2008-08-20 :: بقلم: هارون محمد ::
أثار الاعلان الذي صدر في أربيل (الثلاثاء) الماضي، عن زيارة لمسعود بارزاني الى الخارج، دون تحديد الى أي بلد سافر، او الى أي عاصمة ذهب، تكهنات وتساؤلات كثيرة، أقربها الى الواقع انه قصد اسرائيل في طريقه الى واشنطن، في محاولة منه لاقناع الدولة العبرية والادارة الامريكية بعدم التخلي عما يسمى بالقضية الكردية في العراق، واستمرار دعم الجانبين لكردستان في شمال العراق، بعد التطورات السياسية التي حدثت في الثاني والعشرين من تموز(يوليو) المنصرم، عندما أقر مجلس النواب الحالي قانون انتخاب مجالس المحافظات بضمنها كركوك، التي يرفض بارزاني وطالباني ادراجها ضمن المحافطات العراقية، ويطالبان الحاقها بما يسمى اقليم كردستان اللاقانوني وغير الشرعي..والاخير استغل وظيفته ومواد ملتبسة في الدستور السائد ونقض القانون وأعاده الى المجلس مرة أخرى، في موقف عنصري كرس فيه انحيازه المعلن لعرقيته وأجندته الكردية الانفصالية. ورغم ان مسؤولا في مكتب بارزاني أفصح عن الجهة التي سافر اليها مسعود وقال انها الولايات المتحدة الامريكية للقاء الرئيس بوش ووزير دفاعه روبرت غيتس، الا ان المسؤول الكردي عاد بعد ساعات قليلة من تصريحه ونفاه مشيرا الى حصول سوء فهم! دون ان يوضح اين سوء الفهم، هل في طبيعة الزيارة، او وجهتها؟ وعموما فان أي زيارة لمسؤول مثل بارزاني يترأس حزبا ويتزعم اقليما كما يوصف، الى مكان لا يعلن عنه، تعطي مؤشرات قوية، الى أنه قصد دولة او بلدا يخشى الاعلان عنهما لاعتبارات سياسية تشكل احراجا له او عبئا عليه، والا ما الضير من كشف الجهة التي ذهب اليها!؟ من هنا فان زيارة رئيس الحزب الكردي يكتنفها الغموض والشبهات، لذلك من اليسير تفسيرها بانها الى اسرائيل ثم الى واشنطن وربما بعدها الى فيينا في النمسا، لمعالجة قضية مثارة ضد ولده مسرور في اعتدائه على الكاتب الكردي الاصل النمساوي الجنسية كمال سيد قادر، وهذا موضوع لا نتدخل فيه ما دام معروضا أمام المحاكم النمساوية.وهناك أسباب عديدة قد تكون قد فرضت تداعياتها على مسعود للسفر الى واشنطن تحديدا، خصوصا بعد الاحداث الاخيرة في مجلس النواب ببغداد، والمواجهات الصاخبة في كركوك التي افتعلها أكراد الحزبين، والمشاحنات والاحتكاكات التي شهدتها بعض مناطق محافظة ديالى بين وحدات البيشمركة التي تحتل مدنا وبلدات عربية وتركمانية، وقوات الجيش والشرطة الحكومية التابعة لبغداد، فالمعلومات التي تتداولها أوساط نيابية وحزبية وسياسية في العاصمة العراقية تتحدث عن فتور في العلاقة التي تجمع بين حزبي بارزاني وطالباني مع ادارة بوش، وبعض النواب الذين التقوا السفير الامريكي رايان كروكر مؤخرا، نقلوا عنه انطباعات سلبية عن الاثنين، ومما قاله أمامهم وهو يدرك سلفا أن كلامه سيتسرب لا محالة الى الشخصين المعنيين..ان قيادات الحزبين الكرديين تجاوزت الحدود المعقولة في تعاطيها مع الشؤون العراقية وسببت للادارة الامريكية متاعب مع حلفاء تاريخيين لواشنطن - يقصد تركيا - ومشكلات مع أطراف عراقية لم يحددها، ومما قاله السفير أمام ضيوفه وجميعهم من غير الاكراد، ان بلاده أسدت خدمة كبيرة للاكراد عندما عملت على انتقال جلال طالباني الى بغداد وانتخابه رئيسا للجمهورية، واتاحت الفرصة واسعة لمسعود بارزاني ليصبح رئيسا لاقليم كردستان بلا منافس، وتساءل بمرارة وضحت في نبرة حديثه، كما لاحظها زواره، لو لم ينتخب جلال لرئاسة الجمهورية ويغادر السليمانية، هل كان مسعود يصبح رئيسا للاقليم، هكذا ببساطة ودون معارك وقتال بين الطرفين؟ وتكلم السفير ايضا عن زيارته الى أربيل واجتماعه مع بارزاني نهاية الشهر الماضي عقب صدور قانون انتخابات مجالس المحافظات، ومما قاله: انه لاحظ مسعود يتحدث بطريقة غير مسبوقة عندما جاء ذكر كركوك في الحوار بينهما، واتهم الامريكيين بمحاباة تركيا لانهم لم يتخذوا موقفا محددا وواضحا من الخلاف حولها، وشن هجوما شديدا على التركمان والعرب في المدينة، حيث وصف الفئة الاولى بانها (طورانيون) وعملاء لتركيا، وقال عن عرب كركوك انهم مخابرات صدامية وكلهم حرس جمهوري وامن خاص يتحينون الفرصة لقتل الامريكان والاكراد معا ويتخذون من كركوك حجة للعودة الى الساحة من جديد، الامر الذي حدا بالسفير الى مخاطبة مسعود بلهجة غير دبلوماسية - حسب قوله - ويقول له بصريح العبارة، نحن لسنا مع أحد ضد أحد في موضوع كركوك مع اننا ساعدناكم في فرض سيطرتكم على المدينة في اليوم التالي لدخولنا الى بغداد، وهذا يا سيد مسعود خطأ كبير منا!ولكن الذي حدث حدث، وعليكم ان تلاحظوا المستجدات السياسية التي حصلت في العراق منذ خمس سنوات وتتصرفوا وفق استحقاقاتها لا بالضد منها، فتتسببون في احراجنا من جهة، وزيادة النقمة العراقية عليكم من جهة ثانية، وانصحك بزيارة كركوك وتخفيف لهجتك واللقاء مع ممثلي العرب والتركمان في كركوك والحوار معهم بود عسى ان تزيل المخاوف من نفوسهم.ومن تابع الاحداث لاحظ فعلا ان مسعود ذهب الى كركوك بعد أيام قليلة من لقائه مع السفير الامريكي واتخذ من مبنى المحافظة مقرا له، واتصل مساعدوه بفعاليات عربية وتركمانية ودعوها الى الاجتماع مع بارزاني، غير ان المفاجأة التي أذهلت الاخير ان جميع الذين تم الاتصال بهم رفضوا تلبية الدعوة، وأكدوا ان من يريد اللقاء بهم عليه ان يأتي اليهم وعناوينهم معروفة وبيوتهم ومقراتهم مفتوحة، اما ان يذهبوا بأرجلهم اليه ويجتمعوا به، فهذا يعني اعترافا بمنصبه كرئيس اقليم كردي وهم لا يعترفون به، واقرارا بمشروع كردية كركوك وهم ضده جملة وتفصيلا، وعندما اتصل مسعود هاتفيا بشيخ عربي تربطه معه علاقات قديمة منذ السبعينات ودعاه الى شرب القهوة معه، اعتذر الشيخ العربي وعندما لاحظ الحاح بارزاني على دعوته، ابلغه الشيخ قائلا: يا ابا مسرور لا تحرجني الله يخليك، فاللقاء معك في هذه الظروف يعني انني أحرق نفسي امام أهلي وعشيرتي وأمام ابناء كركوك والعراقيين جميعا، لان أفعالكم فاقت التصور في التعامل معنا، وفشلت زيارة مسعود لكركوك فشلا ذريعا.واستنادا الى هذه المعطيات السياسية المتلاحقة، فانه من الواضح ان ثمة تغييرات حدثت في الفترة الاخيرة للقيادتين الدبلوماسية والعسكرية الامريكية في العراق اذ ان العلاقة الكردية الامريكية وملف كركوك لم يحظيا بقبول الحزبين الكرديين، ويبدو ان بارزاني باتت لديه رغبة جامحة في زيارة البيت الابيض واللقاء مع الرئيس بوش ووضعه في صورة الاحداث من وجهة نظره، وقد يشتكي عنده من (برودة) اعصاب كروكر وعدم حماسه للقضية الكردية، ويدعوه الى توجيه الجنرال بتراويس الذي يتهمه مسعود وجلال سوية بانه لا يتفهم المطالب الكردية، ويتعاون مع أعداء الاكراد حسب زعمهما، ولان القيادات الكردية لا تتعظ من دروس الماضي القريب، وتركب العناد عندما تجد حلفاء ودولا وحكومات تؤيدها دون ان تفرق بين التأييد المبدئي والتأييد المصلحي، بانها ستواجه في المدى القريب موقفا أمريكيا يختلف في توجهاته ومساراته السابقة، ليس لان امريكا اكتشفت خطأ في علاقتها مع الحزبين الكرديين عاد عليها بمشاكل واحراجات، وانما لان امريكا دولة مصالح وليست مواقف، ومصالحها تتقدم دائما وتشكل أولوية لها..وقد تتخذ مواقف معينة في ظروف معينة ولكنها سرعان ما تتخلى عنها اذا تعارضت مع مصالحها والامثلة كثيرة في هذا السياق، الاحزاب الكردية في شمال العراق خاضت في تحالفات كثيرة مع دول واجهزة مخابرات اجنبية تلقت منها مساعدات مالية ولوجستية وتسليحية، وبالمقابل تحولت قيادات تلك الاحزاب الى بؤر للتآمر على العراق والتجسس على جيشه ونهوضه ووحدته، ولكن النتائج في النهاية أثبتت ان الاتحاد السوفييتي السابق وايران الشاه وامريكا كيسنجر والموساد الاسرائيلي بعد ان استنفدت القيادات الكردية رمتها في الزوايا المهملة،..ويبدو ان التاريخ سيعيد نفسه من جديد في صورة جديدة ومشهد جديد، وهذه المرة ليس في قصر (نياوران) الشاهنشاهي في طهران في آذار(مارس) 1975 عندما قال ملا مصطفى بارزاني لشاه ايران الذي اعلمه بوقف المساعدات لتمرده ضد الحكومة العراقية (يا سيدي الشاه نحن شعبك وما دمت راضيا عن اتفاقية الجزائر باعتبارها تؤمن مصالح ايران التي هي وطننا الام، فلا يوجد لدينا شيء ضدها، نحن رهن أوامرك اذا قلت لنا موتوا نموت، اذا قلت عيشوا نعيش) ولمن يريد المزيد من المعلومات عن هذه الحادثة، الاطلاع على كتاب (تقييم مسيرة الثورة الكردية وانهيارها والدروس والعبر المستخلصة منها) وهو من تأليف عدد من القياديين الاكراد في حزب بارزاني الاب، والسؤال هو كيف سيواجه بارزاني الابن الرئيس بوش او الذي سيخلفه اذا استدعي الى القصر الابيض في يوم قادم لا شك فيه ويسمع عبارة: شكرا.. لقد انتهت مهمتك! '
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق