بقلم: جاسم الرصيف *
من تابع الحملات الانتخابية لرئاسة أمريكا بين الحزبين: الجمهوري والديمقراطي، يجد خيطا تعمّد اصحابه ان يكون رفيعا يكاد يرى، ولكن الجميع رآه، من العنصرية الدينية المخالفة لما يسمّى (القيم الأمريكية). وقد جاء ترشيح أوباما نفسه إلى هذا المنصب محكّا حادّا لهذه (القيم) التي يتاجر فيها بعض (القادة) الأمريكان، من الجمهوريين بشكل خاص، عن فراغ مبنى ومعنى في آن وعلى جملة من الدلالات :
أولا: حالما رشح الرجل نفسه نبشوا كل ماضيه، وكان اوّل ما استفز الجهات العنصرية في امريكا هو اسم أبي باراك: (حسين) المسلم الأسود الكيني حتى ان كثيرا من رجال سياساتهم واعلامهم كانوا يتنطعون بلفظ مفردة (حسين) عمدا في وسائل الإعلام لتذكير مناصريهم، ممن يضمرون كراهية عمياء للمسلمين، بأن اوباما هو مسلم فضلا عن كونه اسود، وان عليهم الوقوف ضد ترشيحه.علنا فعلوا هذا، وعلنا خرقوا كل (القيم الأمريكية)، التي لا ينكر أحد ان كثيرا منها ممتاز وانساني وديمقراطي حقا، ولكن كثيرا منها بحدّين يقبلان اعلان مثل هذه العنصرية السافرة الخالية من كل القيم
ثانيا: بعد ان اعلن الرجل انه مسيحي، وانه ليس مسلما، وبالكاد أطفأ حملة (الأسلمة) ضد حملته، نبشوا في المزيد من ماضيه، فوجدوا ان القس الذي كان يرتاد كنيسته كان قد هاجم اسرائيل بعد احداث (11) سبتمبر، فانقلبت الدنيا ضدهما، وصار الرجل متهما بأنه ضد السامية، وللتذكير هناك طائفة يهودية في امريكا اعلنت مرارا وتكرارا أنها لا تعترف باسرائيل، وأن وجود حكومة اسرائيلية مخالف لتعاليم التوراة، ولكن الإعلام الأمريكي يتجاهل وجودها ربما لأنها ليست (ضد السامية)، وهذه من عجائب فهم القيم ايضا
يصور بعض العنصريون هنا في امريكا اسرائيل على انها (الكتاب المقدس) الذي يجب الا يكفر به أحد، والا نال جريمة (ضد السامية) التي يعاقب عليها القانون، ولكن لا أحد من هؤلاء، والاغلبية المطلقة من الأمريكان، لايفهم من السامية غير انها تعني (اليهود) فقط من دون شعوب الأرض واديانها واولهم العرب والمسلمون، وهذه مفارقة كبيرة اخرى في القيم الأمريكية يصنعها الإعلام الأمريكي نفسه وتصنعها (القيم الأمريكية) نفسها، واستغلت قصة القس، الأسود ايضا، الى أبعد مدى، ولكن اوباما راوغ وتحاشاها بذكاء.
ثالثا: فجأة (اكتشف) الجمهوريون أن لأوباما صديقا عربيا فلسطينيا، عربيا فلسطينيا لم يشفع له ان يكون امريكيا، من حملة ذات القيم الأمريكية، فاتهم اوباما بأنه يتعاون مع (الإرهابيين)، اي ان المرء هنا هو مشروع ارهابي مادام يقع تحت تعريفات: مسلم، عربي، اسود، او منتقد لإسرائيل، وأطرف ما في غباء التهمة الجمهورية لأوباما عن صداقته للأستاذ الجامعي العربي الفلسطيني هو قيام حملة اوباما بالكشف ان الحزب الجمهوري نفسه كان قد تبرع للجهة الخيرية او الإنسانية التي يديرها ذلك العربي الفلسطيني بأموال كثيرة
رابعا: وفيما كانت الانتخابات تقترب من نهايتها على حقيقة حاسمة لصالح اوباما تشير الى انه حصل وإلى ما قبل يومين من اعلان نتائج الانتخابات على اكثر من (270) صوتا كشرط اساسي للفوز بالرئاسة، من اصوات الهيئة الانتخابية (اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب)، التي يبلغ عديدها في عموم امريكا (538) عضوا، وهي الهيئة المخولة بالتصديق على نتيجة الانتخابات تحت كل الأحوال والظروف، فيما نال منافسه الجمهوري ماكين اقل من هذا العدد بكثير مما يبعده عن فرصة الفوز، عاد الجمهوريون لنشر صور لأوباما وهو بلباس اسلامي، كأنهم يريدون تأكيد عنصريتهم العمياء ضد كل ما هو اسلامي، وكل ما هو عربي، رسميا، وعبر وسائل الإعلام ذاتها التي تتشدق بالقيم الأمريكية على انها اعلى وافضل القيم الديمقراطية بين شعوب الأرض
حسنا .
ما فهمته، وما يفهمه هنا كل المسلمين وكل العرب، من هذه القيم، وعلى هامش هذه الانتخابات ان المسلم او العربي، مسلما ام غير مسلم، له الحق في كل شيء وفق القيم الأمريكية، الا (حق) ان يكون مسؤولا كبيرا في الحكومة.. وهذا ما استفز في سؤالا بطعم أسخن فلفل هندي :
ترى لماذا يقبلون لأهلنا في العراق حكاما من كل جنسيات الأرض غير العراقية ويحرّمون هذا في امريكا راعية الديمقراطية في العالم؟
أعرف الإجابة، ولكنني قلت لرجل حكومة: لا اشك انك تحترم البابا وهو في روما
فأجاب: نعم
سألته: وهل تقبلون ان يتدخل البابا في الشؤون الداخلية والخارجية لأمريكا؟
اجاب: لا
فقلت له: لماذا إذاً ترضون ذلك لغيركم، وقد نصبتم لأهل العراق بابا غير عراقي تستمزجه حتى سفارة كروكر بكل شأن؟
ويشهد الله انه سكت ولم يجب، ولدي اكثر من شاهد على ذلك
وهذا من عجيب القيم الأمريكية
* كاتب عراقي مقيم في أمريكا.
jarrseef@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق