السبت، سبتمبر 06، 2008

قضية الحرب والوفاق في الشرق الأوسط


د. غازي فيصل حسين
صحيفة " ألشمس " ، طرابلس 07/08/2008
http://www.alshames.com/Pages/maqalat/index1.html

نفذت إسرائيل تدريبات عسكرية واسعة ، انتهت بإقدامها على إجراء مناورة عسكرية قي يونيو 2008 ، اشتملت تنفيذ هجمات جوية على مواقع نووية إيرانية افتراضية في السواحل اليونانية ، شاركت فيها أكثر من مئة طائرة من طراز (أف 16) و (أف 15) ، إضافة إلى مروحيات وطائرات تزويد الوقود في الجو. وقد علق الناطق الرسمي باسم (البنتاغون) على هذه التدريبات بالقول: إنها مجرد رسالة لأميركا والدول الأوروبية ، بأن إسرائيل جادة في القيام بعمل عسكري في حال فشل الجهود الدبلوماسية. ووصف الرئيس محمود أحمدي نجاد هذه العملية: "بأنها دليل يأس وإحباط ، مؤكداً أن إيران على استعداد تام لقطع كل يد تحاول الإساءة إليها" ، مع أن طهران لا تلغي من حساباتها احتمال قيام إسرائيل بتنفيذ تهديداتها إذا اكتشفت أن برنامج إيران السلمي سيتحول إلى برنامج للسلاح النووي.

وبغية إعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية ، قام المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ، بزيارة طهران في 14 يونيو 2008 ، لتسليم وزير الخارجية منوشهر متقي حزمة مجموعة 5+1 لحث الحكومة الإيرانية على الاستجابة للمطالب الدولية بوقف تخصيب اليورانيوم ، خلال فترة زمنية محدودة بين ثلاثة و ستة أشهر لمنح الوقت للتفاوض. وكشفت المصادر المطلعة أنه في حال تجميد طهران تخصيب اليورانيوم ستحصل على تعهدات دولية بتزويدها بالوقود النووي لتوليد الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى مساعدتها في الحصول على أحدث التقنيات لتطوير الطاقة النووية السلمية. وأعرب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية غلام رضا آفازاده عن" ثقته بإمكان التوفيق بين عرض الحوافز الذي قدمته الدول الست الكبرى والاقتراحات الإيرانية" ، Bildunterschrift: وكان متقي أشار: إلى أن مزيجا من الحزمة الإيرانية وحزمة مجموعة 5+1 قد يؤدي إلى إحراز بعض التقدم دون أن يعطي تفاصيل حول ملامح هذا المزيج.

ومن المعروف أن الحزمة التي سبق وأن قدمتها إيران ، تتناول عدداَ من الموضوعات المتعلقة بمعالجة الأزمات الدولية ، لكنها لم تشير إلى موقف طهران من المطلب الدولي الرئيسي الذي يشدد على تعليق عمليات التخصيب. من جانبه قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين للصحفيين: " أن تلك الحزمة الأوروبية لن تكون محل نقاش على الإطلاق إن تضمنت نقطة تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم " ، كما أكد: أن "رأي إيران واضح، وهو أن أي شرط مسبق غير مقبول" ، وأضاف: أن كل ما تفعله إيران هو التمسك بحقها كدولة موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي، ولذا تتوقع أن يعاملها الغرب باحترام وليس بالتهديد والإنذارات". وأعرب الرئيس جورج بوش عن "خيبة أمله" إزاء رفض إيران للحوافز التي قدمها لها الاتحاد الأوروبي لوقف برنامجها النووي ، وكان الرئيس الأميركي صرح في جولته الأوروبية الحالية بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" ، في إشارة إلى إمكانية اللجوء للخيار العسكري لوقف البرنامج الإيراني النووي.

إن السؤال الجوهري المطروح اليوم يتعلق بمدى إمكانية وجدية إسرائيل في قصف منشآت إيران النووية؟ حول هذا الموضوع وضح الخبير العسكري الإسرائيلي مارتن فان كريفيلد: إن نجاح أي عملية بهذا الحجم يستدعي معرفة البرنامج النووي الإيراني بكامل تفاصيله: ما هي مكوناته، ومواقع انتشاره وعمق مخابئه؟ وفي تقديره ، إن الإحجام عن القيام بهذه العملية سيجعل من إيران قوة نووية ثانية في منطقة الشرق الأوسط ، بمعنى آخر أن الوجود النووي المتوازن سيلغي قدرة إسرائيل على الاستفراد بقرار الحرب والسلام ، حيث كشف الدكتور افنير كوهين في كتابه المعنون: "إسرائيل والقنبلة"، إن الترسانة الإسرائيلية تملك أكثر من 150 قنبلة نووية ، لذلك اقتضت الظروف المستجدة ضرورة تغيير التعامل مع زعماء المنطقة بمنطق قواعد لعبة الغموض والالتباس.

وبما أن اقتراحات الدول الكبرى التي قدمت إلى طهران ، تحتاج إلى تطمينات وتنازلات من قبل إسرائيل ، فإن درور زئيفي ، الأستاذ في جامعة بن غوريون ، قدم عرضاً إلى ايهود اولمرت ينص على وضع البرنامج الذري الإسرائيلي تحت رقابة دولية لمدة عشرين سنة. وخلال هذه الفترة يسمح لوكالة الطاقة الذرية بتطبيق قواعد الرقابة على باكستان وإيران وسورية ، مما يساعد على إبعاد دول المنطقة من احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة وقائية لإيران ، من المؤكد أنها ستفضي إلى حرب شاملة تؤدي تعريض الاقتصاد العالمي إلى هزة خطيرة ، حيث ستشمل سيناريوهات الحرب المحتملة استهداف الصواريخ الإيرانية لدول الخليج العربي وللمصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، وهذا مايثير قلق الولايات المتحدة التي تحاول بأي ثمن تفادي انفجار جديد يقلب التوازن الهش في النظام السياسي والاستراتيجي والاقتصادي القائم في المنطقة منذ احتلال العراق عام 2003 ف ، لصالح الإستراتيجية الإيرانية .
مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط
يقول أنطوني كوردسمان ، إن التوترات الإقليمية الفرعية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا ، تتفاعل بطرق قد تجبر بالفعل جميع القوى الرئيسية في المنطقة على مواصلة جهودها للحصول على أسلحة كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية. إن خبراء الاستخبارات الأميركية مقتنعون بأن انتشار الأسلحة لا يمثل مشكلة جديدة في الشرق الأوسط فشاه إيران بدأ تنفيذ برنامج الأسلحة النووية في إيران خلال السبعينات من القرن الماضي ، ولا يشك أحد في أن العراق كان يسعى بنشاط للحصول على أسلحة نووية عندما هاجمت القاذفات الإسرائيلية المفاعل النووي تموز (اوزيراك )عام 1981ف.
كما تمثل مشكلة انتشار الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى تهديداً خطيراً للأمن في منطقة الشرق الأوسط ، فالاتحاد السوفيتي السابق بدأ في أواخر الستينات من القرن الماضي ببيع صواريخ فروغ إلى أصدقائه في الشرق الأوسط ، وما لبث وأن اتُّبَع ذلك بمبيعات من الطراز الحديث من الصواريخ الباليستية مثل سامليت ، وصواريخ باليستية متوسطة المدى مثل سكود ، والتي نجحت كل من إيران والعراق بتطوير مدياتها وتسليحها ، إسرائيل من جانبها ردت بالحصول على تكنولوجيا فرنسية متقدمة لصنع الصواريخ ، ويعتقد أنها بدأت إنتاج أول الصواريخ لديها ، جيريكو وأريحا، كما نجحت في إطلاق الأقمار الصناعية العسكرية التجسسية ، وفي منتصف السبعينات نشرت إسرائيل أولى صواريخها البعيدة المدى الحاملة لرؤوس نووية.
ورغم الجهود الدولية لمراقبة الأسلحة ، والمفترحات والمبادرات المختلفة لتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ، فإن البحث عن توازن الرعب بفعل امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية الإستراتيجية والتكتيكية دفع الدول الرئيسية في المنطقة للسعي لامتلاك تكنولوجية الأسلحة الكيميائية ، والبيولوجية ، والإشعاعية والنووية بوصفها أدوات رئيسية للقوة. ويصح هذا القول بالنسبة لأنظمة الإطلاق الطويلة المدى لهذه الأسلحة كالصواريخ.
التحولات الجذرية في الإستراتيجية الأمريكية
إن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية في هذا القرن الجديد ، وفق تصور دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأسبق ، إنما هو تحدٍّ في غاية الصعوبة ، مما يستلزم من الإدارة الأمريكية وضع إستراتيجية فعالة للدفاع عن الأمن القومي ضد كل ما هو غير معروف ؛ غير مضمون ؛ غير مرئي ؛ غير متوقَّع. لذا قررت وزارة الدفاع ألتخلي عن الإستراتيجية القائمة على التهديد ، والبدء في انتهاج قواعد جديدة قائمة على تطوير القدرات العسكرية ، لردع أعداء واشنطن وهزيمتهم ، من خلال إعداد الخطط لمحاربة هذه الدولة أو تلك ، والعمل على اختبار مواطن الضعف والقوة في النظام الأمريكي ، وأن نسأل أنفسنا ، كما قال الملك فريدريك الأعظم في كتابه القواعد العامة للحرب، "ماذا كنت سأفعل لو وضعت نفسي مكان العدو؟". ومن ثَم كما يقول دونالد رامسفيلد ، " نؤقلم قواتنا كأحسن ما يكون، في سبيل التغلب على ذلك التهديد".
قبل الهجوم على نيويورك وواشنطن عام 2001 ، كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد حددت ستة أهداف إستراتجية تتمثل في: حماية الأمن الداخلي ، وضمان أمن القواعد في الخارج ؛ الإبقاء على مستوى القوات المسلحة في الأماكن البعيدة ؛ إفهام أعداء واشنطن ليس لديهم مأوى يحميهم منا ؛ حماية الشبكة المعلوماتية الأمريكية من أي اختراق ؛ استخدام التكنولوجيا المعلوماتية لربط القوات الأمريكية المختلفة ، وهو ما يؤهلها للقتال معًا في صف واحد ؛ الحفاظ على اتصال سهل وسلس بالفضاء الخارجي، وحماية القدرات الأمريكية الفضائية من أي هجوم.
إن دور الولايات المتحدة لا يتمثل فقط في خوض الحروب وتحقيق النصر، إنما يتمثل في منعها من الأصل ، وفق تعبير دونالد رامسفيلد ، وفي سبيل تحقيق ذلك يقول: "علينا أن نفتش عن كل الطرق التي تؤثر في مؤسسة اتخاذ القرار لدى أعدائنا المفترضين ، علينا أن نردعهم ، ليس فقط عن استخدام الأسلحة الموجودة ، بل عن تدشين أي سلاح جديد يكون أكثر خطورة مما سبقه. وكما أن تواجد أسطولنا الأمريكي يثني الآخرين عن الاستثمار في إيجاد أساطيل أخرى منافسة ، فإن علينا بالمثل أن نطور ممتلكات جديدة تجعل عدونا يعدل تمامًا عن فكرة التنافس معنا".
لهذا اتخذ الرئيس جورج بوش إستراتيجية جديدة للردع: تجمع بين تخفيض حاد في القوات النووية ، مع التأكد من فعالية الأسلحة النووية ومصداقيتها ، وبين تطوير وتحديث القدرات التقليدية والدفاعات الصاروخية لكي تكون أكثر ملائمة لردع الأعداء المحتملين ولحماية قوات وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من أي هجمة صاروخية ، حتى ولو كانت محدودة. من هنا تبلور ثلاثي إستراتيجي جديد ونظرية ردعية جديدة ، يشتمل على: قوات نووية مُخفضة ؛ قدرات تقليدية مُطورة ؛ ودفاعات جديدة مختلفة.

ألملف النووي الإيراني والمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة
بدأ البرنامج النووي الإيراني عام 1974 بهدف بناء محطة طاقة نووية في ميناء بوشهر الذي يبعد 2300 كم جنوب العاصمة طهران بمساعدة تقنية ألمانية. توقف العمل في البرنامج بسبب الحرب العراقية الإيرانية ، ثم أعيد العمل في البرنامج عام 1992 في أعقاب توقيع اتفاق تعاون نووي مع روسيا. اتسع البرنامج الإيراني بمرور الوقت ليشمل منشآت ومعامل الماء الثقيل وتخصيب اليورانيوم في أصفهان ونطنز وأراك.
بدأ الاهتمام بالملف النووي الإيراني والمخاوف من استخدامه في إنتاج أسلحة نووية تساور الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أوربا الغربية في السنوات الخمس الأخيرة ، ففي نهاية عام 2002 التقط قمر صناعي تابع لمركز أبحاث أمريكي صورا لمعمل الماء الثقيل في مدينة أراك. وفي عام 2003 أبدى مفتشو وكالة الطاقة الذرية مخاوفهم من تطور الأنشطة النووية في منشأة نطنز وأكد التقرير أن القرائن التي اكتشفوها في منشآت مختلفة تدل على أن إيران تدير برنامجا سريا لتخصيب اليورانيوم منذ 18 عاما. لذا تمحورت الضغوط والمفاوضات لمنع إيران عن الاستمرار في برنامج تخصيب اليورانيوم . وتعتبر الإدارة الأمريكية أن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم سيمكنها من امتلاك السلاح النووي ألذي يشكل تهديدا استراتيجيا مباشرا لمصالحها في منطقة الخليج ألعربي الغنية بمصادر الطاقة وللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المعروفة بكثرة الصراعات والأزمات ، ومما يعرض أمن إسرائيل حليفتها الإستراتيجية في المنطقة للتهديد المباشر.
إن قرار الحكومة الإيرانية استئناف أنشطتها النووية وتخصيب اليورانيوم والإصرار على عدم التراجع عن هذا القرار ، دفع معظم المراقبين لتوقع انهيار المحادثات الأوربية الإيرانية وتفاقم أزمة الملف النووي الإيراني بتحويله إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية جديدة على حكومة طهران ، وهو الاتجاه الأمثل من وجهة نظر الباحثين الاستراتيجيين الأمريكيين ومنهم جورج بركوفيتش نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبير في شؤون الأمن النووي. وفي حالة فشل مجلس الأمن في فرض العقوبات أو حتى عدم جدوى نتائجها نظرا للعلاقات الإستراتيجية التي تربط إيران بروسيا والصين ، فإن التصور السائد هو: أن تقوم الولايات المتحدة أو إسرائيل بالوكالة بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية على غرار قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 ، رغم أن الموقف الرسمي المعلن للإدارة الأمريكية وفق تصريحات الرئيس جورج بوش ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس ، تميل لتفضيل الجهود الدبلوماسية مع عدم استبعاد خيار القوة العسكرية. وكما قال كلاوتسفيتز Clausewitz: "الحرب هي تكملة للسياسة من خلال أساليب أخرى". وفي هذا القرن يمكن أن تكون معظم الإستراتيجيات معتمدة على الخيارين الدبلوماسي والعسكري.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار