شبكة البصرة
محسن خليل
أثار احتجاج تكتل جلال ومسعود على مسعى حكومة الاحتلال الرابعة شراء 36 طائرة F 16 أستياءً شديدا لدى مختلف كتل وأطراف العملية السياسية، فضلا على أستياء عميق لدى الرأي العام العراقي ولدى النخب الثقافية والسياسية العراقية. وكان عدنان المفتي رئيس برلمان إقليم كردستان أنتقد بشدة مسعى الحكومة هذا وقال في كلمة أمام البرلمان الكردي ان (عمليات الجيش العراقي الأخيرة في خانقين والسعدية وقرتبه وجلولاء تثير قلق السكان في كردستان) ودعا (الولايات المتحدة والدول التي تزود العراق أسلحة، الى أن تشرط صفقاتها منع الحكومة العراقية من استخدامها ضد شعب كردستان وعموم الشعب العراقي). جاعلا من أقليم كردستان وصيا على الدولة العراقية وعلى تحركات جيشها وتسليحه، وزاد فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فقال ان (مسألة شراء الحكومة العراقية أسلحة موضع دراسة من قبلنا لمعرفة على أي أساس تتم، وكيف تكون، ولماذا)، مطالبا الحكومة بأن (تتبع سياسة واضحة في هذا المجال وأن تحيط ممثلي إقليم كردستان في الحكومة علما بذلك). ولكن فؤآد هذا يستنكر على حكومة المركز ان تستفسر أو أن تطلب مجرد أيضاح عن ي قضية أو موضوع من أقليم كردستان ويعده عودة الى سياسة التعصب القومي ضد الكرد، وأستخدام القوة الغاشمة!!!
كان رد الفعل العراقي سلبيا على الاحتجاج الكردي المفتعل، وشمل حتى حلفاء القائمة الكردستانية وأحزاب العملية السياسية الاخرى، مثل الائتلاف العراقي الموحد الذي اعتبرالموقف الكردي من صفقات الاسلحة غير موفق ومجحف لأنه يستبطن التشكيك بالحكومة المسؤولة عن كل مكونات الشعب العراقي. وقال ان عملية تسليح الجيش (مسألة سيادية وحساسة يجب المضي بها قدما لإيجاد قوة قادرة على سد الفراغ الامني وحماية البلاد بعد مغادرة القوات الاجنبية، وهو امر من صلاحيات الحكومة المركزية حصرا).
كما وصف عضو لجنة الأمن والدفاع، النائب عن جبهة «التوافق» مطالب البرلمان الكردي بأنها (غير قابلة للتثبيت في العقود وغير ممكنة التحقق ويجب أن يكون هناك اتفاق بين القادة السياسيين على تسلح الجيش، وبينهم قادة الحزبين الكرديين).
الاحتجاج الكردي يريد منع الحكومة المركزية من أي تصرف قبل أخذ موافقة كتلة مسعود وجلال، ويريد أن يمنع على جيش الدولة الاتحادية الانتشار في أي جزء من العراق وخاصة المناطق الواقعة تحت سلطة قوات البيشمركة. وكأن العراق ليس واقعا تحت الاحتلال الامريكي وأنما تحت الانتداب الكردي. وهذه من اغرب انماط الفدراليات ؛أَن تسيطر فدرالية تمثل اقلية لا تتجاوز عشرة بالمئة على عموم الوطن، مستقوية بالاحتلال الامريكي ودعم الموساد الصهيوني لقادتها..
واللافت أن الاحتجاج الكردي مفتعل ويتعمد أثارة أزمة من فراغ، وهو موجه في الاساس ليس الى تسلح الجيش ولا يخشى جلال ومسعود من تسلح جيش الحكومة، لأنه اصلا جيش تحت الاحتلال ويديره ويتحكم بكل مفاصله المحتل كما أن حكومة المركز التي يتخوف منها برلمان الاقليم، تتحكم كتلة جلال ومسعود بأكثر من ثلثها من حيث آلية أتخاذ القرار أو عدد المناصب الاساسية فيها فلها أستخدام الفيتو على أي قرار تتخذه الحكومة، كما يشغل عناصرها مناصب : رئيس الجمهورية ؛وزير الخارجية ؛نائب رئيس وزراء ؛رئيس أركان الجيش ؛نائب رئيس الاركان لشؤون الادارة ؛ويتولى ضباط أكراد قيادة عدد من الفرق العسكرية والافواج وكتائب الجيش، بمعنى أن حكومة الاحتلال التي يرأسها المالكي ليست بيد طرف واحد وأن قراراتها تشترك فيها اطراف العملية السياسية وخاصة القائمة الكردستانية والائتلاف الموحد.. فكيف يخشى برلمان الاقليم من تسلح الجيش العراقي أذا كان لدى جيش ألاقليم أسلحة اكبر وأكثر تطورا من التي عند الجيش العراقي، وقبل أشهر (اهدى) جلال الطالباني للجيش (الاتحادي) كتيبة مدفعية متطورة من أسلحة البيشمركة، فمن يجب ان يخاف ممن؟
والخوف المفتعل يعكس طبيعة المخطط الموسادي الذي ينفذه جلال ومسعود في العراق وهو تقسيم العراق، وأبقاء العراق دولة بروتوكولية منزوعة الاسنان تتحكم فيها أقاليم فدرالية لديها الجيش والمال والعلاقات الدولية والهويات التفكيكية، ليطمئن الكيان الصهيوني الى أختفاء دولة العراق الوطنية ويتخذا من أشلائها منطلق لتفتيت كيانات الدول العربية الاخرى.
لقد أثيرت قضية تسليح الجيش أثر قيام الجيش بالانتشار في مناطق خانقين والسعدية وجلولاء وقره تبة في محافظة ديالى، وفي محافظة كركوك ومحافظة نينوى. انتشار الجيش كان بمثابة ضوء أحمر لجلال ومسعود بأن هذه المناطق لا يمكن ضمها الى الاقليم بطريقة وضع اليد عليها وكأنها ضيعة من ضياعهما.. وخشيَّ جلال ومسعود أن يعيق أنتشار الجيش تكريد المناطق في هذه المحافظات ويمنع تمدد الاقليم على حساب العراق.. جلال ومسعود يطلقان على هذه المناطق (مناطق متنازع عليها) وهو مجرد هراء وكلام فارغ، فما الذي يجعل أراضي العراق مناطق متنازع عليها. أذا كان المقصود بأن هذه المناطق موطنا للكرد في العراق فهذا غير صحيح، لا من الناحية التاريخية ولا بالاستناد الى الوثائق التي تحدد طبيعة هذه المناطق، ولا بالاستناد الى أكثرية من يسكن في هذه المناطق فليس في أي منها اكثرية كردية بل أكثرية عربية تركمانية أشورية.. فأذا أراد جلال ومسعود ان يأخذا بقاعدة أنه (حيثما يقيم الكردي فيجب الحاق مقر أقامته بكردستان) فهذا سيعني ألحاق كل العراق بكردستان، لأن العراق وطن العراقيين كلهم وللعراقي ان يقيم ويعيش حيث يشاء، والاكراد موجودون في كل مدن العراق دون أستثاء، ولكن عندما تدخل المحاصصة والتقسيم وتفتيت البلد فيجب ان تكون المعايير موضوعية والا سيحدث رد فعل لدى الاغلبية العربية، يتجاوز توقعات جلال ومسعود وقد يكون من نتائجه أعادة التوازن الى رأس مسعود وجلال وتنظيفهما من العفن والعنجهية والاستقواء بالامريكان والصهاينة..
منذ أقر برلمان بغداد في 22 تموز الماضي قانون انتخابات مجالس المحافظات وقَطَعَ بذلك الطريق على مشروع جلال ومسعود في الاستحواذ على كركوك وضمها لأقليم كردستان على أساس الامر الواقع الذي فرضاه على المدينة، منذ ذلك التاريخ ومشاكل القائمة الكردية تتواتر الواحدة بعد الاخرى.. فقد تنبهوا لأول مرة أن أحلامهما التوسعية يمكن قبرها بآليات العملية السياسية وما يسمى بالديمراطية والتعددية، حيث استطاعت بعض االطراف في العملية السياسية ان تحشد أغلبية داخل البرلمان وتقر قانون انتخابات مجالس المحافظات والمادة 24 منه تحديدا التي اغلقت الباب أمام لعبة جلال ومسعود في (التطبيع والاستفتاء) لضم كركوك الى الاقليم. فمنذ بداية الاحتلال أغتنموا الفوضى وغياب الدولة للسطو على كركوك ونشروا فيها قوات البيشمركة بكثافة وفرضوا كل ما يريدوه على أهالي المدينة بالقوة، وتمكنوا من تغيير تركيبتها السكانية وأدخلوا اليها اكثر من 700 الف من أكراد أيران وتركيا وأكراد من خارج كركوك، وبعد أن اطمأنوا الى وجود اغلبية كردية أستجلبت على الطريقة الصهيونية للاستيطان السريع، طالبوا بأن تحل عائدية كركوك على أساس أجراء أستفتاء بين سكانها ليقرر أنضمامها الى كردستان من عدمه.. والنتيجة معروفة فبعد أضافة 700 ألف كردي من خارج المدينة أستقدموا لهذا الغرض سيطالب هؤلاء بأنضمامها الى الاقليم.
ورغم نشر الجيش في مناطق تحتلها بيشمركة جلال ومسعود، فأن حكومة الاحتلال أظهرت من الضعف والتواطؤ بحيث لم تصمد أمام الضغط الكردي، وأضطرت أن تسحب الوحدات التي نشرتها في خانقين وجلولاء والسعدية، وتسحب كذلك الفوج الثاني التابع للفرقة الرابعة من الجيش العراقي والذي كان قد استقدم الى وسط مدينة كركوك، وحلت شرطة المحافظة التي تسيطر عليها البيشمركة محله ا، ويعد هذا الانسحاب، الثاني للجيش العراقي من مناطق تنتشر فيها قوات البيشمركة، ويعد الثالث بعد انسحاب قوات من الجيش من مناطق في محافظة نينوى وأدى أنسحابها الى فشل الحملة العسكرية على الموصل.
عندما قصفت ولا تزال تركيا وايران مناطق عديدة في الاقليم بحجة ملاحقة تنظيمات حزب العمال الكردستاني وخاصة في مناطق دهوك وجبل قنديل في السليمانية، ودمرت عشرات القرى الكردية وشردت سكانها لم يتحرك جلال او مسعود أو يحتجا ضد تركيا وأيران ولاذا بالصمت، ولكن عندما تعلق الامر بجيش العراق أظهرا انيابهما وهددا بأستخدام القوة ضد جيش المركز وحكومة المركز.. هذه الازمة أذن ليست نابعة كما يقولون من الخوف من قيام الجيش العراقي بعمل ضد الاقليم وأنما نابعة من خوف جلال ومسعود ان يتم بناء جيش عراقي قوي ومسلح يضع حدا للعبث الذي تقوم به قوات البيشمركة في الاستيلاء على اكبر مساحة من العراق تمهيدا لأعلان الكيان الانفصالي. عندما يكون أقليم كردستان جزء من العراق فمن مصلحة الاكراد ان يكون العراق قويا لأنه سيوفر الحماية لهم مثلما يوفرها لباقي أجزاء العراق، لكن موسادية جلال ومسعود جعلتهما يدركان أن اللعبة لن تعطيهم كركوك ولا مناطق في ديالى والموصل، فأختارا العودة الى التمرد وأفتعال المشاكل والتظلم لعلهم يصلون الى أهدافهم بهذه الاساليب قبل أن تبنى الدولة في العراق وتقطع عليهم طريق اطماعهم الموسادية..
صحيفة الموقف العربي
القاهرة 16/9/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق