الأحد، نوفمبر 30، 2008

العراق العرب وإيران.. حقائق الجغرافيا والتاريخ


- أ. د. نعمان السامرائي‏

المختصر /
تسعى السياسة الإيرانية منذ قرون بكل الوسائل للوصول إلى مراقد الأئمة في العراق، فضلاً عن سعيها لأن يكون لها مكان في سياسة المنطقة، وبعد الثورة الإيرانية جرى جمع السياستين: الوصول إلى المراقد واحتلال مكانة خاصة في المنطقة. وتنتهج إيران سياستين مختلفتين كليًا: داخل إيران سياسة طائفية عنصرية، تحولت من الدين إلى المذهب، ومن الأخوة الإسلامية إلى العنصرية الفارسية. أما السياسة خارج إيران فالحديث يختلف كليًا: معاداة لأمريكا وإسرائيل والوقوف مع المقاومة والدعوة لوحدة المسلمين. ومعلوم أن إيران تتكون من مجموعات عرقية ومذهبية؛ ففي الشرق بلوشتان، وفي الجنوب والغرب العرب، وفي الشمال الغربي أكراد، وفي الشمال تركمان، وفي الوسط العنصر الفارسي، والكل مهمش باستثناء العنصر الفارسي الشيعي.ازدواجية معقدة أما السياسة الإيرانية داخل العراق فهي أيضًا تتحدث بلغتين مختلفتين: تقول للشيعة: عليكم التمسك بالحكم وألاّ يفلت منكم، وتشجع على ضرب السنة وقتلهم وتهجيرهم، كما تشجع على قتل الفلسطينيين المقيمين في العراق والتضييق عليهم ليخرجوا من العراق. وفي الوقت نفسه تتحالف مع (القاعدة)، وتفتح لها معسكرات تدريب قرب طهران. هي تشجع السنة على قتال قوات التحالف في العراق، وتشجع الشيعة على التعاون مع قوات التحالف، حتى كانت إيران أول من يعترف بالنظام الجديد في العراق. إن إيران تستعمل هذه الازدواجية السياسية، ولا ترى في ذلك عيبًا، وهي تعتقد بأن (التقية) جزء من العقيدة الشيعية.وكل من يستعمل (التقية) يستحيل معرفة حقيقة موقفه؛ لأن (التقية) تعطيه الحق ليقول ويفعل خلاف ما يبطن، وكل خبر عن إمام لا يعجب الشيعة يطعنون به بكونه (تقية) وهكذا تضيع الحقيقة.. وكثيراً ما رفضوا أقوالاً وأفعالاً للخليفة الراشد علي رضي الله عنه. إيران اليوم تتمسك (بالمذهبية والعنصرية) داخل إيران وفي العراق، وتدعو لوحدة المسلمين ومحاربة أمريكا وإسرائيل في الخارج.قوائم إعداموترمي إيران بثقلها وبكل أوراقها في العراق، وذلك بموافقة أمريكا ابتداءً، بينما وقف العرب يتفرجون على ما يحدث داخل العراق، ومن الأمثلة ما قدمته منظمة (مجاهدي خلق) الإيرانية إلى هيئة الأمم حول وجود أكثر من (30) ألف عميل لإيران في العراق، تابعين لفيلق القدس، نشرت أسماءهم الفارسية ورواتبهم وأرقام حساباتهم في (البنوك الإيرانية)، وكلهم يعملون داخل العراق، ومن يُقبض عليه منهم يُخلى سبيله خلال أيام معدودة، وقد نُشرت المعلومات يوم 17/1/2007م في بعض الصحف العربية. وأعدت إيران قوائم بأسماء الضباط العراقيين الذين قاتلوا إيران -وخصوصًا من الطيارين- وسلّطت مخابراتها لقتلهم، ومع أن الكثيرين منهم لزموا بيوتهم، لكنهم يُقتلون يوميًا، حتى إن رئيس الجمهورية (الطالباني) طالبهم بالهجرة إلى شمال العراق لحمايتهم. ومع أن نظام صدام أقام (شعبة) لمتابعة النشاط الإيراني داخل العراق، إلاّ أنه لم يبق اليوم أحد من هؤلاء؛ فإما أنهم قتلوا أو تركوا العراق. كذلك قُتل الكثير من التجار (من أهل السنة) أو اضطروا لمغادرة العراق، كما قُتل العديد من علماء السنة وأساتذة الجامعات والأطباء والكثير من رموز السنة. وأكد علي الدباغ من الائتلاف الشيعي والناطق باسم الحكومة العراقية في حوار في فضائية (الجزيرة) مساء 16/2/1427هـ أن المخابرات الإيرانية تغلغلت في كل مفاصل الدولة العراقية، وعلى الأخص وزارة الداخلية. والدباغ من (الطينة) لذا فهو غير متهم فيما يقول.إشعال الفتنةمن جانبها أجرت مؤسسة (جيمس تاون فاونديشن) الأمريكية دراسة حول دور (الحرس الإيراني) في إشعال (الطائفية) في العراق قبل الحرب على العراق وبعدها، وقد جاء فيها أن الحرس الثوري طلب من فيلق (بدر) تشكيل كتائب (مجاهدي الحسين) كي تُرسل للعمارة، وكتيبة (الحسين) كي ترسل للناصرية، وفي 11/5/2004م قامت (المخابرات الإيرانية) بافتتاح مكتب لها في النجف تحت اسم (مكتب مساعدة الفقراء) وكانت تمنح (1000) دولار لمن ينضم لمليشيات (معينة) فجندت في حدود (70) ألفًا.وأشارت الدراسة إلى أن المخابرات الإيرانية اشترت مساحات من الأراضي في جنوب العراق، والكثير من الشقق والمحلات التجارية في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وكذلك محلات لسكنى العمال ورجال المخابرات والحرس. وينتهي التقرير قائلاً: العراق يمر بحالة حرب أهلية، تأمل إيران أن تسيطر على جنوب العراق، تمهيدًا لفصله، و إن المليشيات المدعومة من إيران قد اخترقت أجهزة الأمن على كافة المستويات، وهي المسؤولة عن قتل المدنيين، وتسيطر على قوات وزارة الداخلية العراقية. تحالف إيراني أمريكيويشير (ترينا بارسي) أستاذ العلاقات الدولية في جامعة (جونز هوبكيز) في كتابه الذي حمل عنوان (أسرار التعاملات بين إسرائيل وإيران) ويغطي المرحلة من (2001-2007م)، إلى أن (كولن باول) وزير الخارجية الأمريكية السابق قام عقب تفجيرات 11 سبتمبر بتقديم مشروع، وهو عبارة عن (رزمة دبلوماسية)، بموجبها تحصل إيران على "انفتاح أمريكي"، في مقابل دعمها للحرب في أفغانستان، والتوقف عن دعم الجماعات المعادية لإسرائيل، والتحضير لاجتماعات سرية بين دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي.لكن حكومة شارون اعتبرت المحاولات هذه نوعًا من العبث؛ لأن إيران مستمرة في إرسال أسلحة للفلسطينيين، وهكذا ذهبت جهود (باول)، بل جرى التمهيد لإدراج إيران ضمن (محور الشر). وهذا يشهد لما يقوله (دنيس روس) بأن العلاقة مع طهران تُرسم في تل أبيب وليس في واشنطن. ويروي المؤلف (بارسي) أنه بعد غزو العراق عام 2003م وضع الإيرانيون مشروع (صفقة كبرى) قام بإعدادها (صادق خرازي) سفير إيران في باريس، ووافق عليها مرشد الجمهورية، واستشار الإيرانيون (السفير السويسري) في طهران –وهو الوسيط المعروف- وعرضت إيران جملة اقتراحات، وهي: وقف الدعم لكل من حركة حماس والجهاد، وتحويل حزب الله إلى حزب سياسي فقط، والتعاون لمكافحة (القاعدة)، وفتح المنشآت النووية للتفتيش، وقبول مبادرة السلام العربية تجاه إسرائيل. وفي المقابل طالبت طهران بـ: إنهاء العقوبات الاقتصادية كلها، واحترام المصالح (الدينية) في العراق، وملاحقة جماعة (خلق) الإيرانية. وتم تسليم (العرض) الإيراني للبيت الأبيض بوساطة (كارل روف) كي يقنع بوش بذلك. لكن الشيء الذي لم يُحسب له حساب أن ديك تشيني ورامسفيلد تحفّظا على المسوّدة بقوة وشدة. إيران وإجادة اللعبويعتبر د. سعد عبد القادر القويعي (إيران) من أكثر الدول في العالم إجادة (للألعاب السياسية)؛ فقادتها يتفقون على (حتمية) أن تكون لبلادهم قوة (إقليمية) بحيث تسمح لهم بالتعامل مع القوى الإقليمية والدولية (بِنِدّية). ويشير القويعي إلى أن إيران صارت (لاعبًا) قويًا وأساسيًا في الساحة العراقية، وأعانها على ذلك جملة أمور، وأولها (الجغرافية)؛ فهي تشترك مع العراق في حدود تقارب (1300) كيلو متر، ولها في العراق أنصار وحلفاء، وقد قدم لها الأمريكان (تسهيلات) لا تحلم بها، وأولها: القضاء على نظام الحكم في العراق، وما تبعه من تفكيك الدولة، وحل المؤسسات العسكرية كلها، وتسليم العراق لحلفاء إيران، وإطلاق أيديهم في كل ما يريدون. بدوره يؤكد (التقرير الإستراتيجي الإيراني لعام 2007م) الصادر في القاهرة أنه جرى اختراق للعراق بشكل ساحق، وينقل التقرير عن (حسين شريعة مداري) رئيس صحيفة (كيهان) ومستشار المرشد الأعلى للثورة قوله: إن تقييمنا أن الولايات المتحدة لن تهاجمنا، ليس بسبب من الرئيس بوش، بل لأنه مازال هناك بعض العقلاء الذين سيمنعونه من الإقدام على ذلك.ثم يزيد: نحن نسيطر كلياً على الوضع في الشرق الأوسط، وفي العراق، نحن نسيطر على أكبر مليشيات: فيلق بدر وجيش المهدي، ونتحكم بالمجلس الأعلى وحزب الدعوة بأجنحته الثلاثة في العراق، وقد فتحت المخابرات الإيرانية مكاتب في العراق استقطبت أكثر من (70) ألف شاب، ولدينا أكثر من ثلاثين منظمة عاملة تنتشر في جنوب ووسط العراق، وهناك العديد ممن هم من أصول إيرانية يتولون وزارات وقيادات في الحكومة العراقية، ويوجد في مجلس النواب ما يقارب (20) نائبًا يحملون الجنسية الإيرانية.ويلفت التقرير إلى أن النشاط الإيراني استفز العراقيين من الشيعة العرب، فأصدروا بياناً يحمل توقيع ألوف من شيعة العراق ينددون بالجرائم التي يرتكبها النظام الإيراني مستغلاً المذهب بشكل مخجل، لتحقيق أغراض مشبوهة. كما يرصد التقرير نشاط إيران في سوريا، مستشهدًا بدراسة (للمعهد الدولي للدراسات السورية)، تشير إلى أنه خلال ست سنوات تم إنشاء حوزات علمية تمثل ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن، وفي ضاحية (السيدة زينب) القريبة من العاصمة دمشق يوجد (12) حوزة علمية وثلاث كليات دينية، كما حصلت أول جامعة شيعية على ترخيص (أمني) للعمل داخل سوريا. عدو واحدالبعض يركز على أن العدو الأول هو إسرائيل وأمريكا، والذين يتحدثون عن إيران ونشاطها يريدون صرف الأنظار عن أمريكا وإسرائيل. ولا يجادل أحد في عداء أمريكا (الرسمية) ولا عنصرية إسرائيل، ولكن هل يمنع ذلك من الحديث عما تفعله إيران في العراق والمنطقة؟ وهل من الواجب أن يكون للأمة –مثلاً- عدو واحد لا غير، وعليه تركز الأنظار كلها؟!البعض تحدث عن (الفتنة)؛ فكل حديث عن إيران (فتنة) ملعون من يقاربها، أليس ما تفعله إيران في العراق والمنطقة كلها من الفتنة؟! الحكومات ليست جمعيات خيرية، ولكنها تدفع لمن يقدم خدمات، والمال المقبوض من السحت سواء أكان من أمريكا أو من إيران أومن غيرهما... الأمر لا يختلف. وفي بحث نشرته مجلة (الراصد) العدد (44) لعام 1428هـ يشير عبد الوهاب الربيعي إلى أنه بعد سقوط النظام العراقي قامت إيران بتشكيل وزارة (الأمن القومي الإيراني)، وخصصت لها مالية كبيرة، وجعلت من مهامها: الاتصال بكل الجماعات الشيعية في العراق، وتحديد حجم كل مجموعة وأماكن وجودها، ومحاولة تزكيتها ما أمكن من قبل جماعة شيعية وعلماء. وكان هذا خلال السنة الأولى من سقوط النظام، وهكذا صار القرار المركزي بيد إيران. حلفاء إيرانوواجهت الخطة مشكلة التعامل مع (التيار الصدري)، لكن المرجع (كاظم الحائري) ذللها- وهو إيراني يقيم في مدينة (قم)، والصدر يقلّده، ويتلقّى منه التوجيه والفتوى. يتحدث الباحث الربيعي عن المؤسسات الشيعية المتعاونة مع إيران في العراق فيذكر:
أ‌- المجلس الأعلى المؤسس عام (1982م) في إيران، والذي يجمع عدة فصائل شيعية، وبسبب السيطرة الإيرانية عليه انسحب البعض منه مثل حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي، وعدد من الشخصيات الشيعية (بحجة أن التنظيم سيخدم المشروع الإيراني وربما دون المشروع الشيعي) وذراع (المجلس) هو (فيلق بدر) ويرأسه (هادي العامري).
ب‌- حزب الدعوة وهو أقدم الأحزاب الشيعية، في البداية كان لا يريد الارتباط بإيران، حتى قامت الثورة الإيرانية ودخل الحزب في صراع شديد مع النظام في العراق اضطرت كوادره للهروب إلى إيران، كما توجه الكثير من كوادره إلى سوريا وبعض الدول الغربية، واجه الحزب الكثير من الانشقاقات جلها يتعلق بالموقف مع إيران وسياستها، واليوم هناك:
1- حزب الدعوة تنظيم العراق، بزعامة (عبد الكريم العنزي).
2- حزب الدعوة.. برئاسة إبراهيم الجعفري، وقد تركه أخيرًا وعمل تنظيمًا جديدًا.
3- حزب الدعوة الرافض للاشتراك في العملية السياسية (في العراق). واليوم فإن (تنظيم العراق) هو الأوثق ارتباطًا بإيران.. ونظرًا لضعف الحزب فليس له (مليشيات) خاصة.. ولديه أعداد لا بأس بها من أصول (إيرانية).
ج - حزب الله العراقي: تأسس عام (1992م) برئاسة (عقيل محمد الغالبي) وأمينه العام (حسن راضي الساري) من أهالي العمارة، ومن أصول إيرانية يحمل الجنسية (الإيرانية) انضم للحرس الثوري عام 1979م، وعمل مستشارًا سياسيًا لمحسن رضائي وعلي شمخاني وغيرهما من قادة الحرس، ويحمل رتبة (عميد) في الحرس. وللحركة ارتباط قوي بإيران، كما قامت بجملة اغتيالات لقادة بعثيين ولزعماء عشائر معارضين لإيران، ولهم معسكر في الأهواز (معسكر الفجر).
د – حركة سيد الشهداء الإسلامية: ويرأسها (داغر جاسم كاظم الموسوي)، وهو قائد مجموعة تعمل في مدينة البصرة، ويعرف (داغر) باسم أبو أحمد الشامي، وهو عميد في الحرس الثوري، وتخرج في كلية أركان الحرس بطهران، ويُعرف عنه الإقامة لمدة جاوزت (20 عامًا) في منطقة الأهواز في إيران، وهو نائب في مجلس النواب العراقي، وله جريدة (الفتح) الأسبوعية ببغداد، ومن رموز الحركة (أبو جعفر الموسوي).
هـ - التيار الصدري، ويرأسه الشاب (مقتدى الصدر) والتيار يتبع المرجع (الحائري) المقيم في قم. إيران والصدريونوالتيار الصدري يجمع شبابًا فقراء، الكثير منهم كان منتميًا لحزب البعث وغير مثقفين، وقد نظم مليشيا (جيش المهدي)، ويشير (بريمر) في مذكراته مرارًا لمحاولة اعتقاله، لكنه لم يستطع، وقد اصطدم مع القوات العراقية والأمريكية أيام حكم (إياد علاوي). ومع تزايد الضغوط توجه (مقتدى) إيران في 9/4/2004م، ورفض المرشد خامنئي مقابلته، لكن المرجع (الحائري) أقنع رفسنجاني بمقابلة مقتدى، وقد ساهم حزب الله اللبناني بربط (التيار) بإيران والتعاون معها للحصول على المال والسلاح، وهو سياسيًا يقتدي بحزب الله اللبناني. ولأن (مقتدى) ليس مرجعًا ولا مورد ثابتاً له، لذا حاول مرارًا السيطرة على أحد المراقد؛ لأن هذه السيطرة تضمن له (الملايين) كما صرح للصحافة. ولمقتدى موقف معاد لكل من آل الحكيم ومن السيد السيستاني، وحاول إبعاده عن العراق، ولكن القبائل الشيعية منعته، والسيستاني لا يذكره بخير، والعلاقة مع المجلس الأعلى متوترة دومًا. والكثير من أنصار جيش المهدي يتدربون في إيران، ويقوم مدربون من حزب الله اللبناني بذلك للتغلب على مشكلة (اللغة).ونشرت مواقع إيرانية على الإنترنت (أفلامًا وثائقية) التقطتها جهات أمنية إيرانية في العراق تكشف: أن عناصر من (جيش المهدي) مسؤولة عن تفجيرات كبيرة وقعت في (كربلاء والنجف) قُتل فيها مئات من الزوار، ونُسب القتل (للقاعدة)، لكن الوثائق أظهرت أن شخصًا يُدعى (فائق) من جيش المهدي –تسلم (9) قنابل موقوتة، زرعها في كربلاء قرب (المرقد) قتلت أكثر من خمسين من العراقيين وخمسة إيرانيين. كما تحدث عن انفجارات إرهابية، اعترف أصحابها بأنهم من جيش المهدي. توظيف التيار الصدريالتيار الصدري بعد أن ضمن التمويل الإيراني، ومارس أفراده الخطف، وقبض (الفدية) واشتغل في البصرة بتهريب النفط، راح يفتح معسكرات في مدينة (أور) وفي الكاظمية والشعلة وفي أبي دشير.. وكل ذلك يهدد القوى الشيعية أولاً، كما يهدد الوضع العراقي بشكل عام، لذا توجه (الصدر) لترك المشاركة في الانتخابات كي يهدئ من مخاوف الأحزاب والكتل الشيعية؛ فهي تخشى الاكتساح الصدري وتحكّم جيش المهدي، لذا فالحل العمل على تفتيته واقتسام (التركة).وقد استغلت الأحزاب الشيعية الحاكمة قلة خبرة جيش المهدي وسلطته على أهل السنة وغيرهم حتى تسوء سمعته، وعلى إثر التفجير الذي حصل في سامراء شن جيش المهدي أكبر حملة للقتل وحرق المساجد والسيطرة عليها، وتهجير أهل السنة، وخطف الكثير منهم بعلم ومعرفة الشرطة، وفي كثير من الأحيان عن طريق استعمال سيارات الشرطة وسلاح الحكومة.حرب اقتصاديةوبعد أن عمل الاحتلال بكل طاقته لإبعاد السنة وتهميشهم وحل الجيش والشرطة، جاء دور الحرب الاقتصادية على أهل السنة؛ إذ اختطف تاجر في (المدائن) ودفع للخاطفين (50) ألف دولار، وقبل أن يُطلق سراحه حمّله الخاطفون رسالة لأهل السنة مفادها: لا مستقبل لأهل السنة في العراق.. العلماء والسياسيون والأطباء نصيبهم القتل، التجار نصيبهم الإفلاس أو ترك البلاد والهجرة، السياسيون التهميش والخطف. ويشير عبد الوهاب الربيعي إلى أنه في العام الأول لسقوط بغداد تم تصفية مجموعة من تجار البورصة من أهل السنة عن طريق القتل والخطف، والرمز في ذلك التاجر المعروف (عمر فخري)، كما جرى إحراق محلات كثيرة لأهل السنة خصوصًا في بغداد والبصرة، وكذا إغراق السوق العراقية بالبضائع الإيرانية، وتم حرق أكثر من (55) محلاً في بغداد وأكثر من ذلك في البصرة.وشهدت بغداد أكبر عملية تزوير للاستيلاء على أملاك أهل السنة، وامتنع التجار الشيعة عمومًا من دفع الإيجار لأهل السنة، وربما حصل في ذلك فتوى من بعض المرجعيات، ويُلاحظ أن البضائع العربية لا تصل للسوق العراقية بخلاف البضائع الإيرانية الرخيصة الثمن، وتذهب إحدى الإحصائيات إلى أن 60% من أسهم الشركات والمصارف العراقية هي بأيدي إيرانيين، وبإمكانهم إلحاق أكبر الضرر بالسوق العراقية إن أرادوا. مؤسسات إيرانيةامتلأ العراق بمؤسسات إيرانية ثقافية وطبية وسيارات لنقل الزوّار وغيرها، ولعل آخر المستجدات (مستشفى ولي العصر)، الذي ينقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى في إقليم (عرب ستان). كما أنشأت إيران ما أسمته (بيوت العفاف) حيث يتم زواج (المتعة)، لذا انتشرت الأمراض السارية والمعدية كما صرح د. حسين عبد الله الجابري مسؤول معهد الأمراض السارية والمعدية في (النجف)؛ إذ تم رصد أكثر من (80) حالة إيدز في النجف وحدها. كذلك يُلاحظ انتشار المخدرات الرخيصة، وسُجّلت الآلاف من حالات الإدمان في الجنوب عمومًا وخصوصًا في البصرة والنجف، بعدما كان العراق هو الأنظف في المنطقة.. وقد صرح أول وزير داخلية للعراق بعد سقوط بغداد بأن العراق مفتوح للإيرانيين، ويأتي الزائر والتاجر ورجل المخابرات.شاهد من أهلهاأختم هذا الاستعراض بشهادة للمرجع آية الله البغدادي صرح بها لصحيفة (الحياة)؛ إذ قال محذرًا من أخطار (التغلغل الإيراني): إن النجف باتت ساحة مفتوحة للمخابرات الإيرانية والمنظمات الدينية التي تدعمها إيران، ومن بينها (المجلس الأعلى) الذي منحت إيران (زعيمه) (موازنة مفتوحة) لتنفيذ اغتيالات لشخصيات دينية ووطنية، بسبب مواقفها من إيران ودعوتها لتحجيم النفوذ الإيراني. وأكد أنه شخصيًا (مهدّد بالقتل)، كما أن هناك خطراً على (وحدة العراق) بسبب التغلغل الإيراني؛ وأضاف: إن جنوب العراق بات محتلاً من (الدولة الصفوية). أما جمال الدين –مفكر شيعي- فيرى أن التدخل الإيراني تجسده أحزاب تمولها إيران، فضلاً عن تصدير ثقافتها الدينية للعراق؛ فهي تعتبر نفسها دولة عظمى في المنطقة. ومع ذلك فالبعض لا يرى في السياسية الإيرانية إلاّ جانب التهجم على السياسة الأمريكية الإسرائيلية، وأنها مع وحدة المسلمين ومع المقاومة... الخ. وينسى هؤلاء ما تفعله إيران في العراق، وفي أفغانستان وحتى باكستان من تهييج ونشر للطائفية، ولم تسلم السودان ولا مصر ولا نيجيريا ولا جزر القمر ولا البحرين ولا الكويت من آثاره الطائفية، إضافة إلى بناء مرقد كبير لأبي لؤلؤة قاتل الفاروق رضي الله عنه.أما ما يحصل لسنة العراق وللفلسطينيين في العراق فيصل إلى التطهير العرقي والقتل على الهوية، وأما ضباط الجيش العراقي -وخاصة الطيارين- فيُصفّون تصفية جسدية لا مثيل لها، ومع ذلك لا ينسى الحجاج الإيرانيون الهتاف في شوارع (مكة): أيها المسلمون اتحدوا!! خلاصةدخلت أمريكا والمعارضة الشيعية والكردية وإيران في تحالف لتغيير النظام السيئ السمعة والصيت في العراق، وكانت النتيجة تفكيك الحكومة العراقية وحل المؤسسات العسكرية كافة، فدخل العراق كل طامع وصاحب غرض، في المقابل ترك العرب العراق، وكأن الأمر لا يعنيهم، واشتعلت الطائفية عن طريق (المحاصصة)، وقُسّم الشعب العراقي إلى مواطنين من الدرجة الأولى والخامسة، وهُمّش أهل السنة، وسُلّطت عليهم فرق الموت والاعتقال والقتل والتهجير.واندفعت إيران بكل قوتها للتدخل في شؤون العراق الصغيرة والكبيرة، وهي تدعو الأمريكان لتقاسم النفوذ وبعد إقرار الفدرالية سيُفتّت العراق، وليصبح جنوبه محمية إيرانية، وشماله دولة عنصرية يستطيع كل أحد الإقامة فيها إلاّ العربي السني، وبعد خراب البصرة راحت أمريكا تستنكر التدخل الإيراني، وهي التي باركته، وشجعت عليه بكل الوسائل. أما العرب فكأنهم لا يعلمون أن النار التي على حدودهم يمكن أن تحرقهم، وهم -كما يبدو- محتارون فيما يفعلون، أو يخافون من تبعات التحرك، والبعض يقول كما قال بنو إسرائيل يوماً لنبيهم موسى عليه السلام: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". أما المخدوعون بالخطاب الإيراني (المزدوج) فهم سيفاجَؤون.. –ربما- بعد حرب لا تبقي ولا تذر، أنهم في أفضل الأحوال يسمعون نصف ما يُقال.. ويتجاهلون كل ما تفعله إيران، وتلك كارثة.
المصدر: المختار الإسلامي

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار