القضية الكويتية- كيف ولماذا
د. أمير البياتي
" مثلما لايمل المعسكر المعادي – معسكر المحتل وأعوانه وعملائه والمنتفعين منه وبه- من تشويه مسيرة البعث العظيم زوراً وبهتاناً متناسين الانجازات العظيمة التي حققها الحزب وهو ينتقل من تحدٍ الى تحدٍ أكبر، ومثلما يُصر الآخرون على النيل من صورة سيد شهداء العصر في كافة مراحل نضاله ويحاولون شيطنته، وينسبون إليه ماليس فيه،،، فإن واجبنا أن لانمل من نشر الحقائق وتوضيح الصور خصوصاً أن هناك دائماً دماً جديداً يدخل الى الشبكة كل يوم وهو يبحث عن الحقيقة حول كل مايسمع ويشاهد، وحرام أن نخسر مثل هذه العناصر بسبب خوفنا من التكرار."
إنتهينا في الجزء الرابع الى القول أن القراركان بمعاقبة حكّام الكويت،،، وكان القرار بدخول القوات العراقية. فهل إبتلعت القيادة العراقية الطُعم وسقطت في الفخ؟؟؟ وهل تسرّع صدّام حسين وغامر بشعبيته من أجل مزيد من التالق وإشباعاً لغرورٍ أو طيش؟؟؟ بل هم كان هناك حساب دقيق لنتائج دخول الكويت؟؟؟ وهل وهل وهل؟؟؟ وماذا كان سيحصل لو لم "يغامر" صدّام حسين و"يغزو" الكويت؟؟؟ هذه أسئلة سنحاول الأجابة عنها في هذا الجزء من البحث معترفين أن الأجابة على بعض هذه الأسئلة لم تكن سهلة حينها، ذلك إن الصورة المكتملة للحدث وساحة المعركة لم تكن حاضرة في أذهان العموم، بل ولم تكن حاضرة حتى لدى الكثير من النخبة... والأكثر أن الصورة الكاملة كانت موجودة لدى القيادة فقط. غير إن الفاصل الزمني القصير بين 1990 و2008 كان قد كشف كل الأوراق ولم يعد هناك مستور، وبين دخول الجيش العراقي الى الكويت وأحداث غزّة الدامية لم يعد هناك من شكٍ أن الفصل بين معسكري الحق والباطل قد حصل وأن الخنادق التي كانت في وقت ما قد تداخلت قد تم فصلها وأصبح الفارق بينها كالفرق بين الليل والنهار. فالذين يذبحون غزّة بالسكين الإسرائيلية هم أنفسهم الذين ساهموا بذبح العراق بالسكين الأمريكية سواء بالحرب المباشرة أو بالحصار أو بالغزو.
لن نسهب في الأسباب التي دعت القيادة العراقية الى إرسال جيشها الى الكويت، ذلك إن القيادة كانت قد شعرت وحذرت الكويت من إنها تشن حرباً إقتصادية على العراق وإن الحرب هي الحرب وإن قطع الإعناق أهون من قطع الأرزاق، ولما لم يرعوي الكويتيون وبتشجيع من الدوائر التي كانت تقف وراء الأزمة أضطرت القيادة العراقية وبعد إستنفاذ كل الطرق الدبلوماسية والأخوية والتلويح بالقوة وبعد أن سدت الولايات المتحدة الأمركية كل الطرق الى حلٍ سلمي أضطر العراق الى الإستخدام الفعلي للقوة، وأحتاج الجيش العراقي إلى اقل من ساعة للوصول إلى العاصمة الكويتية وأنتهت العمليات العسكرية في أقل من ساعتين.
إن الإعتراض الأكبرالذي يثارعلى دخول العراق الى الكويت- والكويت جزء تاريخي عزيز من العراق في أي حال من الأحوال سلبته القوى التي قسمت الوطن العربي ليكون خنجراً في الخاصرة العراقية تحركه متى ما شاءت لتحصل به على تنازلات ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمخططاتها في المنطقة العربية التي تتركز أساساً على حماية قاعدتها المتقدمة المتمثلة بالكيان الصهيوني. نقول إن الكثيرين قد اثاروا مسألة دخول القوات العراقية إلى الكويت بأعتبارها نقطة حاسمة في تاريخ الأمة أدّت إلى شق وحدة الأمة وتمزيق الصف العربي وأعطت الذريعة للقوات الأجنبية بغزو العراق وتدميره وإحتلال الخليج العربي!
ونحن نقول إن دخول الكويت كان تعرضّاً هجومياً على رأس الحربة في الحرب المقبلة على العراق والتي كانت ستحصل سواء "غزا" العراق الكويت أم لا. أي إن الحرب على العراق كانت مقررة قبل قيام العراق بالتحرك عسكرياً ضد الكويت، وكان غزو العراق وتدميره أحد أهم البنود في الأجندة الأمريكية بغض النظر عما سيفعله العراق- إلا إذا تراجع عن نهجه القومي ورسالته الخالدة بطبيعة الحال. ولم يكن صدّام حسين ولا رفاقه في القيادة مستعدين للتخلي عن الدور القومي للعراق الذي أصبح مناراً للأمة. ذلك إن صدّام حسين لم يكن من القادة المغامرين بل كان قائداً يتحسب لأسوء الإحتمالات، وكان حريصاً كما كان رفاقه في القيادة على المنجزات العمرانية والتنموية التي تمت في العراق خلال العشرين سنة الماضية. لكن الثمن كان باهضاً ولم يكن هناك من سبيل لدفع العدوان على العراق إلاّ بالتخلي عن المباديء التي عاش الحزب سنوات نضاله يُنظّر لها، ويسعى الى وضعها موضع التطبيق. ببساطة لقد كانت القيادة أمام خيارين لا ثالث لهما: أما الإستعداد للضربة العسكرية ومحاولة التخفيف منها ما أمكن وإمتصاص آثارها، أو رفع الراية البيضاء أمام المخطط الأمريكي الصهيوني، وما يعنيه ذلك من قتل للروح القومية داخل الأمة وإطفاء لجذوة الأمل التي بدأت بالتألق في عيون المستضعفين وخيانة للمباديء- مباديء الحزب والدين على حد سواء... وكلا الإختيارين مر وكلاهما باهض الثمن. يقول الرفيق الدكتور إلياس فرح عضو القيادة القومية للحزب في إحدى محاضراته للكوادر الحزبية المتقدمة في مدرسة الإعداد الحزبي: " كنّا ناقشنا مسألة الكويت في القيادة نقاشاً مسهباً وتوصلنا إلى قناعة أكيدة مفادها أن دخول الكويت يقترب من الإنتحار، ولكنها تضحية كان لا بد من القبول بها لأن البديل كان خيانة الأمة ورسالتها الخالدة وعدم المحافظة عليها حيّة ومتجددة". إن هذا القول يسلط الضوء على نقطتين مهمتين، أولاهما أن القرار لم يكن مفاجئاً لإعضاء القيادة كما يدعي الإعلام المعادي الذي يروج لنظرية أن صدّام حسين إتخذ القرار بـ"ديكتاتوريته" المعهودة ودون إستشارة أحد، وثانيهما أنه لم تكن في الأمر مغامرة ولا طيش ولا رعونة بل حسابات دقيقة تأخذ البعد الإستراتيجي في الحسبان وتتفوق على الحسابات التقليدية التي تنظر إلى الأمر من زاوية الخسائر المادية الآنية والأرباح التي تحسب بالدولار. كان أمام القيادة خياران وحيدان أحدهما الأرتقاء الى مستوى تطلعات جماهير الأمة بالتصدي للهجمة الأمبريالية ومحاولة تأجيج الحس القومي لدى الشعب العربي من خلال إطالة أمد الصراع، أو الإستسلام والإنخراط في قطيع المنبطحين والمطبّعين. ولمن يعرف صدّام حسين ورفاقه في القيادة العراقية لا يحتاج إلى كثير وقت ليعرف أي الخيارين كانوا سيختارون... وكانت أم المعارك.
لقد أرادت القيادة أن تقرر هي بداية الصراع ومكانه، ذلك أن صدّام حسين لم يكن من النوع الذي يترك المبادرة لخصمه، ولم يكن في وسع القيادة أن تنتظر الموت البطيء إقتصادياً وعسكرياً- كما حصل في حال غزّة، ولم يكن لها أن تترك العراق يختنق تحت وطأة الضغط الإقتصادي الهائل التي يسلط عليه ويتعطل عن القيام بدوره القومي المتوقع منه ليبدو ضعيفاً متخاذلاً أمام الجماهير التي كانت تعلق الآمال عليه... وكانت أم المعارك... وتم إختيار الكويت مسرحاً للصراع إستناداً إلى حقيقة أنها هي رأس النفيضة في العدوان الإقتصادي على العراق. ولمن فاتته الفكرة نقول لو لم يدخل العراق الكويت فإن البديل كان أن يبقى العراق ينتظر الضربة العسكرية القادمة دون أن يعرف توقيتها- كما حصل في غزّة، وإقتصاده ينزف دماً ويزداد ضعفاً يوماً بعد يوم دون أن يستطيع العراق النهوض بمهامه الوطنية التنموية الملحة وأن يتخلى مجبراً عن دوره القومي المنتظرولأمدٍ غير منظور.
ولمن يقول أن دخول العراق إلى الكويت قد أعطى الذريعة التي كانت أريكا تنتظرها لضرب العراق، فإننا نسأل: هل غزا العراق أحداً عام 2003؟ وهل إحتاجت أمريكا إلى الذريعة لغزو العراق؟ أم أنها أختلقت الذريعة الكاذبة ولم يحرك العالم ساكناً غير بعض الإدانات الخجولة... وهل دخل الجيش الغزّاوي إلى دولة مجاورة لكي تستحق هذا التدمير الذي تمارسه دولة العدوان الصهيونية وكل هذا التقتيل الذي ترتكبه آلة العدوان العنصرية في أهلنا في غزّة؟ لقد أصبح الفرز بين الأسود والأبيض أسهل جداً من ذي قبل.
وسيقول قائل إنه بعد دخول العراق الى الكويت، فقد أستنزف العراق مادياً وعسكرياً وتوقفت عملية التنمية وتخلى العراق عن كثير من مهامه القومية. وهذا صحيح. لكن هذا تطلب أن تقوم الدول المساهمة في المخطط بعدوان عسكري واسع شاركت فيه جيوش ثمان وعشرين دولة بينها ويا للعاردول عربية، وأن تساهم خمس دول إضافية أخرى بتوفير الدعم اللوجستي والمعلوماتي للعدوان، وأن تفرض الولايات المتحدة الأمريكية التي أنفردت بزعامة العالم بعد إنهيار الأتحاد السوفياتي في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1991 وبأسم الأمم المتحدة أقسى حصار إقتصادي عرفه التاريخ! ورغم تشعب التآمر وسعته وتنوعه وتعدد وسائله وأدواته، إلا إن إرادة العراق لم تنكسر وأستطاع الصمود بل والنهوض وبدأ في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي بالهجوم المعاكس وبمواصلة المسيرة، مما أستدعى أن يعالج الجرح بالدواء الأخير... الكي... وكان الغزو.
كان المطلوب أن يقول العراق "نعم" لكل المخططات الأمريكية وهي "نعم" لم يقلها صدّام حسين ولن يقولها حتى وهو على وشك أن يتأرجح من إرجوحة الشرف في 30/12/2006. وعوضاً عن ذلك قال صدّام وقال العراق كله " لا " في وجه أعتى إمبريالية وقوة عسكرية بأنياب نووية... وكانت تلك الـ"لا" مدوية هائلة جعلت معسكر الشر يتنادى ويجمع كل قواه الشريرة وعملائه لضرب التجربة العراقية الأبية وتنفيذ حكم الإعدام بقائدها صدّام حسين. وكان الفصل بين خندقي الحق والباطل واضحاً منذ اليوم الأول للمنازلة،،، ومن يقرأ الأحداث جيداً يرى أن المسافة بين الخندقين قد تزايدت وأصبحت الجماهير أكثر وعياً وقدرة على فرز الغث من السمين، ولكن مع هذا التزايد في الوعي تزايدت ألاعيب الإعلام المعادي وأزدادت أساليبه في الغش والتخفي وتزوير الأحداث.
بدأ الحصار الإقتصادي في السادس من آب/ أغسطس 1990 بسلسلة من القرارات الدولية التي أُستهلت بالقرار 660، وكان رد الفعل العراقي الظاهري على هذا الحصارهو البدء بنظام البطاقة التموينية الذي تم تطويره في السنين اللاحقة ليصبح أفضل نظام توزيع حصص بأعتراف منظمات دولية محايدة، بينما كانت هناك خطوات أخرى كثيرة وضعت لمواجهة الموقف الجديد. وعرقلت الولايات المتحدة الأمريكية كل الجهود التي بذلت لتسوية الأزمة أو حلها في نطاق البيت العربي... ولعب وكيلها في المنطقة الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطلق عليه الرئيس الشهيد لقب "الخفيف" بسبب سرعة تقلب مواقفه وكذبه ولعبه على كل الحبال، نقول لعب حسني الخفيف دوراً محورياً في دفع الأمور باتجاه الحرب كما أستطاع نسف دور الجامعة العربية وتخريبها عندما ترأس القمة العربية الطارئة في القاهرة في آب/أغسطس 1990، ويذكّر هذا بدور الخفيف التآمري في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. كما أعاق تدفق القوات الأمريكية على منطقة الخليج العربي إنسحاباً عسكرياً عراقياً من الكويت كان قد بدأ بالفعل يوم 4 آب/أغسطس، لكنه توقف بعد أن ثبت للقيادة العراقية أن العدوان قادم لامحالة وأن الإنسحاب أو عدم الإنسحاب لن يغير من الأمر شيئاً. وإنطلاقاً من هذه القناعة فإن العراق لم ينسحب من الكويت حتى بعد حصول العدوان العسكري على العراق في 17 كانون الثاني/يناير 1991. وقد تدفقت على العراق في الفترة الواقعة بين الدخول الى الكويت وحتى بدء العدوان العسكري المباشر الكثير من الشخصيات العالمية التي تنوعت بين رؤوساء دول وشخصيات سياسية ورياضية وفنية في زيارات وتشرفت معظمها بمقابلة الرئيس صدّام حسين مطالبة إياه بالانسحاب من الكويت، غير إن العراق لم يوافق على هذه الدعوات وأظهر عناداً غير مسبوق أمام إرادة الدولية والشعبية!!! هكذا صوّرَ الأمر أمام العالم وتبارت القنوات الإعلامية المأجورة- وهي كلها كانت كذلك، إلا ما رحم ربي- محملة الشهيد والقيادة العراقية مسؤولية الحرب- كما تم تحميل حماس مسؤولية العدوان على غزّة!!! غير إن الأمر لم يكن كذلك أبداً. لم يقدم أي من الزوار وعلى إختلاف هوياتهم ومراتبهم وإنتمائتهم أية ضمانة للقيادة العراقية إن حصل الإنسحاب بعدم حصول العدوان. أي أن الإنسحاب إن حصل كان سيحصل دون مقابل ولمجرد إرضاء أمريكا. أي أن الزوار كانوا يطالبون القيادة بتسليم ورقة مهمة من أوراقها الى أمريكا وبدون مقابل! ولم يكن صدّام حسين ولا رفاقه في القيادة بهذه السذاجة ليقبلوا بأي من تلك التمنيات.
ولم ينسحب العراق من الكويت وبدأ العدوان الثلاثيني على العراق بضربات جوية مكثفة على مناطق مختلفة من العراق، مدنية وعسكرية دون تمييز... وتعرضت القطعات العسكرية العراقية في المتمركزة في الكويت إلى ضربات عنيفة، لكن حسن تخطيط القيادة العسكرية إدى إلى تقليل الخسائر بشكل كبير مما أفقد المخطط الأمريكي صوابه فبدأ بقصف المناطق السكنية والمدنية بشكل عشوائي مما قاده إلى إرتكابه جريمة العصر! ففي فجر الثالث عشر من شباط/فبراير 1991 استهدف القصف الأمريكي الهمجي ملجأ العامرية المدني الذي كان يغص بالناس الأبرياء الذين كانوا يحاولون حماية أنفسهم وأطفالهم من الصواريخ الأمريكية! ولكن قنابل الموت المتطورة كانت بالمرصاد لتحصد أرواح أكثر من 400 مدني بين رجل وأمرأة وطفل قضى معظمهم أمّا حرقاً أو إختناقاً داخل الملجأ الذي تحوّل إلى فرن ملتهب... وكان التبرير الأمريكي للجريمة جاهزاً... لقد "ظنّوا" أن الملجأ كان يستخدم لأغراض عسكرية!!!
وتوقف إطلاق النار بناءً على طلب الجانب الأمريكي في 28/2/1991 بعد قصف جوي أستمر أثنين ,اربعين يوماً وليلة تلاه هجوم بري على القطعات المتمركزة في الكويت ثم على تلك التي كانت مكلفة بحماية البصرة. لتبدأ بعده إيران وعملائها بتنفيذ الصفحة التالية من المعركة وهي صفحة الغدر والخيانة... وللحديث بقية.
" مثلما لايمل المعسكر المعادي – معسكر المحتل وأعوانه وعملائه والمنتفعين منه وبه- من تشويه مسيرة البعث العظيم زوراً وبهتاناً متناسين الانجازات العظيمة التي حققها الحزب وهو ينتقل من تحدٍ الى تحدٍ أكبر، ومثلما يُصر الآخرون على النيل من صورة سيد شهداء العصر في كافة مراحل نضاله ويحاولون شيطنته، وينسبون إليه ماليس فيه،،، فإن واجبنا أن لانمل من نشر الحقائق وتوضيح الصور خصوصاً أن هناك دائماً دماً جديداً يدخل الى الشبكة كل يوم وهو يبحث عن الحقيقة حول كل مايسمع ويشاهد، وحرام أن نخسر مثل هذه العناصر بسبب خوفنا من التكرار."
إنتهينا في الجزء الرابع الى القول أن القراركان بمعاقبة حكّام الكويت،،، وكان القرار بدخول القوات العراقية. فهل إبتلعت القيادة العراقية الطُعم وسقطت في الفخ؟؟؟ وهل تسرّع صدّام حسين وغامر بشعبيته من أجل مزيد من التالق وإشباعاً لغرورٍ أو طيش؟؟؟ بل هم كان هناك حساب دقيق لنتائج دخول الكويت؟؟؟ وهل وهل وهل؟؟؟ وماذا كان سيحصل لو لم "يغامر" صدّام حسين و"يغزو" الكويت؟؟؟ هذه أسئلة سنحاول الأجابة عنها في هذا الجزء من البحث معترفين أن الأجابة على بعض هذه الأسئلة لم تكن سهلة حينها، ذلك إن الصورة المكتملة للحدث وساحة المعركة لم تكن حاضرة في أذهان العموم، بل ولم تكن حاضرة حتى لدى الكثير من النخبة... والأكثر أن الصورة الكاملة كانت موجودة لدى القيادة فقط. غير إن الفاصل الزمني القصير بين 1990 و2008 كان قد كشف كل الأوراق ولم يعد هناك مستور، وبين دخول الجيش العراقي الى الكويت وأحداث غزّة الدامية لم يعد هناك من شكٍ أن الفصل بين معسكري الحق والباطل قد حصل وأن الخنادق التي كانت في وقت ما قد تداخلت قد تم فصلها وأصبح الفارق بينها كالفرق بين الليل والنهار. فالذين يذبحون غزّة بالسكين الإسرائيلية هم أنفسهم الذين ساهموا بذبح العراق بالسكين الأمريكية سواء بالحرب المباشرة أو بالحصار أو بالغزو.
لن نسهب في الأسباب التي دعت القيادة العراقية الى إرسال جيشها الى الكويت، ذلك إن القيادة كانت قد شعرت وحذرت الكويت من إنها تشن حرباً إقتصادية على العراق وإن الحرب هي الحرب وإن قطع الإعناق أهون من قطع الأرزاق، ولما لم يرعوي الكويتيون وبتشجيع من الدوائر التي كانت تقف وراء الأزمة أضطرت القيادة العراقية وبعد إستنفاذ كل الطرق الدبلوماسية والأخوية والتلويح بالقوة وبعد أن سدت الولايات المتحدة الأمركية كل الطرق الى حلٍ سلمي أضطر العراق الى الإستخدام الفعلي للقوة، وأحتاج الجيش العراقي إلى اقل من ساعة للوصول إلى العاصمة الكويتية وأنتهت العمليات العسكرية في أقل من ساعتين.
إن الإعتراض الأكبرالذي يثارعلى دخول العراق الى الكويت- والكويت جزء تاريخي عزيز من العراق في أي حال من الأحوال سلبته القوى التي قسمت الوطن العربي ليكون خنجراً في الخاصرة العراقية تحركه متى ما شاءت لتحصل به على تنازلات ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمخططاتها في المنطقة العربية التي تتركز أساساً على حماية قاعدتها المتقدمة المتمثلة بالكيان الصهيوني. نقول إن الكثيرين قد اثاروا مسألة دخول القوات العراقية إلى الكويت بأعتبارها نقطة حاسمة في تاريخ الأمة أدّت إلى شق وحدة الأمة وتمزيق الصف العربي وأعطت الذريعة للقوات الأجنبية بغزو العراق وتدميره وإحتلال الخليج العربي!
ونحن نقول إن دخول الكويت كان تعرضّاً هجومياً على رأس الحربة في الحرب المقبلة على العراق والتي كانت ستحصل سواء "غزا" العراق الكويت أم لا. أي إن الحرب على العراق كانت مقررة قبل قيام العراق بالتحرك عسكرياً ضد الكويت، وكان غزو العراق وتدميره أحد أهم البنود في الأجندة الأمريكية بغض النظر عما سيفعله العراق- إلا إذا تراجع عن نهجه القومي ورسالته الخالدة بطبيعة الحال. ولم يكن صدّام حسين ولا رفاقه في القيادة مستعدين للتخلي عن الدور القومي للعراق الذي أصبح مناراً للأمة. ذلك إن صدّام حسين لم يكن من القادة المغامرين بل كان قائداً يتحسب لأسوء الإحتمالات، وكان حريصاً كما كان رفاقه في القيادة على المنجزات العمرانية والتنموية التي تمت في العراق خلال العشرين سنة الماضية. لكن الثمن كان باهضاً ولم يكن هناك من سبيل لدفع العدوان على العراق إلاّ بالتخلي عن المباديء التي عاش الحزب سنوات نضاله يُنظّر لها، ويسعى الى وضعها موضع التطبيق. ببساطة لقد كانت القيادة أمام خيارين لا ثالث لهما: أما الإستعداد للضربة العسكرية ومحاولة التخفيف منها ما أمكن وإمتصاص آثارها، أو رفع الراية البيضاء أمام المخطط الأمريكي الصهيوني، وما يعنيه ذلك من قتل للروح القومية داخل الأمة وإطفاء لجذوة الأمل التي بدأت بالتألق في عيون المستضعفين وخيانة للمباديء- مباديء الحزب والدين على حد سواء... وكلا الإختيارين مر وكلاهما باهض الثمن. يقول الرفيق الدكتور إلياس فرح عضو القيادة القومية للحزب في إحدى محاضراته للكوادر الحزبية المتقدمة في مدرسة الإعداد الحزبي: " كنّا ناقشنا مسألة الكويت في القيادة نقاشاً مسهباً وتوصلنا إلى قناعة أكيدة مفادها أن دخول الكويت يقترب من الإنتحار، ولكنها تضحية كان لا بد من القبول بها لأن البديل كان خيانة الأمة ورسالتها الخالدة وعدم المحافظة عليها حيّة ومتجددة". إن هذا القول يسلط الضوء على نقطتين مهمتين، أولاهما أن القرار لم يكن مفاجئاً لإعضاء القيادة كما يدعي الإعلام المعادي الذي يروج لنظرية أن صدّام حسين إتخذ القرار بـ"ديكتاتوريته" المعهودة ودون إستشارة أحد، وثانيهما أنه لم تكن في الأمر مغامرة ولا طيش ولا رعونة بل حسابات دقيقة تأخذ البعد الإستراتيجي في الحسبان وتتفوق على الحسابات التقليدية التي تنظر إلى الأمر من زاوية الخسائر المادية الآنية والأرباح التي تحسب بالدولار. كان أمام القيادة خياران وحيدان أحدهما الأرتقاء الى مستوى تطلعات جماهير الأمة بالتصدي للهجمة الأمبريالية ومحاولة تأجيج الحس القومي لدى الشعب العربي من خلال إطالة أمد الصراع، أو الإستسلام والإنخراط في قطيع المنبطحين والمطبّعين. ولمن يعرف صدّام حسين ورفاقه في القيادة العراقية لا يحتاج إلى كثير وقت ليعرف أي الخيارين كانوا سيختارون... وكانت أم المعارك.
لقد أرادت القيادة أن تقرر هي بداية الصراع ومكانه، ذلك أن صدّام حسين لم يكن من النوع الذي يترك المبادرة لخصمه، ولم يكن في وسع القيادة أن تنتظر الموت البطيء إقتصادياً وعسكرياً- كما حصل في حال غزّة، ولم يكن لها أن تترك العراق يختنق تحت وطأة الضغط الإقتصادي الهائل التي يسلط عليه ويتعطل عن القيام بدوره القومي المتوقع منه ليبدو ضعيفاً متخاذلاً أمام الجماهير التي كانت تعلق الآمال عليه... وكانت أم المعارك... وتم إختيار الكويت مسرحاً للصراع إستناداً إلى حقيقة أنها هي رأس النفيضة في العدوان الإقتصادي على العراق. ولمن فاتته الفكرة نقول لو لم يدخل العراق الكويت فإن البديل كان أن يبقى العراق ينتظر الضربة العسكرية القادمة دون أن يعرف توقيتها- كما حصل في غزّة، وإقتصاده ينزف دماً ويزداد ضعفاً يوماً بعد يوم دون أن يستطيع العراق النهوض بمهامه الوطنية التنموية الملحة وأن يتخلى مجبراً عن دوره القومي المنتظرولأمدٍ غير منظور.
ولمن يقول أن دخول العراق إلى الكويت قد أعطى الذريعة التي كانت أريكا تنتظرها لضرب العراق، فإننا نسأل: هل غزا العراق أحداً عام 2003؟ وهل إحتاجت أمريكا إلى الذريعة لغزو العراق؟ أم أنها أختلقت الذريعة الكاذبة ولم يحرك العالم ساكناً غير بعض الإدانات الخجولة... وهل دخل الجيش الغزّاوي إلى دولة مجاورة لكي تستحق هذا التدمير الذي تمارسه دولة العدوان الصهيونية وكل هذا التقتيل الذي ترتكبه آلة العدوان العنصرية في أهلنا في غزّة؟ لقد أصبح الفرز بين الأسود والأبيض أسهل جداً من ذي قبل.
وسيقول قائل إنه بعد دخول العراق الى الكويت، فقد أستنزف العراق مادياً وعسكرياً وتوقفت عملية التنمية وتخلى العراق عن كثير من مهامه القومية. وهذا صحيح. لكن هذا تطلب أن تقوم الدول المساهمة في المخطط بعدوان عسكري واسع شاركت فيه جيوش ثمان وعشرين دولة بينها ويا للعاردول عربية، وأن تساهم خمس دول إضافية أخرى بتوفير الدعم اللوجستي والمعلوماتي للعدوان، وأن تفرض الولايات المتحدة الأمريكية التي أنفردت بزعامة العالم بعد إنهيار الأتحاد السوفياتي في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1991 وبأسم الأمم المتحدة أقسى حصار إقتصادي عرفه التاريخ! ورغم تشعب التآمر وسعته وتنوعه وتعدد وسائله وأدواته، إلا إن إرادة العراق لم تنكسر وأستطاع الصمود بل والنهوض وبدأ في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي بالهجوم المعاكس وبمواصلة المسيرة، مما أستدعى أن يعالج الجرح بالدواء الأخير... الكي... وكان الغزو.
كان المطلوب أن يقول العراق "نعم" لكل المخططات الأمريكية وهي "نعم" لم يقلها صدّام حسين ولن يقولها حتى وهو على وشك أن يتأرجح من إرجوحة الشرف في 30/12/2006. وعوضاً عن ذلك قال صدّام وقال العراق كله " لا " في وجه أعتى إمبريالية وقوة عسكرية بأنياب نووية... وكانت تلك الـ"لا" مدوية هائلة جعلت معسكر الشر يتنادى ويجمع كل قواه الشريرة وعملائه لضرب التجربة العراقية الأبية وتنفيذ حكم الإعدام بقائدها صدّام حسين. وكان الفصل بين خندقي الحق والباطل واضحاً منذ اليوم الأول للمنازلة،،، ومن يقرأ الأحداث جيداً يرى أن المسافة بين الخندقين قد تزايدت وأصبحت الجماهير أكثر وعياً وقدرة على فرز الغث من السمين، ولكن مع هذا التزايد في الوعي تزايدت ألاعيب الإعلام المعادي وأزدادت أساليبه في الغش والتخفي وتزوير الأحداث.
بدأ الحصار الإقتصادي في السادس من آب/ أغسطس 1990 بسلسلة من القرارات الدولية التي أُستهلت بالقرار 660، وكان رد الفعل العراقي الظاهري على هذا الحصارهو البدء بنظام البطاقة التموينية الذي تم تطويره في السنين اللاحقة ليصبح أفضل نظام توزيع حصص بأعتراف منظمات دولية محايدة، بينما كانت هناك خطوات أخرى كثيرة وضعت لمواجهة الموقف الجديد. وعرقلت الولايات المتحدة الأمريكية كل الجهود التي بذلت لتسوية الأزمة أو حلها في نطاق البيت العربي... ولعب وكيلها في المنطقة الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطلق عليه الرئيس الشهيد لقب "الخفيف" بسبب سرعة تقلب مواقفه وكذبه ولعبه على كل الحبال، نقول لعب حسني الخفيف دوراً محورياً في دفع الأمور باتجاه الحرب كما أستطاع نسف دور الجامعة العربية وتخريبها عندما ترأس القمة العربية الطارئة في القاهرة في آب/أغسطس 1990، ويذكّر هذا بدور الخفيف التآمري في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. كما أعاق تدفق القوات الأمريكية على منطقة الخليج العربي إنسحاباً عسكرياً عراقياً من الكويت كان قد بدأ بالفعل يوم 4 آب/أغسطس، لكنه توقف بعد أن ثبت للقيادة العراقية أن العدوان قادم لامحالة وأن الإنسحاب أو عدم الإنسحاب لن يغير من الأمر شيئاً. وإنطلاقاً من هذه القناعة فإن العراق لم ينسحب من الكويت حتى بعد حصول العدوان العسكري على العراق في 17 كانون الثاني/يناير 1991. وقد تدفقت على العراق في الفترة الواقعة بين الدخول الى الكويت وحتى بدء العدوان العسكري المباشر الكثير من الشخصيات العالمية التي تنوعت بين رؤوساء دول وشخصيات سياسية ورياضية وفنية في زيارات وتشرفت معظمها بمقابلة الرئيس صدّام حسين مطالبة إياه بالانسحاب من الكويت، غير إن العراق لم يوافق على هذه الدعوات وأظهر عناداً غير مسبوق أمام إرادة الدولية والشعبية!!! هكذا صوّرَ الأمر أمام العالم وتبارت القنوات الإعلامية المأجورة- وهي كلها كانت كذلك، إلا ما رحم ربي- محملة الشهيد والقيادة العراقية مسؤولية الحرب- كما تم تحميل حماس مسؤولية العدوان على غزّة!!! غير إن الأمر لم يكن كذلك أبداً. لم يقدم أي من الزوار وعلى إختلاف هوياتهم ومراتبهم وإنتمائتهم أية ضمانة للقيادة العراقية إن حصل الإنسحاب بعدم حصول العدوان. أي أن الإنسحاب إن حصل كان سيحصل دون مقابل ولمجرد إرضاء أمريكا. أي أن الزوار كانوا يطالبون القيادة بتسليم ورقة مهمة من أوراقها الى أمريكا وبدون مقابل! ولم يكن صدّام حسين ولا رفاقه في القيادة بهذه السذاجة ليقبلوا بأي من تلك التمنيات.
ولم ينسحب العراق من الكويت وبدأ العدوان الثلاثيني على العراق بضربات جوية مكثفة على مناطق مختلفة من العراق، مدنية وعسكرية دون تمييز... وتعرضت القطعات العسكرية العراقية في المتمركزة في الكويت إلى ضربات عنيفة، لكن حسن تخطيط القيادة العسكرية إدى إلى تقليل الخسائر بشكل كبير مما أفقد المخطط الأمريكي صوابه فبدأ بقصف المناطق السكنية والمدنية بشكل عشوائي مما قاده إلى إرتكابه جريمة العصر! ففي فجر الثالث عشر من شباط/فبراير 1991 استهدف القصف الأمريكي الهمجي ملجأ العامرية المدني الذي كان يغص بالناس الأبرياء الذين كانوا يحاولون حماية أنفسهم وأطفالهم من الصواريخ الأمريكية! ولكن قنابل الموت المتطورة كانت بالمرصاد لتحصد أرواح أكثر من 400 مدني بين رجل وأمرأة وطفل قضى معظمهم أمّا حرقاً أو إختناقاً داخل الملجأ الذي تحوّل إلى فرن ملتهب... وكان التبرير الأمريكي للجريمة جاهزاً... لقد "ظنّوا" أن الملجأ كان يستخدم لأغراض عسكرية!!!
وتوقف إطلاق النار بناءً على طلب الجانب الأمريكي في 28/2/1991 بعد قصف جوي أستمر أثنين ,اربعين يوماً وليلة تلاه هجوم بري على القطعات المتمركزة في الكويت ثم على تلك التي كانت مكلفة بحماية البصرة. لتبدأ بعده إيران وعملائها بتنفيذ الصفحة التالية من المعركة وهي صفحة الغدر والخيانة... وللحديث بقية.