د. أمير البياتي
" مثلما لايمل المعسكر المعادي – معسكر المحتل وأعوانه وعملائه والمنتفعين منه وبه- من تشويه مسيرة البعث العظيم زوراً وبهتاناً متناسين الانجازات العظيمة التي حققها الحزب وهو ينتقل من تحدٍ الى تحدٍ أكبر، ومثلما يُصر الآخرون على النيل من صورة سيد شهداء العصر في كافة مراحل نضاله ويحاولون شيطنته، وينسبون إليه ماليس فيه،،، فإن واجبنا أن لانمل من نشر الحقائق وتوضيح الصور خصوصاً أن هناك دائماً دماً جديداً يدخل الى الشبكة كل يوم وهو يبحث عن الحقيقة حول كل مايسمع ويشاهد، وحرام أن نخسر مثل هذه العناصر بسبب خوفنا من التكرار."
كان نجاح الثورة البيضاء في 17-30 تموز/1968 إمتحاناً كبيراً وتحدياً هائلاً أمام قيادة الثورة... فقد كان عليهم أن يمحو من الذاكرة العراقية ما لحق بسمعة حزب البعث العربي الأشتراكي من ضرر من جراء حملة التشويه التي تعرض لها الحزب بعد إنتكاسة 18/ت2/1963 ، وكان عليهم أن يأتوا بشيء جديد يستطيع المواطن العراقي أن يتأكد من خلاله أن هذه الثورة تختلف عن سابقاتها خصوصاً أنها ولدت في وقت كان العراق يمر بمرحلة مضطربة من الانقلابات العسكرية والمؤامرات والمؤامرات المقابلة، وكان كثير من الناس يضعون هذه الثورة الفتية في خانة الانقلابات التي كانت تتكرر بين الحين والآخر، كما كان عليهم أن يضعوا حداً للتآمر الداخلي والخارجي، وفي نفس الوقت كان على الحزب وقيادته أن يكونوا أوفياء للمباديء التي جاؤوا من أجلها، والتي ناضلوا ويناضلون من أجل تحقيق أهداف الحزب في الوحدة والحرية والإشتراكية ورسالته الخالدة في ولادة إمة عربية واحدة تحمل مباديء الخير والسلام والعدالة لكل الإنسانية. وكان العبأ الأكبر يقع بالتأكيد على الصف الأول من القيادة ممثلة بالشاب صدّام حسين ورفاقه.
وكان أمام القيادة ما يكفي لتملأ به يدها من المنجزات والإنجازات، كما كان لها مايكفي ليطفح به الكيل من التآمر الخارجي والداخلي والتصدي للمخططات الخارجية المعادية، وكان ترصين الجبهة الداخلية مهمة وطنية كبرى سعت لها القيادة وسعى لها صدّام حسين شخصياً وعمل كثيراً لتحقيق الجبهة الوطنية والقومية في حينها، والتي ضمت أحزاباً من كل أطراف الطيف السياسي العراقي تحت خيمة بناء العراق العظيم والحد من التدخلات الأجنبية والخارجية سعياً وراء تحقيق الأهداف الكبيرة في بناء عراق متطور يستطيع أن يحمل راية التغيير في المنطقة ويكون رقماً مؤثراً في المنطقة. كما كان جاداً في إيجاد حل شامل وعادل للقضية الكردية وتحت غطاء الحكم الذاتي الذي منح أكراد العراق ما لم يكونوا يحلمون به، وجعلهم موضع حسد كل أكراد المنطقة في إيران وسوريا وتركيا دون التفريط بوحدة وسيادة العراق.
فعلى الصعيد الداخلي كانت مهمة تحويل العراق من دولة عادية من دول العالم الثالث الى دولة تمتلك مقومات النهوض والبناء والتحول من دولة متخلفة الى دولة تقود تيار التحوّل في المنطقة وتطرق بعنف أبواب الدخول الى نادي الدول المتقدمة في العالم مهمة القيادة التي سهرت الليالي لتحقيقها، وكان مفتاح هذه التغيير الكبير هو تأميم النفط في الأول من حزيران عام 1972... ولايختلف إثنان على إن صدام حسين كان مهندس التأميم، وأنّه كان المحرَض عليه بين أعضاء القيادة وأكثر المتحمسين له. وأن تحمسه هذا وإصراره ذاك لم يكن منطلقاً من عاطفة أو رومانسية ثورية، بل كانت وراءه حسابات دقيقة أدت في النهاية وفي الأول من آذارعام 1973 الى قبول شركات النفط العالمية بالأمر الواقع والرضوخ لأرادة العراق. لقد كن قرار التأميم قراراً إستراتيجياً ثورياً وإقتصادياً وتنموياً وإجتماعياً، وكان قراراً حاسماً في مسيرة الثورة والشعب في العراق، وكان قراراً مركزياً إتخذته قيادة الحزب والثورة، وكان أيضاً حاسماً في حياة صدّام حسين شخصياً... لقد أصدرت القوى الحاكمة في شركات النفط ومن يقف ورائها أو هي تقف ورائه من حكومات الغرب الأستعماري حكمها بأعدام صدّام حسين في الأول من حزيران عام 1972 حال صدور قرارالتأميم وأنتظرت 34 عاماً لتنفذه هي وعملائها في 30/12/ 2006م فجر اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، العاشر من ذي الحجة عام 1427هـ !!!
لقد فجّر قرار التأميم الحاجز الأكبر أمام ولوج العراق بوابة التطور والتحول الحاسم من نقطة تقترب من الصفر الى خط متصاعد لا يحد تصاعده سوى إرادة الله الواحد الأحد. غير أن هذا القرار حفّز في عين الوقت كل القوى التي تضررت مصالحها من التأميم والتي رأت في نهوض العراق خطراً عليها وعلى مستقبل مصالحها في المنطقة لتوحد جهودها ولتقف وبشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة في وجه هذا الوليد الذي ينمو بسرعة تفوق التصور ويقترب من الخطوط الحمراء- بل ويتجاوزها أحياناً وهي الخطوط التي من غير المسموح لدول العالم الثالث تجاوزها. والأهم أن هذا العراق أصبح يمثل نموذجاً "خطراً" يمكن أن تحذو حذوه الدول الاخرى التي تستطيع أن تمتلك أرادتها وتقرر مصيرها بنفسها، وهو أي العراق أصبح مناراً للإشعاع الحضاري في المنطقة مستنداً الى تراث وحضارة ضاربين في اعماق التاريخ، والى عمق أستراتيجي عربي وإسلامي يتيح له حرية التحرك والتفاعل والتلاقح... وهذا مكمن خطورة واضح وأكيد.
لقد كان التصدي لمشروع العراق النهضوي تصدياً متعدد الصفحات والوجوه، كما كان الرد العراقي على الدور الأمبريالي رداً متعدد الصفحات والوجوه... لقد كان صراع إرادات وصراع وجود... وبالنسبة لحزب البعث العربي الأشتراكي كان فرصة لبعث الأمة وإستنهاضها ووضع مبادئه النظرية موضع التطبيق. وكانت نظرية العمل البعثي التي صاغها صدّام حسين هي المفتاح الذي بواسطته أستطاع الحزب من تطبيق الكثير من برامجه ووضعها في خدمة العراق وصولاً الى الأمة.
وشهدت حقبة السبعينيات من القرن الماضي نشاطاً تنموياً واسعاً، تم فيه وضع البنى التحتية لوطن جميل يصممه الثوريون ويسعون لبناءه مهما كبر الثمن وزادت التضحيات... ولم تكن تلك البنى التحتية بنىً مادية فقط وانما بنىً مادية وعلمية وقيمية وإجتماعية. وبدأت رحلة إستكمال الأستقلال المادي والعلمي، وتقليل الأعتماد على الغرب بناءً على رؤيا إستباقية للعداء الغربي الذي أعمته المادة ورؤيا المصالح وحيدة الجانب، وكان النشاط القيادي لصدّام حسين نشاطاً متعدد الوجوه وعلى مختلف الجبهات: جبهة البناء وجبهة الأمن وجبهة إستكمال مستلزمات السيادة وإستقلالية القرار وجبهة التصدي لمؤامرات الأعداء وكل الجبهات التي فتحت وستفتح فيما بعد، وكان نشاط القائد صدام حسين قيادياً وريادياً ومبتكراً ومتجدداً، مستلهماً التراث الثر والماضي المجيد للأمة وقادتها العظام.
وكان الشكل النهائي للقائد الضرورة في طور التكون حين غاب عن المشهد العربي القائد الخالد جمال عبد الناصر، وأصبحت الجماهير تتلفت بحثاً عن البديل،،، ولم يكن هناك أكثر إشعاعاً وأعمق إلتصاقاٌ بآمال تلك الجماهير وأكثر تمثيلاً لطموحاتها من تجربة البعث في العراق ومن قيادة صدّام حسين- إبن الحزب البار وثمرة فكره النيّر.
ولم يكن هذا البريق وذلك التألق غائباً عن أبصار القوى المعادية لمسيرة الأمة، ولم يكن تجاهلها الإعلامي له يعني أنها لا تحس بوجوده بل على العكس فإن التجاهل الإعلامي كان محاولة من تلك الدوائر لمنع إنتشار البريق ومحاولة لتحجيم الإشعاع الذي بات لايمكن إحتوائه... وكان لا بد من إتخاذ موقف جذري حاسم يطيح بالحزب وبالعراق وبقيادة العراق... فكان أن دفعت النظام الإيراني الجديد الى إشعال الحرب العراقية الإيرانية في خريف 1980 ولتستمر ثماني سنوات قاسية دفع فيها العراق خيرة شبابه وكثير من ثرواته وخيراته ثمناً لدفع الشر القادم من الشرق، وكان لصدّام حسين وجهاً جديداً رأته الجماهير العربية المتعطشة للفروسية والبطولة كالبدر في سماء شتائية مدلهمة، ولتتخذ منه بطلاً قومياً لا ينازع.
وللحديث بقية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق