الخميس، نوفمبر 13، 2008

ألمقاومة العراقية .. والفرصة السانحة



"قراءة في متغيرات البيئة المحلية والدولية وفرص
المقاومة العراقية في بناء إستراتيجية جديدة"
د. خالد المعيني*

لم تكن المقاومة العراقية بدعة بين نظيراتها من تجارب شعوب العالم في دفاعها عن النفس وكفاحها ضد الاحتلال لنيل الاستقلال , وإذا كان الغموض وحالة اللا يقين اللذان اكتنفا ظروف انبثاقها وتوجهاتها وكذلك حجم انجازاتها قد شكل في السنين الأولى للاحتلال أحداهم أسباب نجاحها , فان هذه الخاصية وطبقا لقانون المراحل التي تخضع له معظم تجارب المقاومة وحركات التحرر لم تعد تستجيب أو تنسجم مع المستجدات الحالية , فهناك ثمة متغيرات جدية وعميقة طرأت على ما يمكن أن نطلق عليه ( منضدة الرمل ) أو ساحة الصراع في العراق متغيرات سياسية واقتصادية سواء على المستوى المحلي , الإقليمي والدولي .
يرتب الفشل المتكرر للاستراتيجيات الأمريكية في العراق بصفحاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية على عاتق دوائر التخطيط لدى فصائل المقاومة العراقية مسؤولية أعادة تعريف الموقف وتقييم المرحلة السابقة بكافة نجاحاتها وإخفاقاتها وطرح استرتيجية بديلة خلاقة تنسجم مع المتغيرات الحالية وتتعشق بمرونة مع رغبات وتوجهات الشعب العراقي مع الحفاظ الحازم وعدم التفريط في أية حال من الأحوال بثوابت مصلحة العراق العليا المتمثلة بالاستقلال الناجز ووحدة العراق والحفاظ على هويته العربية والإسلامية .
يساهم في صياغة هذه الاستراتيجية معظم مكونات الحركة الوطنية من هيئات واحزاب وحركات وشخصيات لتشكل بوصلة للعمل الوطني على المديين القريب والمتوسط وتضمن استعادة المبادأة من يد الاحتلال ليس على مستوى الفعل العسكري فحسب بل استعادة حواضن المقاومة على المستويين السياسي والاجتماعي بعد ان تمكنت بيوت الخبرة لدى دوائر الاحتلال بخبث في السنة المنصرمة من تحقيق بعض الاختراقات هنا أو هناك من خلال ابتكارها ظاهرة الصحوات ومجالس الإسناد مستغلة سياسة التجويع والقتل والتهجير و التنكيل بالشعب العراقي وإثارة الفتنة الطائفية بغية استنزاف أرادته وإجباره في أخر المطاف على القبول والتطبيع مع الأمر الواقع .
أن الدروس الصعبة التي على المقاومة استيعابها في المرحلة القادمة كثيرة ، لعل من أهمها تلك التي تتعلق بغياب إستراتيجية واضحة وشاملة ومتعددة الإبعاد , ففي الوقت الذي تمكنت فيه فصائل هذه المقاومة من إنزال هزيمة عسكرية قاسية بالقوات الأمريكية وتكبيدها خسائر مادية وبشرية هائلة باعتراف معظم التقارير والتوصيات الحكومية الأمريكية المستقلة التي أقرت بتصاعد عمليات المقاومة ووصولها الذروة خاصة في الفترة من تموز 2006 ولغاية منتصف 2007.
ضخامة الانجاز وضعف الاستثمار
بالعودة الى تجارب شعوب أخرى في المقاومة نجد إن العدد الهائل من العمليات العسكرية لفصائل المقاومة والتي بلغت 164 ألف عملية منذ بدء الاحتلال ولغاية 2008 , لا يمكن للباحث إلا أن يطلق يطلق عليها في بعض المراحل وصف ثورة شعبية بمعنى أنها اكبر من مجرد عمليات كر وفر في حرب عصابات متقطعة , ويكمن السر وراء هذا النجاح في ذلك التعاطف والتعاون والاندماج الكامل للمقاومة مع حاضنتها الاجتماعية والذي يعد احد أهم شروط نجاحها , ومثلت معركة الفلوجة الأولى ذروة هذا الانسجام عندما قطعت كافة إمدادات قوات الجيش الأمريكي على الأرض حتى أجبرت هذه القوات على طلب التفاوض مع ممثلي المقاومة لوقف إطلاق النار .

ضخامة هذا الانجاز والانتصار رافقه ضعف وإهمال في الترصين والتوظيف أفقيا ، فالتركيز برمته تم على مسار واحد من الصراع إلا وهو العامل العسكري وأهمل التكامل والتناغم مع العناصر الأخرى للصراع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , هذه الفجوة أتاحت لدوائر الاحتلال القدرة على المناورة من خلالها والالتفاف على النجاحات العسكرية للمقاومة العراقية .
لقد شكل تعاطف الحاضنة الاجتماعية نسبة كبيرة من ثقل العمل العسكري المنجز في المرحلة السابقة ، إلا ان غياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الحاضنة سواء منخلال توعيتها أو تحصينها وتنميتها اقتصاديا وإيجاد المنافذ المستدامة للتمويل وإدامة صمود المقاتلين أدى إلى أن تفقد فصائل المقاومة عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا احتياطي ساند ومضموم لها وانخرطوا خلال أشهرقليلة في برامج الصحوات ومجالس الإسناد والتي تعد التفافا ناجحا حققته قوات الاحتلال في الميادين الاجتماعية والاقتصادية للصراع مما أتاح لقواتها فرصة التقاط أنفاسها .
بيئة محلية ودولية مناسبة

جربت الولايات المتحدة الامريكية منذ احتلالها اربعة استراتيجيات في تعاملها مع الملف العراقي باءت جميعها بالفشل وكان اخرها استراتيجية ( الطريق الجديد – الى الامام ) وامدها 18 شهرا انتهت في 31 تموز 2008 كان من المؤمل ان تتوج باتفاقية امنية طويلة الأمد ، وتجسد الفشل على المسارين الامني والسياسي فقد بني التحسن الامني المزعوم على عناصر هشة ، فالصحوات حاليا قيد التحلل والتفكك والهدنة مع جيش المهدي غير مضمونة ومرتبطة بمشيئة دولة اقليمية مجاورة ومزاج قيادة التيار الصدري ، كما ان القوات الحكومية التي مضى على تشكيلها أكثرمن خمس سنوات لم ترتقي كما كان مخطط لها لتكون جيشا وطنيا يتحمل المسؤولية الامنية ويكمن السبب وراء عدم جهوزيتها في انها تشكلت من مجموعة ميليشيات وتقوم عقيدتها اساسا على مبدأ المحاصصة الطائفية وتتوزع ولاءاتها ما بين احزابها ومرجعياتها الدينية الطائفية والميليشياوية اضافة الى انها لغاية الان لم تجهز سوى باسلحة خفيفة .
على مستوى العملية السياسية في العراق والتي صممت لتكون الصفحة السياسية المكملة لمشروع الاحتلال هناك انهيار وفشل تام في ملفات كالمصالحة الوطنية واعادة النظر بالدستور وتمرير قانون النفط ومشكلة كركوك , وأدى تخلف الهياكل السياسية التي قامت على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية كالدستور والبرلمان والحكومة الى أن يكون الحراك السياسي الشعبي بعد ستة سنين اكثر وعيا بمخططات الاحتلال والطبقة السياسية الطائفية التي قدمت معه اصبحت أكثرعزلة ولا تحظى باي مساندة او تعاطف من كافة شرائح المجتمع .
من جانب اخر شهدت البيئة الدولية متغيرات سريعة وايجابية يمكن لفصائل المقاومة العراقية استثمارها لصالح قضية العراق لاسيما وان الولايات المتحدة باتت مقيدة اكثر من ذي قبل ومتورطة ومستنزفة في تحديين استراتيجين بان واحد مما حرمها القدرة على مواجهة اية تحدي ثالث وانتفاضة الروس في جورجيا لاستعادة دورها ومجالها الحيوي احد نتاجات المقاومة العراقية كما وياتي الانهيار الاقتصادي الحاد الاخيرلقطاع الاستثمار المصرفي الذي يمثل عصب القوة في الولايات المتحدة ليكمل عوامل الخور والانكفاء الامريكي الذي سيترك اثرا سريعا على الوضع في العراق ، أو على الاقل سيحد من قدرتها على تمويل الحرب لفترة طويلة .

عناصر بناء الاستراتيجية
تمر فصائل المقاومة العراقية حاليا بمنعطف يمكن ان نطلق عليه ( الفراغ الاستراتيجي ) بمعنى الافتقار الى التناغم والترابط بين عناصر استراتيجية المقاومة , فالبناء الاستراتيجي الشامل للمقاومة العراقية لاتزال مبعثرة ومفككة وتحتاج الى اعادة ترميم وتجميع واعادة انتاج طبقا لنظرة متكاملة الابعاد وليس مجتزأة ، وتتوزع عناصر بناء أي استراتيجية ناجحة من الناحية النظرية الى اربعة مراحل :
----------------------------------------------------------------------------------
المسح والدراسة (البيئة الداخلية والخارجية )
صياغة الاستراتيجية (الاهداف والاستراتيجيات الفرعية السياسية-الاقتصادية-العسكرية والاعلامية)
تنفيذ الاستراتيجية ( البرامج والاجراءات )
التقييم والرقابة ( الرقابة )


تشير كل من البيئتين المحلية الدولية الى وجود ظروف مشجعة وناسبة فتوفر عنصر الانجاز العسكري للمقاومة العراقية ونجاحها في عبور عنق الزجاجة والمطاولة وتحقيق مبدأ النفس الطويل او ما يسمى ( استراتيجية الانهاك بالملل ) من خلال الاستنزاف المستمرلقوات ومعدات الاحتلال الاميركي.
ينبغي الشروع في صياغة مفردات الاستراتيجية القادمة وخاصة في مستوياتها الاجتماعية والسياسية والاعلامية بهدف استعادة دور الحاضنة الاجتماعية والسياسية تمهيدا لمسك الارض وانهاء الظواهر الشاذة وتصفية افرازات وتداعيات الاحتلال .
ولعل من اول شروط رسم الاستراتيجية الشاملة والمتناغمة ونجاحها يأتي الشرط والمفتاح الرئيسي الذي يشكل خط الشروع وغيابه سيجعل أي جهد في هذا المضمار ضربا من ضروب الاوهام وضياع الجهد والدماء وبدونه ستغدو المقاومة ذكرى جميلة من الماضي , فالقتال لدى فصائل المقاومة ليس غاية بحد ذاتها بل وسيلة اضطرت اليها لتحقيق الاستقلال وتحرير الارض والانسان .
المقصود بهذا الشرط - المفتاح هو وحدة العمل المسلح وتشكيل مجلس وطني للمقاومة العراقية ليشكل رافعة العمل الوطني المقاوم للاحتلال برمته يكون من اول واجباته في هذه المرحلة ترجمة انجازات وانتصارات المقاومة الى مشروع وطني شامل , هذا الشرط وحده الكفيل بتحقيق انتقالة نوعية في منحني الصراع ويضخ الامل من جديد في عروق الملايين من العراقيين الذين أختلطت عليهم الحقائق وينتظرون هذه الولادة بفارغ الصبر .
*باحث وسياسي عراقي مستقل
- دكتوراه في العلوم السياسية –الدراسات الدولية والاستراتيجية
hamzah600@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار