الاثنين، سبتمبر 22، 2008

مجالس العزاء في المنطقة الخضراء


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

في 5 حلقات من "مقامة رمضانية في الزمن الاسود"
"ليلة القبض على الالوسي في غابة العمائم والفتن السوداء"

مجالس العزاء في المنطقة الخضراء (1-5)
الى أين المسير يا قرة عيني؟؟
(و... ياليتنا كنا معكم سيدي فنفوز والله فوزا عظيما)
شبكة البصرة
عبد الكاظم العبودي
كلما استمعت الى بعض مواعظ البعض من أدعياء الدين المسيس هذه الايام ورأيت لحاهم المنسقة بمشط أمريكي أو تصاميم عمامامتهم المجلببة بالشرور عدت الى حنين طفولة بريئة كنت اعود لوالدي لأسأله : لماذا يكرر الملا داغر في الحسينية المجاورة لبيتنا بكائياته اليومية ويفتتح بها مقطعا من النواح المفتعل كلما ذُكِر اسم الحسين والائمة الاطهار، وهو يردد كل يوم قائلا : (... ياليتنا كنا معكم سيدي.... فنفوز والله فوزا عظيما)، كنت حائرا بمحنة الملا داغر مع الامام الحسين وآل بيته وبكائياته التي غلب عليها الافتعال المفضوح.
وككل اطفال جيلي المكابد بمصائبنا العاثرة مع أمثال الملا داغر، كان عصيا علي أن افهم وأنا الصغير إبن الخامسة لماذا يصر الملا وأمثاله على إبكائنا كل يوم وصباح مساء، وحتى في مناسبات كانت تستوجب اظهار الفرحة والبهجة عند المسلمين كذكرى ميلاد الرسول الاعظم محمد "ص"، وميلاد الامام علي "رض" وبقية الائمة(رض)، وحتى بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء وبقية الائمة "رض". كلها مناسبات تتحول الى أيام كابوسية وفرص مفتعلة للنحيب والبكاء اكثر منها فرصا للوحدة الاسلامية و للفرحة والاعياد والسرور.
وعندما كات تسقط دموع الغلابى أمامي مدرارا على خدودهم في مجلس العزاء الحسيني، لم أرى دمعة واحدة على خد الملا داغر ومن امثاله من الملالي، وما عدا إفتعاله التهجد وسماع شخيره ونخيره وتمخطه في منديل كان يخفي به ورعه الكاذب ليوهم الناس بمسح الدمع الموهوم المنسكب على وجنتيه.فإن شيئا آخر لم يفدنا به الملا داغر بن الشيخ مشخاب.
مرة جئت اسأل المرحوم والدي عن سر ذلك الشجن الشيعي عند الملا داغر وشيوخ قريتنا من الزائرين لنا في تلك المناسبات ومن جمهور المقرئين واللطامين والردادين. وهم على شاكلة واحدة. قلت لوالدي: لماذا يبكي الملا داغر من دون دموع؟.
كان المرحوم الوالد، رغم تدينه والتزامه بفروض الدين، ميالا الى الابتعاد عن حضور تلك المجالس، والزيارات المفتعلة والمواكب الحسينية. وكان حازما معي واضحا في القول عنها ووصفها : (لا تصدقهم يا بني، انهم يكذبون، حتى وان رأيت دموعهم، تجري على لحاهم، فهي دموع تماسيح... ولو انهم رأوا الحسين اليوم بدمه ولحمه فعلا قادما من الحجاز لذهبوا مرة اخرى للوشاية به عند معسكر يزيد ولأخبروا عنه عيون وأسماع عبيد الله بن زياد، بل لقايضوا رأسه الشريف بحفنة من ذهب يزيد بن معاوية، وهم مستعدون للوشاية بمقدم أي من آل البيت يبيعونهم كما بيع دم مسلم بن عقيل يوما، وسيغلقون ابواب بيوتهم وحسينياتهم كما غلق باب مسجد الكوفة بوجه مسلم، انهم.باعوه، ياولدي، وذبحوه الف مرة بطقوسهم الرعناء المصطنعة، وسلوكياتهم تكاثرت وباتت تتسابق بالاساءة للاسلام وقبل سيوفهم ورماحهم، إسمع ما يقولونه في سب رموز الاسلام وقادته، كما انهم اول من يستعد لسلب أهل البيت حقوقهم ولا يتوانون عن سب الامام علي بالاساءة اليه، وأفعالهم لا تقل عن أؤلئك الامويون ممن كانوا يسبون "ابا تراب" خوفا وارتعادا من عقوبات الحاكم المتجبر، أوطمعا بذهب أي خليفة كان أُمويا ام عباسيا او الخضوع وخدمة ولي أمرهم اونعمتهم اذا ما طلب منهم صنيعة ولو نكراء).
عجبت من صراحة المرحوم والدي. وببراءتي الطفولية عدت مندهشا له وكان يجيبني ستكبر وترى. وبقيت لسنوات وعقود أردد على قياس كلامه في كل مرة ومناسبة : (... هذا مو معقول هذا الكلام... مو معقول يا بابا)، وهي ذات اللازمة الكلامية المعادة على السنة كثير من جمهور العراقيين يكررونها كلما أسرتهم حالة من الدهشة إزاء ما لا يتوقع فعله من عيب ومخازي بعض العباد من أهلنا، وما كان يبدو مستغربا ومستهجنا في حياتنا للتعليق بعفوية صادقة مرددين (هذا والله مو معقول).
ونحن الان في الزمن العراقي الموحش، في مرحلة سيادة وعدم غرابة مثل ذلك الاستنكار اللفظي لما يجري حولنا من مناكر نعيد الرد بأضعف الإيمان بلفظة "مو معقول". ويبدو ايضا ان واقع ايامنا السوداء هذه الايام كرس العكس عند الاجابة عن حالة من الدهشة والفضول لما هو معقول (نعم هو هذا المعقول الذي يجب ان ندركه الآن ولا نتغافل عنه بالقول ونجهر به بأنه مو معقول).
وهاهي الايام الامريكية السوداء في بلادنا تمكنت ورسمت ذلك الواقع " المو معقول" وتطبعه في أذهاننا الى الابد كجزء من حالة فيها من التبلد واللا مبالاة الكثير لكي نعالج أنفسنا بالصدمة نفسها لنستفيق ونحن نرى تشكل معالم لوحة سريالية لبلادنا المخطوفة عن أهلها تتجسد امامنا كل لحظة لتعكس مأساة اسمها " لوحة العراق المخطوف بأهله وتراثه وشعبه وخيراته " بعد أن أعلن اليانكي وتوابعه " تحريره" من أهله وامته على يد جنود الغزاة الامريكيين وبتمكين رواد طروادة الجدد من الايرانيين وتُبَعَهُم من فرس وشيعة مستعربين وسنة مستعجمين وكرد متواطئين. كانوا معا حاملي معاول تدمير العراق صبيحة ذلك اليوم الاسود في التاسع من نيسان من العام 2003.
حيث بدأ العد التصاعدي لمتواليات رفع معدلات الذبح والاجتثاث والتشريد المنظم لأهل العراق وإشاعة الخراب الشامل. بنفس ذات السيوف والمدي واللحي والعمائم المتسلحة بالبارود والحديد الامبريالي وبخبرة وشحذ الخنجر الإيراني على رقاب العراقيين للمرة الثالثة: (سقوط بابل على يد كورش،واسقاط الخلافة العباسية على يد هولاكو بتآمر من ابن العلقمي وأخيرا الدخول الامريكي الى بغداد). وما بين هذه المحطات الثلاث غزوات وحروب غدر واجتياحات لا حصر لها.
وكلما احتدم نقاش ظاهري على فضائيات مرتزقة المنطقة الخضراء والبيت الابيض تجسد أمامي مجلس عزائهم المقام في احدى خيام المحمية الامريكية الممتدة بجوار الكرادتين حتى حدود منطقة المنصور. نسمع ذات الاصوات، اصوات الملا داغر والملالي. لأعود الى استذكار حكمة وردود فعل والدي،قبل نصف قرن. بدأت تتلاشى عن عقدة لساني حالة التردد مرة اخرى ولم أكرر لا مع نفسي ولا مع الآخرين بلادة ترداد القول لأعبرعن دهشتي في كل مرة من افعالهم لأقول كالآخرين (هذا الذي يجري... مو معقول) كفى مثل هذا التبلد. فقررت ان اكتب عسى التذكير ينفع بعض من المتبلدين.
بالامس رأيت صديق طفولتي المدعو اليوم في مقامتي الرمضانية كناية "السيد عبد السادة ابن الملا داغر". وهي شخصية حقيقية لا غبار على تاريخها الذي سأسرده بمرارة مع مراعاة التورية حفظا لحياة من تبقى من محيط هذا السيد وأمثاله.
ها هو يظهر أمامي مرة أخرى وقد طال إنتظاره، ربما سيدعي لنفسه كما كان يوهمنا والده الملا داغر ونحن صغار نتعلم عنده القرآن في الكتاتيب (ربما سيكون احد أولادي المهدي المنتظر وأكثر الاحتمالات هو ولدي عبد السادة). كان ظهوره في التلفزة الطائفية داخل وخارج العراق كمن يعيد لي رواية عن ذلك الوعد الذي وعدنا به الملا داغر. ها هو عبد السادة يخرج من كهف الزمن بعد أن غاب فيه خمسين سنة منذ افتراقنا ذات يوم من عام 1963، تركته يوما بدشداشته الممزقة وأسماله المرقعة مثل سائر اطفال محلتنا المسماة " قرية المنكوبين من فيضان 1954" وهم فقراء خلف السدة الشرقية ببغداد حملتهم سلطات نوري السعيد لتحميهم من الغرق وتتركهم في الصرائف الملاصقة غرب حدود مطار المثنى ببغداد بالقرب من نهر الوشاش. كي تشحذ بمنظرهم المساعدات الدولية لضحايا الفيضان.
ظهر السيد عبد السادة بن الملا داغر بنفس تلك الملامح التي عرفته بها، لكنه بدى انيقا، وملتحيا، ويحمل خاتما فضيا في خنصره الايمن. وهاهو السيد ينور الشاشة بما إضيف الى وجهه من مساحيق مكياج الاستوديو. ظهر مضاء الوجه على كامل الصورة في شاشة تلفزيونية لفضائية طائفية مقيتة. قدمه منشط الحصة بصفته مستشارا لأحد وزراء حكومة الاحتلال المالكية الرابعة، افتقد السيد عبد السادة ابن الملا داغر تأتأته وتلعثمه، وبدأ يتعوذ ويبسمل ويقرأ ما شاء له من منتقيات ومقاطع السور والمحفوظات والادعية المكررة التي لم يكن يحفظها معنا عندما كنا معه جالسين القرفصاء في احد الكتاتيب القرآنية التي كان يعلمنا بها والده الملا داغر. كان يعلمنا فيها حفظ القرآن وكثير مما لم نكن نعرفه من طقوس ملحقة بنشاط الحسينية التي كنا نطلق عليها "حسينية السادة".
كان الملا داغر يخيفنا بجلد اقدامنا الحافية الرقيقة بالفلقة كل صباح حتى كادت ان تنزف أطرافنا الفتية دما، نعود الى بيوتنا الطينية من حول الحسينية متورمي الوجوه والاقدام. تلك طريقة المرحوم الملا داغر واجتهاده وقناعاته التربوية في ذلك الوقت. كان يجبرنا على التعلم والحفظ والقراءة والحضور كل يوم من دون غياب، فكان له القصد من ذلك كله، هو أن يضمن لنفسه واردا ماليا، يستنزفه من مصاريف عوائلنا الفقيرة، ومن تلك أُلاعطيات الاسبوعية والمناسباتية المدفوعة له بدرهم "خمسين فلسا" أو أكثر، وما يجمعه في صينية الحسينية التي لم تشبع أو تكتفي يوما من جمع التبرعات على مدار السنة الشمسية والقمرية.
عاش الملا داغر واسرته في ظروف معاشية من كساء وغذاء أفضل منا نسبيا جميعا. وكانت عمليات الجمع والتبرعات للملا، وللسيد،وللحسينية،ولموكب العزاء تُستنزف جيوب أهلنا الفقراء الكادحين، وتحرمنا حتى من شراء الحلوى، واذا ما تيسر لأحد منا بعض "الفليسات" من أهله فإن الملا يجبره على الشراء من "جنبر" ابنته الجالسة بباب الدكان تبيع الحلوى. كان الملا داغر واولاده محور أهتمام القرية بدء من تعليمنا قراءة القرآن للصغار الى كتابة الحروز والادعية والسحور وما يرتبط بها من شعوذة الى سائر المناسبات الدينية والاعياد. وبالطبع كان أهلنا شاكرين وممتنين للملا داغر في تعليمنا وتربيتنا وتهذيبنا وفي تعهده لإحياء المناسبات الحسينية وتنظيم مواكب العزاء والتشابيه في يوم عاشوراء.
واظب الملا داغر على إجبارنا بالبقاء قيد الاحتجاز القسري بعد ساعات التعلم في بيته للحضور معه، لكي يملأ بنا باحة الحسينية او المجلس الذي سيقرأ فيه عند الحاجة لملئ مجلسه بالعباد من أمثالنا بعدد من الصفوف مستمعين صاغرين ومستعدين للندب والصراخ كلما أراد الشيخ من قراءة أحد " روزخونياته"، في ذكر مظالم "أهل البيت" ومصائبهم في العراق. كان يعلمنا متى يتوجب علينا الانصات، ومتى نبدأ البكاء واللطم على الرؤوس او الصدور، بل حرص أن يراقبنا بحزم من خلف إطار نظارته كيف ننفذ وصاياه.
وهو يحرص ان نمتثل بانضباط الى تنفيذ أوامره وتعليماته. فهو يجبرنا على إظهار البكاء والنحيب كلما ذكر اسم الامام الحسين او العباس أو تردد إسم احد الائمة المعصومين الاخرين من أهل البيت خلال حديثه. والاغرب من ذلك أفزعنا شيخنا عندما أخبرنا ان الملائكة الصالحين يراقبوننا، وهم سيخبرونه ان كذب أحدا منا عليه في أي شئ، او هو يعرف مكنون سرائرنا إن لم يبك أحد منا كما يريد هو.
ومما أفزعنا ان إشترى الملا داغر لإبنه عبد السادة نظارات شمسية داكنة، وفي جوانب عدستيها عند الصدغين تلتصق مرايا صغيرة تُمَكِن السيد عبد السادة إبن الملا داغر من رؤية من يجلس الى يمينة او يساره ومن خلفه.
لقد ملئنا رعبا عندما أقنعنا جميعا أنه يعرف كل دواخلنا وكل شوارد حركاتنا. ومنعنا من أن نخبر أهلنا عن أي شئ يحدث في دكانه أوفي مجلسه.
وهكذا كنا، من حيث لا ندري، أننا مجرد ديكور لاستكمال حيوية مجلس الملا داغر، إو نحن جزء من "كورال" له، وجوق لفرقة انشاده عندما يتحول ابنه عبد السادة "رادودا" ولطاما علينا لاتمام المشهد الذي يخرجه الملا داغر بتأثير أصواتنا معتمدا على إظهار خشوع الفتية الاكبر منا سنا وحتى للتأثير على أهلنا الكبار.
ومأساتنا كانت، عندما كان الملا داغر يجبرنا على إرتداء الدشاديش السوداء متى طلب منا، في جميع المناسبات، سواء كانت المناسبة ميلاد لإمام ام مقتل او وفاة أو تسمم لإمام ثان. والويل لمن لا يمتلك دشداشة سوداء إضافية لتلك المناسبات الخاصة. ومن تعذر عليه الحصول على دشداشة سوداء فإن قدر الطبخ للسيدة "العِلوية" أم السيد عبد السادة كان موجودا وجاهزا على الموقد لكي يتحول الى مصبغة تصبغ فيها أثوابنا باللون الاسود مهما كانت الدشاديش ملونة أومتسخة ام ممزقة وبالية أصلا.
إعتدنا على لون الحزن في ملابسنا، ونحن صغار نرى كوفية الملا داغر التي يعتمر بها سوداء أيضا وهي مصبوغة باللون الاسود تعبيرا عن انتمائه الهاشمي الى سلالة أهل البيت العلوي كما أخبرنا يوما.
نعم كنا متطوعين ومسجلين قسريا في موكب السيد نخرج في صفوف وكراديس منتظمة، وهو يكمل بنا احتياجات الديكور المطلوب من البشر سواء في الحسينية أم عند التجول والعرض في الأزقة من خلال خروج موكب عزاء السيد داغر في أيام عاشوراء، كنا ممثلين وكومبارس في جوق الملا داغر وإبنه السيد عبد السادة لتمثيل المشاهد التي يمثلها ويخرجها موكب السيد داغر و"حسينية السادة" في تمثيل مشهد معركة الطف ومقتل الامام الحسين في كربلاء.
واذا كان الملا داغر قد إحتكر لنفسه تمثيل دور الحسين فان نجله السيد عبد السادة كان يحتكر لنفسه تمثيل دور القاسم بن الحسن، وخاصة مشهد "عرس القاسم في كربلاء في الليلة السابعة من محرم". أما نحن الصبية الصغار فعلينا ملأ الفضاء صراخا وعويلا وندبا ولطما بكل أشكاله من ضرب الصدور العارية الى ضرب السلاسل" الزناجيل" على الرؤوس والظهور الممزقة تحت لفح الشمس الى التهيأ الى ضرب الرؤوس بالقامات والسكاكين الحادة على رؤوسنا الحليقة ليلة العاشر من كل شهر محرم الحرام، ليلة عاشوراء.
كان معنا ابنه المستثنى من كل تلك الطقوس، فالسيد عبد السادة بن الملا داغر، هو الوحيد منا من لم يحفظ اية سورة من سور المصحف كاملة. ظل لا يعرف كيف يتهجى الحروف الابجدية، وحتى البسملة الصحيحة لم ينطقها ولا مرة، ولم يكمل معنا يوما قراءة كاملة لأي من السور القصار التي حفظناها قبله بأشهر، وتعلمنا ايضا كيف نكتبها ونعيد قراءتها عن ظهر قلب عند الطلب من الملا او الاهل. حتى سورة الفاتحة ظل فيها السيد عبدالسادة ابن الملا داغر متأتئاَ ومتلعثما قرابة الثلاثة اشهر لكي يحفظ جزء منها، وهكذا ظل يخطأ في ترديدها، لهذا طرده ابوه أكثر من مرة من بين صفوفنا لئلا يفسد علينا تعلم الصلاة ويوقعنا في الخطأ عند الصلاة.
وهكذا تدلل السيد عبد السادة بن الملا داغر، وتبختر بثيابه المستثناة حتى من التمزيق عند الظهر او التصبيغ في قدر العلوية أمه. نعم ظل السيد ابن الملا داغر المستثنى من بيننا بإمتياز من أية عقوبات كان الملا داغر يفرضها علينا كل صباح ومساء، ككنس الدكان وغرف بيت الملا، والتكليف بحمل جرار الماء ونقله من الحنفية البعيدة، حاملين ذلك على رؤوسنا الغضة.
لا ادري كم أكل كل منا من نصيب عاثر من ضربات الفلقة بالخيزرانة أو التعرض للتوبيخ النابي العلني بمفردات ولسان الملا داغر وأحيانا أبنه عبد السادة. وإذا ما غضب الملا كانت الشتائم تسقط على رؤوسنا كالصواعق.
مرة عرض الملا داغر معروضاته من عصي الخيزران وعلقها على الجدار مصفوفة فوق رأسه. تعلمنا التمييز بينها وأطلقنا عليها الاسماء حسب قساوة إيلامها ووجعها. كان الملا داغر ديمقراطيا مع ضحاياه ممن تلقوا عقوبات الضرب بالفلقة، وديمقراطيته المبكرة علمنا إياها بمنحنا حرية إختيار الخيزرانة التي سيعاقب بها الضحية. وما أن يؤمر أحدنا للاستعداد لأخذ الفلقة فكان أول رد فعل للضحية أن يقوم من مكانه ويختار العصا التي سيضرب بها، في ذات الوقت على إثنين من كبارنا ممن يطلق على كل واحد منهم "الخلفة" أي خليفة الملا. ان يتأهبا لطرح الضحية ارضا ومن دون مقاومة وشده ووضع اقدامه أمام ضربات الملا داغر.
غالبا ما كان الملا داغر يتناوب مع ابنه في تشديد العقوبات وزيادة الضربات. وكما تعلمنا منه أولى المخاوف من عذابات الآخرة كنا قد ذقنا طعم وقسوة الفلقة الداغرية الكاوية للاقدام كالنار. كان السيد عبد السادة إبن الملا داغر جذلا وسعيدا وشامتا بنا عند كل حفلة تعذيب باشتداد ضربات الملا داغر لنا واحدا واحدا.
أشهد لمدرسة الملا داغر انها علمتنا شيئا واحدا ايجابيا في سنوات فتوتنا اللاحقة وشبابنا، اننا كنا نستهزئ من الخوف، ولا نبالي من ضربات الشرطة ورجال الامن عندما توقفنا لاول مرة لانها لم تصل الى قسوة فلقة الملا داغر وابنه.
وأشهد للسيد عبد السادة ابن الملا داغر انه كان متخلفا عن ركبنا التعليمي او العلمي اوالنباهة في التعلم حتى في معرفة العد والحساب وحل بعض الالغاز والاحاجي البسيطة. عندما انتقلنا للذهاب الى مدرسة الخلد الابتدائية الرسمية في الوشاش، بقي السيدعبد السادة في دكان الملا والده "الكتاتيب"، يلعب في الشارع المترب خلف السدة الترابية المحاذية للمطار، او السباحة في ساقية بستان بيت علي الصالح او في مستنقع الوشاش القريب، اوباحثا في مزبلة مطار المثنى عن أي شئ بما فيها علب البيرة المعدنية الفارغة. وإذا لم يجد شيئا يلهو به فهو يسطو على حدائق دور الموظفين المجاورة لبيوتنا لأخذ أي شئ معلقا على حبال الغسيل.
نعم ظل السيد عبد السادة متسكعا مع من تبقوا من أقراننا خارج عمر التسجيل المدرسي في قرية المنكوبين. قيل لنا وقتها ان الملا داغر لايملك الوثائق ودفاتر النفوس له ولعائلته لكي يسجل أولاده في المدرسة الرسمية لانه هرب وقتها من القرية وقت إجراء الاحصاء السكاني عام 1957 ظنا منه ان الحكومة تقوم بفرز السكان والتحقق من جنسياتهم او موقفهم من الخدمة العسكرية.
وهكذا جنى الملا داغر على كل اولاده بحرمانهم من التعليم المدرسي الرسمي، واكتفى السيد عبد السادة بما كان يسمعه ويتعلمه في رواق الكتاتيب ومجلس أبيه في الحسينية المجاورة. ظل يساعد اباه الملا داغر في شد وثاق اية ضحية منا عندما تعاقب بضربات الفلقة المبرحة ونصب نفسه "خلفة" لوالده من دون علم أو قراءة.
حفلات الملا داغر بالاستنطاق والمعاقبة بالفلقة استحضرت طقوسها وذكراها يوما في قصر النهاية في أول اعتقال سياسي لي عندما كنت في الجامعة على يد احد الجلادين من أبناء نفس قرية المنكوبين ممن تخلفوا عن المدرسة وترافقوا مع السيد عبد السادة. كان يعرفني، ولم يتعب نفسه بالتحقيق معي قالها على المباشر: (شوف راح ابجيك اليوم. انت عبد الكاظم وآنه عبد الزهرة)، وظل ينزع مني طبقات جلدي جلدا بالصوندات، طبقة طبقة في يوم قائظ من ايام العام 1969 بحضرة المقبور ناظم كزار، وثلة من زبانيته في التحقيق في أحد زنازين قصر النهاية بتهمة الانتماء الى القيادة المركزية.
أتقن السيد عبد السادة فن الضرب والشد، وتعلم في دكان أبيه أين توجع ضربات الفلقة، ومتى يكررها بحق الضحية ظالما اومظلوما، قارئا كان أم متعلما متقاعسا كان ام متواصلاعلى التعلم. نعم مرت ثلاث سنين حينها تعلمنا القليل من الدين والقرآن عند كتاتيب الملا داغر، ولم يتعلم السيد عبد السادة شيئا من دروس القرآن الكريم السمحاء سوى جوانب العقاب الدنيوي والوعيد الآخروي لمن لا يطيع السادة وعبيد السادة.
أذكر حتى آخر لحظة من تعاسة طفولتنا تلك أن الطفل المدلل والشقي ايضا كان السيد عبد السادة بن الملا داغر، حسودا وحقودا من فطنتنا في التعلم، وكان على الدوام مبتهجا وضاحكا ومستهزئا منا كلما تعرض احدنا لعقاب الملا داغر وضربه الفلقة وقساوته، كما عمل على الوشاية بنا عند مجلس ابيه، والى اهلنا ايضا اذا ما تصرف بعضنا تصرفا طفوليا ولو كان بسيطا. كان يوصل الوشايات ويوزعها بانتظام ويبتز الضعفاء منا.
وعندما نلعب بكرة القدم المكونة من خرق محشوة بفردة جوارب قديمة، كنا لا نرغب في مشاركة السيد في لعبتنا لخشونته في اللعب، فما منه الا ان كان يجلس منتظرا الفرصة ليخطف الكرة ويرميها على بيوت الناس بعيدا عن ساحة اللعب، ثم يشي بنا متهما إيانا بأننا رميناها متعمدين فوق منازل الجيران. وهكذا كبرنا وكبر معنا السيد عبد السادة في قرية المنكوبين"المسماة ايضا محلة البيجية".
وعندما توفرت لدينا فرصة لاحقا لشراء كرة بلاستيكية لكرة القدم كان موس السيد عبدالسادة حاضرا لتمزيقها، لانه كان يكره كرة القدم ولا يعرف كيف يلعبها مثل بقية اقرانه ولخشونته في اللعب. وبذلك سجل السيد عبد السادة ثالث ممارسة له بعد التعذيب بالفلقة، والوشايات، وهاهي البلطجة خارج بيت الكتاتيب، شجعه على ذلك احترام الناس للسادة من جهة واعتقادهم " بحوبة السيد" وانه " يشور"أي يؤذي من يؤذيه او يضره أو يظن به سوءً، وهو مشفوع له بحماية جده رسول الله، وحضوة والده الاجتماعية كسيد علوي ينتسب للرسول وآل البيت.
لقد خُط شاربه مبكرا مقارنة مع أقرانه من أبناء القرية، لانه حرص على حك حنكه وموقع جلدة لحيته وشواربه بموس الحلاقة لعدة مرات كي يدفع بالشعر نحو النمو والانبات المبكر، كما حرص على إظهار ندبة سوداء على جبينه تعبيرا عن كثرة صلاته.
صار السيد عبدالسادة ابن الملا داغر فتى يافعا ومراهقا يقضي وقته في التسكع في درابين القرية الضيقة، حاشرا نفسه في كل قضية صغيرة وكبيرة، وجاهته انه السيد ابن الملا داغر. وغالبا ما كان والده يكلفه بمهمة جمع التبرعات من أهل القرية البؤساء. يخرج حاملا علما أسودا أو أخضرا يُطلق عليه "بيرغ الحسين" وبخاصرة حزامه ظفيرة من شرائط القماش الاخضر تدعى بـ "علق" يأخذها الناس تبركا مقابل تبرع رمزي. يدور السيد عبد السادة مع العلم وبيده صينية على جميع صرائف بيوت القرية بيتا بيتا لجمع التبرعات لدعم موكب عزاء الملا داغر والسادة، علمت انه غالبا ما كان يختلس ويقتسم جزء من المحصول، ويأخذ حصته من دون علم أبيه من مقدار تلك التبرعات، لذا كثيرا ما رأيناه يحضر الامسيات في سينما الوشاش الصيفية، وبيده كيس من المكرزات يتسلى بها طوال عرض الفلم.
مرت خمسة عقود منذ افترقنا، لكن صورة الملا داغر وابنه السيد عبد السادة ابن الملا داغر حفرت موقعا لا يمحى في ذاكرتي. ولنصف قرن لم اعرف مصيره بعد ان تم ترحيلنا عنوة وبشكل جماعي وبالقوة على يد مفارز الشرطة وأفراد من الانضباط العسكري من قرية "المنكوبين" بجوار مطار المثنى ببغداد الى مدينة الشعلة الجديدة غرب الكاظمية الى الشمال من مبزل الصقلاوية، تم الترحيل خلال يومين، بحجة ان مشهد صرائفنا كان يشوه منظر المطار المدني ويخجل الدولة ويعرقل نزول الطائرات ويقدم صورة سلبية امام ضيوف الدولة العراقية اثناء نزول الطائرات في مطار المثنى.
وهكذا تم ترحيلنا في ليلة سوداء من منتصف 15 تشرين الثاني من العام 1963، ثلاثة ايام قبل انقلاب 18 تشرين الثاني، إنقلاب قاده الرئيس عبد السلام محمد عارف ضد بقية أركان حكومته من أنصار البعث في سلطة انقلاب 14 رمضان من العام نفسه.
ورغم طول الفترة بقيت ذاكرتي تتحسس صدى صوت الملا داغر في سمعي وذاكرتي منغما تارة، ومتهجدا ومبحاحا تارة اخرى، واذكره في مرات عديدة بشئ من الغضب والانفعال وبصوت ظل يطن بأذني كفحيح الافاعى ذات الاجراس. وتقترن الذكرى به وبضرب الفلقة التي أخذناها احيانا بطريقة تعسفية وظالمة ولاسباب تافهة لاعلاقة لها بالتعلم ولا في التربية او بحفظ القرآن بصلة. وتأخذني الرغبة وبعض الفضول لكي أعرف مصير السيد عبد السادة، واخبار الملا داغر وأهله، وأين حل بهم الدهر بعد نكبة ترحيلنا من قرية " المنكوبين".
وما عدا أجزاء حفظناها من القرآن الكريم، كجزء عم، وجزء تبارك، عن ظهر قلب، لكن ظلت في ذاكرتنا صورا مرعبة عن الدين واهوال القيامة، وفي قلوب مرتجفة بالرعب، ظلت رواسبها في الذاكرة الى اليوم. مرت عقود، منها ما نسيناه تماما، ومنها ما رسخ في ذهني، وذهن العديد من ابناء جيلي من العراقيين وخاصة من امثالي الذين وضعتهم طفولتهم البائسة تحت حكم الاقدار وتحت رحمة الملالي من أمثال الملا داغر. واذا كانت الردود والمقولات المترسبة عن طقوس العزاء الحسيني قد تنسى؛ ألا ان تلك الجملة" الخالدة" في الذهن والتي لم تتغير في ممارسات العزاء والمجلس الحسيني التي يرددها الملالي والشيوخ من امثال الملا داغر والى يومنا هذا قوله وقولهم في مستهل كل قراءة أودرس له ذي علاقة بمأساة اهل البيت او ذكرهم : (ياليتنا كنا معكم سيدي.... فنفوز والله فوزا عظيما).
ونحن فزنا والحمد لله بمواصلة تعليمنا الجامعي والعالي، وفرضت علينا ظروف النضال السياسي الى الهجرة القسرية في الشتات من بلدان العالم، أما اخبار السيد عبد السادة ابن الملا داغر فقد انقطعت تماما ثم تناهت الى اسماعنا بعضا منها عن طريق الاهل. أخبروني ان السيد عبد السادة ووالده الملا داغر واخوته قاسم وعبد الزهرة انتقلا معا الى مدينة الثورة وسكنوا في حي الجوادر، وقليلا قليلا اعادوا الكرة الى حرفتهم الوحيدة بأن اقاموا لأنفسهم حسينية أخرى وواصلوا الخروج في موكب للعزاء متى اتيحت لهم الفرص.
ورغم وجاهة الملا داغر والسادة الآخرين الاجتماعية وتقديرهم من اهالي مدينة الثورة الا ان السيد عبد السادة انغمس في الملذات وعاش حياته السرية الماجنة فتزوج مرتين وطلق مرتين، وكان يشرب الخمر ويلعب الميسر، ويصر ان يشارك في كل فعاليات الحسينية ومواكب العزاء وتنشيط الزيارات الى العتبات المقدسة، ورغم رفض والده ان يشركه في تمثيل احد شخصيات ابطال معركة كربلاء بمناسبة يوم عاشوراء من كل عام لانه أصبح بنظر والده زاني وسكير ومتهتك ولا يجوز ان يأخذ دور شخصية الامام العباس كما كان عليه منذ سنين، ولكنه وحبا في الظهور والاستمرار في تنشيط الموكب وعزائه وتشابيهه تمكن ان يقنع والده الملا داغر بأن يمثل دور الشمر بن ذي الجوشن، وهوالدور الذي وجد فيه لذة القتل، والهجوم على معسكر أهل البيت، مختتما ذلك المشهد الدرامي الرهيب بجز رأس الحسين واحراق مخيم آل البيت وسبي النساء والاطفال من الاحياء، وإذلال الامام علي بن الحسين "زين العابدين" وأسره وإذلاله... الخ من مشاهد التمثيل لمعركة ومأساة كربلاء.
عندما أخبرني أحد الاخوة ما آلت اليه أحوال الملا داغر وابنائه وخصوصا السيد عبد السادة، تذكرت مقولة والدي عندما قال لي: "انهم لا يتوانون من قتل الحسين مرارا اذا ما سنحت الفرصة لهم... الخ"، فالسيد عبد السادة تحول من دور القاسم بن الحسن الى العباس بن علي الى الشمر بن ذي الجوشن قاطعا للرؤوس وحارقا لمعسكر ومخيم الحسين وسابيا للنساء والاطفال. وهو دور تحول مع مر الايام الى حقيقة لامثال الحسين من الصابرين والمجاهدين من أهلنا في العراق.
لم يجد السيد عبد السادة من وظيفة الا العمل في امانة العاصمة زبالا ثم حارسا ليليا ثم مستخدما باحدى مصالح مديرية السجون العامة، وانتهى به الامر مستخدما في سجن بغداد المركزي منفذا لأحكام الاعدام، مقابل راتب مجزي، وله بعض المكافئات والتمتع بالعطل بعد تنفيذه كل عملية إعدام.
قيل انه قد عرف بهدوءه ورباطة جأشه، وهو يتقن صنعته في وضع الحبل على رقاب المحكومين من دون أي ارتباك او قلق، ونقل لي عن البعض من المعارف،انه كان ينفذ أحكام الاعدام مهما كان عددها ويبات ليلته بجوار غرفة التنفيذ، وهو يحتسي الخمر، وعند الفجر يتوجه الى تنفيذ مهمة عمله وهو في حالة سكر وادمان شديدين من دون أن يترنح او يظهر عليه التعب او الاعياء من السهر. وانه نفذ اكثر من حالة للاعدام دون ان ينتظر تلك الاجراءات المتعارف عليها من حضور ممثلي سلطات القضاء او رجل دين وطبيب ومحضر قضائي.
اختزل السيد عبد السادة تنفيذ كل مهمات السلطات التشريعية والتنفيذية والشرعية والصحية بيده منفذا أحكام الاعدام بنشاط، ويقال ان مرؤوسيه استحسنوا جرأته واندفاعه وتهوره وتركوه يعمل، ولم يحاسبوه على أي من تلك الاخطاء الادارية التي فعلها بأعدام عدد من المحكومين من دون حتى ان يكلف نفسه حتى قراءة الاسم على اوراق ملف الضحية. وقيل عنه انه لا يتذكر أسماء أو عدد الذين نفذ بهم حكم الاعدام.
وعندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية، كان السيد عبد السادة من أوائل المتطوعين لها في صفوف الجيش الشعبي ظنا منه انه سيعفى للحاجة الى وظيفته أو سيبقى في مدينة الثورة لايام معدودات في ساحة التدريب لاغير؛ لكن قدره وحظه العاثر ساقه هذه المرة الى احد قواطع جبهات القتال في سربيل زهاب، وهناك اٌسر السيد عبد السادة ابن الملا داغر، ففاز بفرصة الحياة مرة أخرى وليواصل مشوار قدره.
وفي معسكر الاسرى، تمكن السيد من استخدام اسمه وكنيته "كسيد" وفي وثائقه الثبوتية ما ساعده على الالتحاق بالايرانيين، ليعفى عنه البقاء في معسكرات الاسر ويلتحق بإحدى فرق الاستجواب والتحقيق التابعة للقوات الايرانية وتشمله بركات ايران ضمن ما سمي بفرقة التوابين، عبر معهم الى الفاو لفترة ثم عاد ومنها انتسب الى فيلق بدر. تزوج هناك مرتين، مرة من عراقية نازحة، ومرة من ايرانية أرملة، وخلال الفترة التي اعقبت الحرب انقطعت كل اخباره، لكنه عاد بعدها فظهر بعد التاسع من نيسان 2003 ضمن فيلق بدر، متنقلا لاداء بعض المهام كمراسل بين قصور الكرادتين.
وهكذا مرت خمسون عاما من سنوات الجمر في العراق، انتهت بالفوز الموعود لامثال السيد عبد السادة ابن الملا داغر. ومعه بعض من أبناء الملالي حققوا بهرولتهم خلف الدبابات الامريكية الوصول الى ساحة الفوز بالفردوس. وحيث هم عليه الان ينشدون تحقيق سلطة الفلقة وحبل الاعدام وقتل الاسرى، كل السلطة تحت اقدام السادة، شعار للتطبيق والتنفيذ، نعم أخذوها من دون كد أوعلم أوكفاح أوجهاد، لا مع الانظمة التي تتالت على حكم العراق ولا مع الذات في مسيرة الكدح وصدق المعاناة.
كان ظهور السيد عبد السادة بن الملا داغر مفاجأة العمر ومفارقته، فقد ظننته سيكون في مجاهل كهوف الحياة البائسة في العراق، او أقرأ أسمه مجتثا ضمن احد قوائم السيد مثال الالوسي او احمد الجلبي للبعثيين، لكونه كان عضوا بالانتساب في الحزب ومجندا في الجيش الشعبي وسجانا مؤتمن به في تنفيذ الاعدامات السرية منها والعلنية من الاحكام. لكن عبث الاقدار قد رسم للسيد عبد السادة موقعا جديدا آخر خلف واجهة وعمامة السيد عبد العزيز الحكيم. وجد نفسه ضمن لجان تحقيق صولاغ في اول سجن طائفي سري يفتتح في عهد "التحرير " الامريكي، تحديدا في ملجأ الجادرية.
هاهو صديقي القديم، رفيق الطفولة البائسة، جلاد الامس الصغير، يتكلم في قناته الطائفية عن نجاحات الخطة الامنية وصولة الفرسان واجتياح ميسان، وهو لا يحتاج اليوم الى فلقة أبيه الملا داغر التي عفا عليها الزمن لمعاقبة أمثالي وغيري، فلم يعد الزمن يسمح لـ " سماحته" بعد ان تسلح بالالقاب الربانية أن يتنازل لكي يضرب أمثالي من بقايا البشر في العراق، وهو سينفذ وصية ابيه بنفسه علي وعلى من وصفهم الملا داغر يوما بعد ان تناقشنا معه يوما، واتهمهم بالعقوق والانسلاخ عن احباب ألملا وآل البيت، وعن خروجهم عن الملة والطائفة الموسوية، فالرجل أضحى رجل دولة من طراز له من الالقاب ما يكفيه منها " السيد عبد السادة الملا داغر " وعندما أضحى مستشارا يشار اليه بالبنان، كان لابد من حذف لفظة ملا. هو السيد عبد السادة داغر مستشار أحد وزراء حكومة الاحتلال المالكية الرابعة. تحرسه ثلة من رجال الحماية الخاصة به من فيلق بدر، ومعهم خبرة من مستشاري الحمايات الخاصة من عصابات مرتزقة بلاك ووتر التي تقوم بمهمة القمع والتصفية على الطريقة الداغرية التي تربى عليها السيد المستشار. وهو يعمل بعدد من الساعات الاضافية في مؤسسة القمع الجديدة ناطقا اعلاميا، ويمارسها في ضرب أعناق العراقيين الاحرار من المتمردين على سلطات ولاية الفقيه ولاية السيد عبد السادة داغر.
نسيت ان أذكر ان احدى الفضائيات الطائفية قدمت السيد عبد السادة ابن الملا داغر بجملة تحت صورة البث مرة مختزلة من لقب السيد وخالية من لقب الملا لأبيه بأضافة الدال التي حرم منها السيد عبد السادة، فظهر اسمه على الشاشة: (د. عبد السادة داغر، مستشار السيد وزير.....)، دون ان يعترض السيد على فقدانه لاول مرة لفظة السيد كنيته العلوية الهاشمية ولقب ابيه الملا كنية عائلته الملائية.
هو زمن الشهادات المزورة المطلوبة،للوظائف والمناصب، والدالات (جمع دال الدكتوراه) صارت توزع وتمنح بالمجان في سوق مريدي وسوق جمالة وحتى في سوق الغزل لوجاهات المركز الوظيفي والمستشارية المطلوبة لأمثال السيد عبد السادة ابن الملا داغر عفوا الدكتور عبد السادة داغر مهمة لتمسح سيدا وملا انه زمن ينزع السادة جلودهم رغم وشمها المعروف على سيمائهم من أثر الجحود.
"السادة" و"عبيدهم" يواجهون قدر اختيارهم للفوز الموعود في الجانب الآخر في مواجهة خوذ عسكر اليانكي وتوابعه وفتاوي عمائم المسلخ البشري في العراق. وهم،وان حملوا الالقاب بالانتساب الى أهل البيت او حملوا القاب الشهادات العلمية ذلك لا يزعج مؤسسات اليانكي المحتل، ولا غيظ الغازي الايراني المتسلل، لأنهم بحاجة الى مثل هذه الواجهات في الوظائف والصفقات والتغطيات على أصول صعاليك الدين والسياسة والمجتمعات الرثة ممن آمنوا بالفوز فقط ولم يبدلوا أو يحيدوا عنها تبديلا مهما كانت درجات انحطاطهم الاخلاقية.
انا لله وانا اليه راجعون
يتبع... الحلقة الثانية

هناك تعليق واحد:

سحاب Sahab يقول...

شكراً لكم على هذه المعلومات وأود التركيز على ما ذكرتم بشأن كون عبد السادة مشرف في ملجا الجادرية حيث قلتم :
وجد نفسه ضمن لجان تحقيق صولاغ في اول سجن طائفي سري يفتتح في عهد "التحرير " الامريكي، تحديدا في ملجأ الجادرية.

فهل هناك المزيد من التفاصيل على هذه النقطة ومن هو هذا الشخص ودوره ؟

http://aljadriya.blogspot.com

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار