يقول الله العلي القدير في مُحكم كتابهِ الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
((بل نقذفُ بالحقَّ على الباطل فيدمغهُ فإذا هو زاهق))
صدق الله العظيم
الاسم: موفق جاسم العاني
مكان العمل: وزارة الخارجية العراقية (الشرعية)
الدرجة الوظيفية: ســــــفــيــر
الموقع الوظيفي: مدير قسم العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وكندا واليابان واستراليا ونيوزيلاندا، ضمن الدائرة السياسية الأولى، في عام 1988 أي بنفس سنة المذبحة.
السفير موفق جاسم العاني، كانَ المسؤول الأول عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي حصلت فيهِ مجزرة حلبجة، وكان مسؤولاً مباشراً عن مُتابعة الموضوع، وحسبَ الرسالة التي تفضّلَ مشكوراً بارسالها لي طالباً نشرها من خلالي كوني بدأت الموضوع من الناحية العسكرية ويجب أن يُختم من الناحية السياسية، سأترككم أخواني القُراء مع المعلومات الواردة في رسالة السفير موفق جاسم العاني.
حلبجة والمُجرم المُغيَّب
شهادة السفير موفق جاسم العاني
أعجبني مقال الاستاذ طالب العسل الموسوم (هل حلبجة جرح نازف ام ورقة لعب رابحة ؟) وكذلك مقالا الكاتب رافد العزاوي (شهادات وملاحظات مهمة بشأن حلبجة وتحرير أربيل!) ومن ثم (حقائق تفصيلية في مذبحة حلبجة)، بشأن حادثة حلبجة التي راحَ ضحيتُها أُناس أبرياء ليسَ لهُم ذنب سوى إنهم تواجدوا في ساحة معركة لم يختاروها.
وتصديقاً لما جاءَ بالمقالات التي بناها الكاتبان بشكل يَنّمُ عن البحث العلمي وبمصداقية موثّقة، أودُّ ان أقول بأنني كنتُ شاهداً (ليسَ على الحَدث وانما على ما تلى الحَدث) من تحقيقات بإعتباري كنتُ مُديراً لـقسم العلاقات مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان واستراليا ونيوزيلاندا في وزارة الخارجية انذاك؛ ففي اواخر شهر أبريل/ نيسان 1988، تسلّمتُ مُذكّرة مِن سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد السيدة (أبريل غلاسبي) تُفيد إنَّ وفداً مِن مُساعدي أعضاء في الكونغرس الأمريكي ومجموعة من الخُبراء يَودّونَ زيارة العراق لإجراء مُباحثات حولَ إدعاءات ايران والاحزاب الكردية العراقية عن إستعمال العراق للاسلحة الكيمياوية ضدَّ اهالي مدينة حلبجة العراقية، أثناء معارك دارت بين القوات العراقية والقوات الايرانية على اطراف المدينة.
حلبجة والمفتشون الدوليون، شهادة حق جديدة
وحصلت الموافقة على مَجيء الوفد الأمريكي مِن قِبل رئاسة الجمهورية، وقد كانت الموافقة مَبنّية على أساس ((براءة العراق من هذا العمل الإجرامي)) بعدما بدأت اصوات تعلوا هنا وهناك، وخاصةً من بعض منظمات حقوق الانسان وبعض الصُحف (المدفوع لها) لإثارة القضية دولياً، وكان رأي القيادة السياسية [أن تأتي جهة دولية مُحايدة للتحقيق بالامر لتضع الامور في نصابها]؛
وقد حضرَ الوفد الأمريكي في حوالي النصف الثاني من شهر مايو/ آيار 1988، حيثُ قمتُ بإعداد برنامج واسع للزيارة يتضمّن:
· إجراء مُقابلات مع المسؤولين العراقيين في الجانبين السياسي والعسكري.
· زيارة ميدانية للوفد الى مدينة حلبجة للاطلاع على المدينة (موقعياً).
الجدير بالذكر إن الوفد الأمريكي ضمَّ اكثر من 40 عضواً (!!) من بينهم خُبراء من وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ (CIA) وبعض المُختصين في شؤون الاسلحة الكيمياوية.
وقد يسأل سائل: [كيف يُسمح لعناصر من الـ CIA أن يكونوا ضمن الوفد؟ ]فأُجيبُ على هذا السؤال: [بأن هذهِ العناصر جاءت تحت غطاء مُساعدين لأعضاء الكونغرس الأمريكي] وليسَ بصفتهم الحقيقية كخُبراء من الـCIA، ولكن الاخوة الذين رافقونا من مُنتسبي جهاز المخابرات العراقي، وضعوا الوفد تحت المُراقبة اثناء الزيارة، كما ارسلوا مُنتسبين آخرين يتحدثون اللغتين الكردية والانكليزية الى المدينة قبلَ يوم من الزيارة، ويلبسون الزي الكردي ليقوموا بالترجمة لمقابلات اعضاء الوفد مع اهالي المدينة، وهؤلاء المُنتسبين الأبطال استنتجوا من خلال طبيعة الاسئلة الموجّهة لأهالي المدينة مَن مِن أعضاء الوفد الأمريكي كان يعمل في الـــــCIA ومَن مِنهم مِن الخُبراء العلميين في الاسلحة الكيمياوية.
وفعلاً، ذهبنا بحافلة سياحية وبصحبتنا ضابط كبير من مديرية الاستخبارات العسكرية العامة، وهناك بدأ الخبراء بجمع المعلومات واخذ العينات من التُربة، الماء، الاشجار، الهواء، ملابس بعض الاهالي، ومسحات من جُدران بيوت المدينة، كما تمَ الاستفسار من بعض الناجين عن الكثير مِن الامور والاعراض التي ظهرت على اهل المدينة اثناء الحادث وما تلى الحادث، ثم عادَ الوفد الى الولايات المتحدة.
وقد تابعنا مع سفارتنا في واشنطن نتائج الزيارة والتقارير التي قد يُقدّمها الوفد الى الجهات الامريكية المعنية، وكذلكَ الكونغرس الأمريكي، وبعد اكثر من شهرين من الزيارة، أي بعد ظهور نتائج تحليلات المختبرات العلمية المتخصّصة، تقدّمَ الوفد بتقريرهِ الى الكونغرس والذي أكّدَ فيهِ:
[إنَّ التحليلات المُختبرية أظهرت ان السلاح الكيمياوي المستعمل في معركة حلبجة هو((هيدروجين السيانيد)) والذي تمتلكهُ الترسانة العسكرية الايرانية، وان المعلومات المتوفرة لدى دوائر الاستخبارات الامريكية تؤكّد إنَّ العراق لم يشتر هذا النوع من السلاح ولم يستطع أن يُنتج هذا النوع من السلاح].
وهذا التقرير موجود في ارشيف الكونغرس الأمريكي الى يومنا هذا.
وقد جرى تحقيق ثانٍ بالموضوع أجرتهُ لجنة من الكلية العسكرية الامريكية، بتكليف من وزارة الدفاع الامريكية لوضع دراسة إستراتيجية موضوعها (كيفَ سيُقاتل العراقيون الولايات المتحدة)، وقد ترأس تلك اللجنة البروفسور ستيفن بيليتر Stephen Pelletiere
وهو نفس الشخص الذي كان يُلقي محاضرة في الفيلم المشار اليه في مقالة الأخ رافد العزاوي؛ حيث قدّمت هذهِ اللجنة تقريراً مؤلفاً مِن 93 صفحة، يؤكد إن الجيش العراقي لم يكن يملك غاز ((هيدروجين السيانيد)) الذي ضُربت به حلبجة.
وقد كتبَ رئيس اللجنة البروفيســــور Stephen Pelletiere مقالاً في جريدة نيويورك تايمز بتاريخ 31/1/2003 تحت عنوان (جريمة حرب أم عمل حربي)، ونص المقال موجود في موقع الجريدة على شبكة الانترنت على الرابط التالي:
حيثُ قال البروفيســــور (Stephen Pelletiere):
]لقد كانَ مَدعاةً للدهشة، بعد عدم العثور على برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية مِن قبل مُفتشي الامم المتحدة، إستغلال الرئيس بوش، في خطابهِ للامة، قضية أخلاقية لتبرير غزوهِ للعراق، بحجة إن الدكتاتور الذي يُحشّد أكثر الاسلحة خطورة في العالم، لم يتوان في استخدام الغاز ضد شعبهِ مُخلفاً آلاف القتلى من المدنيين! إن استخدام الرئيس بوش عبارة (استخدام الغاز ضد شعبه) وخاصة في حلبجة كسبب لقلب نظام حكم صدام حسين، غير مبرر وغير حقيقي، الحقيقة كما أعلمها علم اليقين، إن الاكراد تعرّضوا الى هجوم بالاسلحة الكيمياوية في يوم 16/3/1988 في حلبجة، ولا يمكن القول بشكل قاطع أن الاسلحة الكيمياوية العراقية هي التي قتلت الاكراد، وهذا ليس هو التحريف أو التشويه الوحيد في قصة حلبجة، حيثُ أنني مطلع وأعلم جيدا،(والكلام مازال للبروفيسورStephen Pelletiere) من خلال موقعي كمحلل سياسي للمخابرات المركزية الامريكية في شؤون العراق خلال الحرب العراقية الايرانية وكبروفيسور في الكلية الحربية العسكرية الامريكية للفترة (1998-2000). ومن خلال إطلاعي على كم هائل من المعلومات البالغة السرية المُصنّفة التي كانت تَرِد من واشنطن حــول (الخليج الفارسي)، بالاضافة الى ذلك، ترأسي للجنة عسكرية عام 1990 لبحث (كيفَ سيقاتل العراقيون الولايات المتحدة)، وشاركت في إعداد تقرير سري مُفصّل عن الموضوع ، يحتوي على تفاصيل كثيرة عن موضوع حلبجة، ومن خلال الكم الهائل من المعلومات المتوفرة لدي عن حلبجة يمكنني الافصاح عن أنه بعد المعركة مباشرة قامت الاستخبارات العسكرية الامريكية بالتحقيق في الموضوع وقدمت تقريراً سرياً للغاية ومحدود التداول على أساس (Need-to-Know Basis)، أكدت فيهِ على أن الغازات التي استخدمتها ايران هي التي قتلت الاكراد في حلبجة وليس الغازات العراقية. كما كشفت ، أن كِلا الطرفين استخدما السلاح الكيماوي في المعركة التي دارت في أطراف حلبجة، ولدى فحص وإجراء الكشوفات الطبية على الضحايا الاكراد وجدَ مُعدّوا تقرير الاستخبارات العسكرية الامريكية، أن الضحايا جميعا قتلوا بعوامل كيماوية تؤثر بالدم (Blood Agent) وهي من مشتقات غـــــاز السيانيد Syanide Gas)). وكان معروفا لدى الخبراء ان هذا الغاز استخدمتهُ ايران مرات عدة خلال الحرب. وكان معروفاً أيضا للمُختصين أن العراق لم ينتج ولا يمتلك هذا النوع من الغاز ولم يستخدمه في السابق.[!
ويختم البروفيسور (Stephen Pelletiere) مقالهُ بالقول:
)(أنني لا أريد أن أُحسّن صورة صدام حسين، وعليهِ أن يُجيبَ على أسئلة كثيرة عن خروقاتهِ لحقوق الانسان، ولكن إتهامهُ بأنهُ قصفَ شعبهُ بالغازات السامة في حلبجة، كفعل من أفعال الابادة، غير حقيقي وباطل)).
انتهى حديث البروفيسور (Stephen Pelletiere)
والسؤال هنا:
....
لماذا يُتداول موضوع حلبجة اعلامياً وسياسياً، الى يومنا هذا، على أنهُ من فِعل الجيش العراقي الباسل دون ان يكشفَ عن حقيقة المُجرِم المُغيَّب عمداً؟
والاجابة هي: إن من سياسة الولايات المتحدة المنهجية هي استعمال مثل هذه الاحداث (كأوراق سياسية واعلامية ضاغطة) وحسبَ تطور او تدهور العلاقة السياسية مع هذا البلد اوذاك، وتَحضرني هنا قصة من هذا النوع من السياسة أودُّ ذكرها هنا كدليل على استعمال الادارات الامريكية اوراقاً سياسية تقلب فيها الحقائق من الاسود الى الابيض وبالعكس وتوجّه ماكينتها الاعلامية لتنفيذ هذا الهدف.
والحدث يعود الى عام 1984 عندما ألحَّ الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، ولثلاث مرات عِبرَ موفديهِ الى العراق، بأن يُبادرالعراق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين باعتبار إنَّ العراق هوَ الذي بادرَ بقطع العلاقات الدبلوماسية ابان حرب 1967، وبعد تردُّد في القيادة السياسية عن القيام بهذهِ الخطوة، كي لاتُحسب على العراق "ضعفاً" في ظروف الحرب مع ايران، تمَّ إتخاذ الخطوة بعد حوالي اربع سنوات على بدء الحرب؛ وبعد الاتفاق المبدئي، زارَ الاستاذ طارق عزيز (فك الله أسرهُ) واشنطن حيثُ كنتُ اعمل في شعبة رعاية المصالح العراقية هُناك، ودخلَ في مُباحثات مع وزير الخارجية انذاك، جورج شولتز، وتمَّ الاتفاق على إعلان إعادة العلاقات بينَ البلدين، وحُدّدِ التاريخ الزمني لرفع علمي البلدين على مَبنيي السفارتين العراقية في واشنطن والامريكية ببغداد بنفس التوقيت، الا إننا فوجئنا بالتأجيل بسبب إدراج العراق على لائحة الدول الراعية للارهاب في كُلٍّ مِن وزارة الخارجية والكونغرس، وخلال 24 ساعة صدرَ قرار بموجبهِ رُفِعَ اسم العراق من اللائحتين! لتتم إجراءات اعادة العلاقات بتأخير يوم واحد فقط بعد أن كان العراق على تلك اللائحة لمدة 17 سنة كاملة !! وهذا مِثال واضح عن كيفية استعمال هذهِ الاوراق سلباً او إيجاباً.
ويبقى ان نقول ان الحقيقة الناصعة ستظهر ولو بعد حين، و لنا أمل في ظهور رجال قد يستيقظ ضميرهم لكشفها او ننتظر إفراجات الارشيفين الامريكي والبريطاني خلال بضع سنين قادمة.
السفير
موفق جاسم العاني
شهادة اللواء المهندس حسام محمد أمين*
هناك سؤال لابد ان يخطر على بال أي منصف وباحث عن حقيقة ماجرى في حلبجة عام 1988... وماحدث كان جريمة بشعة وقتل جماعي لمواطنين عراقيين آمنين هم وأطفالهم وعوائلهم، والسؤال، على بساطته، لايحضر لدى تفكير الكثير من المتتبعين لهذه القضية التي كثر الحديث عنها مؤخراً، بعد ان ظهرت الكثير من الحقائق التي كانت مصادرها غربية ومن الدرجة الاولى والتي أكدت بأن ايران هي التي كانت من ارتكبت تلك الجريمة التي يندى لها الجبين .
هذا السؤال هو :
ماهي استناجات فرق التفتيش التابعة للامم المتحدة التي عملت في العراق طويلاً لتنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الجائر المرقم 687 لعام 1991 حول قضية حلبجة؟ ولماذا سكتت هذه الفرق ذات الطبيعة العدوانية والاستخباراتية والتي كانت تهيمن عليها وتوجهها الولايات المتحدة الامريكية ومخابراتها المركزية طيلة فترة عملها التي امتدت منذ عام 1991 وحتى قبل يوم واحد فقط من بدء العدوان العسكري الامريكي عام 2003 الذي أدى الى احتلال العراق وتدميره؟ ولماذا لم تقم فرق التفتيش حتى بزيارة مدينة حلبجة علماً بأنها كانت تقوم بين فترة واخرى، وبمرافقة منتسبي دائرة الرقابة الوطنية، بزيارة مواقع مختلفة في شمال العراق كالجامعات والمواقع الصحية، وغيرها، بالسيارات وبالطائرات السمتية؟
لقد تدخلت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة في كل صغيرة وكبيرة من خلال طلباتها لمعلومات لاعلاقة لها حتى بولايتها وطبيعة عملها، فلماذا لم تطلب معلومات تفصيلية أو تحقق في موضوع أكثر أهمية وله صلة وثيقة بعملها ونشاطها، وهو الادعاء باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد اهالي حلبجة وسكانها الآمنين من قبل الجيش العراقي؟
والجواب بكل بساطة لأنها كانت تعرف من الذي قام بتنفيذ هذه الجريمة، وهي ايران وليس العراق .. ليس من خلال تقارير المخابرات المركزية الأمريكية أو الادارة الأمريكية فحسب، بل من خلال فريق كيماوي متخصص تابع للامم المتحدة زار العراق وايران عام 1988 وزار الجرحى لدى الطرفين، كما التقى بعدد من الجرحى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات الأوربية في وقتها، اضافة الى اجرائه لتحليلات مختبرية لعينات من التربة والجثث والاعشاب .... الخ، وكتب تقريره واستنتاجاته التي تبرئ الجيش العراقي الباسل من هذه الجريمة البشعة، براءة الذئب من دم يوسف.
وقد قدر لي شخصاً أن التقي برئيس هذا الفريق، وهو أستاذ في إحدى الجامعات الاسترالية (واعتقد ان اسمه الدكتور دان) في يونيو/ حزيران عام 1991، عندما كنا في سيارة واحدة في طريقنا الى منشأة المثنى العامة حيث كان رئيساً للفريق الكيماوي الاول التابع للجنة الخاصة، إذ بادرني بسؤال فوجئت به وهو : هل عرفتني؟ فأجبته بالنفي، حينها ذكر اسمه، مضيفا أن هذه الزيارة للعراق هي الثانية له، وحكى لي قصة تكليفه بالتحقيق في قضية حلبجة، وانه زار كلاَ من العراق وايران، وكدلك عدة مواقع على الحدود العراقية الايرانية، وأعدَّ تقريره النهائي، الذي أكد فيه ان ايران هي التي قامت بهذه الجريمة البشعة.
وبصراحة فوجئت كثيراً بما قال، على الرغم من فرحي وارتياحي، ولابد لي أن أعترف بهذا لأن كل شيء أصبح تاريخاً الآن، وسبب دهشتي هو انه لم يكن لدي أية معلومات عن هذا التقرير واستناجاته وكان يخالجني حينها نوع من التأثر بالدعاية والاعلام المضاد، الذي كان يروج عكس هذه الحقيقة، ولم اكن احفظ في مخيلتي إلا تلك الصور الفوتوغرافية الكبيرة والمؤثرة التي كانت تنشر على اعمدة شوارع المدن الاوروبية، التي كنت اوفد إليها نهاية الثمانينات، لهذه المجزرة الكبيرة وهي الصور التي كانت تتهم العراق زوراً وبطلاناً بأنه هو الذي نفذ الضربة الكيماوية في حلبجة.. إذ لم يكن لطبيعة عملي قبل عام 1991 علاقة بمتابعة مثل هده الاحداث حيث كنت اعمل في مجال البحث العلمي والتصنيع العسكري، ولذلك فرحت كثيراً عندما سمعت هذه الشهادة من مصدرها الاصلي مباشرة، وطلبت منه تزويدي بنسخة من التقرير المذكور، وقال لي يمكنك ايجاده لدى وزارة الخارجية العراقية، ومع ذلك أوصل لي هو، بعد يومين من مغادرته، نسخة من التقرير الذي ارسلته سكرتيرته لي بالفاكس من مكتبه في استراليا.
وهنا لابد أن نذكِّر القارئ الكريم بحدث مهم حصل عام 1996، للمقارنة والقياس فقط، وكان له صدى واسع في ماكنة الاعلام الغربي للتشهير بالنظام الوطني السابق وإظهاره بمظهر عدم الملتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي وغير آبه بحقوق الانسان وبأنه يستخدم أسلحة الدمار الشامل (التي زعموا انه أخفاها عن انظار المفتشين والعالم) ضد شعبه..
وباختصار فإن "القصة المفبركة" التي قام بتزويد الامم المتحدة بها ما يسمى بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في حينه تقول: ان الجيش العراقي قام باستخدام الأسلحة الكيماوية (في بداية عام 1996)! ضد سكان الاهوار بواسطة الهاونات والمدفعية وان لديهم الدليل على ذلك وهو كراسة عسكرية لأحد ضباط المدفعية وتسمى دفتر آمر الفصيل حيث عثروا عليها في موقع الاطلاق (سقطت سهواً من قبل أمر الفصيل بحسب ادعائهم!!) وفيها يذكر امر الفصيل كل تفاصيل هذه الضربة الكيماوية في الاهوار ووقتها والعتاد المستخدم ..... الخ. وقد جرى تسليم هذه الوثيقة من قبل المجرم المقبور محمد باقر الحكيم نفسه لوفد من المفتشين ترأسه نائب رئيس اللجنة الخاصة زار طهران والتقى معه.
وبعد ذلك حضر فريق تفتيش دولي إلى بغداد للتحقيق والتحقق من هذه المسألة وكانت لديه معلومات دقيقة وتفصيلية عن موقع الاطلاق وموقع الهدف (المزعومين).
وكان توقيت ارسال فريق التفتيش والتصريحات الصحفية عنه تهدف في مجملها الى إضعاف مواقف بعض أعضاء مجلس الامن الدولي التي كانت تسعى الى رفع الحصار الاقتصادي عن العراق وخاصة مجموعة دول عدم الانحياز، اضافة الى روسيا والصين، خلال الجلسة الدورية التي كان مجلس الامن الدولي يعقدها كل ستة اشهر لمناقشة التقرير نصف السنوي للجنة الخاصة التابعة له والمعنية بالتحقق من تنفيذ العراق لالتزاماته المنصوص عليها في القرارات الدولية التي أعقبت عدوان عام 1991.
وقام فريق التفتيش الكيمياوي التابع للجنة الخاصة بزيارة المنطقة بحسب الإحداثيات المثبتة في دفتر امر الفصيل في منطقة الاهوار، وبمرافقة متخصصين من دائرة الرقابة الوطنية اضافة الى مجموعة من افراد الحماية، وقام بجمع عينات ومسحات من التربة والنباتات والمياه اضافة الى قطع معدنية صغيرة.
وفي حينه حاول فريق التفتيش منعنا من اخذ مجموعة ثانية من العينات لحفظها لدينا كمرجع في حالة وجود اي اختلاف بين التحليل المختبري العراقي وبين نتائج تحاليل اللجنة الخاصة، وهو اجراء أصولي يمنع أي تزوير او تشويه للتحاليل المخبرية الا انه وافق بالنهاية على مضض (تم حفظ هذه النماذج المرجعية المختومة بختم الأمم المتحدة في دائرة الرقابة الوطنية وبقيت حتى يوم الاحتلال البغيض).
وقد تم، بالفعل، توزيع نماذج هذه العينات والمسحات، والتي كان المتطرفون والمغرضون من اعضاء فريق التفتيش وعملاء المخابرات المركزية الامريكية يأملون ان تكون نتائجها ايجابية، لصالحهم، وتثبت استخدام العتاد الكيماوي في الأهوار، تم توزيعها على ثلاثة مختبرات عالمية متخصصة ومعروفة في امريكا وبريطانيا وألمانيا.
لكن أولئك المفتشين، ومن خلفهم الادارة الامريكية التي كانت تسعى لإحداث أزمة مع العراق تمهيداً لتبرير عدوان عسكري عليه، أصيبوا بالخذلان لأن كل النتائج، ومن جميع تلك المختبرات، كانت سلبية، كما أن دفتر آمر الفصيل المزعوم، ثبت لديهم، وبعد تدقيقه جنائياً، بأنه مزور!
وللمعلومات فإن الوقت الذي يتطلبه انجاز تحاليل النماذج والمسحات لم يكن ليستغرق أكثر من أسبوع واحد فقط، إلا إن اللجنة الخاصة التابعة للامم المتحدة التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة الامريكية، تعمدت تأخير الاعلان عن النتائج في حينه الى ثلاثة أشهر ونصف، وبعد أن إدى الاعلام الغربي غير المنصف دوره وتأثيره الشرير في تشويه موقف العراق وخدمة الغايات اللاانسانية التي تعمل بجد لعدم رفع الحصار الاقتصادي عن العراق وشعبه بموجب الفقرة (22) من القرار (687).
لذلك لم يكن للاعلان عن نتائج التحليلات المختبرية المتأخر أي صدى مؤثر لدى الرأي العام العالمي مقارنة بالاعلان عن الاستخدام المزعوم للعوامل الكيمياوية في الاهوار !
وعود على بدء، وللتاريخ أقول فإن المعنيين في وزارة الخارجية كانوا يعرفون بهذا التقرير الذي أعدَّه رئيس الفريق الكيماوي الاول التابع للجنة الخاصة، واستنتاجاته، ولكن للأسف، وأقولها بكل حسرة، لم يتم استخدامه في إيضاح موقف العراق العادل، وتبرأته من هذه التهمة المزيفة الخطيرة، عن طريق تكليف إحدى شركات الاعلام والعلاقات العامة العالمية أو مكاتب المحاماة الدولية المرموقة، لغسل ماعلق في أذهان الناس في داخل وخارج العراق، من اتهام باطل جملة وتفصيلاً، لأن امكانيات الاعلام الوطني العراقي، وكما هو معروف، لم يكن بمقدورها أداء الاثر المطلوب على المستوى العالمي!
.....
* اللواء حسام محمد أمين :
عمل مديراً عاماً لدائرة الرقابة الوطنية في العراق قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003. وهي الدائرة كانت تمثل حلقة الوصل بين الحكومة العراقية ولجان التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية والتي تشكلت بموجب قرارات مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة عام 1991. وكان قبل ذلك قد عمل لسنوات طويلة في تشكيلات الجيش العراقي ومنشآت التصنيع العسكري. ومنح لقب عالم عام 2000 بناء على انجازاته وبحوثه العلمية.
عرف اللواء امين بمؤتمراته الصحفية والتي كان يعقدها اسبوعيا للتحدث عن انشطة فرق التفتيش والرد على الادعاءات الأمريكية والبريطانية التي كانت تتهم العراق زوراً بأنه كان يحتفظ بأسلحة دمار شامل أو يطورها، كذريعة للعدوان عليه، والتي ثبت بطلانها وكذبها وانها كانت لغايات سياسية بحتة تهدف إلى إسقاط النظام الوطني في العراق وازالة الرئيس صدام حسين عن قيادته، لضمان امن الكيان الصهيوني، وللسيطرة على ثروات العراق النفطية الهائلة.
كما شارك اللواء حسام محمد أمين في عضوية الوفود التي كان يترأسها نائب رئيس الوزراء طارق عزيز أو وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف للتفاوض مع الأمم المتحدة، والتي كانت تهدف إلى رفع الحصار الشامل المفروض على العراق.
أدرجت القوات الأمريكية بعد احتلالها لبغداد اسم اللواء المهندس حسام محمد امين ضمن قائمة المطلوبين الـ55 حيث أسر في نهاية أبريل/ نيسان 2003 واحتجز في معتقل كروبر قرب مطار بغداد لمدة ثلاث سنوات، حيث تعرض إلى التعذيب الوحشي للاعتراف عن اسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة اصلا!
أطلقت القوات الغازية سراحه بعد أن تبين عدم صحة الاتهامات التي وجهت اليه ولثبوت عدم إخفاء نظام الرئيس صدام حسين لأية اسلحة دمار شامل، وهو الهدف المعلن من شن العدوان الأمريكي على العراق.