الأحد، مايو 18، 2008


بغداد للشاعر الرومانى الكبير ماريوس كلاريو




Image





في بغداد تصرخ الملائكة بدموعٍ لا تغسل بحورَ الدم المندفعة نحو السماء من سقف مسجد المرجان.

ميدل ايست اونلاينترجمة: حسن حجازى
مهداة
لذكرى هؤلاء الذين ماتوا ويموتمون في كل لحظة في بغداد, في مدريد, في لندن, في ترانسنيستريا, في الشيشان، وفي كل مكان في العالم. يُقتلون بسبب الكره, بسبب البغض, بسبب التعصب, بسبب الإرهاب، وبسبب سياسات الحروب والمصالح التي ليس لها علاقة بحياتنا.
بغداد
كانت تسمى بحديقة المسرات وفي وسطها يقف قصر الأعاجيب شامخاً والذي يحكمه هارون الرشيد.
القصر بالكامل كان عبارة عن صالة ضخمة هائلة الحجم لها أربع وعشرون نافذة تُفتح فقط عند وصول هارون الرشيد!
كتاب ألف ليلة وليلة
على أحد دروب التاريخ
في يومٍ ما
طوى الله سبحانه وتعالى هذا اليوم
كما لو كانَ منديلاً طرزه بأغنيةٍ للبلبل
واحتفظَ بهِ قرب قلب الشعر
ذاك اليوم
كانت شهرزاد التي لم تكن قد وُلِدَتْ أو احترقت بعد
تستعدُ بقصة
(في اللحظة التي كان من المفروض أن تبدأ على المسافة التي يقف فيها
الخليفة المنصور مكان بناء القلعة، وأن يحدد ما مفاده أن الحرب تقريباً قد خمدت)
مثلَ ضربةِ جفن أو كهمسةِ قلب,
ذلكَ اليوم
كان هناك حلم سيُولد
يُسمى
مدينة السلام
كساعةِ الرضاعة عندما ترفس
ذلك المحتضر بوحشية
في وقت القضم
أفترس الزمن
بأسنانٍ مصنوعة من دم
ساحقةً القصائد بسيوفٍ خشنةٍ من كثرةِ الحروب
محولة ً
أحجارَ قصر الخلد إلى ركام
تتحركُ اليوم بمضارب
تقتلُ مراراً وتكراراً
وفي طيرانها الهمجي كانت طيورُ الموت
تدكُّ الأرضَ والملاجىء
والظلَ الحزين
لهارون الرشيد
بعيونٍ من دم ورموشٍ من كراهية
تمسحُ النمورُ المائية السماء
التي كانت فيما مضى تبتسمُ للفاتنات من حديقةِ المسرات –
منذ زمانٍ بعيد واللاتي يشبهن لحدٍ كبير حور الجنة
فيما مضى من زمنٍ بعيد
عندما كانَ الزمنُ يُقصَدُ به الشعر أيضاً
والقمرُ كانَ قد توقف ليستريح
على سقفِ قصر العجائب
نفسُ المكان حيث كانت أكمامُ الزهورِ
ترسمُ القصائد العربية
التي تُغَنى وتُرَتَلُ بجوار النيران الليلية
بواسطة الحدائين والهائمين على وجوههم في الصحارى والمسافرين والمحاربين .. والنجوم
اليوم يعلو صوتها فقط بالنحيب بالعويل
هناك حيث الأشجار
تدكُّ بالمعادنِ الثمينة
وتخلِط مع الزمرداتِ الأوراقَ
المغطاة بالذهبِ والفضة
هناك حيث كانت الشمس تستحم في البحيرات
والسواقى الكادحة التي تخلط مع أشعتها
كبارى المشاة المصنوعة من الخشب التي نضجت وترعرعت في بلاد الأساطير
هناك حيث كانت النجوم ستداعب الأزواج الشابة من الشباب والفتيات
في ليالي الغرام العذبة
في أعشاش الغرام المقدسة
السرادقات في ..
وأشجار السرو التي كانت تغطي البحيرات التي كتبت عليها زنابقُ الماء
مخطوطةً شعرية
اليوم يمرقُ الرصاص ليدمر حياة ملوك بابليين
حاصداً معهُ كل أحلام القصائد التي كُتبت وحلمنا بكاتبتها
اليوم تموت مراراً ومراراً
اليوم يصرخُ الشعر بالدموع على الجثث:
جثث الشباب الأميركي
الموتى لقضيةٍ من المستحيل أن نفكَ طلاسمها وجثث العرب
أو نجد لها حلاً
في جانب من جوانب الزمن
في مدينة تيراز القديمة
حيث توجد قصاصات من الورق
وبقايا من خرق قديمة عليها نقشٌ لقصيدةٍ خربة مشوهة
ترقد مهملةً
في جانب ينتمي لملابس الخليفة
حيث تنسجُ القنابل لها الأكفان
وصرخاتُ الجنودِ, في كل مكان,
الذين يفرون من الموت
في شوارع مرصوفة بالذكريات
التي تخطو عليها الكلمات مشلولة
تتعلقُ بملابس الريح
المنسوجة من الدم والرصاص
خارجةً من صرخاتِ الأمهات للقتلى من الشباب
خارجةً من الغبار المحمول عبر القرون- إلى بقايا من صفحات الكتب
التي كانت تنشر الضياء والحكمة من
دار الحكمة
والآن من شفاهِ الحروف لتلكَ القصيدة المسماة
بغداد
كلُّ بيتٍ يقطرُ دماً
من تلك القصيدة التي تبدو للسماء
متاكلةً مشوهةً بصورةٍ مقززة
تتمشى فيها الكلماتُ بصورةٍ منفرة
هذه القصيدة المسماة
بغداد
التي ما زالت تتنفسُ الكره ودخانَ الموت
والبغضاء
والتي لا تزال بها الملابس المرقعة بعبقِ الذكريات
بأسماء:
الخليل
سيبويه
المبرد
الثعلبي
ابن حنبل
ابن المقفع
الخوارزمي- الذي ما زالت أفكاره تحلقُ بين النجوم
أبو نواس
الكندي
داود الأصفهاني
ابن قتيبة
البحتري
أبو حنيفة
والكثير الكثير
والآن ..
ترتعشُ ظلالهم تذرفُ الدموع على غبار هذا اليوم
عندما يموتُ الأطفال
بهجمات العرباتِ المصفحة
وبدلاً من الذهابِ للمدرسة الناظمية
أو المدرسة المستنصرية
اليوم الشارع هو المدرسة حيث يتعلمُ الأطفال
كيفَ يعيشون في حربٍ لا يفهمونها
وآباؤهم
مشنوقون على صليبِ الحياة
بكلماتٍ تحملُ معانٍ جوفاء
يغلفها الزيفُ والبهتان
***
في بغداد تصرخ الملائكة
بدموعٍ لا تغسل بحورَ الدم المندفعة نحو السماء
من سقف مسجد المرجان
بغداد قصيدةٌ تبكي بدموع الأطفال
بدموع الرجال بدموع النساء
بغداد اليوم كلمة سجينة في دمعة
معلقة في عقد آريس
قرب هيروشيما, ستالينجراد, كارزاجينا
وبين أصابع إلهٍ لا يرحم
يشفق عليك!
ويشبه البرجين التوأم
اللذين قُتلا بالكره، بالحقد
بلا أي شعورٍ من رحمة
هناك تتدفق على نهر العبث
حياة هؤلاء الذين كان من الممكن
أن يقرأوا القصيدة المسماة "بغداد" بشفاهٍ من حب
وأجسامٍ تنبضُ بالحياة
***
في أحد دروب التاريخ
هذا اليوم الذي طواه الله كمنديل
منسوجاً من أغنية مشبعة بالرصاص
واحتفظَ بهِ قرب قلب طفل مقتول
قبل أن يعرف معنى الشعر
بينما شهرزاد تسحق تحت رموشها اللازوردية
القصص (التي من المفروض أن تُقتَل عندما يجذب الجندي الزناد
مشيراً للمكان المفروض أن يبني فيه الموتُ قلعتها)
الحرب التي تطحن كل يوم
كل ساعة
كل لحظة
الحلمَ الذي اعتدنا أن نسميه
مدينة السلام
والذي
لم يعد من الممكن أن يخمد أبداً بعد الآن
***
كل شيء حولهُ هنا
لا يوجد إلا الضوضاء والدخان
***
أغلق الطفل عينيه
يغزل طريقه فيما وراء الحقيقة
في جانب من عينه المغلقة في ذاك اليوم من حلمهِ
قدم له تاجر الابتسامات هدية رافعاً ذراعهُ في ابتسامة
بها الزهور البيضاء في أكمامها
مد ذراعيه بقدر ما يستطيع الفجر أن يصل
خرج في جولة وأصابعُ قلبه تمر بين الموتى من عائلته في ألبوم ذكرياته
ملفوفةً في أحجبةٍ مصنوعةٍ من بلبلٍ محلق
يأخذُ قسطاً من راحة في مكان ما
في لحظةٍ مختبأة في دمعة
***
كل ما حوله هنا
فقط صراخ وموت
تندفعُ السيارة نحو الرصيف
الجثث المشوهة التي تمزجُ نفسها معاً نحو
ناسيةً للكره
نابذةً للحقد
هذا اليوم الذي يميلُ نحو كتف الحزن
بالكاد يستطيع الطفل أن يفتح عينيه
تتعلقُ رجلاه مثل قطعةِ قماشٍ قذرة في مغسلة
تلتصقُ اللحظاتُ بأصابعهِ محاولةً أن تبقى و
والآن في هذه اللحظة التي تستمر بقدر عمره
هذا اليوم
بعث الزمن حورية عذراء مثل العطر
الآن
يرسمُ الطفل شيئاً لا يُرى
بأصابعهِ الملطخة بالدم
ورموشُ الأفقِ تناضلُ من أجلهِ لآخر مرة
من شجرةٍ سحقتها سيارة مصفحة
ورقة بعروقٍ دموية صغيرة تنزلقُ نحو شفاهه
لتغطي روحه العطشى
للحظة وحيدة
لتبقى على رموش عينيه المنهكة
يرتفع نحو السماء في نفس جانب الفكرة مع تاجر الأحلام
الذي نساه في رائحة المساء الطفولي -
مساء أمس
***
يتساقطُ الغسق على البلدة مثل معطفٍ من القصاصات
يشاهدُ المارة الجثث منتشرة على الرصيف
ما زالت لديهم وظائف الفانين
والذين ما زالوا يتوارثون الغد
***
في الممشى الجانبي
عند باب المسجد
بقعة دم وزهرة جافة معاً بقيت
على بعد خطوتين
هناك جنديان يرقبان الغروب
ينتظران سيارة أخرى مصفحة
في مكان ما
ربما في الولايات المتحدة
وأم كانت هناك تتجه عيناها للسماء
تتساءل لمَ كل هذا
ترتعش يداها قبل أن تفتحَ التلفاز
لم يكتب لها منذ مساء أمس! ابنها لأن
في درب ما من دروب التاريخ
يوم ما
طواه الله كما لو كان منديلاً مطرِزاً إياه
بخيطٍ من أغنيةٍ للبلبل
واحتفظَ به قرب قلب الشعر
بين صرخاتِ القنابل والكره والبغضاء
تلك القصيدة - الوردة المسماة "بغداد"
"حديقة الله"-
تصرخ وتتفتح في غبار التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار