الثلاثاء، سبتمبر 16، 2008

الخطاب الفكري الاخر للإمام المجاهد السيد البغدادي( المتوفى 1392هـ )


21 حلقة مستلة من الموسوعة الإسلامية الكبرى : ( التحصيل في أوقات التعطيل )
وسوف تقرأ عما قريب ــ إنشاء الله تعالى ــ هذه الدورة الكاملة

الحـلقة العـاشرة
-63-

لازالت الدول الكافرة مهتمة في إزالة الدول الاسلامية والقضاء عليها، فقد حكى عنهم مجلس اجتمع فيه عدد كثير من أكابرهم ، فتذاكروا في هذا الامر .. فقال قائل منهم ناصحاً لهم : اياكم والتعرض بها فانه يعود وباله عليكم ثم أطفأ المصباح .. ثم أمرهم بالقاء قباعهم عن رؤوسهم على الارض .. ثم خلطها ثم دعاهم الى إعادتها الى مواضعها ففعلوا ذلك فلما انتهى ذلك كله أعاد المصباح على ما كانت عليه من الضياء ، فاذا كل واحد قد استبدل عن قبعته غيره .

قال : الناصح ان الدولة الاسلامية كالضياء، فلما ذهب وقع الاختلاف بينكم .

قلت : لقد أجاد هذا الناصح في نصيحته ، فانا وجدنا اختلافهم فيما بينهم اليوم وجدنا لا ينكر ، فليعتبر المعتبرون، بل دولتنا فيما بينهم كاكبر حصن حاجز من بغى بعضهم على بعض .

-64-

انا معاشر الامة المسلمة نأبى استيلاء الكفار علينا وعلى معابدنا ، بداهة ان كل مسلم يجد ذلك من نفسه وجدانا واضحاً مع كمال التأثر والنفرة ، هذا من حيث كونه استيلاء. وبالجملة قيام هذا الامر في نفوسنا مما لا يقع فيه التشكيك ، فكيف يمكن انكاره هذا !؟ ولا شك في اندراجه في الدين ، بداهة من الغيرة الممدوحة ، لا من العصبية المذمومة ، فاتضح شمول أدلة القتال للدين لذلك ، الا تكون لنفسك أنفة وحمية وغيرة دينية في إستيلائهم على الحرمين الشريفين والمعابد المقدسة والمشاهد المشرفة ، وعلى علماء الدين المسلمين كافة، وان يكون زمامهم في جميع أمورهم تحت سيطرة المشركين ؛ كلا لا يرضى الغيور بمثل هذه الامور .. ثم الفرق بين هذا وسابقه ان الاول في مقام المضادة بين عظمة الدين وسلطة الكفر ، والثاني في مقام قيام هذا الاباء في النفوس واستلزام طردهم .

-65-

لا يخفى ان أمر المؤمنين ودينهم لم يكن ليستقيم من زمن آدم (ع) الى زماننا الا برفع أيدي الكفار عنهم ، وهذا المضمون وارد في الجواهر السنية ، وغيرها .

ومن هنا عذب الله تعالى الامم السالفة بأنواع العذاب لاستقامة أمر الدين وانتشاره ، ولأخلاء الارض من الفساد .

-66-

دول الكفر قسمان: الاول من استولى على المستضعفين ، وتوسع توسعاً عظيماً بواسطة استعمار بلادهم .

الثاني من لم يكن كذلك ولا زالت المنازعات بينهما قائمة ، وقد تشتد في بعض الازمات فتقع بينهما الحروب الطاحنة.

وهذان القسمان أكبر ضربة على عباد الله وهم منهما في أشد محنة ، وهما يتنازعان في استعباهم واستعمار بلادهم.

فالأول: قد حاز الدنيا وتوسع فيها .

والثاني: ينازعه بانا أليق للقيام بهذا الامر، وأكثر نفعا ، وأشد حاجة ، فما وجه اختصاصكم بالتوسع فالواجب اقتسام الارض فيما بيننا، وقد أودع الله تعالى بينهما من الشقاق والخلاف ما هو ظاهر ، ولا زال الاول منها محافظاً أشد محافظة على حصول الموازنة بين الدول القائمة في الارض حذراً من ضعفهم ومن استفحال الخصم عليهم ، ولا زال الثاني فاضحاً له وهاتكاً، وكل ذلك من آياته تعالى ، وانت لو نظرت الى سوء موقفهما اليوم لرأيتهما في أشد ما يقاسيان من العناء والبلوى ، وتنغص العيش، واضطراب الامر، وهكذا ضاعف الله تعالى كل شدة، نسأله تعالى ان يفرج عن عباده ويكفيهم شر هؤلاء .

-67-

يجب استعمال أطوارهم الموقوفة عليها طردهم والاستقلال على ان تكون ممقوتة منفورة ، وان تكون بمقدار الضرورة ويدل على ذلك أهمية الاستقلال وطردهم ، قال الشيخ الكبير كاشف الغطاء:

((انه ينبغي الرئيس المطاع اذا علم توقف التسلط على الكفار على ان يأمر جنوده وعساكره ان يلبسوا لباس الكفار أمرهم ان يلبسوا لباسهم ولا يجوز التخلف عن قوله واتباع قوله)) .

-68-

من نظر في العداوة بيننا وبينهم واتهامنا لهم اكتفى بذلك لاثبات الاضرار الديني دائماً ، ولا يسمع التشكيك في ذلك من بعضهم اغتراراً بمكائد الاعداء .

-69-

دل الوجدان والتاريخ على اضرار الكفار وباستيلائهم على المسلمين بوجوه لا تحصى أشرنا الى جملة منها في الكتاب بل دل القرآن والسنة على ذلك كما سيأتي ذلك انشاء الله في مقام الاستدلال وغيره ।
-70-

انما المسلم الجائر على الكافر لامور (الاول) ان المقام من باب دوران الأمر بين المحذورين أقل ضرراً من الكافر .

(الثاني) : ان الجائر كان مضراً بالاضافة الى سلطانهم (ع) ، وما ورد في ذلك مخصوص بذلك ، وأما بالاضافة الى سلطان الكفر فلا .

(الثالث) : انه ثبت تقديم المسلم الجائر على الكافر بالادلة القطعية كما يظهر من كتابنا .
-71-

قد ظهر من بياننا السابق الدخول في أمرة الجور لحفظ الاستقلال لما قدمنا لك من أهمية الاستقلال التي هي مناط التقدم في مقام التزاحم بين المتضادين .

فان قلت : هذا على خلاف مذهبنا معاشر الامامية ، بداهة عدة من المنكرات الواضحة .. كيف وقد قلنا ان الامرة مختصة بآل محمد (ص) .

قلت : ذلك مسلم لا يمكن التشكيك فيه ، لكنه ليس على اطلاقه ، بل هو مخصوص بصورة عدم الابتلاء بالاهمية ، نعم من دخل يلزمه التخلص من الظلم بما أمكنه أو تقليله ، فليس جواز الدخول لحفظ الاستقلال سبباً لسقوط التكاليف كما تعاطاه بعض أهل زماننا ، هذا وقد ظهر من بيان فساد القول بوجوب الاستقلال مع تحريم الدخول في الامرة كما صدر على لسان بعض البسطاء .

-72-

ورد في أخبار الفريقين ان الله ينصر هذا الدين بقوم لاخلاق لهم فلاحظ وتتبع وقد دامت هذه الاخبار على عنايته تعالى بدينه حيث قام مثل هؤلاء بنصره ولا تتوهم انهم عنده تعالى من المرضيين المقبولين فتبصر .

-73-

لا يجوز الخروج على السلطان المسلم الجائر الحافظ للاستقلال والثغور لأهمية حفظهما على غيرهما .. نعم يجوز، بل يجب لرد جوره وفساده لادلة مذكورة في محلها، لكن ذلك مشروط بما اذا لم يستلزم خللاً في الاستقلال والثغور ، هذا هو الذي عليه رأينا معاشر الامامية ، ومن نسب الينا خلاف ذلك هو اشتباه أو افتراء كيف وقد تواتر عنهم (ع) حرمة الخروج على أعدائهم وسلاطين عصرهم بل وغير ذلك مما سطرناه في الكتاب .
-74-

لا يخفى ان الدفاع عن النفس والعرض انما يشرع مع عدم المندوحة ، وأما معها كما لو أمكن الفرار مثلاً فلا يشرع، كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر حرمة مقاتلة السلطان المسلم الجائر مطلقاً (إذ ليس غرضه الا استنهاض المسلمين لدفع الكفار عن بلادهم ، وغرضه التملك لا يكون مانعاً) ، وذلك لامكان الفرار عن جوره بالأتفاق معه في طرد الكفار المفروض كونه مشروعاً، فلا يجوز مقاتلته اصلاً ، بل ليس حاله الا كحال من سبقه من ملوك الاسلام المعلوم ورود الامر بالرباط في زمانه .. ومن هنا ظهر عدم وجود وجه صحيح لما وقع من محاربة بعض المسلمين سلطانهم .

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار