الأحد، مايو 18، 2008


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيران والكيان الصهيوني.. خطاب متطرف وسياسة ناعمة
شبكة البصرة
محسن خليل
منذ أن بدأ العراق، يخطو خطوات جادة وسريعة لبناء نهضته الاقتصادية والسياسية، أصطدم بالعداء الايراني، الذي عارض بشدة بروز العراق قوة مكافئة لأيران، تحد وتقيِّد طموحاتها التوسعية في منطقة الخليج العربي. كان الشاه أساسا جزءً من تحالف ثلاثي (أمريكي أسرائيلي) حشد قدراته لضرب حركة التحرر العربي والثورة العربية، وتصدى بقوة وبكل الوسائل لثورة يوليو في مصر ولسياستها القومية في الخمسينات والستينات وللحركة القومية وقواها الاساسية في عموم الوطن العربي، وبعد غياب عبدالناصر وبروز العراق اثر استلام البعث للسلطة عام 1968، تحالف الشاه مع الكيان الصهيوني لمواجهة ما أسماه (الخطر العراقي المشترك) وقدما دعمهما الى الجيب العميل داخل الحركة الكردية بقيادة البارزاني الاب. وحين وقع الشاه اتفاقية عام 1975 مع العراق وانهار على أثرها تمرد البارزاني المسلح، ادرك الصهاينة والامريكان والشاه أن الاتفاقية أتاحت للعراق قدرا من الاستقرار أنعكس على تصاعد بنائه الحضاري وتطور دوره القومي، فقررت الاطراف الثلاثة اعادة بناء الجيب العميل في الحركة الكردية ومده بالسلاح والمدربين وخبراء الموساد والسافاك واستئناف التمرد المسلح عام 1977.
اراد الشاه بالتعاون مع الكيان الصهيوني وامريكا أن يحقق لأيران تفوقا على العراق والعرب وأن يفرض عليهم الاعتراف بدور أيران القيادي وتطلعاتها التوسعية في المنطقة. وأرادت اسرائيل بالتحالف مع الشاه تطبيق نظريتها (المحيطية) كما يطلق عليها قادة الكيان الصهيوني، أو(نظرية شد الاطراف) كما كان يسميها المفكر العربي الراحل حامد ربيع، والقائلة باقامة اوثق العلاقات التسليحية والامنية والاقتصادية مع دول المحيط غير العربية، لمشاغلة الدول العربية الاساسية واستنزافها، والحيلولة دون تجميع قدراتها وتركيزها في مواجهة (أسرائيل).. لكن الشاه فشل في فرض الاعتراف بدور أيران الاقليمي على دول منطقة الخليج العربي بسب صعود قوة العراق وانتشار تأثيره في الوطن العربي بالاضافة الى عزلة الشاه النسبية على الصعيد العربي لعلاقاته المكشوفة مع الكيان الصهيوني.. أنهارالشاه من الداخل، واعماه جنون العظمة عن قراءة مواطن ضعفه الداخلية، وتصاعد القلاقل بوجه نظامه، وادركت (اسرائيل) هذه الحقيقة مبكرا، ففي زيارة قام بها رئيس وزرائها مناحيم بيغن لطهران في اواخر 1977، لمس بيغن مؤشرات انهيار نظام الشاه، وسعى خلال زيارته لواشنطن بعد ذلك بأشهر، لأقناع الرئيس الامريكي كارتر بأن الشاه قد انتهى.
بعد قيام جمهورية الخميني، أستأنف الجانبان الايراني و(الاسرائيلي) علاقات التحالف القائمة بين بلديهما منذ عهد الشاه، مستندين الى ان الحقائق الجيوسياسية (بعد الثورة) لم تتغير بالنسبة لكل من ايران و(أسرائيل) ازاء محيطهما الاقليمي (العربي)، وأن اهمية أيران الاستراتيجية (لاسرائيل) ما تزال قائمة على حالها سوى أن خميني أبعد طموحا من الشاه، فهو لا يريد لأيران تفوقا عسكريا ودورا قياديا في منطقة الخليج فحسب، وأنما اراد ان تتولى ايران قيادة العالم الاسلامي والمنطقة العربية بأسرها، وزج بايديولجيا الاسلام السياسي وأستراتيجية تصدير الثورة بديلا عن استراتيجية الشاه القائمة على فرض الاعتراف بالدور القيادي لأيران في منطقة الخليج العربي على العرب.
أيران خميني وجدت أن (أسرائيل) قوية من شأنها ان تخفف الضغط العراقي او العربي ضد طموحاتها التوسعية. وتطلب هذا السقف من الطموح الايراني تغييرا في ادوات تحقيقه، فتبنت أيران خميني تجاه (أسرائيل) خطابا متطرفا وسياسة ناعمة.. شعارات وتصريحات عنيفة ومعادية لأسرائيل في العلن، وتعاون تسليحي وسياسي واستراتيجي معها في السر. فالحقائق الجيوسياسية التي قررت تجديد سياسة التحالف بين الشاه وأسرائيل ظلت كما هي بعد مجيء خميني الى السلطة.... طبقا لهذه الحقائق لم تشعر (أسرائيل) بأي قلق من خطاب الثورة الخمينية المتشدد أزاءها، وكانت تعلم ان حدوده التطبيقية لا تتعدى أطلاق الشعارات والتصريحات الحادة أو اتخاذ مواقف سياسية عائمة من دون سند عملي لها. والقاعدة الذهبية التي نظمت علاقتها مع أيران هي نفسها التي كانت سائدة ايام الشاه : (نظرية المحيط). يقول البروفسور ديفيد مناشري من جامعة تل أبيب والخبير الاول في الشؤون الايرانية بأسرائيل : (طوال فترة الثمانينات، لم يقل أحد في اسرائيل شيئا عن وجود خطر أيراني ؛ لم يتفوه احد حتى بهذه الكلمة)...
بعد قيام جمهورية خميني أنحصر التغيير لدى كل من أيران وأسرائيل في السياسات وليس في الاستراتيجيات وتركز على امرين اساسيين : الاول العمل المشترك على أضعاف العراق الصاعد في ظل قيادته القومية ومشروعه النهضوي الوحدوي التحرري، والثاني : التأسيس لدور ايران الجديد في قيادة المنطقة العربية والعالم الاسلامي على قاعدة تصدير الثورة ونشر الفتنة الطائفية داخل المجتمعات العربية والاسلامية. وهو ما شجعته كل من واشنطن وتل أبيب.
ومنذ الاشهر الاولى لأندلاع الحرب التي فرضها خميني على العراق، تلقى نظامه اول شحنة أسلحة من (اسرائيل) في أيلول 1980.. أذ قام احمد كاشاني النجل الاصغر لأية ألله أبو القاسم كاشاني بزيارة (أسرائيل) لمناقشة مبيعات الاسلحة لأيران والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي (مفاعل تموز – اوزيراك). وأسفرت زيارته عن شحن اطارات لطائرات الفانتوم المقاتلة وأسلحة الى الجيش الايراني، مقابل ذلك سمح خميني بهجرة آلآف اليهود الايرانيين الى أسرائيل عبر باكستان وأستراليا..
علق نائب وزير الخارجية الايراني السابق عباس مالكي بقوله (كان صناع السياسة الايرانيون اذكى من ان يجعلوا من أسرائيل خطرا مباشرا على ايران، لأنه في ذلك الوقت كان العراق هو الخطر)..
الاستراتيجية (الاسرائيلية) كانت ترى في انتصار العراق على أيران او وجود ايران ضعيفة خطراً على أمن (اسرائيل)، بينما لا يشكل في نظرها انتصار ايران على العراق أي خطر على أسرائيل. وجدت هذه الاستراتيجية ترجمتها من الناحية العملية في أستمرار العلاقات (الاسرائيلية) مع ايران خميني، وفي التعاون التسليحي والدعم الامني والسياسي المتبادل غير المعلن. وفي اطارها قامت ايران بعمليتها الفاشلة بقصف المفاعل النووي العراقي في 30 أيلول 1980 أي في مطلع الاسبوع الثاني لحربها العدوانية على العراق (1980 – 1988)، ثم تولت أسرائيل بنفسها قصف المفاعل العراقي في 7 حزيران 1981 لتلافي فشل العملية الايرانية، وقد مهدت لتلك العملية من خلال تنسيق جمع ضباط اسرائيليون مع أيرانيون في فرنسا وشرح الايرانيون لأقرانهم الاسرائيليين تفاصيل هجوم ايران غير الموفق على المفاعل النووي العراقي في 30 أيلول 1980 ووافق الجانب الايراني خلال الاجتماع على السماح للطائرات الاسرائيلية بالهبوط في مطار أيراني بتبريز في حال الطواريء.
وفي 18 تموز تحطمت طائرة شحن ارجنتينية كانت تنقل أسلحة أسرائيلية متوجهة الى أيران بالقرب من الحدود التركية الروسية. وبين 1980 و1983 باعت اسرائيل اسلحة لايران بقيمة (500) مليون دولار، سددت عبر تسليم شحنات نفط ايراني لأسرائيل. وفي 1985 بدأت شحنات صواريخ تاو تصل الى ايران من (أسرائيل) بموافقة امريكية، أحدى الشحنات تعمدت (اسرائيل) أن تضع عليها نجمة داود. في 25 تشرين الثاني 1986 أعترف الرئيس الامريكي ريغان بأن امريكا باعت أسلحة امريكية لأيران وليس اسلحة اسرائيلية، وأنها حولت المال الى (ثوار) الكونترا في نيكاراغوا. وفي خطاب متلفز دافع ريغان عن العملية وجادل بأنه (بالنظر الى الاهمية الاستراتيجية لأيران ونفوذها في العالم الاسلامي، أخترنا تفحص أمكانية أقامة علاقة افضل بين بلدينا)..
كانت توجيهات خميني بعد أفتضاح صفقات الاسلحة الامريكية الاسرائيلية لأيران، وأستشعارا منه للضرر الذي سيلحقه بصورة أيران (الثورية) في المنطقة والعالم الاسلامي، هو تصعيد العداء الخطابي والشجب العلني للسياسات الاسرائيلية وتوجيه النقد لسياسات الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية المتجهة للتسوية مع الكيان الصهيوني.
بعد رحيل خميني تابعت ايران سياستها البراجماتية، خطاب أيديولوجي معاد لأسرائيل وأمريكا (الموت لأمريكا.. الموت لأسرائيل)، وسلوك سياسي يمارس تنسيقا وتعاونا واسعا مع السياسة الامريكية والاسرائيلية ضد العراق. خلال حرب 1991، فتحت ايران اجواءها امام الطائرات الامريكية، وشاركت في تنظيم تمرد في جنوب العراق من خلال تسلل عشرات الالاف من الحرس الثوري الايراني وفيلق بدر الى محافظات الجنوب في وقت كان الجيش العراقي يواجه العدوان الامريكي. وبينما كانت واشنطن تتبنى سياسة الاحتواء المزدوج ضد كل من العراق وأيران، كانت من الناحية العملية تحصرها في العراق، وتشجع دول الخليج على الانفتاح الواسع على أيران. وحتى عندما وضعت امريكا، أيران وكوريا ضمن محور الشر، فأنها عمليا حصرت هذا المحور بالعراق، فيما تعاملت بمرونة سياسية معروفة مع أيران وكوريا الشمالية. وعندما قامت واشنطن بغزو العراق في 2003 تحول أحد عناصر محور الشر (أيران) الى شريك في خطة الاحتلال، وسلمت أمريكا السلطة الواجهية التي أنشأتها في العراق المحتل لأحزاب موالية لأيران. ومن المفارقات أن تتركز الضجة الامريكية والصهيونية ضد برنامج أيران النووي، بينما تقوم طائرات الكيان الصهيوني بقصف مواقع سورية بحجة انها منشآت نووية. وحين يسأل بوش عن تفسيره للعملية الصهيونية ضد المنشآت السورية يقول أنها رسالة لأيران وكوريا الجنوبية؟
بعد أحتلال العراق، تحررت كل من ايران واسرائيل من عقدة (الخطر العراقي).. فقد دمر العراق حاجز الصد والبوابة الشرقية للدفاع عن الوطن العربي، وأحد اهم اعمدة الجبهة الشرقية ضد الكيان الصهيوني.. وتحول الجهد الايراني الاسرائيلي الى تنفيذ مشاريع تفتيت المنطقة طائفيا وعرقيا... يجري هذا في العراق ولبنان وفلسطين، بصيغ تصعيدية هدفها شحن هذه الساحات طائفيا وعرقيا وأنضاج عملية تصدير شظاياها الطائفية الى دول المنطقة.. لم يعد هناك مايقلق أسرائيل استراتيجيا منذ أحتلال العراق، وأطمأنت أيران الى أنها اصبحت دولة محورية في المنطقة تناور لأنتزاع الاعتراف بها دوليا وأقليميا على أنها شريكة في قيادة وأدارة المنطقة العربية. ألا يحق للمواطن العربي أن يتساءل : في ظل شعارات أيران الحماسية ضد أمريكا وأسرائيل، كيف يتعايش الثلاثة داخل العراق، ويواصلون معاركهم الخطابية في لبنان وفلسطين؟
لقد أخطأت دول الخليج بمشاركتها في غزو العراق والتخلص من نظامه الوطني القومي، وما تزال ترتكب ذات الخطأ حين تقف سلبية متفرجة على الدور الايراني في العراق برعاية أمريكية أسرائيلية، واذا استمرت سلبيتها، عليها أنتظار زحف الدور الايراني داخل دولها وبرعاية أمريكية أسرائيلية، بمجرد أن يستقر الاحتلال الامريكي الايراني في العراق.
الامل الوحيد المتاح لوقف هذا الزحف الثلاثي ضد العراق ومنطقة الخليج العربي وعموم الوطن العربي، هو المقاومة العراقية الباسلة، فقد أفسدت بقوتها وقدرتها نشوة (الانتصار) لدى قوات الاحتلال، وعطلت مشروع أندفاعها خارج العراق الى اقليم (الشرق الاوسط)، كما انها فضحت الكثير من اوراق ايران (الثورية) وكشفت حقيقة أستمرار التواطؤ الثلاثي في عهد جمهورية الملالي كما كان قائما في عهد الشاه..
وبعد مرور خمس سنوات على الاحتلال، ورغم فداحة وهول الثمن الذي دفعه العراق وشعبه، فأن آمال أمريكا وايران وأسرائيل في الاستقرار في العراق باتت أقرب الى المستحيل، وأن فجر التحرير قادم، وسيعود العراق كما كان عبرالتاريخ جدارالصد ضد الريح الصفراء القادمة من ايران، وعماد الجبهة الشرقية لتحرير فلسطين باذن الله.
صحيفة الموقف العربي
القاهرة 13/5/2008
شبكة البصرة
الجمعة 11 جماد الاول 1429 / 16 آيار 2008
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار