بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ماذا سيكتب التاريخ بحق الرئيس بوش؟!!
شبكة البصرة
وجدي أنور مردان
ثلاثة اصناف من الحكام يكتب عنهم التاريخ. الصنف الاول ينحنى أمامهم اجلالا واحتراما لانجازاتهم واعمالهم الجسام وتركهم للانسانية ارثا لاينضب معينه.و الصنف الثاني يسود صفحاته وصفا لجرائمهم وغبائهم وتهورهم وشوقهم للدمار والحرائق وتعطشهم للدماء. أما الصنف الثالث فلا يحظون على اكثر من سطر واحد.
مع اي صنف سيتبوء الرئيس بوش مقعده في مملكة التاريخ؟!!
بالرغم عن ما ذكره الكاتب كيرت براون، في مقاله، في الواشنطن بوست، استغلال الحرب على الارهاب لتجنب المسألة: انه باسم محاربة الارهاب وبالرغبة المبيتة لتجنب المساءلة، فرضت إدارة بوش مستوى عاليا من السرية على عملياتها بحجة ان الاخذ والرد فيها وابراز الوثائق تعرض الأمن القومي للخطر.
وبالرغم من افصاح الرئيس بوش للكاتب روبرت درايبر، مؤلف كتاب تناقضات الرئيس، قوله: ربما لن “يمكنك فهم رئاسة بوش بصورة كاملة الا بعد وفاتي.”.
ولكن رغما عن ذلك، فاننا لانعتقد ان المؤرخين سوف يلاقون مشقة كبيرة عند كتابة تاريخ حقبة حكم الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الابن، لان امر الرجل افتضح وانكشف وبان للعيان قبل ان ينكسف الشمس عن مرحلة حكمه، المغمسة بدم العراقيين والفلسطينين والافغان. فخلافا لعملية كتابة التاريخ المعتادة فان المؤرخين والاكادمين سوف لاينتظرون ثلاثين او خمسين عاما لحين ازاحة السرية عن وثائق فترة حكمه، فكل شيء بات واضحا ومكشوفا كما ذكرنا، سواء كانت تلك المتعلقة باحداث 11 ايلول/سبتمبر المفجعة، من صنع بعض الشباب السعوديين او الاماراتيين او من فعل فاعل من الداخل الامريكي،فضلا عن انكشاف اسباب ودوافع لعبة الحرب على الارهاب وخفايا قرار العدوان العسكري الغاشم ضد العراق وغزوه واحتلاله.
هذا المقال استشراف لبعض ما سيقوله التاريخ عن فترة حكم الرئيس بوش وماساته الشخصية. فقبل ان ندخل في التفاصيل نود ان نورد الاحصائيات الاتية:
كتبت على محرك البحث جوجل عبارة من ثلاث كلمات باللغة العربية ثم باللغة الانكليزية، وكررتها بتغيير احدى الكلمات، فظهرت النتائج التالية:
كتبت عبارة (فشل الرئيس بوش). ضغطت على خانة البحث، فظهرت (676000) ستمائة وستة وسبعون الف مقال وتصريح وخبر وتحليل باللغة العربية و (2.640.000) مليونان وستمائة واربعون الفا باللغة الانكليزية.
ثم غيرت العبارة الى (أكاذيب الرئيس بوش) فكانت النتيجة (108000) مائة وثمانية الف مقال وتصريح وخبر وتحليل باللغة العربية و(2.740.000) مليونان وسبعمائة واربعون الفا باللغة الانكليزية.
ثم اعدت الكرة وكتبت (تزوير الرئيس بوش للحقائق) فظهرت (31000) احدى وثلاثون الف عنوان باللغة العربية و (328.000) ثلاثمائة وثمان وعشرون الفا باللغة الانكليزية.
وكتبت ايضا (الرئيس بوش مجرم حرب) فأمتلئت شاشة الكومبيوتر بـ (108000) مائة وثمانية الف مما ذكر في الاسطر السابقة باللغة العربية.و (488.000) أربعمائة وثمانية وثمانون الفا باللغة الانكليزية
وأخيرا كتبت (مأساة الرئيس بوش) فظهرت (173000) مائة وثلاثة وسبعون الف مقال وتلخيص كتب وخبر وتحليل وتصريح باللغة العربية و (516.000) خمسمائة وستة عشرة الفا باللغة الانكليزية.
هذا الكم الهائل من المعلومات، مع اقرارانا بان بعض تلك المقالات او الاخبار او التصريحات ربما قد تكون مكررة، ولكنها تبقى مع ذلك كنزاً هائلاً يهلل لها المؤرخون المنصفون عند كتابة تاريخ فترة حكم الرئيس بوش للولايات المتحدة الامريكية وتأثيره المباشر وغير المباشر على تشكيل وسير احداث العالم ومستقبله، خلال ثمان سنوات عجاف، كانت كابوسا مرعبا على البشرية، ثقيلا ثقل الرصاص.
أن مأساة الرئيس بوش بدأت في اللحظة التي قرر فيها أحتلال العراق وتدميره والتبجح باعادة تشكيل مجتمعه وفق المنظور الامريكي للحياة، ولن تنتهي هذه المأساة بانتهاء فترة رئاسته وانما ستنتقل الى خلفه ومن بعد خلفه الى خلف خلفه الى ان تنهار امريكا، كما انهار المغول الذين دمروا بغداد العام 1258 ميلادية واحتلوها ولكن المغول لم يعمروا بعد احتلالهم سيدة مدن العالم، أكثر من مئة عام!!!
سيكتب التاريخ ان أدارة الرئيس بوش وعصابة المحافظين الجدد قد نجحت، خلال ثمان اعوام، في تحويل امريكا الى امبراطورية الخوف وفي بث الرعب والهواجس بين صفوف الأمريكيين و إقناع الغالبية العظمى منهم، زورا، بان الحرب على الارهاب، حرب مفروضة على أمريكا, وهي تهدد أمنها واسلوب حياتها، لذا لا بد من خوضها "حتى النهاية", وأن النصر فيها ممكن, ولكن يحتاج الى تضحيات جسام.
سيكتب التاريخ انه كان رئيسا متغطرسا وان هذا التغطرس كان احد اوجه مأساته ومأساة طاقمه. أن غطرسة هؤلاء المحافظين الجدد دفعتهم الى تجاهل حقائق التاريخ والتشكيلة الدينية للشعب العراقي. و أن الإطاحة بالرئيس صدام حسين من شأنها تمكين إيران.؟ كما يعترف الكاتب الامريكي، جاكوب وايزبيرغ، في كتابه (مأساة جورج بوش). وهو من كتاب اليمين المتطرف.
سيكتب التاريخ أن الرئيس بوش لعب دورا خبيثا في زعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الاوسط، كما لم يلعبه اي من اسلافه. لقد تركت فترتي ادارته أثارا تدميرية هائلة ومؤلمة يستغرق علاجها عقودا من الجهد والعرق والتضحيات. لقد كانت فترة حكمه نقمة وكابوسا مرعبا على منطقتنا، اغرقها في بحور من الدماء والدموع وعاث فيها الخراب والدمار باسم انقاذ العالم ونشر الحرية والديمقراطية. حرية القتل وديمقراطية التزوير ونصب اللصوص و الفاسدين والافاكين الحاقدين حكاما على البلاد والعباد. لقد نجح نجاحا منقطع النظير في ترويج واشاعة قيم الشواذ واللواط والوشم والفساد ودفع عشرات الملايين من الدولارات لتاسيس جمعيات ومنظمات مدنية تشجع وترسخ هذه القيم الشاذة بين شباب الدول العربية والاسلامية وشاباتها.
سيدون التاريخ، ان العالم قد اكتشف، بعد غزو العراق واحتلاله، كيف اتخذ الرئيس بوش، واحدا من اسوأ القرارات في التاريخ الامريكي الحديث. وكيف ضلل الامريكان والرأي العام العالمي بخوض الحرب بدعاوى كاذبة وملفقة على أساس معلومات استخباراتية زائفة.
ويكتب التاريخ باستهجان واستنكار واشمئزار، صفحات طويلة، عن فضائع وفضائح التعذيب في سجن ابو غريب ومعتقل غوانتاناموا. فضائع وحشية يندى لها جبين البشرية.تلك الجرائم التي فقدت جرائها امريكا روحها وعقلها وشوهت المبادىء التي تتغنى بها وتاسست عليها.
سيذكر التاريخ انه اقترف جريمة قتل اكثر من مليون ونصف المليون عراقي بريْ وشرد اربعة ملايين آخرين ويتم خمسة ملايين طفل وطفلة وارمل ثلاثة ملايين أمرأءة وخطف وحجز الاف الاطفال والنساء والشيوخ والشباب واودعهم السجون والمعتقلات من دون اية تهمة او محاكمة وكان سببا في اغتيال 5500 عالم ومفكر عراقي، وكان سببا في اطلاق وحوش الصفويين الجدد ليعيثوا في بلاد الرافدين فساداً وظلما وجورا وظلاما وكان سببا في زج الالاف من شباب امريكا في اتون محرقة ادى الى قتل وجرح وتشويه الالاف منهم. واستحق بذلك هو وطاقمه بجدارة لقب مجرمو الحرب.
سيسجل التاريخ، انه اهدر اكثر من 3 ترليون دولار في حروبه العبثية. لقد كان هذا المبلغ الفلكي كافيا لتحويل العالم الى واحة سلام وامن، يقضي على الجوع والمرض وغلاء اسعار المواد الغذائية، ويبني المدارس والمستشفيات في افريقيا ويخلق ثقافة التسامح، ويكسب قلوب وعقول العالم يتغنون بحب امريكا ومبادئها.
سيكتب التاريخ، ان الدافع الاساسي للاحتلال العراق كان هو النفط وأمن اسرائيل. كما اكده اكثر من مسؤول امريكي رفيع مثل كرين فيسباغ، وزير الخزانة (المالية) الامريكية.
وسيدون باحتقار واستهجان قيام قواتها بحماية وزارة النفط العراقية وتركها المتحف الوطني العراقي، لنهبه من قبل اللصوص وعبث الحاقدين وايغالها في تدميرالاثار العراقية عمدا بمرور دبابات الغزو والعدوان لتحول اثار سبعة الالاف من الحضارة الى تراب. تلك الاثار التي كانت تعتبر واحدة من اعظم الكنوز البشرية وتراثها، تحكي قصة بداية الحضارة الانسانية ومراحل رقيها.
ان التاريخ سيحفر على صفحاته بدون رحمة و يزيد من مأساة الرئيس بوش الابن و يثير السخرية هو ان مغامرته الكارثية المتعلقة بغزو العراق قد اثبتت صحة خيارات والده في العامين 1990 و1991 تلك الخيارات التي اراد الابن ان يكون مخالفا لوالده ومصححا لقراره الخاطىء حسب اعتقاده. فبدلا من ان يكحلها عماها كما يقول المثل.
سيصف التاريخ ان هذا الرئيس كان مغرورا الى درجة الهستيريا، ومقامراً الى درجة النذالة وحاقدا حتى الشماته ومولعا بشرب دماء الابرياء حتى الثمالة.
سيكتب التاريخ انه وقف يوما على اشلاء اطفال فلسطين، وجثث نسائها وشيوخها، وقف على اطلال القرى والبيوت الامنة التي دمرتها سرافات الدبابات الاسرائيلية، ليكرم القتلة ويمتدحهم على فعلتهم الشنعاء.دون أي احترام للدماء التي سالت من جسد كل شجرة ونضحت من عنقود كل كرمة في فلسطين المحتلة.
سيكتب التاريخ، بلا هوادة، ان الرئيس بوش كان متعجرفا يتجنب الاعتراف بالاخطاء ويكره الانتقاد ويتحاشى الاستماع الى الاخبار السيئة ويرفض ان يسدي احدهم نصيحة اليه، يستخف بأراء خبراء السياسة؟ ويميل الى اعطاء الانطباع بأنه ساذج و يكره بعناد مواجهة الحقائق التي لا تروق له.كل هذه الخصال غير الحميدة يذكره روبرت درايبر، في كتابه تناقضات الرئيس.
سيدون التاريخ ان الرئيس بوش كان رئيسا فاشلا، وتأكيدا لهذه الصفة، منحه زبغنيو برجينسكي، مستشار الامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، درجة (F) في الحكم، يعني راسب في الامتحان، اي فاشل، وكلمة الفاشل، من اكثر الكلمات قسوة وكراهيةً في القاموس الامريكي.
سيؤكد التاريخ، كما يذكر برجينسكي: على ان الولايات المتحدة الامريكية اهدرت فرصة قيادة العالم في زمن الرئيس بوش. وأن ازدياد سوء الوضع في العراق أو توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط بمهاجمة إيران ربما يؤديان إلى أن تذكر كتب التاريخ أن عمر الولايات المتحدة كقائدة للعالم كان قصيرا جدا. وان التفوق العسكري الأمريكي وأوهام واشنطن واتساع نفوذها قد تحطمت على صخور الفشل في العراق.
سيكتب التاريخ، ان حرب العراق كانت كارثة جيوبوليتيكية، اثار مشاعر الاستياء لدى العالم ضد أمريكا ووفرت تربة خصبة لتجنيد المزيد من الارهابيين وأصبحت مشاعر العداء للولايات المتحدة هي القاسم المشترك بين معظم شعوب العالم. كما يؤكد برجينسكي.
وعلى هذا المنوال يستمر المؤرخون في الكتابة الى ان يصلوا الى قناعة راسخة، انه بسبب غزو العراق واحتلاله، ومقاومة ابناء العراق الابطال، بدأ العد التنازلي لانهيار اقوى واغنى واشرس امبراطورية شهدها العالم.ويحتل الرئيس بوش بجدارة واستحقاق مكانه اللائق مع عتاة المجرمين والمخربين.
كلمة اخيرة: ان الامة التي تفقد ايمانها بمبادئها ليس لها ان تترجى الاخرين يؤمنون بها.
كاتب من العراق
wamardan@hotmail.com
اواخر مايس/مايو 2008
شبكة البصرة
الاربعاء 23 جماد الاول 1429 / 28 آيار 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق