الخميس، ديسمبر 04، 2008

الاتفاقية الأمنية في العراق: بداية الحل... أم «فيشي» جديدة؟


ملفات الشروق 3 / 12 / 2008

* تونس ـ الشروقرغم ما أحيط بالاتفاقية الأمنية التي صادق عليها البرلمان العراقي، من ادعاءات بالرفض، فإن هذه الاتفاقية تسير بخطى ثابتة لتكون معاهدة عراقية أمريكية، تحدد مستقبل العلاقات الأمريكية العراقية خلال الثلاث سنوات المقبلة على الأقل وباستثناء الصدريين، وهم جزء من النظام العراقي الحالي، فإن كل التنظيمات قد قبلت بها، بل ان بعض تلك التنظيمات أو الشخصيات العراقية قد استعجلت المصادقة عليها محذرة من انسحاب عسكري فوري بنهاية ديسمبر الحالي...هذه الاتفاقية ستشكل نقطة فاصلة في احتلال العراق وفي الوجود الأمريكي بهذا البلد والذي سيخرج من كونه احتلالا إلى كونه وجودا توافقيا بين بلدين يتمتع كل منهما بمقومات السيادة والاستقلال التي تخوّل لهما ابرام الاتفاقيات، كما ستسمح هذه الاتفاقية التي ينتظر المصادقة عليها نهائيا قبل نهاية ديسمبر الحالي، بالغاء أي دور للأمم المتحدة في العراق، وهي التي اعتبرت الوجود الأمريكي احتلالا... هذه الاتفاقية أيضا ستكون مبررا لتجريم المقاومة العراقية... والتي ستصور على أنها مقاومة «عبثية» «ارهابية» و»إجرامية»...ولكن ما هي تداعيات المصادقة على هذه الاتفاقية؟ ما هو محتواها؟ ما الذي يمكن أن تمثله في مسار التاريخ السياسي؟ في هذا الملف يجيب على هذه الأسئلة كل من العميد الدكتور صادق بلعيد، والسيد صلاح المختار واعتبر الأول ان هذه الاتفاقية هي اتفاقية «فرساي» جديدة التي أبرمت بين فرنسا وألمانيا في الحرب العالمية الأولى ولم تكن منصفة للألمان، فكانت سبب اندلاع الحرب العالمية الثانية الدكتور صادق بلعيد رأى في الاتفاقية أيضا، استنساخا لنظام «فيشي» الفرنسي الذي تعامل مع المحتل النازي واعتبر أن هذه الاتفاقية ستؤجج المقاومة أكثر فأكثر... أما الأستاذ صلاح المختار، فكشف البنود السرية في هذه الاتفاقية التي تكرس الاحتلال الأمريكي للعراق، كما كشف ما يجري بين فصائل المقاومة العراقية لتنظيم الصفوف ومواجهة تداعيات الاتفاقية.
* ملف من إعداد راضية الزيادي
* صلاح المختار لـ «الشروق»: الاتفاقية الامنية مقدمة استباقية لهزيمة أمريكا في العراق
* تونس ـ «الشروق» في حديث لـ «الشروق» ، عبّر السياسي العراقي ، الاستاذ صلاح المختار ، الامين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية رئيس تحرير صحيفة الجمهورية في العراق سابقا ، وأحد أبرز الاصوات و الاقلام العراقية المقاومة ، عن يقينه بان المقاومة المسلحة هي الوحيدة الكفيلة بتحرير العراق . و قال ان المقاومة العراقية تلحق الهزيمة بالولايات المتحدة الامريكية معتبرا ان هذه الاتفاقية ليست سوى مقدمة استباقية لهزيمة امريكا في العراق .
* س: ما هي الابعاد السياسية لهذه الاتفاقية و ماهي مبررات رفضكم لها ؟ ج : تنطوي الاتفاقية على آثار خطيرة جدا ومنها وضع العراق تحت انتداب امريكي مفتوح الزمن وربما يستمر نصف قرن ، كما اعلن روبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي ، فتحت غطاء توقيع اتفاقية بين حكومتين (مستقلتين) سيصبح العراق مجرد تابع لامريكا ، لان الاخيرة تتمتع وفقا للاتفاقية بحقوق تلغي عمليا السيادة العراقية ، كاستخدام الاراضي والاجواء والمياه العراقية من قبل الولايات المتحدة بصورة حرة ودون تدخل ما يسمى بــ(الحكومة العراقية)، وامكانية شن امريكا هجمات من العراق على اي دولة ، واعتقال او قتل العراقيين من خلال هجمات تشن تحت تسمية محاربة (الارهاب) ، وتحميل العراق تكاليف الغزو بدل دفع تعويضات له ، واعطاء الولاية القضائية على جرائم الجنود الامريكيين في العراق وضد ابنائه لمحاكم امريكية وليست عراقية ، والسيطرة عمليا على ما يسمى القوات المسلحة العراقية وقوات الامن ، وادخال واخراج ما تريده القوات الامريكية من سلع ومعدات واسلحة الى ومن العراق دون امكانية مراقبة الحكومة العراقية لتلك العمليات ، واخيرا وليس آخر فإن الاتفاقية تحول احتلال العراق من احتلال مموه تحت غطاء قوات متعددة الجنسيات الى سيطرة امريكية منفردة ورسمية بموافقة ما يسمى بـ (الحكومة العراقية ) . ولا تنحصر المخاطر فيما سبق ذكره بل هناك بنود سرية نشرتها بعض الصحف الامريكية ومنها : 1 ـ تقوم الولايات المتحده الأمريكيه باستخدام أربع قواعد عسكريه كبيره ورئيسية تشبه المدن في محافظة السليمانية وأربيل والأخرى في محافظة الأنبار ، وواحده بين محافظتي ميسان وواسط ، والأخيره في جنوب مدينة ذي قار ، وتحتوي هذه القواعد على مهابط للطيران الحربي والمدني وتكون هذه القواعد غير خاضعه على الإطلاق لسيادة العراق بل ترتبط بالأمن القومي الأمريكي .2 ـ يحق للولايات المتحدة الأمريكيه إدخال قواتها العسكرية بأي طريقة ومن أي منفذ وبالأعداد التي تراها مناسبة من دون التنسيق مع الحكومه العراقية أو أشعارها لدواع أمنية .3 ـ لاتحدد من الناحية العملية الاتفاقيه بعمر زمني معين بل تخضع للظروف الدولية والمتغيرات العسكرية العالمية ويكون الطرف الأمريكي هو من يوقف العمل بها من جانب واحد وحسب مقتضيات الأمن القومي الأمريكي، رغم ماورد من نصوص في النسخة التي وقعت من الاتفاقية تموه هذه الحالات .4 ـ تقدم القوات الأمريكية الموجودة في تلك القواعد الدعم العسكري واللوجستي للنظام (الديمقراطي) القائم في العراق وتحميه من حدوث أي انقلاب عسكري أو أي ثورة شعبية تؤدي الى تغير نظام الحكم أو تهديده.5 ـ يتعهد الجانب العراقي بتدفق البترول بشكل دائم الى الولايات المتحده الأمريكية بأسعار خاصه تتراوح بين 8- 18 دولارا وبشكل دائم من دون الخضوع لأسعار النفط الدولية ، ليساهم في دعم المجهود الحربي للقوات الموجودة في العراق ، اي ان على العراق تمويل غزوه من قبل الولايات المتحدة الامريكية! 6 ـ تعتبر المستودعات الخرسانية الكبيرة ، التي شيدتها القوات اليابانية (المشاركة في احتلال العراق ) في صحراء محافظة المثنى تحت الأرض والخاصه بالنفايات الكيمياوية والنووية ، والتي تكمن خطورتها في انها تلوث بيئة العراق ، جزء لايتجزأ من أرض القواعد الثابتة وترتبط معها فنيا وعسكريا من دون تدخل السلطات العراقية بنشاطها .7 ـ يحق للقوات الأمريكيه العاملة إعتقال أي شخص أو مجموعة من المواطنين العراقيين أو من الموجودين على أرض العراق الذين يتسببون في أي تهديد للقوات الأمريكية في أي وقت ومن دون التنسيق مع الجانب العراقي .8 ـ يحق للقوات الأمريكية استخدام تلك القواعد في مهاجمة الدول الأقليمية أو الدول الأخرى انطلاقا من العراق والتي قد تشكل خطرا محتملا يهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة .في ضوء ما تقدم فان هذه الاتفاقية تجعل من العراق بلدا تابعا لاستعمار كلاسيكي وهو وضع لا يقبل به اي وطني عراقي على الاطلاق ، ويلزمه برفضها والعمل على اسقاطها بكافة الطرق العنفية والسلمية والرفض التام لاي صيغة معدلة لها .
* س: يرى الملاحظون ان هذه الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان العراقي ستكون وقودا اضافيا للمقاومة العراقية و لتوحيد كل الاطياف العراقية الرافضة للاحتلال ، فما هو رايكم و هل ترونها كذلك ؟ ج: نعم هذا صحيح فلقد اكدت الاتفاقية صحة ما رددته القوى الوطنية العراقية ، خصوصا طليعتها المسلحة المقاومة العراقية ، من ان الاحتلال حصل لاسباب استراتيجية تتعلق بقرار الولايات المتحدة الامريكية استعمار العراق والانطلاق منه لاعادة ترتيب الوضع الاقليمي في الشرق الاوسط بكامله ، وفرض سيطرة امريكية مباشرة على كل منابع النفط ، والانتقال بعد ذلك الى استخدام النفط كسلاح استراتيجي لابتزاز كل الامم واجبارها على قبول نظام عالمي تسيطر عليه امريكا بشكل منفرد . ان الاتفاقية بهذا المعنى وهذه النتائج تشكل محفزا اضافيا لكافة القوى الوطنية العراقية وبشكل خاص للمقاومة الوطنية المسلحة لتصعيد عملياتها بعد ان اثبتت الاحداث ان امريكا لا تريد الانسحاب في الواقع وانما تريد تغيير شكل احتلالها للعراق . والاخطر في هذا المجال ان المخطط السري الامريكي ، وهو لا يختلف كثيرا عن المخطط الصهيوني ، يقوم على تقسيم العراق على اسس طائفية وعرقية ، ولذلك فان الاتفاقية بتوفيرها سلطة كاملة لامريكا داخل العراق تستطيع مواصلة العمل الذي بدأته منذ الايام الاولى للاحتلال من اجل تغيير هوية العراق العربية وتحويله الى كانتونات متنافرة . من هنا فان المهمة الاساسية الآن هي توحيد الصفوف العراقية لاجل تصعيد العمل المسلح والسياسي ضد الاحتلال واجباره على الخروج من العراق . وتجري منذ اسابيع اتصالات جادة بين القوى الوطنية العراقية وفصائل المقاومة لمواجهة متطلبات المرحلة الجديدة .
* س: هل ان هذه الاتفاقية هي الخيار الوحيد امام النظام العراقي الحالي ؟ ج: نعم لان النظام الحالي غير قادر على البقاء في حالة هزيمة او انسحاب القوات الامريكية من العراق ، فالمقاومة العراقية قادرة على اسقاط الحكومة في زمن قصير جدا اذا بقي وحيدا ومن دون الحماية الامريكية ، لذلك فان ما تريده امريكا من النظام الحالي ينفذ دائما ، والدليل هو ان الحكومة والاحزاب المشاركة فيها والتي كانت ترفض الاتفاقية وتدعو الى تغييرها بصورة جذرية وافقت عليها دون تغيير جوهري حينما لوحت امريكا لها بفكرة الانقلاب العسكري وهددتها بفكرة الانسحاب وتركها تواجه المقاومة وحدها .
* س: ما هي البدائل لخيار تبني الاتفاقية الحالية ؟ ج : لا بديل لدى الحكومة الحالية سوى الاذعان وقبول الاملاءات الامريكية لانها تابعة ومحمية من قبل الاحتلال ، اما بالنسبة للقوى الوطنية العراقية فان البديل الوحيد القادر على تحرير العراق واعادة استقلاله وسيادته والمحافظة على هويته العربية ومصالح شعبه الاساسية فهو خيار المقاومة المسلحة المدعومة بالمقاومة السلمية بكافة اشكالها . نؤكد ، مرة اخرى واخرى ، فقط بالمقاومة المسلحة يمكن طرد الاحتلال وتحقيق اهداف الشعب العراقي الاساسية في التحرر والاستقلال .
* س: كيف تفسرون تبني النواب للاتفاقية بالشكل الذي تم به ؟ج: وهل يوجد خيار لمن اتى به الاحتلال ونصبه حاكما او عضوا في برلمان في نظام وضع دستوره الاحتلال وحدد وظائفه ؟ ان اعضاء البرلمان ليسو سوى اعضاء في احزاب جاء بها الاحتلال وقامت بدعم الاحتلال ، ولا تستطيع البقاء في العراق بدون الاحتلال ، لذلك فان الخيار الوحيد لديها هو الموافقة على الاتفاقية . كما ان الاخبار نقلت عن مصادر امريكية معلومة تقول بان الحكومة الامريكية عرضت على كل عضو في البرلمان مبلغ مليون دولار اذا وافق على الاتفاقية . اذن بمزيج من العمالة والرشوة وافق البرلمان على الاتفاقية .
* س: هل ترون ان الاحتلال بحصوله على مصادقة البرلمان العراقي على هذه الاتفاقية في انتظار تبنيها نهائيا ، قد حقق شوطا واسعا من احتلاله للعراق ؟ ج : كلا ان توقيع الاتفاقية هو مقدمة استباقية لهزيمته الاكيدة ، فكل المؤشرات في العراق وفي امريكا تؤكد ان المقاومة العراقية قد وصلت الى مرحلة تركيع امريكا ، انظرو الى الانهيارات المالية : اليست هي انذار خطير لامريكا يقول بان مواصلة احتلال العراق سوف يؤدي الى انهيارات امريكية اخطر واشمل من الانهيار المالي ؟ حينما غزت امريكا العراق كان الدين العام الامريكي اكثر بقليل من اربعة تريليون دولار ، والآن وصل الدين الى اكثر من تسعة تريليون ومن المتوقع ان يصل في مطلع العام القادم الى عشرة تريليون دولار ، فما معنى ذلك ؟ ان المعنى الاساسي والخطير لهذا الواقع هو ان المقاومة العراقية قد استنزفت امريكا بصورة خطيرة جدا ووضعتها على حافة انهيار خطير اشد تدميرا من انهيارات الاتحاد السوفياتي ، لذلك فان من المستحيل تحمل الاستنزاف لفترة طويلة . لقد اعيد النظر ببعض الاهداف الاصلية لاحتلال العراق مثل البقاء فيه لنصف قرن واصبح الهدف الاساسي الآن توقيع اتفاقية نفطية طويلة الامد تضمن السيطرة على نفط العراق . وفي هذا الاطار فان اعادة النظر في طريقة الهيمنة على العراق اصبحت ضرورية . ونحن نرى بان توقيع الاتفاقية انهى تردد او سوء فهم البعض لاهداف الاحتلال الحقيقية .
* س: ما هو واقع المقاومة العراقية في المرحلة الحالية؟ج: يتميز واقع المقاومة العراقية الحالي بالتوجه الكثيف نحو تعزيز القدرة القتالية من جهة واجتذاب الفصائل التي مازالت خارج اطار التوحد الى الجبهة العريضة للمقاومة من جهة ثانية ، استعدادا لتطورات المرحلة الخطيرة الحالية والقادمة واهمها تحرير العراق القريب. ان المقاومة الآن في وضع افضل بكثير من وضعها في عامي 2006 و2007 من حيث التوسع العسكري والتوحد بين الفصائل وتعميق الخط الوطني للمقاومة بعد تدهور نفوذ من كانوا يسببون المشاكل والانقسامات. ومن المؤكد ان مخططات شرذمة المقاومة او شقها او جعلها تقع في فخ الطائفية قد فشلت وانتهت الى الابد ويعد ذلك انتصارا عظيما لها يساعد على جعلها مؤهلة لاقامة السلطة الوطنية الديمقراطية بعد دحر او انسحاب الاحتلال . اما ما يقال بخصوص تراجع العمليات العسكرية للمقاومة فهو محض دعاية اسقطها واقع العراق حيث يلاحظ الجميع تصاعد العمليات العسكرية للمقاومة خصوصا في الشهور الماضية لدرجة ان الاحتلال الامريكي يضطر بين الحين والآخر للاعتراف بالقتلى الامريكيين في بعض العمليات ، بينما ينسب مقتل آخرين الى حوادث غير قتالية وهو ادعاء اصبح موضع سخرية العراقيين الذين يرون بأعينهم المقاومة وهي تهاجم القوات الامريكية او تسقط طائرات تدعي امريكا (انها سقطت نتيجة خلل فني). وحينما يصبح الكذب هو ألية الدفاع الاولى للاحتلال فمعنى ذلك انه افلس ووصل نهاية رحلة احتلاله للعراق .
* العميد الدكتور صادق بلعيد لـ «الشروق»: الاتفاقية الأمنية «فرساي» جديدة
* تونس ـ الشروق :وصف العميد الدكتور صادق بلعيد أستاذ القانون الدولي الاتفاقية الامنية باتفاقية فرساي التي كانت وراء انفجار الحرب العالمية الثانية بين فرنسا والمانيا، كما شبّه النظام العراقي الحاكم في العراق حاليا بنظام فيشي الذي خضع للاحتلال النازي وتعامل معه. الدكتور الصادق بلعيد قال ايضا ان العلاقة بين الأمريكيين والعراق لن تكون ندية الا عنما يستعيد الشعب العراقي كرامته وسيادته.
* كيف تقيمون من منظور القانون الدولي ومن منظور السياسة والتاريخ السياسي، الاتفاقية الأمنية التي صادق عليها البرلمان العراقي؟ـ الاتفاقية الامنية هي اتفاقية «فرساي» جديدة. الاتفاقية التي وقّّعت بين فرنسا والمانيا بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى سنة 1918 ، هي اذن وبهذا المعنى اتفاقية الغالب مع المغلوب، وهي الاتفاقية التي تتم في بلاد دُمّرت جراء الحرب، ومازالت ترزح تحت حكم الغالب، امضاء اتفاقية «فرساي» كان السبب في انهيار النظام السياسي الالماني بعد الحرب العالمية الاولى، وانبعاث الحركة النازية التي وصلت الى الحكم سنة 1936 ووجهت كل جهودها الاقتصادية والسياسية للثأر من فرنسا، وذلك السبب الأساسي للحرب العالمية الثانية... وبالقياس انطلاقا من اتفاقية فرساي، فإن موافقة ما يُزعم بأنه البرلمان العراقي على هذه الاتفاقية تفتح الباب أمام حرب أهلية واضطرابات، لا تخدم المصلحة الامريكية في تحقيق استقرار شكلي يحفظ ماء وجه الاحتلال ويسهّّل الاستحواذ على خيرات العراق. هذا الهدف الامريكي لن يتحقق لأن تبني هذه الاتفاقية سيفتح مواجهة حزبية وشعبية ضد هذه الاتفاقية... وهي مرحلة تذكّر بمرحلة سابقة في تاريخ العراق خلال الاحتلال البريطاني عندما فرضت بريطانيا معاهدات لاستغلال ثروات البلاد فكانت النتيجة دخول العراق دوامة من الانقلابات العسكرية التي تواصلت حتى اضمحلال النفوذ البريطاني من العراق وانهيار السياسات الاستعمارية البريطانية في المنطقة... وذلك ما سيحصل بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية التي لن تحصل الا على اتفاقية صورية فقط لتبرير موقفها ازاء الرأي العام الامريكي الداخلي، وتأكيد ادعاءاتها بأنها أنهت الحرب منتصرة وبأنها حققت «الديمقراطية» في العراق، ولكن رفض الشعب العراقي لهذه الاتفاقية وكيف سينعكس ذلك الرفض ميدانيا، سيمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه وجني «ثمار» هذا الاحتلال.
* المقاومة موجودة منذ الاحتلال ولكن كيف ترون تأثيراتها في الوضع العراقي؟ـ نعم الثورة موجودة الآن، ولكن امضاء هذه الاتفاقية سيؤجج الرفض العراقي. فهذه الاتفاقية معادية لمصالح الشعب العراقي، ولا تقبل بها سوى أحزاب الخونة، وهي الظاهرة في الصورة الآن، فرنسا انقسمت خلال الحرب العالمية الثانية سياسيا وحتى جغرافيا بين الموالين لحكم فيشي الذي يؤمنه الجنرال بيتان ووزيره الأول لافال وبين الجنرال ديغول الذي كان يمثل المقاومة... اذن البرلمان العراقي الحالي ليس له شرعية وموقفه من الاتفاقية الامنية لا يمنح هذه الاتفاقية أي شرعية حتى وان تبناها بالأغلبية. هذه الاتفاقية تؤكد ان الامريكيين هم الآن في موقف ضعف في العراق، وهذه الاتفاقية ستكون حافزا اضافيا للشعب العراقي لتنظيم أموره ولتأجيج الثورة والمقاومة ضد المحتل. هذه المقاومة موجودة منذ البداية، ولكن ستزيد الاتفاقية في تأجيجها وكذلك الاوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب العراقي تحت الحصار منذ 1992 واعتقد ان المقاومة العراقية ستتنظّم أكثر فأكثر في شكل مقاومة طويلة المدى بهدف ضرب الحضور الامريكي السياسي والعسكري في العراق. وقد يطول هذا الامر 4 او 5 سنوات أخرى ولكنه سيحصل. وفي هذه الفترة اعتقد ان كل المنطقة المحيطة بالعراق ستشهد تجميد كل محاولة لتحقيق السلام والاستقرار السياسي من العراق الى فلسطين الى كل المنطقة حتى داخل الدول نفسها... أما في العراق فسيعتقد النظام الحالي انه بإمكانه الاستمرار في فرض هيمنة طائفية شيعية متحالفة مع الأكراد وبذلك سيستمر التأثير الايراني والهيمنة. داخل العراق وكل ذلك سيكون في تناقض مع قوى الثورة في العراق القوى الرافضة للاحتلال الامريكي... وسوف تكون هذه الثورة بداية لإعادة جرد الحسابات الداخلية في العراق بين جميع الأطياف كما ستكون بداية لتحالفات جديدة وحقيقية، قبل الانهيار الأمني والسياسي للنظام الحالي.
* هل يمكن أن تكون هذه الاتفاقية مقدمة للانسحاب الامريكي من العراق؟ـ لا، ليست مقدمة للانسحاب غرينسبان مدير البنك المركزي الأمريكي قالها صراحة «لقد قمنا بالحرب على العراق لحيازة الثروة النفطية فيه». وهناك تصريحات وكتابات عديدة لمسؤولين ومفكرين أمريكيين تصب في هذا الاتجاه. لقد صرف الامريكيون في غزوهم للعراق أكثر من 800 مليار دولار. هم يلعبون الآن كل أوراقهم ولن يتراجعوا لأنهم لم يحققوا أهدافهم أولا، ولأن انسحابهم من العراق سيسقط مصداقية نظامهم.
* وكيف سيكون عليه موقف الادارة الجديدة، هل تعتقدون انها ستكون محكومة هي أيضا بمواقف الادارة المتخلية في الموضوع العراقي؟ـ الرئيس الامريكي المنتخب لا يستطيع الآن الذهاب أكثر مما ذهب اليه في ما يتعلق بالعراق، ما دام لم يتسلم مقاليد الحكم بعدُ. فهو يدعو لإبرام الاتفاقية مع الحكم العراقي او الانسحاب الفوري، وهو في هذه المرحلة لا يستطيع معارضة مواقف بوش.
* وهل تعتقدون ان الانسحاب الفوري هو حل مطروح بالنسبة الى العراقيين وبالنسبة الى الأمريكيين؟ـ الانسحاب الفوري يشكّل خطرا على الجيش الامريكي، فأي جيش ينسحب بشكل سريع وفوري من بلاد احتلها انما تلحق به هزيمة نكراء. نابليون انسحب من موسكو (1805 ـ 1806).. عندما حاصر جيش نابليون موسكو، ثم انسحب فكان انسحابه كارثي (معركة بريزينا)... والاكيد ايضا ان العراقيين لن يستطيعوا تدبير أمورهم ايضا اذا حصل انسحاب فوري، ففي فرنسا مثلا عاش الفرنسيون بعد انسحاب الجيش الالماني ثلاث سنوات من التطهير حيث تمت محاكمة كل الطبقة السياسية التي تعاملت مع الجنرال بيتان وبيار لافال، فالاول أودع السجن، أما الثاني فأعدم... كذلك الامر في العراق... المالكي وكل من تعامل مع الاحتلال خلال هذه المرحلة هم كما يقال رؤوس للمقصلة.سيشهد العراق تصفيات واسعة والذين يتعاملون اليوم مع الاحتلال ليس لهم أرضية شعبية او قاعدة شرعية. ألم يقل بيتان أيضا انه يتعامل مع الألمان لأنهم أقوى منّا وإنه ينبغي القيام بذلك لتجنيب فرنسا الدمار. بيتان برّر موقفه بهذا الشكل... ولكن الجنرال ديغول قال انه يفضّل الموت على التعامل مع من احتل وطنه.
* ألا يمكن النظر الى موقف النظام العراقي الحالي من منظار موقف الزعيم بورقيبة المعروف بـ»خذ وطالب» اي إبرام الاتفاقية كمرحلة أولى نحو تحرير كامل؟ـ في هذا المجال ينبغي ان يكون القياس واضحا، فبورقيبة قبل المرحلية بعد ان قبلت فرنسا مبدأ استقلال تونس وأذعنت له، عندها أمكن التفاوض... في الواقع العراقي، الامر يختلف، فالأمر مماثل لموقف بيتان وشارل ديغول النظام العراقي الحالي يتعامل من نفس المنطق الذي تعامل به نظام فيشي.أمريكا لن تنسحب من العراق طوعا، فهي قد خسرت اكثر من تريليون ونصف دولار في الازمة المالية وخسرت حوالي تريليون آخر في غزوها للعراق.أ ما أوباما الذي سيتولى السلطة فإنه سيعمل من اجل انسحاب منظم للجيش الامريكي ولكنه سيواجه مشكلة السيطرة على نفط العراق لذلك سيعمل حسب اعتقادي على التفاوض على مستقبل العلاقات بين الطرفين، وابرام اتفاقية جديدة تنهي الحرب وآثارها وتسمح للأمريكيين بالحصول على البترول وتحقق التقارب على مستوى منح الافضلية للشركات الأمريكية مقابل التكنولوجيا واعادة الاعمار...لقد شكلت حرب فيتنام عقدة في الذهنية الامريكية وحرصت الادارة الامريكية في ذلك الوقت على التقرب من النظام الجديد في فيتام... وهذه العلاقات موجودة الآن ولكن لأن الفيتناميين قد انتصروا في حربهم فتظل اليد العليا لهم... ولن تكون بين العراقيين والأمريكيين علاقات ندية الا عندما يستعيد الشعب العراقي كرامته ووحدته وقدرته على تقرير مصيره باستقلالية.
* وهل أمام النظام العراقي الحالي خيارات أخرى؟ـ ليس أمام النظام الحالي سوى المصادقة على الاتفاقية او الانهيار التام في مدة وجيزة لفائدة انقلابات واضطرابات لا يمكن التكهن بمداها.

جميع الحقوق © محفوظة لدار الأنوار و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من جريدة الشروق

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار