الثلاثاء، مايو 27، 2008


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أحداث الموصل في ضوء ستراتيجية المقاومة المسلحة
شبكة البصرة
صلاح المختار
أثارت العمليات الامنية في الموصل (هذا هو الوصف الادق لما يجري وليس العمليات العسكرية) العديد من التساؤلات حول طبيعتها وما تعنيه، لذا فان من الضروري تسليط الضوء على الحقائق المغيبة تقريبا، خصوصا وان العدو، وهو الاحتلال وتابعه حكومة المالكي، اخذا يروجان لفكرة (ان حملة الموصل حققت اهدافها). ان السؤال المهم هو : كيف نفسر ما يجري في الموصل؟
1 – يجب التذكير بما قلناه في مقالتنا المعنونة (
هجوم الموصل: تأجل؟ ام الغي؟ ماذا؟ ولماذا؟) شبكة البصرة الاحد 24 صفر 1429/2 آذار 2008، من ان المقاومة العراقية المسلحة، وفي ضوء تجربة الفلوجة وقواعد حرب العصابات، قررت ان تطبق تلك القواعد واهمها قاعدة (لا تقاتل العدو حينما يكون جاهزا لقتالك وشن الهجوم عليك). في الفلوجة في معركتي عام 2004 غلبت الحماسة الوطنية والقومية والدينية متطلبات حرب العصابات
وقواعدها الصارمة، فوقعت المقاومة في خطأ ستراتيجي كان يجب تجنبه وقتها، خصوصا وان مقاتلي البعث العسكريين وضباط الجيش الوطني الشرعي الذين كانوا يقودون عسكريا المعركتين بحكم خبرتهم، قد حذروا من مخاطر خوض معركة نظامية مع الجيش الامريكي، واكدوا على ضرورة التمسك بخوض حرب عصابات وتجنب التورط في حرب نظامية، وأحد اشكالها خوض معركة مواقع ثابتة يستطيع العدو من خلالها الحاق اصابات بشرية هائلة ودمار كبير بمعدات واسلحة المقاومة. لكن اصرار الفصائل الاخرى على خوض حرب مواقع ثابتة اجبر البعث والضباط على الموافقة على مضض على خوض المعركتين مع بقية المقاتلين والمجاهدين.
لقد كان ذلك خطئا فادحا ادركه من اصر على خوض تلك المعركتين بالطريقة التي تمتا بها، لان المقاومة في الانبار كلها وليس في الفلوجة فقط اخذت منذ ذلك الوقت تعاني من ضعف الاداء نتيجة استشهاد عدد كبير من المقاتلين الاشداء وتدمير كميات هائلة من معداتهم العسكرية الثمينة، بل ان بعض القادة المجاهدين في تلك المعركة اضطر للانسحاب من الانبار الى مكان بعيد جدا عن المعركة واخذ يمارس العمل السياسي لدعمها!
ولذلك فان السؤال الاول الذي واجه المقاومة عندما اعلن الاحتلال عن قراره شن هجوم كبير وباسلوب الحرب النظامية على الموصل هو هل نكرر خطأ الفلوجة؟ ام نعتمد قاعدة عدم خوض معركة يغلب عليها اسلوب الحرب النظامية وهو حرب المواقع الثابتة؟ لقد قررت المقاومة في الموصل تجنب تلك المعركة وترك العدو حائرا في خطواته نتيجة اختفاء العدو، وهو المقاومة.

2 – اقتصرت الحملة الامريكية على الموصل، بعد فشل حوالي اربعة اشهر على بدئها، على عمليات أسر للمناضلين والمجاهدين القوميين العرب وقتل بعضهم دون معارك غالبا. وفي هذا الاطار تبين الهدف الحقيقي من هجوم الموصل، عندما تركزت الحملة أساسا، على اعتقال واسر ضباط وطياري الجيش الوطني الشرعي ومناضلي البعث بالدرجة الاولى والشخصيات والشيوخ الوطنيين والقوميين، فقد أشر ذلك الى حقيقة ان المقصود بالهجوم أساسا هو محو او اضعاف هوية الموصل العربية، واكد ذلك الدور الخطير للبيش مركة الصهيونية وفيلق بدر الايراني التبعية والولاء في تنفيذ عمليات الهجمات الامنية، اي الاعتقالات والاعتداءات والقتل. ان الهدف الاساس لمعركة الموصل كان تغيير هويتها السكانية باسكان اكراد ومن انصار ايران في المدينة، لخلق واقع سكاني جديد يصبح فيه العرب احد مكونات الموصل غير الغالب عدديا، في حين ان الموصل تاريخيا وواقعيا مدينة عربية شبه خالصة، ومن سكنها من الاكراد لجأ اليها في اوقات مختلفة هربا من اضطهاد الزعامات الكردية لها. ان ماخطط للموصل يشبه تماما ما فعله جيش المهدي العميل لايران اثناء ارتكابه مجازر بشعة عام 2006 من اجل تغيير هوية بغداد، لكنه فشل بفضل صمود المقاومة وردها الحاسم. لقد انكشفت الخطة الامريكية مرة اخرى والتي تعتمد على ادعاء محاربة القاعدة لكن الواقع يؤكد بان الهدف الحقيقي هو المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية وليس الاسلامويين التكفيريين.

3- ان الخسائر، الناجمة عن الاعتقالات والقتل ومهما بلغت قسوتها ثانوية مقارنة بنتائج تصدي المقاومة للجيش الامريكي الجاهز للهجوم، مدعوما بكلاب حراسته من العملاء البيش مركة والعملاء المزدوجين لامريكا وايران. لقد اخرجت المقاومة اغلب كوادرها من الموصل الى الريف واماكن اخرى منذ اربعة شهور فحافظت على جاهزيتها القتالية وفقا لخطتها هي وليس لخطة العدو. ونتيجة لهذه الخطوة الذكية والصحيحة حمت المقاومة خيرة كواردها وما لديها من معدات عسكرية هي احوج ما تكون اليها في معارك التحرير وفقا لقواعد حرب العصابات وليس لقواعد الحرب النظامية. وهذا التطور يثبت ان المقاومة العراقية قد استوعبت دروس معركتي الفلوجة وصارت تتقن اكثر فن حرب العصابات، وهو الامرالذي يمكنها من المطاولة القتالية والمناورة الناجحة وستكون له اثار ايجابية في ضمان الانتصار الحاسم من خلال الاحتفاظ باكبر عدد ممكن السلاح ومن الكوادر الاساسية واستخدامهم في استنزاف العدو في معارك تقررها المقاومة وليس العدو.

4 – ان هناك تحولا واضحا حصل في اساليب المقاومة منذ عام 2006 ويتمثل ذلك التحول في التوقف عن العمليات الكبيرة بعد ان ادت وظيفتها، وهي تحشيد اكبر عدد ممكن من الجماهير حول مقاومة فعالة ومقتدرة من جهة، وتعزيز معنويات المقاتلين من جهة ثانية، وهي بذلك كانت نوعا من انواع (الدعاية المسلحة) في حروب التحرير، والاستعاضة عنه باعتماد اساليب حرب العصابات بدقة وخوض معارك محدودة ومحددة بمبادرة من المقاومة، ووفقا لتلك القواعد دون مغامرات مكلفة بشريا وماديا. وهذا التحول سيكون عاملا مضافا ومهما جدا في استمرارية المقاومة وتجنب الانهاك في منتصف طريق التحرير. ورغم ان هذا التحول قد يفسر على انه تراجعا في نوعية عمليات المقاومة الا ان هذا الفهم يفتقر لمعرفة واحد من اهم قواعد وقوانين حرب العصابات وهو القدرة على مواصلة الحرب دون انهاك او الافتقار الى العتاد والسلاح، مادامت حرب العصابات تتجنب المعارك النظامية الحاسمة وتقوم على فكرة انتصار من يصمد حتى النهاية ومن يخسر هو الذي يصرخ تألما من الخسائر. وهذه النتيجة تعتمد اساسا على طول النفس والصبر والتأني، وعدم خوض المعارك الا بعد دراسة شاملة، عسكرية وامنية واقتصادية عميقة لها.
ان التجربة العراقية في حرب التحرير تشير الوقائع الى انها تتم في ظرف دولي واخر اقليمي معاديين كليا للمقاومة، وتلعب فيه القوة المحتلة الاساسية، وهي امريكا، التي تعد القوة العظمى الوحيدة الان في العالم، وبنفس الوقت فانها الاقوى عسكريا والاغنى ماديا والافضل تكنولوجيا في التاريخ الانساني كله، كما ان القوة الاقليمية العظمى الثانية ايران (اسرائيل هي القوة العظمى الاقليمية الاخرى، بعد ان قام الغزو الامريكي بازلة القوة العظمى الاقليمية الاولى والاهم وهي العراق) تقف، اي ايران، بقوة واصرار لا يكلان الى جانب القوة العظمى امريكا ضد الثورة العراقية المسلحة، لذلك فان الدرس التاريخي الكبير، والدرس العسكري الاهم لتجرية الخمس سنوات من حرب تحرير العراق يتمثلان في ان المقاومة العراقية المسلحة، لكي تضمن استمرارية ثورتها المسلحة، فانها تحتاج اول ما تحتاج وقبل اي شيء الى التمسك التام بقواعد حرب العصابات الكلاسيكية وبالاخص تجنب النزعة المغامرة وعدم خوض معارك مكلفة بشريا وماديا للمقاومة.

كما ان هناك اسبابا خرى تعزز ضرورة التمسك بقواعد حرب العصابات واهمها ما يلي :
أ – ان بعض اطراف المقاومة، وبعد ان اشعلت فتنة تكفير فصائل مقاومة اخرى ورفض قيام الجبهة العسكرية الموحدة للمقاتلين، فتحت الطريق امام عمل منفرد او شبه منفرد لكل فصيل او جبهة مقاتلة، بعد ان كانت الكثير من العمليات العسكرية تنفذ بصورة مشتركة بمساهمة عدة فصائل حتى عام 2006.
ب – ان عناصر تكفيرية، كانت نشطة في مقاتلة الاحتلال وكان لها دور فعال، قد اضعفت بقوة نتيجة تخلي الجماهير العراقية عنها، بعد ان مارست اساليب منفّرة للناس العاديين والزعماء المؤثرين في وسطهم كشيوخ العشائر ورجال الدين، الامر الذي ادى الى نقصان قوة كانت فعالة في المقاومة بعد ان تحولت الى قوة ثانوية عسكريا.
ج – ان تغيير العدو لاساليبه القتالية والاستخبارية كان عاملا مهما في الدفع باتجاه التمسك بقواعد حرب العصابات. فلقد اعتمدت قوات الاحتلال على قوات محلية تشكلت من الميليشيات العميلة لايران (فيلق بدر وجيش المهدي وغيرهما)، ومن ميليشيات عنصرية انفصالية كالبيش مركة الكردية الصهيونية، اضافة لحفنة من الضباط الخونة والمتساقطين من الجيش الوطني الشرعي، وهذا الاعتماد كان احد الاساليب الاساسية التي ساهمت في تقليل استنزاف العدو الامريكي لاغراض دعائية، داخل امريكا اولا تتعلق بخفض الضغط للانسحاب من العراق نتيجة الخسائر البشرية والمادية، وبمحاولة تجنب الانهيار نتيجة الاستنزاف ثانيا، واخيرا وليس اخرا فان الاعتماد على عناصر كانت، قبل الاحتلال، من جهاز المخابرات الوطني الشرعي او من ضباط الامن العامة الوطنية، في رصد وتحديد المقاتلين من كوادر المقاومة، ان ذلك كله زاد من قدرة الاحتلال على التعرف على بعض خبايا المقاومة. ان هذه العوامل المهمة ادت الى القبض على الكثير من كوادر المقاومة واغتيال عدد كبير منهم، وتحديد اماكن بعض الكوادر والتنظيمات.
د - في حرب العصابات لا يوجد تقدم مستمر بل تتخلل عملية التحرير حالات تراجع المقاومة، هنا او هناك في هذا الوقت او ذاك، بل ان حروب التحرير قد تتعرض لانتكاسة رئيسية تبعا لموازين القوى. هذه الحقيقة تجنبتها المقاومة العراقية بضمان التقدم لا ربعة سنوات متواصلة بحيث عدت المقاومة العراقية المقاومة الاولى والوحيدة في التاريخ التي لم تتراجع او تهزم. لكن ما حدث في عام 2006 في الانبار، بعد اعلان ما سمي ب (الدولة الاسلامية) ووضعها المقاتلين بين خيار مبايعتها او تصفية من يرفض، اشعل قتالا مكلف بشريا بين فصائل المقاومة راحت ضحيته عشرات الكوادر المجاهدة ثم انتقل القتال الى محافظة ديالى، مما ادى الى توفير الفرصة للاحتلال وعملاءه لتنظيم صفوفهم واستقطاب كل متضرر من التكفيريين وشن حرب على المقاومة في الانبار وديالى ونجحت في الانبار.
وتمثل هذا النجاح في تراجع عمليات المقاومة في الانبار والفشل الامريكي في ديالى. ولتجنب انخفاض عدد العمليات العام فقد عوضت المقاومة العراقية عن نقص الانبار بتصعيد العمليات المسلحة في محافظات اخرى، وهكذا حافظت على المستوى العالي للعمليات في الحساب العام.

بعض الدروس الاساسية
1 - ان الدرس الكبير الذي بلورته حالة الانبار يؤكد على ان كل محاولة للانفراد بقيادة المقاومة وفرض زعامة محددة عليها، دون اي استحقاق ميداني حقيقي، يؤدي الى الحاق الاضرار بالمقاومة ويختلف الضرر تبعا للحالة العامة. وهذا الدرس ينطبق على المقاومة الفلسطينية بشكل ما خصوصا ما حدث في غزة من انقلاب دموي وما اعقبه من قيام كيانين فلسطينيين متناحرين في غزة والضفة، وهو وضع خدم حتما اسرائيل وبغض النظر عن النوايا. لقد توفرت في الانبار الفرصة التاريخية التي انتظرها الاحتلال الامريكي بشغف وهي الانفراد بفصيل مقاوم فقط وتصفيته ثم الانتقال لتصفية فصائل اخرى مستغلا توقف ظاهرة الدفاع المشترك عن اي فصيل يتعرض لهجوم امريكي. ومع تأكيد كل ذلك فان التراجع في الانبار كان مؤقتا وعادت الانبار تتعافى من جراحها العميقة وبدأت المقاومة الوطنية فيها بالتصاعد بشكل ملحوظ، بعد ان تحررت من الدور الانشقاقي لعناصر تكفيرية. وتترتب على هذا الدرس ضرورة حاسمة وهي ان وحدة فصائل المقاومة احدى اهم اشروط المسبقة لنصر الحاسم وبدونها ستتعرض الثورة المسلحة لخطر التراجع وربما الاختراق.

2 - ان التأكيد التام على التخفي والسرية المطلقتين، من ضرورات نجاح الثوة واستمراريتها بزخم قوي، اذ ان الصيغة التي اتبعتها المقاومة حتى عام 2006 كانت صيغة فيها الكثير من اللامبالاة الناجمة عن الثقة بالنفس وبالنصر، فاصبح البعض يعمل بشكل علني تحديا للاحتلال، وقدم بذلك معلومات عنه وعن تنظيمه استفاد منها الاحتلال فيما بعد. من هنا فان نجاح الثورة واستمرار تصاعدها القتالي مرهون بالتمسك التام بقواعد العمل السري وتجنب النزعات المغامرة والسلوك المتحدي مظهريا، بل يجب ان تقوم تشكيلات المنظمات على قوعد التنظيم الخيطي لتجنب تلقي ضربات مؤذية. لقد انتهت فترة الاستعراضات العسكرية وعمليات التحدي والدعاية المسلحة وبدأت مرحلة منع العدو من تحقيق اي مكسب خصوصا قتل الكوادر او اسرهم.

3 – ان اعادة تشكيل الفصائل المقاتلة في عام 2007، بخروج اعداد كبيرة من تنظيمات وانضمامهم الى تنظيمات اخرى بعد بروز تناقضات حادة، سد الثغرات التي حصلت في عام 2006 وملأ الفراغ الذي احدثه تراجع قوة عناصر تكفيرية ونفوذها بشكل حاد. وكان من اهم مظاهر ذلك الايجابية انخراط اسلاميين في تحالف ستراتيجي كامل مع القوميين العرب المقاتلين، ومما لاشك فيه ان رفض الاسلامويين التحالف مع القوميين خدم الاحتلال ووفر غطاء للاشقاقات داخل فصائل معينة، لهذا فان الاسلاميين، وهم الاغلبية الساحقة بين التيارات الدينية السياسية، انقذوا سمعة تيارات الاسلام السياسي التي تعرضت لاخطر تهديد لمستقبلها، من خلال تعاون بعضها مع الاحتلال وقيام البعض الاخر ممن قاتل الاحتلال بشق الصفوف نتيجة نزعته التكفيرية، وفي الحالتين فان الراي العام نظر الى هذه التيارات نظرة تتراوح بين عدم ارتياح و الشك بها.
ان تأسيس القيادة العليا للجهاد والتحرير كان حلا تاريخيا لمعضلة سوء الفهم بين القوميين والاسلاميين من جهة، كما انه حل ضمن اعادة تجميع اغلب الكادر العسكري من ضباط وقادة وتنظيمه في جبهة عريضة قادرة على الامساك بالارض العراقية كلها في لحظات الحسم، من جهة ثانية، واخيرا فان تشكيل هذه الجبهة كان الخطوة الاكثر اهمية في جعل المقاومة المسلحة تمثل كل العراقيين من الشمال الى الجنوب، وبغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والاثنية، بعكس باقي التنظيمات المقاتلة التي يمثل كل منها جزء من طائفة فقط وليس من بينها تنظيم واحد يمثل كل الشعب العراقي. ولادراك الاهمية الخطيرة لهذا التطور يجب ان نذكّر بان اهم تكتيكات الاحتلال كان ومازال هو اللعب على الورقة الطائفية ومحاولة شق الشعب العراقي على اساسها، لذلك فان وجود تنظيمات مقاتلة تمثل طائفة معينة فقط او جزء منها يؤدي، عاجلا ام اجلا وبغض النظر عن النوايا، الى اشعال فتنة طائفية تدمر مقومات استمرارية الثورة المسلحة ضد الاحتلال وهو اهم اهداف الاحتلال.

4 – من الضروري جدا عدم السماح للاحتلال بالاختباء وراء قوات عراقية عميلة واجباره على خوض معارك مباشرة ومستمرة ومتزامنة ومتعددة الجبهات مع المقاومة المسلحة، لان ذلك يؤمن استمرار الضغط الامريكي الداخلي، من الكونغرس والراي العام، على الانسحاب نتيجة استمرار وتزايد الخسائر المادية والبشرية، وهذا الخيار هو الضمانة الاساسية الثانية للنصر الحاسم بعد الضمانة الاولى وهي دعم الشعب.
ان الهدف المرحلي، في سلم اولويات المقاومة، هو التحييد المتدرج ولكن المستمر، للقوات والعناصر العميلة للاحتلال، سواء بالتصفيات المنظمة لها او اختراقها استخباريا او بتعريضها لهجمات مهلكة بصورة دورية، لان ذلك سوف يجبر العدو الامريكي على العودة للمربع الاول لازمته القاتلة في العراق وهو مربع الاضطرار للاشتباك مع المقاومة والتخلي عن اسلوب الاعتماد على عراقيين، او مرتزقة ايرانيين، في خوض المعارك وتلك خطوة أساسية لابد منها لتقريب النصر حتما. ان احد اهم اسباب اطالة عمر الاحتلال هو عثوره على عملاء من العسكريين وشيوخ العشائر وضباط مخابرات محترفين اخذوا يتولون مهمات قتالية تحت غطاء مزور وهو مقاتلة القاعدة في حين ان الهجمات الاساسية توجه ضد المقاومة الوطنية بكافة فصائلها. كلما نجح الاحتلال في زج عراقيين في العمل العسكري والاستخباري استطاع ان يطيل عمر الاحتلال ويحظى براحة نسبية، لذلك فان تقصير عمر الاحتلال مرهون بتحييد العناصر والقوات العراقية.

5 – رغم ان الشعب العراقي انتبه منذ بداية الغزو الى انه عمل اريد به اساسا التخلص من القيادة الوطنية الصلبة، التي حافظت على استقلال العراق خصوصا الاستقلال الاقتصادي، واقامت نظاما وطنيا تقدميا حل المشاكل الاساسية للمواطنين، وفي مقدمتها القضاء التام على الفقر والامية وعدم الاستقرار وضمان الامن والامان لكل مواطن... الخ، فان ما جرى بعد الاحتلال من اعمال اجرامية شاملة لم يسبق لها مثيل، كقتل مليون ونصف مليون عراقي وتهجير ستة ملايين عراقي وانعدام الامن والخدمات...الخ قد عزز قناعات العراقيين بغالبيتهم الساحقة بان البعث، بصفته التنظيم الوطني الوحيد الذي يمثل كل العراقيين ولديه قواعد جماهيرية واسعة في كل العراق، هو الامل الاساسي في انقاذه من الاحتلال والفوضى والابادة والموت البطئ. لقد عبر العراقيون خصوصا في عامي 2006 و2007 عن قناعتهم الواضحة والجريئة بان البعث هو (ومعه حلفاءه) وحده القادر على اعادة الامن والكرامة الشخصية والوطنية والخدمات والاستقلال والحرية.
لقد جرب العراقيون كافة الخيارات السياسية خصوصا التيارات التابعة للاسلام السياسي السني والشيعي وخرج بنتيجة مهمة جدا وهي ان كل هذه التنظيمات تفرق الشعب العراقي وتهدد وحدته الوطنية وهويته العربية، لانها قائمة على اساس طائفي صرف، اما الفكر القومي والانتماء الوطني فانهما الوحيدان القادران على المحافظة على وحدة الشعب والوطن. يضاف الى ذلك ان القوميين العرب، وفي مقدمتهم البعثيين، يمتلكون جهازا عسكريا ضخما هو الجيش العراقي الوطني والشرعي والذي يضم الاف الضباط وضباط الصف المنخرطين في المقاومة او العمل النضالي وهم بقوتهم الضاربة هذه يستطيعون اعادة الامن والامان الى العراق خلال ساعات او ايام في اسوأ الاحتمالات. ومن الحقائق التي لمسها الشعب العراقي عبر سنوات الاحتلال حقيقة ان البعث بتنظيمه القومي العابر لكل الطوائف والاديان والاثنيات قد عزز وحدة الشعب وكان احد اهم عوامل منع تشرذم العراقيين. لذلك فان البعث وحلفاءه من المقاتلين الاخرين من قوميين واسلاميين ووطنيين قادر على ليس فقط على تحرير العراق بل ايضا انه الضمانة الاساسية لتقليص معاناة العراقيين وتوفير الامن والامان لهم بسرعة قياسية.
وهنا يجب ان نوضح حقيقة عرفت ولكن البعض يحاول طمسها عمدا وهي ان البعث حينما يتحدث عن دوره في التحرير والحكم بعد التحرير لا يقصد انه سيعود للحكم منفردا كما يقول المغرضون، بل انه اعلن بجدية وايمان تامين بان مرحلة مابعد التحرير لن تكون الا مرحلة الحكم الائتلافي الديمقراطي، والتي يشارك في حكم العراق اثناءها كل من ساهم في التحرير. اننا اذ نثبت هذه الحقيقة فلاننا نريد التاكيد على ان العراق لا يمكن ان يحكم من قبل حزب واحد او جماعة واحدة مهما كبرت وعظم دورها. وهذا هو الدرس الاكثر حساسية ومن بين اهم ضمانات عدم حصول ردة او اقتتال داخلي عراقي – عراقي بعد التحرير. ان الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية التي تضم كل من حارب الاحتلال هي الضمانة الاساسية لمنع الاحتلال من العودة من شباك الصراعات الداخلية بعد ان طرد من باب الوحدة الوطنية.

6 – من الملاحظات المفرحة والتي تدل على النضج الكبير لفصائل المقاومة ظاهرة الانضباط التام وتنفيذ خطة المقاومة من قبل المقاتلين في الموصل، القائمة على تجنب الاشتباك مع قوات الاحتلال والقوات العميلة وهي تهاجم، مما جعل الهجوم عبارة عن عملية امنية لم تغير التوازن العسكري على ارض الموصل، لان المقاومة احتفظت بكامل قدراتها البشرية والعسكرية لمعركة ستقرر وقتها هي بعد ان ينهك الاحتلال والعملاء في استعراضاتهم الامنية. فكلما طال الزمن دون حسم واقتصار العمل على الهجمات الامنية وليس العسكرية وفي ظل استنفار عسكري مكلف جدا ماديا ونفسيا للاحتلال والعملاء فان المقاومة تعيد رسم الوضع في الموصل وتبدأ بشن هجماتها والعدو مستنزف ويائس وفاشل. ان الخبرة التكتيكية لقوات المقاومة تتطور وتتعمق على نحو يبعث على الفخر والاعتزاز.

7 – في عام 2006 بلور الاحتلال ستراتيجية امنية خطيرة تقوم على اختراق بعض الفصائل من خلال عناصره النائمة داخلها (المناجذ) واستخدامها لتحقيق الانقسامات في صفوف المقاومة، او على الاقل منع توحيدها، وكذلك اختراق بعض شيوخ العشائر والعناصر التي اصبحت لها ثأرات مع التكفيريين الذين اذلوها واعتدوا عليها بكافة الوسائل، او انها بالاصل عناصر انتهازية تسعى وراء المال الحرام. والان وبعد ان ميز الخيط الابيض عن الخيط الاسود فان المطلوب من المقاومة وضع خطة مدروسة بدقة لعزل العناصر العميلة او المشبوهة واعادة الصلات مع العناصر التي تدعي انها وقفت مع الامريكيين من اجل التخلص من تجاوزات تكفيريين لاختبار مدى صحة هذا الادعاء وتقرير فيما اذا كانت مستعدة للعمل ضد الاحتلال ام لا. ترك العدو وحده يلعب بالاوراق المتاحة سذاجة ناجمة عن سياسة انعزالية لا ترى الا الخيطين الابيض والاسود فقط مع ان الخيوط متعددة الالوان وليس من الذكاء او الحكمة ترك العدو يستفيد من عناصر متأرجحة او انتهازية في مرحلة الحسم هذه.

8 – في ضوء تجربة الموصل الناجحة بكل المقاييس يجب على المقاومة في ديالى التي قد تتعرض لحملة امنية كبرى تحت تسمية معروفة وهي (ضرب القاعدة) ان تضع خطة كخطة الموصل تقوم على تجنب الاشتباك مع المهاجمين وحماية الكادر بكافة الطرق ومنع قتله او اسره، كما يجب تأمين اخفاء الاسلحة المهمة في اماكن مضمونة ويمكن الوصول اليها بسرعة اذا اقتضت الضرورة القتال. ان المحافظة على الكادر هي المهمة الاساسية الان في كل العراق، وان تجنب القتال حينما يفرضه العدو ضرورة اساسية، وان مهاجمته حينما تقرر المقاومة ذلك مهم بقدر اهمية تجنب القتال معه وهو يهاجم. لنترك العدو يتخبط وهو يجهل اين ذهبت المقاومة وقلق من احتمال شنها هجمات صغيرة ولكن مؤذية له، لان التخبط هو مقدمة الهزيمة النهائية.

9 – ان المقاومة وهي تناور وتداور تتمسك بأسس ستراتيجيتها العامة واهم ما فيها الاصرار على التحرير الكامل لكل العراق دون مساومات وتراجعات، فقيمة التكتيك والمناورة تكمن في الرؤية المستمرة والواضحة للخط الستراتيجي العام : التحرير الكامل للعراق واقامة سلطة وطنية ديمقراطية ائتلافية.
عاشت الثورة العراقية المسلحة.
النصر او النصر ولا شيء غير النصر.
26/5/2008
Salah_almukhtar@gawab.com
شبكة البصرة
الاثنين 21 جماد الاول 1429 / 26 آيار 2008
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار