شبكة البصرة
الوليد خالد
العناق الحميم بين قادة الكتل السياسية المنافقة مؤخراً وضع الشعب العراقي والعالم أمام الحقيقة الكاملة التي لا يمكن تزويرها أو محاولة تغيير ملامحها الواضحة، فتشكيلهم لدائرة مغلقة ممسكين بأيدي بعضهم البعض أمام الكاميرات يدل على اتفاقهم على خارطة طريق لم تظهر خطوطها بعد، لكن ما نشر لحد الآن لا لبس فيه، إنه إشارة قوية جداً لتفاهمات وتوافقات على حل الخلافات الداخلية للتغلب على الأزمة الحالية التي تعصف بالعملية السياسية.
والسؤال هنا عن أي أزمة يتكلمون
نكاد نجزم إن الأزمة التي يتحدثون عنها لا تتعلق بالتظاهرات المستمرة في ساحات العز والكرامة، فهم يعلمون بأن لا تأثير لهم عليها، وانهم مهما اجتمعوا فستخور قواهم أمام المنتفضين الذين يصرون على تنفيذ ليس المطالب التي رفعت في بداية الانتفاضة فحسب، بل وصلت الأمور بفعل القمع الحكومي إلى المطالبة بالثأر، وبالفعل رفع البعض سلاحهم ضد القوات الأمنية التي تحاول تكرار الإعتداء الذي حصل في الحويجة، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث بدأت العشائر العربية بحماية مدنها وقراها من الخطط الأمنية التي تحمل في مضامينها عكس ما تعلنها.
ما هي الأزمة إذن؟؟
تكمن الأزمة الحقيقية بين الكتل نفسها، فالإعلان بأنهم سيقفون ضد الارهاب يدل على اتفاقهم بالتهدئة فيما بينهم، أي التوقف عن افتعال الأزمات التي لا تستهدف الأحزاب السياسية بقدر ما تستهدف المواطن العراقي الذي بات يعرف قاتله أكثر من أي وقت مضى، فانتشار السيارات المفخخة في العاصمة وشوارعها المغلقة والخطط الأمنية المتكررة تشير إلى ضلوع جهات تستطيع التنقل بمثل هذه المفخخات دون أن يمنعها أحد، لا من الشرطة ولا من قوات الجيش، بمعنى آخر، من يسيرها في شوارع العاصمة هو من يملك مفتاح أمنها.
يوجه رئيس وزراء حكومة الاحتلال الخامسة عبر قنوات إعلامه اتهامه الأزلي في تدبير هذه المفخخات الى البعثيين والتكفيريين، وهو يعلم وغيره كذلك بأن القاتل معروف، ولا يخرج عن إطار عمليتهم السياسية التي كلما بردت نارها ارسلوا المفخخات لتدفئتها واشغال الناس بمصائبهم بدلا من متابعة الفساد والسرقة، بالاضافة إلى استغلالها طائفياً لغايات انتخابية ولتمرير مشروعهم الفارسي الصفوي في العراق ودول الجوار.
إذن لماذا يتفقون اليوم؟
لقد وصلت النزاعات الكتلوية إلى طريق مسدود بعد انكشاف مدبري هذه الخروقات الأمنية من خلال تصريحات أعضاء من داخل البرلمان أو خارجه ومن بعض المحسوبين على العملية السياسية الذين أتهموا بعضهم البعض بوضوح بتوظيف الانفجارات والاغتيالات وقتل المعتصمين والمصلين لمصالح شخصية أو حزبية، وهي شهادات من داخل العملية السياسية لا يمكن وضعها في مختبر لكشف الكذب لأنها صدرت من أهلها، فالمالكي نفسه وفي عدد من المناسبات هدد بكشف هذه الملفات للإعلام لكنه لم يفعل! والسبب هنا واضح أيضاً، فهؤلاء يملكون أيضا ملفات عن تورطه بمثل هذه الجرائم، والجميع سيسكت بينما يستمر اهدار الدم العراقي.
من الواضح إن مهندس مبادرة المصالحة هذه هو عمار الحكيم، ويبدو أن جميع الكتل قد أحترمت مبادرته وانصاعت لها بالرغم من أنه أصغر رؤوساء الكتل سناً وخبرة، فمن أين أتى بقوة الإقناع هذه؟
كما يبدو أن عمار الحكيم لم يكن سوى ناقل لدعوة المصالحة وليس عرابها، فليس وحدها الأحزاب السياسية من تحاول الحفاظ على العملية السياسية، بل هنالك أمريكا وإيران، اللاعبان الاساسيان فيما يجري في العراق، ولا نحتاج لتحديد مصدر هذه المبادرة، كونها تصب في صالح الجميع باستثناء الشعب العراقي، وما تمخض عنه اجتماعه حول الطاولة المستديرة سيعرفه الشعب العراقي عاجلاً أم آجلاً، وستتوضح الأمور كثيراً في حركات وسكنات نوري المالكي الذي ظهر وهو ممتعض من جلوسه مع الأضداد، لكنه يعلم بأن الكثير مما يحدث موجه له بالدرجة الأساس، وإن عليه فقط التنفيذ كما ينص عليه الاتفاق مع أسياده.
لما تقدم نقول بأن هذا الاتفاق الذي سمي بميثاق شرف هو في الأساس ميثاق أي شيء إلا الشرف، فهو موقع بدماء الشعب العراقي، وأرباح هذا الميثاق تصب في صالح الأحزاب السياسية، بينما خسائره كالعادة سيدفعها الشعب العراقي بدماءه، وتكمن خطورة هذا الميثاق في إنه ربما سيساهم ببسط الأمن لفترة معينة تتقلص فيها الهجمات بالمفخخات فيشعر الشعب العراقي بالآمان المرحلي الذي سيزيده صمتاً على مأساته، لكن في الحقيقة لا أمن ولا أمان مع من يتاجرون بالدم العراقي.