السبت، سبتمبر 27، 2008

من يحرك إيران.. الآيديولوجيا أم الإستراتيجيا أم الأثنين معاً؟



شبكة البصرة
حكمت ناظم
· الأستراتيجيا.. هي التي تحرك الدولة أولاً.
· الآيديولوجيا.. أداة تراها الدولة ممكنة وضرورية للوصول الى أهدافها.
· قد تخفي الدولة دوافعها الأستراتيجية.. بغطاء آيديولوجي.
· الإستراتيجيا، والآيديولوجيا.. لا تكفان عن الحركة، ولكن بحسابات.

لكي نفهم طبيعة السلوك السياسي الخارجي للدولة الإيرانية، ينبغي أن نتعرف على الدوافع التي تمكنها من الحركة، ومن أجل أن نتفهم تلك الدوافع، يتوجب معرفة ما إذا كانت نابعة من قاعدة "آيديولوجية" محضة أم أن مصدرها رزمة من المصالح التي تحركها السياسة- الإستراتيجية للدولة؟!
قبل عام 1979، كانت مؤسسة الشاه السياسية- العسكرية تحتكم في سلوكها السياسي الخارجي على المصالح القومية للدولة الإيرانية، وفي الوقت ذاته، كانت هنالك، خارج المؤسسة السياسية الشاهنشاهية، مؤسسة دينية تتبنى "التشيع الفارسي"، وهي ظاهرياً بعيدة عن مؤسسة السياسة التي تصنع المصالح الإيرانية وتصوغ أهدافها ووسائلها وأوراق ضغطها في تعاملها مع محيطها ومع العالم الخارجي، لتيسير لعبة السعي من أجل النفوذ والحماية والأمن.

والتداخل بين المؤسستين، السياسية في طهران، والدينية في قم كان بسيطاً، لآن سلطة الشاه السياسية هي التي ترسم وتصرٌفْ الشؤون العامة للدولة في الداخل والخارج، فيما تقتصر حركة المؤسسة الدينية "التشيعية الفارسية" على إدارة شؤونها في داخل إيران وخارجها، حيث التنافس على (الحوزة) قائما بين قم والنجفً، بين الفرس والعرب الشيعة، تعكسها رغبة إيرانية فارسية جامحة لزعامة العالم الإسلامي، لآن أكثر من 80 % من المسلمين هم من السنة، حيث ظنت إيران الفارسية أنها قادرة بالتعاون مع أعداء العرب المسلمين على تغيير الجغرافيا المذهبية بأداة طائفية!! وكان " الخميني " يتوهم أن بإمكانه أن يغيٌر ولاء العراقيين بعيداً عن وطنيتهم بالأداة ذاتها.

ماذا تفعل "الحوزة" ورجالاتها؟
الهم الأكبر الذي يتملك الذين يغالون في أمور الدين، هو التحكم بالمراقد المقدسة في كربلاء والنجف وإستثمار الحوزة في أمرين مهمين، الأول: هو الإستحواذ على (الخُمْسْ) الذي يجمع ملايين الدولارات، يقسٌم بين ثلاث فئات، النصيب الأكبر يذهب الى قم، والآخر يذهب الى "المرجعيات الأربع" التي تتكفل بقيادة الحوزة دون مناقشة من أحد، والباقي يذهب الى "السادة" الأتباع الذين ينفذون ما تطلب منهم الحوزة. ويتضح من هذا، أن الذين يعملون في هذا المجال هم يرتزقون منه وهو مصدر رزقهم وموردهم الوحيد، فهم لا يتوانون عن تنفيذ ما تأمرهم به (قم) ومرجعياتهم في النجف من أمور لا علاقة لها بالدين، من تنفيذ الطقوس والتظاهرات والمزايدة في إحياء المناسبات والإعتصامات والأحتجاجات حتى والصدامات التي يتطلبها الموقف ليس الديني إنما باطنياً الموقف السياسي. أما الأمر الثاني : فيعتمد على من يدخل الحوزة من الطلاب العراقيين العرب أو الأعاجم، وتخريجهم كوادر ولاؤهم مضمون للمرجعية، التي يحرص الأيرانيون أن تكون إيرانية أو من أصول إيرانية، كما حو حال "على السيستاني" وهو إيراني الجنسية وفارسي التشيع المذهبي، الذي يتدخل في صنع السياسة، وإجراء الإنتخابات، وقيام التظاهرات، والسكوت على الجرائم وفي مقدمتها جريمة الإحتلال. وفي الوقت ذاته إبعاد الطلبة العرب من السنة، وإذا كان هناك بعضهم القليل فهم مهمشون، فيما يتم قبول الطلبة الأفغانيين والباكستانيين والإيرانيين وغيرهم.. وإحتكار إيران للحوزة في النجف الأشرف واضح، والدوافع عديدة ومتشعبة، بعضها بعيد المدى يصب في خانة "التشيع الفارسي" أي على الطريقة الفارسية، التي تتعارض جوهلاياً مع الدين الإسلامي الحنيف، وتتماشى ظاهرياً بـ(التقية) معه، من أجل (فرسنة) الآخرين حتى لو كانوا في ديانة واحدة، وما نراه اليوم هو إرسال المبشرين الإيرانيين الى الأوساط المسلمة بدلاً من إرسالهم الى الأوساط غير المسلمة كما هو متعارف عليه!!
والغريب في الأمر، أن الفرس الإيرانيين هم الوحيدون من كل الشعوب الأعجمية التي دخلت الإسلام، يبالغون، ويتظاهرون، ويتحمسون، ويبرعون في إدخال "البدع" والفُرقة بين المسلمين، والسبب في ذلك هو أن دخولهم الإسلام كان بـ (تقية) معروفة، إما دفع الجزية أو السيف. فدخلوا الإسلام، لا حباً به وإيماناً، إنما تفادياً لدفع الجزية وتهرباً من وقع السيف العربي الصارم. وكان الإيرانيون الفرس يضمرون الرد على العرب وعلى الإسلام بطريقة نخر الإسلام من الداخل بـ (البدع) وتشويه النصوص المقدسة وتحريف السنة النبوية الشريفة، وسب الصحابة الكرام وتقسيمهم بين منبوذ وكافر وبين محب ومقرب، وصاغوا قصصاً لا تعد ولا تحصى وحشروها في كتيبات صفراء نشروها بين أتباعهم تحمل التشويه والسب والشتم، وكرسوا أقاويل اليهودي عبد الله بن سبأ في مسائل الوحي، وشككوا في نبوة الرسول الكريم، وجعلوا من مقام آل البيت العظام أعلى من منزلة نبي الله ورسوله الكريم في كل تفاصيل تعاملاتهم وطقوسهم ونواحهم ولطمهم وتطبيرهم وسلخ جلودهم!!

فالمؤسستان الإيرانيتان، السياسية والدينية "التشيعية الفارسية"، تعملان كل في مجالها، والأخيرة لا تخفي دوافع إسقاط النظام السياسي للشاه، الذي بات مكروها لتماديه في القمع وبذخه على عرش الطاووس في قصر ملك الملوك، فيما كانت قوى أخرى في الساحة تناضل بالضد من الوجود الأمريكي- الشاهنشاهي المقيت لها شأنها في تحريك الشارع الإيراني، مثل حزب (تودة)، الحزب الشيوعي الإيراني، وأحزاب إيرانية وطنية أخرى فضلاً عن أحزاب عربية وكردية وتركمانية وآذربيجانية وغيرها، كما أن هنالك قوى ظلامية وعميلة مشحونة بمخلفات التاريخ وعقده تعمل على الساحة بطريقتها الخاصة. وبتعاون المؤسسة الإيرانية الظلامية مع قوى بريطانية وفرنسية وإسرائيلية تم إستلاب حق القوى الوطنية الإيرانية، وتم غمط حقوق الشعوب الإيرانية، وتم إحتكار السلطة السياسية بعد سقوط الشاه وتنصيب (الخميني) وهو في باريس، حاكماً على إيران في نهاية عقد السبعينيات من القرن المنصرم، لتبدأ مرحلة التحول العقدي الأمريكي تأخذ مداها ثمان سنوات من العدوان على العراق، وثلاثة عشر عاماً من الحصار الشامل الجائر، حيث صفحة الأحتلال وتدمير الدولة عام 2003.

وفي اللحظة التي تسلم فيها الخميني السلطة، بات يجمع بين السلطتين السياسية والدينية الفارسية في آن واحد، وهو الأمر الذي دفع بالآيديولوجيا ألإيرانية أن تتضخم على حساب الأستراتيجيا القومية الفارسية لتهيىء المجال الحيوي من أجل التوسع الأستراتيجي الإيراني على حساب دول الجوار(الشاه إحتل الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي.. وجاء الخميني وثورته فإعتبر إحتلال الجزر العربية هذه مكسباً إيرانياً طبيعياً لا يمكن التنازل عنه)، في ظروف كرسها إستراتيجاً مؤتمر(قم) لخمسين عاماً تتوزع على عشر سنوات لكل مرحلة، بعد أن أدخل نصاً صريحاً في الدستور الإيراني يقول بأن إيران دولة "شيعية" تلتزم بمنهج ولي الفقيه وتعمل على نشره. والتشيع هنا له لونه الخاص يعكس الإستراتيجية الفارسية في التوسع بأداة الآيديولوجيا.

السياسة الخارجية الإيرانية محكومة بتياري (الآيديولوجيا) و(المصالح الإستراتيجية الفارسية)، وإذا ما أرادت إيران أن تختار بين (الآيديولوجيا) التشيعية الفارسية التي أصابها التصدع لإنكشاف دوافعها الخفية، وبين (مصالحها الجيو- ستراتيجية) التوسعية الفاضحة، فأنها تختار حتماً الأخيرة، وهي مستعدة للتخلي عن (الآيديولوجيا) نسبياً، كلما تعرضت مصالحها للخطر. أي بمعنى أن إيران تقدم دائماً مصالحها الجيو- ستراتيجية التوسعية على دوافعها (الآيديولوجية) التشيعية الفارسية.. فعقد الثمانينيات يعد مثالاً لصعود الأستراتيجيا الإيرانية بالتوافق مع الأستراتيجيا الأسرائيلية وبروز (إيران غيت)، حيث طلبت إيران مساعدة (إسرائيل) عندما كانت طهران تشن عدوانها الغاشم على العراق، فأمدتها بالسلاح والعتاد والمشورة الإستخبارية، وذلك من خلال الإلتزام القائم بين الموساد الإسرائيلي وبين السافاك الإيراني.. وكانت الآيديولوجيا الإيرانية تعمل في الوقت ذاته على تحريك طابورها الخامس في العراق، فحدثت جملة من أعمال التخريب والإغتيالات التي تعرض لها بعض قادة العراق وكوادره الحزبية والسياسية، فضلاً عن تأجيج الطائفية ظناً منها أن الشيعة العرب العراقيين الذين يعتزون بإنتمائهم القومي والإسلامي الحق، سيستجيبون لنداءاتهم الخبيثة.. فيما قام الأعلام الإيراني والقادة السياسيون الإيرانيون بحملة إعلامية عنيفة قادها خميني نفسة، حيث قال في تصريحاته يوم 22/نيسان/1980 ((إن إيران قادرة على إحتلال بغداد في ساعات))، وخاطب جيش العراق بقوله ((أتركوا الثكنات، وانفروا ضد الموقف المخزي لنظام بغداد، وتخلصوا من صدام كما تخلصنا من الشاه)).. وقال أبو الحسن بني صدر يوم 25/نيسان/1980 ((نحن لا نستطيع منع جيشنا إذا رغب بالتوجه الى بغداد)).. وقال صادق قطب زاده وزير خارجية إيران وهو يزور الكويت ((إن الجزر التي يسمونها إماراتية هي إيرانية تاريخياً، بل أن العراق نفسه فارسي في الأساس)).. ثم جاءت سلسلة القصف المدفعي والصاروخي وإختراق الحدود بالطائرات وغلق حرية الملاحة في مياه شط العرب، الأمر الذي دفع بالعراق الى أن يقدم (260) مذكرة رسمية الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة عدم الإنحياز.. ثم تلقت بغداد مذكرة رسمية إيرانية يوم 8/نيسان/1980 تقول ((نحن لا نعترف بإتفاقية الجزائر، وهذه المناطق المقصوفة هي مناطق إيرانية، وقد قبرت طهران والى الأبد إتفاقية الجزائر بينكم وبين الشاه))!!
إستمر التعنت الإيراني على إستمرار العدوان على العراق حتى يوم 8/8/1988. الأمر الذي دفع "جيانو بيكو" نائب خافير بيريز ديكويلار الأمين العام للأمم المتحدة الى القول ((إن الواقع القانوني يحمٌل إيران المسؤولية، ومسؤولية الحرب كونها الطرف الذي بدأ الأعمال العدوانية، سواء بالإعلام أو التدخل في الشأن العراقي وما رافق ذلك من ظواهر فتح النار على مراكز الحدود العراقية، أما مسؤولية إستمرار الحرب فهي محسومة قانونياً، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي سبع قرارات منذ تاريخ 28/أيلول/1980 حتى 20/تموز/1987 تدعو فيها إيران الى وقف إطلاق النار، فيما قبلتها بغداد وظلت طهران ترفضها بعناد!!

والتساؤل هنا، لو كانت أمريكا، كما يقول المتشككون تشجع بغداد على الحرب مع إيران، فلماذا قبلَ العراق بوقف إطلاق النار منذ اليوم الرابع للحرب عام 1980؟!

ما تقدم يشير الى أن النظام الإيراني كان يتبنى منذ عام 1979 تصدير الثورة عن طريق (القوة المسلحة)، وهي سياسة ستراتيجية تمثل جوهر التخطيط الإيراني للتوسع غرباً، مهدت لها الآيديولوجيا وطوفانها الطائفي.. وحين فشل النظام في تصديرها وفشل في تحطيم بوابة العراق الى المنطقة خلال عقد الثمانينيات، خسرت إيران حربها العدوانية على العراق وتجرعت السم الزعاف، حينئذٍ إنكفأت نحو خيار آخر وهو تصدير الثورة عن طريق (الآيديولوجيا) الطائفية التي تتسم بالتشيع الفارسي.
لم تكن الآيديولوجيا هذه قد توقفت حين كان خيار تصدير الثورة عن طريق القوة، التي أعلن عنها خميني، وابو الحسن بني صدر، وصادق قطب زادة، وأقطاب النظام الإيراني قبل الحرب واثنائها، إنما كانت تعمل بصيغ التحريض والإثارة الطائفية والتخريب والقتل، أي تحريك الطابور الفارسي الخامس بكل طواقمه وتشكيلاته، فيما كانت الأستراتيجية العسكرية تأخذ مداها لتغيير الواقع الجيو- ستراتيجي للعراق.
الخيار الآيديولوجي- السياسي الإيراني كان له المقام الأول في التحظير الأمريكي- الإيراني المشترك لغزو العراق وإحتلاله وتدمير عناصر قوته، والآيديولوجيا الطائفية الإيرانية في هذا التوجه كانت فعالة ومؤثرة تساوقت مع ستراتيجية الصدمة والترويع الأمريكية.

كان الخميني، يتوهم أن بإمكانه أن يغير ولاء العراقيين الشيعة العرب الوطنيين الشرفاء على أساس طائفي طيلة ثمان سنوات من العدوان على العراق، وكان رهانه ستراتيجي في المقام الأول، فيما تعمل في ظل هذا الرهان الآيديولوجيا الفارسية الطائفية في تخريب وإرباك الداخل، ولكن الولاء الوطني كان في الخندق القتالي والنضالي قد تغلب على الولاء الطائفي أو المذهبي.. فسقطت إطروحة الخميني كخيار ستراتيجي عسكري الى الحضيض وتجرع السم الزعاف!!
فأذا كانت الخيارات الأستراتيجية التي تقوم على المصالح القومية الفارسية لها الأولوية، وهي كذلك، فأن خيار الآيديولوجيا لتصدير الثورة التي أفل بريقها وما عادت مثل ما كانت عليه عام 1979، يظل خياراً له في عقلية أصحاب الكهوف المظلمة اهميته في هذه المرحلة بالرغم من مظاهر الترويج الإيراني لقوتها، بعد أن أسقط العراق خيار إيران لتصدير الثورة عن طريق القوة، وشعب العراق العظيم يفشل الآن خيارها الآيديولوجي أيضا!!
25/9/2008

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار