الفشل في التخطيط يقود إلى التخطيط للفشل
مثل عالمي
شبكة البصرة
صلاح المختار
انهيار النظام الراسمالي : هل يحدث؟
يقول مقال مهم نشر في شبكة البصرة ما يلي : ورغم الكثير الذي قيل عن دور التكلفة الاقتصادي في وضع امريكا في مستنقع الهزيمة فان تسليط الضوء على ما يحدث اخيرا ضروري جدا، فقد حذر عضو الكونغرس الأميركي الدكتور "رون بول" من ان ثمة أمرٌ جَلَلٌ يجري"، وقال تدبَّروا أمركم قبل أنْ " تَقَعَ الفأسُ في الرأس" واكد ديفيد وولكر، مدقق حسابات الحكومة الفيدرالية لمدة خمسة عشر عام، مُحَذِّراً الولايات المتحدة من الكارثة المقبلة، ويَصِفها بالحرف : بالـ "سرطان المالي". والخبير الاقتصادي والتر ويليامز يقول بأنّ الأزمة القادمة ستتجلى في شكل تَضَخُّمٍ نقدي هائل Hyper-inflation، والكاتب وارن بروس تنبَّأ بحدوث " الكساد الكبير الثاني " الذي سيكون في أحسن الأحوال أشد هولاً من كساد الثلاثينيات الكبير، بدأً من العام 2007 ليدوم حتى2020. والكساد يبدأ بركودٍ اقتصادي، والركود الاقتصادي واقعٌ قائمٌ في الولايات المتحدة بالضدِّ من البيانات الرسمية المُلَفَّقة التي تَصدُر عن الإدارة الأميركية.
لايريدُ الدكتور رون بول سحب القوات الأميركية من العراق فحسب بل من كلّ أنحاء العالم، يريدُ إغلاق السبعمائة قاعدة عسكرية أميركية المُنتشرة في مائة وثلاثين دولة في كل أنحاء العالم. وبعبارةٍ أخرى : يريدُ رون بول إنهاء البُعْد الإمبراطوري للولايات المتحدة الأميركية. وحجّتهُ في ذلك أنّ الدور الإمبراطوري للولايات المتحدة مُخالفٌ للدستور الأميركي، ويَهْدُرُ مُقَدَّرات الشعب الأميركي من مالٍ وبشر بلا مُسَوِّغ دستوري أو أمني.
ويرى د.بول، من موقعهِ كخبيرٍ اقتصاديّ، أنَّ الولايات المتحدة مُقبلة على أزمةٍ اقتصادية كبرى، وأنَّ عليها إنهاء دورها كشُرَطِيِّ العالم لأنّها لم تَعُدْ تملك الإمكانات المالية لتغطية تكاليف هذا الدور. يقول رون بول إنّ صيانة البُعْد الإمبراطوري لأميركا يُكَلِّفُها تريليون (ألف مليار) دولار تقريباً في كل سنة، وإنّ الولايات المتحدة لم تَعُدْ تملُكُ هذا المال وهي الآن تَستَدين من الصين واليابان والسعودية وغيرها لتغطية التكاليف. في مقابلةٍ مع إحدى المحطات الإذاعية الأميركية التي كانت تغطّي مؤتمراً استثماريّا في أميركا أجاب رون بول بِوَصْفِهِ خبيراً اقتصادياً، على بضعة أسئلة طرحها المذيع، وفي أحدِ تلك الأسئلة طلب المذيع منه تحديد مدى زمنى يتوقع فيه حدوث الأزمة الاقتصادية الأميركية الكبرى فكانت إجابة رون بول على الشكل التالي : "سيُصيبني ذهولاً هائلاً إذا لم يقَعْ حدّثاً كبيراً جدّاً جداً في غضون السنوات الخمس القادمة."
ان اهم ما يحذر منه رون بول وأنصاره هو ما يلي : أنَّ السياستان الداخلية والخارجية الجاريتان منذُ قرنٍ من الزمن بعامة، وفي عهد بوش الإبن بخاصة تسيران بأميركا نحو كارثة، وأنَّ " أمراً جَلَلاً يجري "وأنّ عليهم أنّْ يتَدَبَّروا أمرهم " قبل أنْ تَقَعَ الفأسُ في الراس". شبكة البصرة 8 تموز 2008
http://www.campaignforliberty.com/blog/?p=115#more-115
ان السؤال المهم جدا المتعلق بما قاله هذا الخبير الامريكي هو : هل كان هذا الموقف تبلور لدى د. بول وغيره وتم تبنيه لو لم تكن المقاومة العراقية قادرة على استنزاف امريكا بشريا وماليا ودفعها الى حافة الانهيار الشامل انطلاقا من انهيار مالي كبير؟ ان الاجابة على السؤال تتطلب اعادة التذكير بحقيقة اقتصادية خطيرة جدا وهي ان السبب الرئيسي والمباشر في التحذير من الازمة قبل وقوعها، وهي وقعت بعد هذا التحذير، هو الاستنزاف الكارثي لامريكا في العراق ماديا وبشريا ومعنويا ونفسيا، وسنكتفي بذكر ارقام محددة من بين عشرات الارقام، وهي ان الدين العام الذي كان قبل غزو العراق يدور حول الرقم اربعة تريليون دولار اصبح بعد الغزو 9 تريليون و200 الف مليار دولار، وهذا الرقم ولندرك حجمه وخطورته يجب ان نشير الى انه يعادل حوالي 85 % من قيمة الناتج القومي الامريكي، اي مجموع ما تنتجه اميركا من سلع وما تقدمه من خدمات في عام!
لقد ادى غزو العراق الى تكبيد امريكا خسائر مالية اسطورية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الامريكي بفضل المقاومة المسلحة، كما اشرنا، يضاف الى ذلك ان العجز في الميزانية الفدرالية عاد الى الظهور بعد غزو العراق واصبح 500 مليار دولار في عام 2007، رغم ان عهد كلنتون شهد تقليصه من تقريبا 400 مليار، في زمن بوش الاب، الى حوالي 70 مليار. وهذه الزيادة في العجز الفدرالي كانت نتاج التخبط في السياسات المالية بعد تورط امريكا في غزو العراق، الذي قلب كل الحسابات السابقة له حول كيفية تمويله، ومنها حسابات البنتاغون التي عبر عنها بول ولفووتز، نائب وزير الحرب الامريكي وواحد من اهم ثلاثة خططو لغزو العراق، بتأكيده في شهادة له امام الكونغرس قبل الغزو ولاقناعه بدعم الغزو، بان الغزو سيمول بموارد النفط العرقية وان امريكا لن تصرف دولارا واحدا من خزينتها. هذا الاستخفاف برد فعل الشعب العراقي هو الذي جعل امريكا تواجه اخطر استنزاف مالي، وهو الذي اجبرها على تمويل الحرب بالاقتراض لتجنب اثارة الراي العام اذا مولت من ضرائب جديدة تفرض على المواطن الامريكي. والاقتراض هو دين جعل امريكا تأكل بالدين وتحارب بالدين! والخطر في الاقتراض هو ما ينتج عنه من تضخم حيث ان امريكا تطبع المليارات من الدولارات دون رصيد ذهبي، الغاه ريتشارد نيكسون في السبعينيات، لتغطية حاجاتها المتضاعفة بسبب غزو العراق.
ولم تتوقف تأثيرات المقاومة العراقية عند ذلك الحد بل انها ساعدت على ارتفاع نسبة البطالة الى اعلى مستوى منذ خمسة سنوات، اي ان الارتفاع في البطالة اقترن بالغزو. من هنا فان الازمة الحالية التي تشهدها امريكا كانت من حيث الجوهر نتاج غزوها للعراق وسوء حساباتها لكيفية تمويله ولاعتمادها الكلي على فكرة ان غزو العراق سيكون البطة التي تبيض بيضا من ذهب مما سيساعده على حل الكثير من ازماتها الاقتصادية، اضافة لتمليكها اعظم واخطر سلاح وهو الابتزاز النفطي لكل العالم.
أذن هل يمكن تجاهل الدور الحاسم والرئيسي للمقاومة العراقية في التعجيل بتفجر الازمة البنيوية للنظام الراسمالي، التي كانت امريكا تسيطر على اثارها وتتحكم فيها الى حد كبير منذ السبعينيات، وجر العالم كله لمواجهة اثارها الكارثية؟ هل يمكن تجاهل ان المقاومة العراقية قد اكدت ان قوانين النظام الراسمالي، ومنها قانون اقتصاد السوق الذي عد منذ التسعينيات اهم قوانينها بعد قانون الربح، كانت مدمرة وفاشلة وقادت الى الكارثة المالية الحالية؟ وهل يمكن لاي معاد للاشتراكية ان ينكر ان اشد النظم الراسمالية تطرفا في محاربتها، وهو النظام الراسمالي الامريكي، قد اضطر تحت تهديد الانهيار الشامل لقبول تدخل الدولة في السوق والاقتصاد في تناقض فظ وفاضح مع قوانين اقتصاد السوق؟ لقد وصفت مصادر اوربية راسمالية، وليست اشتراكية، الازمة الحالية بانها (كارثة) وانها (اوصلت العالم الى حافة الانهيار) وهو ماقاله رئيس الوزراء الفرنسي. لولا المقاومة العراقية التي حولت الغزو من نزهة، كما توقعت الادراة الامريكية، الى اخطر حرب تخوضها امريكا في كل تاريخها لما (اكتشف) العالم كله ان اقتصاد السوق والعولمة وحماقات الادارة الامريكية هما اشد التهديدات خطورة للاستقرار العالمي.
ان السؤال الجوهري الذي يجب التعامل معه هو : ماذا لو استمرت المقاومة العراقية خمسة سنوات اخرى على نفس حدتها؟ بالتاكيد ان هذا السيناريو هو المدخل الى الحجيم بالنسبة لامريكا، وهو البوابة التي ستدخل منها البشرية عصر الاشتراكية القومية (اي التي تقوم على احترام الخصائص المحلية والثقافات المحلية في كل امة). من هنا قلنا بان المقاومة العراقية تعيد صنع واقع العالم على اسس جديدة، ومن هنا اكدنا بان امريكا تدرك قبل غيرها بان معركة العراق هي معركة ستقرر مصير العالم برمته، وتلك الحقيقة هي التي اجبرت امريكا على استخدام كل وسائل التضليل والخداع لمنع المقاومة العراقية وقوى التحرر العربية من رؤية الحقيقة الساطعة وهي ان المقاومة العراقية، وليس غيرها، هي طليعة التحرر وقيادته على مستوى كوني وليس على المستوى القومي العربي فقط.
هل تحقق الاستقرار حسب الفهم الامريكي؟
رغم هذا الثمن الباهض بشريا واقتصاديا، ورغم كل الادعاءات الامريكية بتحقيق تقدم في المجال الامني الا ان الواقع العراقي يشير الى عكس ذلك من نواح اخرى غير عمليات المقاومة الوطنية، مثل عودة العمليات التي تستهدف المدنيين الى الارتفاع مجددا في ذروة الادعاء الامريكي هذا، اي في عام 2008! والسبب الرئيسي هو تصاعد صراع اللصين الامريكي والايراني حول تقاسم المغانم في العراق، مما ادى الى قيام انصارهما التكفيريين من الطرفين بتصعيد العمليات الاجرامية ضد المدنيين العراقيين شيعة وسنة ومسيحيين وصابئة وغيرهم. وفيما يلي بعض مظاهر ذلك من خلال عناوين بعض الاخبار فقط التي بثت في شهر اب – اوغست الماضي من الفضائيات العربية والاجنبية وشبكات الانترنيت ووكالات الانباء العالمية :
1 - سلسلة عمليات في بغداد وديالى تشير لانتكاسة امنية.
2 - هجوم لانتحاريتين يقتل ويصيب العشرات من زوار كربلاء.
3- مقتل 12 وإصابة 27 في هجوم على زوار شيعة جنوبي بغداد.
4- قتلت ثلاث مهاجمات نحو 30 شخصًا، وجرحن نحو 100 الشهر الماضي ؛ عندما فجرن أنفسهن وسط حشود خلال احتفال شيعي آخر بوسط بغداد.
اذن التحسن الامني الذي بشرت به امريكا كان محض مبالغات فجة وظيفتها التضليل، وهذه الحقيقة هي التي اجبرت كل القادة الامريكيين عسكريين ومدنيين على (وضع خط رجعة) بتأكيد ان الوضع في العراق هش وان (الفلتان الامني) قد يعود! وفعلا لقد عاد (الفلتان الامني) بسرعة والدليل هو الهجمات الاجرامية الكثيرة على المدنيين العراقيين.
تقدم اسلحة المقاومة العراقية
ان احد اهم اسباب تقدم المقاومة وازدياد عملياتها في عامي 2007 و 2008 وتضاعف نسب التعوق الجسدي والنفسي يعود الى حقيقة ان المقاومة العراقية طورت اسلحتها وجعلتها اكثر فاعلية وتاثيرا، وهذا ما اكدته صحيفة (واشنطن تايمز) الامريكية يوم 10/7/2008 في تقرير لها نشر تحت عنوان (سلاح المقاومة العراقية صار أشد فتكًا من ذي قبل) أكدت فيه أن منظومة الأسلحة التي يستخدمها رجال المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية المحتلة في العراق صارت أشد فتكًا من ذي قبل. وأضافت الصحيفة أن كبار العسكريين الأمريكيين يطلقون على هذه الأسلحة " أعتدة حربية بدائية مسنودة بصواريخ". وتشير الصحيفة إلى أن هذا النوع من العتاد يتألف من صهاريج مملوءة بغاز البروبين ومحشوة بآلاف الأرطال من المتفجرات وتسندها صواريخ من عيار 107 ملليمتر، وتطلق تلك الذخائر في الغالب من فوق الشاحنات وبتتابع متواصل بواسطة جهاز تحكم من بعد. وقد أودت القنابل التي تقذف بصواريخ بحياة ما لا يقل عن 21 شخصًا , بمن فيهم ثلاثة جنود أمريكيين , هذا العام.
وهنا يجب ملاحظة ما يلي : في العام السادس للغزو، وبعد كل الحملات العسكرية لاعظم واشرس قوة استعمارية في التاريخ، تحقق المقاومة العراقية هذا التقدم في تصنيع اسلحتها وتضع القوات الامريكية امام تحد لا يمكن التغلب عليه، وهذه الحقيقة يجب ان تدرس عسكريا وصناعيا لمعرفة قيمتها وكونها مؤشرا لا يخطئ لحالة تقدم المقاومة وتعزز قوتها العامة.
اعترافات ربع الساعة الاخير
ان محاولة الادارة الامريكية تضليل الراي العام خصوصا الامريكي بتقديم صورة ناقصة واحادية عن الوضع في العراق يوحي بأن المقاومة قد ضعفت هو امر تدحضه الارقام والوثائق الامريكية والوقائع الميدانية التي اشرنا لبعضها، بالاضافة الى الاعترافات الامريكية الرسمية والاعلامية والتي نقدم بعضا منها. فقد نشرت فقرات مترجمة تحت عنوان (الهزيمة في العراق) ترجمة : د. عبد الوهاب حميد رشيد اقتبست من كتاب امريكيين ومصادر امريكية طبقا ل :-
Defeated in Iraq? By Mike Whitney,aljazeera.com, 04/08/2008 Source: Middle East Online.
ويوضح التقرير ما يلي : (تُشير إدارة بوش إلى التخفيف المؤقت للعنف في العراق رمزاً للنجاح لكنها مُخطئة. إنها تستخدم مقياساً خاطئاً. لقد بلغت المقاومة العراقية ما تتمناه أية مجموعة مسلّحة في مبتغاها. ذلك أن هذه المقاومة نجحت في تقويض قدرة وقابلية العدو على شن المزيد من الحروب. فالولايات المتحدة أخذت تواجه مقاومة متنامية لسياساتها الإمبريالية في العالم، وصارت غير قادرة على مواجهة هذه المقاومة العالمية لأن جنودها حوصروا داخل المستنقع العراقي. وهذه النهضة الوليدة ستصبح بسرعة واحدة من الساحات الرئيسة لعدم الاتفاق في الحملة السياسية للعام 2008. العالم يتجه بعيداً عن الولايات المتحدة، ولن تستطيع العودة إلى سابق عهدها سواء اُنتخِبَ اوباما أو مكين. إن القوة العظمى باتجاه بناء نموذج للحكومة العالمية هي في طريقها إلى الزوال).
مما لاشك فيه ان التقرير يعترف مباشرة وصراحة بأن المقاومة العراقية، وليس غيرها، هي التي دفنت المشروع الكوني الاستعماري الامريكي حينما اغرقته في مستنقع زلق لا مخرج منه الا بالهزيمة المدوية ستراتيجيا، وهذا الاعتراف يشكل انتصارا تأريخيا عظيما للمقاومة العراقية بشكل خاص ولحركة التحرر الوطني العربية بشكل عام.
ويضيف التقرير قائلا : (كما أن الطريقة الصحيحة لقياس النجاح أو الفشل هنا هي في النظر إلى الميزانية المالية للولايات المتحدة التي اتجهت بسرعة صاروخية نحو العجز ليصل إلى 500 بليون دولار. والسبب الرئيس يعود إلى التكاليف المفرطة لصراع متواصل مفتوح بلا نهاية في الشرق الأوسط. لم يرتبك المستهلك الأمريكي بنبرة الزيادة في القوات، إنه يعلم بأننا نخسر الحرب. إنه ليس بأعمى. إنه يرى دليل الهزيمة في كل وقت يتجه إلى محطة الوقود. أخبرني : هل أن 4 دولار لكل غالون من الوقود هو علامة للنصر أم الهزيمة؟ الإجابة لا تتطلب تخصصاً في علم الصواريخ! إن المعارك الفردية والمناوشات في العراق ذات أهمية ضئيلة بالمقارنة مع ما تحقق فعلاً، متمثلاً في أن قابلية الولايات المتحدة على شن الحرب قد قوضت بدرجة كبيرة. ومع نهاية العام 2009 ستبدأ القوات بالانسحاب أو ستُترك في مكانها للاستمرار في مواجهة المقاومة الصاعدة، في حين أن سوق العقارات على وشك الانهيار collapse، النظام المالي يدخل مرحلة التلاشي meltdown، والبلاد (أمريكا) تواجه أضخم أزمة مالية على مدى تاريخها ألـ 230 سنة الماضية).
ويقدم التقرير خلاصة مهمة جدا حينما يقول : (لا تبحثْ عن دليل هزيمة أمريكا في العراق، أبحثْ عنه في المحلات/المتاجر المرهونة، عند الناس المحرومين من المساكن، والعدد المتعاظم من العقارات المعروضة للبيع والتي تحولت إلى مدن أشباح. هنا يمكن للمرء أن يرى التكاليف الحقيقية للحرب، هذه الحرب التي ضاعتْ وبانتْ خسارتها مع إلقاء أول قنبلة)!
الفقرة السابقة تفرض طرح السؤال التالي : الا يطابق ذلك ماقاله القائد الشهيد صدام حسين بعد العدوان الثلاثيني في عام 1991 من ان امريكا اخذت تتدهور مكانتها من السفح الى القعر مع القاء اول صواريخها على بغداد؟ ان النصر والهزيمة تقاسان بمعايير شاملة تغطي كل مناحي الحرب او الصراع وليس جانبا واحدا فقط، وما حصل في العراق يؤكد هذه الحقيقة.
ولم يقتصر الاعتراف بالهزيمة على الكتاب والانتلجنسيا الامريكية بل اتخذ شكلا اخرا وهو صراخ عال لمسؤولين امريكيين من شدة الالم نتيجة ضربات المقاومة العراقية حتى في ذروة انكار الهزيمة. فهاهو المرشح الديمقراطي للرئاسة باراك اوباما يقول بصراحة تامة : (إن الحرب في العراق تُضعف أمن الولايات المتحدة وحضورها في العالم). وقال في خطاب أمام أنصاره قبيل زيارته إلى العراق وأفغانستان، (أن حرب العراق تُنهك جيش الولايات المتحدة ومواردها الاقتصادية). واضاف بالحاح ينطوي على دلالة كبيرة : (إن الحرب في العراق تشغل الولايات المتحدة عن الانتباه إلى سائر المخاطر التي تحيط بها، وأن العراق لم يكن في يوم ما الجبهة المركزية في الحرب ضد الإرهاب). المصدر وكالات الانباء و(شبكة هيئة علماء المسلمين في العراق).
ووصلت حالة التدهور المعنوي حد ان المرشح الديمقراطي للرئاسة بدى يائسا من النصر في العراق بعكس كل الدعايات الامريكية حينما قال خلال خطاب القاه في واشنطن حول العراق والامن القومي الأمريكي (إنه سيصدر أمر إنهاء الحرب في العراق فور وصوله إلى البيت الأبيض). لا حظو كلماته (سينهي الحرب في العراق فور فوزه في الانتخابات)! لو كان لديه اي امل مبني على معلومات بان النصر ممكن في العراق لما قال ذلك، ويجب ان نتذكر بان مرشح الرئاسة يزود بمعلومات دقيقة وحقيقية عن حالة الحرب او الازمة التي تواجهها امريكا.
وأضاف : " إنه عارض منذ البداية الحرب على العراق، بينما أيدها منافسه الجمهوري جون ماكين" مشيرا إلى ان كلا من بوش وماكين يتبنيان استراتيجية بقاء (في العراق)، وليس نجاحا.
وأكد اوباما (كان ينبغي على الرئيس بوش والسناتور جون ماکين ان يدرکا أن الجبهة المرکزية في الحرب على الارهاب ليس العراق، ولم تکن کذلك على الاطلاق). وكالات 16- 7 – 2008. ان ماقاله اوباما هو صراخ منظم من شدة الحرب على امريكا وهو يعبر عن التوجه الاساسي في اوساط صناع القرار ومن يؤثر في صنعه.
اما الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلنتون فانه قال بوضوح : (تذهب الحكومة الأمريكية كل يوم من أيام السنة إلى السوق لتقترض مالا من دول أخرى لتمويل حرب العراق وأفغانستان، وأن هذا لم يحدث من قبل أبدا في تاريخ أمريكا الحديث).
ان خطورة هذا الاعتراف من قبل كلنتون تكمن في ان امريكا تحارب بالدين اي انها تقترض لتحارب! وهو وضع خطير وهش جدا لم يحصل من قبل في كل حروب امريكا العدوانية. وأذا كان ممكنا الاعتماد على الاقتراض لفترة قصيرة جدا دون مخاطر مباشرة فانه يصبح قنبلة خطيرة اذا اعتمد كقاعدة تمويل حرب شاملة وطويلة، كما هو الحال في العراق. ولعل ابرز دليل على خطورة تلك القنبلة هو الازمة المالية الحالية التي تضرب الاقتصاد الامريكي في القلب مباشرة وتضرب معه كل الاقتصادات العالمية وتضع النظام الراسمالي العالمي برمته امام تحدي الانهيار الشامل، وهي دون ادنى شك حالة ناتجة عن عدة اسباب ابرزها واهمها تكاليف الحرب على العراق التي تجاوزت كل الحدود المحتملة امريكيا.
واذا كان هناك من لا يقبل بحقيقة ان المقاومة تتقدم، واذا كان البعض يرفض المعطيات السالفة الذكر فان كبار المسؤولين الامريكيين الحاليين صدرت عنهم تصريحات تحسم الامر، فلقد اعترف روبرت جيتس وزير الحرب الامريكي بان (اللعبة انتهت)، فطبقا لشبكة مفكرة الإسلام أعلن وزير الحرب الأمريكي "روبرت جيتس" أن الولايات المتحدة وصلت الآن إلى نهاية اللعبة في العراق، لافتًا النظر إلى أنها يجب أن تتحرك بحذر في سحب قواتها. واعتبر جيتس أن قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش سحب ثمانية آلاف جندي من أصل 146 ألف منتشرين في العراق بحلول فبراير وإرسال نصفهم تقريبًا إلى أفغانستان يمثل ليس فقط المسار الصحيح ولكن التصرف الصحيح، على حد قوله. وقال أمام أعضاء الكونجرس : أعتقد أننا دخلنا الآن نهاية اللعبة وقراراتنا اليوم وفي الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لاستقرار المنطقة ومصالحها الأمنية القومية للأعوام المقبلة، كما قال.
لكن وزير الدفاع الأمريكي، في انتباهة واضحة لهشاشة لعبته اللفظية، حذر من أن مخاطر تدهور الوضع لا تزال ماثلة في العراق رغم ما وصفه بالتقدم الأمني.
ما معنى هذا التحذير؟ الا يعني ان وزير الحرب الامريكي يضع خط رجعة يستخدمه للتراجع به عن ادعاءه بتحقيق تقدم؟ في الحروب الكبرى من غير المنطقي ان يصدر تصريح من وزير حرب كهذا، فيه ادعاء بالنصر لكنه يحشر في قلب هذا الادعاء اعتراف بامكانية الهزيمة؟!
ورأى، حسبما أوردت وكالة فرانس برس، أن التخفيضات المقررة هي مخاطرة مقبولة اليوم وتوفر مجموعة واسعة من الخيارات للقائد الأعلى للقوات المسلحة المقبل الذي سيضع تقديراته بعد تسلمه منصبه في يناير.
ان من ابرز مظاهر اللعبة التضليلية الامريكية موضوع خفض القوات بقدر ثمانية الاف جندي امريكي، فهذا الخفض هو في الواقع عبارة عن لعبة ارقام، ففي العام الماضي زادت امريكا قواتها في العراق بقدر عشرين الف جندي، والان تسحب منهم ثمانية الاف، فيكون العدد الاجمالي للزيادة على المستوى الرسمي هو 12 الف جندي امريكي. والاهم هو ان هذا الرقم يخص القوات الرسمية، اما الرقم الخاص بقوات المرتزقة العاملين، تحت تسمية الشركات الخاصة، فقد ازداد في العام الماضي وهذا العام، واصبح 150 الف مرتزق بدل 120 الف، وهكذا يكون رقم قوات الاحتلال هو 150 الف جندي رسمي زائدا 150 الف مرتزق امريكي وغير امريكي من الشركات الخاصة، زائد رقم قوات الحلفاء وقوات الحكومة العميلة في بغداد وهو حوالي 200 الف، فيكون رقم القوات الموجودة في العراق والعاملة ضد المقاومة العراقية هو حوالي نصف مليون جندي! ويجب ان نتذكر بأن عدد القوات الامريكية في افغانستان هو 30 الف جندي ومع قوات الحلفاء لن يتجاوز رقم القوات كلها اكثر من خمسين الف جندي، قارنو رقم نصف مليون جندي في العراق ب50 الف في افغانستان لتدركو اين تقع الجبهة الرئيسية للحرب.
ما معنى هذه الارقام؟ هذه الارقام مصدر كشف اخر لحقيقة ان اللعبة الامريكية هي لعبة خداع للرأي العام الامريكي والعالمي من اجل تغليب صورة مزيفة عن الوضع في العراق. ان المعنى الكبير هو ان امريكا تقوم الان في عام 2008 وبعد اكثر من خمس سنوات على غزو العراق باستخدام قوات تصل تقريبا الى ضعف عدد القوات التي كانت تقاتل بها حتى عام 2005، والسؤال المهم والاساسي هو : اذا كانت امريكا تحقق تقدما في العراق، واذا كانت المقاومة العراقية تتراجع، اذن لم الزيادة الكبيرة الفعلية في عدد القوات منذ العام الذي ادعت فيه امريكا ان المقاومة العراقية تتراجع؟ ولم ضخ المزيد من المال في المعركة؟
تتمة
نهاية رمضان – ايلول – سبتمبر 2008
salahalmukhtar@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق