نبيل أبو جعفر
مجلة البيادر السياسي فلسطين
رهنوا إقليم كردستان لتحقيق حلمهم
وبدأوا بتشكيل 'لوبي كردي' يشرف على توجيهه
إيعال فرانك المستشار السياسي في السفارة الإسرائيلية بواشنطن!؟
الذين يتابعون نشاطات قباد طالباني الإبن الأصغر لجلال طالباني في الولايات المتحدة، حيث يُمثّل حزب أبيه كما يُمثّل حكومة إقليم كردستان أيضاً، يدركون كيف يسير هذا الفتى على الخُطى الأولى للحركة الصهيونية بتفاصيلها الدقيقة، ويتمثّل بها في الأسلوب الذي عملت على اتّباعه من أجل قيام 'اسرائيل' منذ ما قبل صدور وعد بلفور.
قباد الذي يُقيم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها، وهو متزوج من إحدى موظفات الخارجية الاميركية/قسم الشؤون العراقية، ويتردّد أنها يهودية وابنة رجل ثري جداً، تربطه علاقات أكثر من وطيدة مع أركان اللوبي الصهيوني 'إيباك'، وكذلك مع سائر القيادات الأميركية (الجمهورية على الأخص)، وقد كان حريصاً على التواصل مع مرشحيهم للرئاسة القادمة من جون ماكين إلى هيلاري كلينتون الى عدد من 'السيناتورات' البارزين كجوزف بيدن، أبرز منظري الحرب ضد العراق، والمؤيدين لاستمرار الاحتلال فيه.
أما صلته الدائمة والمستمرة والتي يصفها بعض الأكراد أنفسهم بالاستراتيجية، فهي مع المستشار السياسي في السفارة الاسرائيلية بواشنطن إيعال فرانك، الذي يقوم على ما يبدو بدور الموجّه السياسي لـ 'قادة' اللوبي الكردي الذي ما زال في طور التكوين على غرار اللوبي الصهيوني في أيام نشأته الأولى!
قباد الذي يحظى برعاية خاصة من والده، صاحب الرعاية الأكثر خصوصية من قبل الأميركان والإسرائيليين، لا يترك فرصة إلاّ ويعرب فيها عن أمله ببقاء قوات الاحتلال طويلاً في العراق، لأنها وحدها الضامنة لاستمرار المصالح الكردية، بمعزل عن مصالح المكوّنات الأخرى للشعب العراقي. وهو يلتقي في هذا مع دعوات المدعو مثال الألوسي الذي يزور اسرائيل في هذه الأيام، ويُلقي فيها المحاضرات ويدعو إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي معها.
المنطق الأعوج في التشبيه!
مهمّة هذا الفتى الكردي المتأمرك والمتصهين في الآن عينه ليست هي الوجه الوحيد لنشاطات القيادات الكردية التي تسعى عملياً للإنفصال عن العراق الأم، وإنشاء كيان مستقلّ يستحوذ على أكثر ما يمكن من خيرات البلد وثرواته، ولا سيما النفطية الغنية. ومع ذلك، يرى بعض الذين يدافعون عن قيادات الحزبين الكرديين (جماعة البرزاني والطالباني) وتوجهاتهم الإنفصالية أن هذا من حقّهم، وأنه ليس على العرب مؤاخذتهم على ذلك أو انتقادهم وتوصيف توجههم الانفصالي بمحاولة إقامة 'إسرائيل ثانية' في قلب الوطن العربي. ويبررون دفاعهم هذا بالقول أن سعي العرب للصلح مع اسرائيل والاعتراف بها يتناقض مع موقفهم المستنكر لاقامة دولة كردية داخل العراق ولو جاء على شاكلة إنشاء اسرائيل. كما يرون أكثر أنه في الوقت الذي يتسامح فيه العرب مع الكيان الصهيوني، لا يتسامحون فيه مع الأكراد.
طبعاً، ينسى هؤلاء المدافعون ان الفارق كبير بين الحالتين. بين حالة غريبة استيطانية زُرعت عنوة في الأرض الفلسطينية التي ما زال العالم يعترف بحقوقنا فيها – أو في نصفها -، وهي حالة لم تلغِ أبداً وطوال الستين عاماً الماضية من عمر النكبة أن فلسطين قلب العرب والعروبة، وبين نَفَرٍ منّا وفينا، نتعايش معاً ونتزاوج، وهو نسيج من أنسجتنا مثل المسلم والمسيحي والشركسي والأرمني... إلخ! ومع ذلك يريد الإنقضاض علينا والإنفصال عنّا لإنشاء دولة، صنيعة تحالفاته مع القوى المعادية لأمتنا للإضرار بها!
وبالاضافة لذلك، وعلى فرض الأخذ بالرؤية القاصرة للمدافعين عن جنوح الأكراد نحو إقامة 'اسرائيل الثانية' بينما نحن نفاوض 'اسرائيل الأولى'، فإن أي جريمة في أي بلد كان أو مجتمع لا تُبرّر تكرارها في مكان آخر. فكيف إذا كان المجرم الأول هو حليف تاريخي قديم للمجرم الثاني. أليست اسرائيل هي الداعمة دوماً للقيادات الكردية الإنفصالية، وهي التي لعبت وما زالت أدواراً خطيرة داخل إقليم كردستان العراق بهدف النيل من الأمن القومي العربي؟
ثم، إذا كان الأمر طبيعياً، لماذا يثور الأكراد ويعترضون في كل مرّة يجري فيها الحديث عن علاقتهم بإسرائيل؟ فإذا كان وجود المجرم الأول شرعياً فإن توجههم نحو إنشاء كيان مشابه سيكون شرعياً أيضاً... فلماذا استماتتهم على نفي توجهاتهم وعلاقاتهم رغم وجود كل الإثباتات والشواهد القديمة – الجديدة عليها؟
... والتشابه الملفت للإنتباه
لا ريب أن هناك حالة من الشبه النادر بين 'التجربتين' الكردية والاسرائيلية، وهي أن اليهود كانوا مواطنين في بلادنا معزّزين كغيرهم يوم كان أبناء جلدتهم يُلاحقون في اوروبا ويرمون داخل افران البلدان المتحضّرة. وكذلك الأكراد كانوا دوماً أخوة، معترفاً بحقوقهم وخصوصيتهم ولا سيما في العراق المستهدف من قبلهم تحديداً، بينما كانوا في بلاد الدنيا الأخرى كتركيا وايران على النقيض تماماً، وبالاضافة لذلك، فإن الصهاينة قد أخذوا بلدنا من دون بلدان الدنيا وكأنهم 'يكافئوننا' على عدم استهدافهم من قبلنا في الماضي، والأكراد – والمعني هنا قياداتهم السياسية – يريدون اقتطاع جزء من العراق لإقامة دولتهم، وكأنهم 'يكافئون' بلدهم على احتضانهم!
وفوق الشبه وقبله، ثمة علاقة تاريخية قوية ومميّزة بين القادة الأكراد – عائلة البرزاني قديماً بشكل أخص – والحركة الصهيونية، وكذلك الوكالة اليهودية، تعود الى بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وقد تطوّرت بعد قيام 'اسرائيل'، ثم تعزّزت بعلاقات وزيارات ودعم مالي كان يصل باستمرار الى 'قلاله'، حيث يقيم زعيم التمرد الكردي القديم مصطفى البرزاني.
المؤكد بداهة أن هذه العلاقة لم تكن مجانية، فالقادة الأكراد يعرفون ما يريدون، وهو لا يخرج عن إطار طلب الدعم المادي والتسليحي والسياسي، ولو بحدوده الدنيا وقتها، ومهما كان الثمن المقابل. أما الصهاينة فكانوا يعرفون أكثر كيف يستغلّون علاقاتهم مع الأكراد وحاجتهم المستمرة للدعم في تمرير ما يريدون الى تلك المنطقة الحيوية في شمال العراق، سواء لدعم عمليات تجسسهم على هذا البلد العربي القوي، أو للتغلغل اللاحق في اقتصاده وشؤونه وأمنه..
ولهذا اختاروا منذ القديم التركيز على زرع مستشارين لهم الى جانب مصطفى البرزاني، وعملوا على تكوين جهاز مخابرات كردي مدرب تحت اشراف 'الموساد' تولى قيادته مسعود البرزاني، وكان من أولى ثماره – كما يتردّد – دخول الأكراد على خط المساعدة في عملية هرب الطيار العراقي منير روفا الى إسرائيل. أما جديد ثماره فيتمثل في التواجد الفعلي والمكثف لجهاز المخابرات الاسرائيلي داخل العراق، والتغلغل الاقتصادي والمالي والاستثماري فيه.
... وشهد شواهد من أهلهم
أما الجوانب السياسية والتنسيقية فقد كان للصحافة الاسرائيلية وبعض الكتاب الباع الطويل في كشفها. فهم الذين كشفوا أسرار العلاقة الوثيقة بين الملا مصطفى البرزاني والرئيس الاسرائيلي الحالي شمعون بيريس منذ ستينات القرن الماضي، والدعم الذي لاقاه من يومها، وقد تُوّج بزيارته الى الكيان الصهيوني في العام 1968، ناهيك عن علاقاته ولقاءاته بغولدا مئير وموشي دايان وإيغئال ألون وغيرهم.
ولم يقتصر الكشف على الجانب الاسرائيلي، بل عمل على فضح هذه الأسرار عدد من قادة الحزبين الكرديين الكبيرين الذين فرّوا من الأوضاع السياسية السائدة داخل الحزبين، ومن تفرّد القيادات ولجأوا الى بغداد، وكان من بينهم عبد الله البرزاني ابن الملا مصطفى، الذي أدلى بشهادات أكّد فيها على علاقة والده باسرائيل واستمرار تواصله معها الى حدّ تزويده بمرافقين أمنيين من قبلها.
الغريب في هذه العلاقة الوطيدة، بين قادة الاكراد العراقيين واسرائيل انهم لم يتوقفوا يوماً أمام وضعها الشاذ الذي كان يجب أن يلتفتوا إليه ويأخذوا العبرة منه، سواء في الماضي أو حتى في أيامنا هذه، وهو كيف يمكن تفسير الموقف الاسرائيلي الداعم لهم الى أقصى الحدود ضد نظامهم الوطني (السابق)، في الوقت الذي يجري فيه دعم النظام التركي الى أقصى الحدود أيضاً ضد أكراد حزب العمال بقيادة أوجلان؟ وكيف يمكن تفسير استقبالهم لمصطفى البرزاني وكل قادة أكراد العراق، بينما كانت تجري ملاحقة أوجلان من قبلهم حتى تمكّن الموساد من اختطافه في مطار نيروبي وقام بتسليمه لتركيا؟
الشيء المؤكد هنا ان الأكراد لم يأخذوا دروساً من تاريخهم الحديث ولا القديم في العلاقات مع الآخرين، ولم يستطيعوا التمييز بين الدعم الذي قُدّم لهم إما نكاية ببلدهم العراق أو لتحقيق مصلحة من ورائه. ولهذا لم يتّعظوا حتى الآن من حقيقة أن كل الجهات التي لجأوا اليها وتعاملوا معها، وقدّموا لأجهزتها الخدمات، كانت تتعامل معهم من زاوية المصلحة الآنية، أي منفعتها هي أو إيقاع الضرر بالنظام السابق. وليس هرب الطالباني وغيره من القادة الأكراد الى شاه إيران في عزّ اضطهاده لأكراد بلده إلاّ مثل على عدم مبدئيتهم وانتهازيتهم. ولهذا – أيضاً – تكرّرت نتائج الخدمات التي قدّموها للإتحاد السوفياتي السابق، ولأنظمة عديدة أخرى. منها إدارات أميركية سابقة، وكانت نتيجتها أن الكل باعهم بعد أن استنفذ أغراضه منهم.
لقد أكّدت سائر تجاربهم الخدماتية للآخرين أن لا وجود لأي أرضية للعلاقة سوى الاستثمار والعمالة والتبعية لأجل التسلّق على ظهور الآخرين لعلّهم ينالوا شيئاً شبيهاً بما نالته مثلهم الأعلى الحركة الصهيونية. ولهذا لم تؤدّ كل علاقاتهم لأية نتيجة ايجابية في المنظور الاستراتيجي الدائم. وسوف تضيع جهودهم لإقامة 'اسرائيل ثانية' إذا ارتأى الاميركان والصهاينة بيعهم في اول فرصة لأن مصلحتهم مع غيرهم.
لا شك أن القادة الأكراد قد قدّموا الكثير وهم مستعدون حتى لخلع الملابس وتقديم 'ورقة التوت'، لكن ثمّة من يزايد عليهم في هذا المجال وهم الذين عادوا لبلدهم على ظهر دبابات قوات الاحتلال، ويعملون الآن على رهنه لهم مدى الحياة... إن استطاعوا!
السباق على أشدّه بين الكلاب الأميركية المسعورة على أرض الرافدين. إنه عصر الكلاب.. إلى حين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق