوسط الأخرى. وتابع النظام الذي قاده الحزب في العراق «الحملة الوطنية لمحو الأمية» وحملة «التعليم الإلزامي والمجاني في العراق» لمختلف المراحل الدراسية. وتحت رعايته، أنشأت الحكومة مؤسسات التعليم الكلي المجاني، حتى أعلى المستويات العلمية؛ وتعلم ملايين العراقيين القراءة في السنوات التي تلت إطلاق تلك البرامج. كما دعمت الحكومة عائلات الجنود، ووفرت العناية الصحية المجانية للجميع، ووفرت المعونات المالية للمزارعين. وأنشأ العراق واحداً من أفضل عشرة أنظمة للصحة العامة في
الشرق الأوسط والعالم. وفي 11 آذار من العام 1973، حصل العراق، من الـ(UNESCO)، على الجائزة العلمية والثقافية.
وكان الحزب، في أثناء نيابة صدام حسين للرئاسة، قد تفاوض ووصل إلى إصدار بيان 11 آذار 1970، مع
الأكراد، منحهم فيه حكماً ذاتياً لم يحصلوا على مثيله من الدول المجاورة الأخرى التي ينتشر فيها أكراد. ولكن الاتفاق تعرَّض، في آذار من العام 1974، لمحاولات تأجيل وتخريب بفعل تحريض من شاه إيران، ودعم من الأميركيين. في حينه تمرَّد الأكراد في الشمال، وكانت النتيجة قتالاً قاسياً بين الحكومة العراقية والجماعات الكردية الانفصالية المسلَّحة. وقد دفع الصراع الحكومة العراقية إلى طاولة المفاوضات مع إيران في آذار من العام 1975 توصَّل فيها الطرفان الى إعلان اتفاقية الجزائر التي اشتملت على تنازلات بخصوص الخلاف الحدودي، وتوافقا على تقاسم السيطرة على شط العرب، الممر المائي الواقع جنوبي العراق وجنوب غربي إيران، مقابل ذلك أوقف شاه إيران تقديم الدعم المادي والعسكري للأكراد في شمال العراق الأمر الذي مكَّن الحكومة العراقية من إخماد الأعمال الانفصالية الكردية.
- حقَّق الحزب قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية في 16/ 7/ 1973، بالتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الديموقراطي الكردستاني، وشخصيات قومية وديموقراطية، وبها حقَّق أول تعددية سياسية في المنطقة.
- سعى الحزب، بقيادة صدام حسين، إلى أن يلعب العراق دوراً ريادياً في
الشرق الأوسط. ففي العام 1972، وفي أوج ذروة الحرب الباردة، عقد العراق معاهدة تعاون وصداقة أمدها 15 عاما مع الاتحاد السوفيتي. وبموجبها حصل العراق على أسلحة وعدة آلاف من الخبراء. وكذلك حصل على دعم سياسي واقتصادي من الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية السابقة.
-
وثَّق علاقات العراق مع فرنسا منذ التأميم، في العام 1972، مؤسساً لعلاقات اقتصادية وطيدة معها.
- لعب دوراً مهماً ضد اتفاقيات
كامب ديفيد بين
مصر و«إسرائيل»، عبر عقد قمة بغداد في العام 1978، التي عزلت نظام أنور السادات.
- أطلق مشروع التقدم النووي العراقي في السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بدعم فرنسي. وبنى الفرنسيون في حينه أول مفاعل نووي عراقي. وتم تدميره بعدوان جوي «إسرائيلي»، في 7 حزيران من العام 1981، خوفاً من محاولة
العراق إنتاج مواد نووية تسليحية. وتجدر الإشارة الى أن ذلك العدوان حصل في أثناء انشغال العراق برد العدوان الإيراني على أراضيه وسيادته الوطنية.
-ومنذ العام 1980 بدأ العراق يتعرَّض لسلسلة من الاعتداءات قادتها أطراف طامعة في احتلاله، أو تغيير النظام السياسي فيه، ليس لمآرب معادية للعراق فحسب، بل لأغراض تستهدف الأمة العربية بكاملها، فكراً وسياسة واقتصاداً. وقد أفردنا الفصل الثاني من هذا الكتاب لإلقاء الضوء المكثَّف على أهدافها ووسائل مواجهتها.
- كان من أهم إنجازات الثورة تعميق الهوية الوطنية العراقية ومبادؤها القائمة على المساواة بين مكونات الشعب، واعتبار الوحدة الوطنية سنداً للوحدة القومية العربية. وقد تمثَّلت تلك الإنجازات من خلال تعزيز دور المرأة، وضمان حقوقها ومساواتها بالرجل باعتبارها عنصراً أساسياً في عملية التنمية الشاملة. وكان الوجه الآخر لتلك المبادئ هو ضمان حقوق الأقليات كلها، من دون أي استثناء، وإشاعة التسامح والتعايش بين شتى التعدديات العرقية والدينية.
- بناء المجتمع المدني على أسس ديموقراطية تبتدئ بالمشاركة الشعبية في صنع القرار وتنفيذه، وتمر عبر تعزيز دور الاتحادات والمنظمات المهنية والنقابية، وصولاً الى تكريس الممارسة الديموقراطية البرلمانية وتطويرها.
- كانت قيادة الثورة ترى، استناداً الى استراتيجية حزب البعث الفكرية والسياسية، أن من مهماتها أن تؤطر أوسع حالة اعتراض ومواجهة ضد الاستعمار والصهيونية، وهذا ما دفعها إلى دعم حركات التحرر الوطني في مختلف أنحاء العالم، ومساندة حركة عدم الانحياز، والتعاون بين الدول والشعوب على أساس التكافؤ والاحترام والمصالح المتبادلة، والتفاعل والحوار بين الحضارات لبناء عالم آمن وخالٍ من الجشع والاستغلال الرأسمالي، بما يحمل من أطماع في الهيمنة على الشعوب ومقدراتها.
ولأن العدوان الأخير، في آذار من العام 2003، الذي كانت نتائجه احتلال العراق، أصبحت أهدافه بالوضوح الكافي كونه معاصراً، ولا يزال يشهد فصولاً، يكفي أن نشير إلي دور صدام حسين في الإعداد لمواجهته على قاعدة الكفاح الشعبي المسلّح، الذي أثبت نجاحه بكفاءة عالية، أرغمت إدارة بوش، التي خططت له ونفذَّته، الى التراجع عن زعمها السابق بالنصر، والاعتراف بصعوبة تحقيقه، وهي حريصة في أية استراتيجية ستضعها للمراحل اللاحقة على أن لا تُظهر أن جيش الولايات المتحدة الأميركية خرج مهزوماً من العراق.
بتاريخ 30/ 12/ 2006، وفي صبيحة عيد الأضحى المبارك، استشهد القائد صدام حسين اغتيالاً، استناداً إلى حكم بالإعدام، أمر به الاحتلال الأميركي، وأصدرته محكمة غير شرعية بكل المقاييس، ونفَّذته زمر عميلة حاقدة.
