الفشل في التخطيط يقود إلى التخطيط للفشل
مثل عالمي
صلاح المختار
لعبة نقل التركيز الى أفغانستان
أطلق العديد من المسؤولين الامريكيين تصريحات مريبة حول قيمة افغانستان وحول الوضع فيها ، فقد قال جيتس ، وزير الحرب الامريكي ، ان المقاومة في أفغانستان تتصاعد , وطلب القادة مزيدًا من القوات لمواجهة هذا التصاعد في الهجمات من قبل حركة طالبان ، وصرح الأميرال مايكل مولين ، كبير مستشاري جيتس ، بأنه غير مقتنع بأن بلاده تكسب الحرب في أفغانستان . وقال إنه أمر الجيش بوضع إستراتيجية جديدة . ووصف مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة ، قرار إرسال 4500 جندي إلى أفغانستان بأنه " جيد وبداية مهمة رغم أنه أقل بكثير من العدد الذي طالب به القادة وهو إرسال نحو 10 آلاف جندي " . وكان الجنرال ديفيد ماكيرنان القائد الأمريكي البارز في أفغانستان ، قد طالب بإرسال ثلاثة ألوية أي نحو عشرة آلاف جندي ، إلا أن جيتس اعتبر أن " القوات الإضافية وحدها لن تحل المشكلة " (وكالات الانباء الأربعاء 10- 9- 2008 ) .
نعم هناك تصاعد في عمليات المقاومة الافغانية ، ونعم امريكا بحاجة للمزيد من القوات فيها ، ولكن : لم تعترف امريكا بتصاعد المقاومة في افغانستان وتهمل التصاعد في العراق ؟ بتعبير اخر : لم تعظّم امريكا العمليات في افغانستان ، وهي عظيمة دون ادنى شك ، وتقزمها في العراق مع انها أعظم من افغانستان ؟
أشكال من لعبة التمويه الاستخبارية
في الحرب هناك علم وفن بدونهما لا يمكن كسب الحرب ، ومن بين اهم فنون الحرب خداع العدو بالتمويه على منطقة الحرب الاساسية عن طريق حشد قوات او شن هجمات في منطقة ليست هي مكان معركة الحسم من اجل تسهيل التغلب على العدو . وفي المخابرات هناك علم وفن ايضا بدونهما يصبح الصراع لعبة اطفال سذج ، ومن بين اهم فنون المخابرات تضليل العدو بالتركيز على موضوع ثانوي او شخص ثانوي من اجل عدم كشف الموضوع الرئيسي او حماية الشخص الرئيسي . واذا درسنا تأريخ حروب الولايات المتحدة الامريكية فاننا سنلاحظ بسهولة ان المخابرات تلعب دورا اساسيا فيها اخطر من القوات المسلحة ، فهي التي تمهد للحرب عبر الاعلام ونشر المعلومات لتضليل العدو او الراي العام وجعله يقبل خيار الحرب ، وهي التي تجعل ممكنا تجنب الكشف عن الهدف الحقيقي للحرب او التأزم الحاد لجعل الضحية – الهدف متراخيا ولا يستعد لتلقي الضربة الرئيسية او الوقاية منها .
ولتوضيح ألاهمية الحقيقية للمقاومة المسلحة في افغانستان في الصراعات الاقليمية والدولية الحالية ، وكيفية استخدام المخابرات الامريكية لموضوعها كوسيلة للتعتيم على الثورة العراقية او التقليل من شأنها ، سنتناول مثالين مهمين وهما مثال ايران ومثال حزب الله لانهما مناسبان جدا لتوضيح كيفية تحويل ساحة صراع من ساحة رئيسية ( العراق ) الى ساحة ثانوية ، في الاعلام والسياسة طبعا ، والعكس صحيح ، وهو تحويل ساحة صراعات ثانوية كايران ولبنان الى ساحتي صراع رئيسي ، طبعا في الاعلام ايضا ، واقناع زمر من الساسة والمثقفين بذلك لاجل الاستماتة في الدفاع عن ايران وحزب الله ، من منطلق معاد للامبريالية الصهيونية مع انهما ( اي ايران وحزب الله ) من اشد اعداء حركة التحرر الوطني العربية خطورة ، والطرفين الاكثر خدمة وتنفيذا لمخطط شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية عرقية وهو مخطط امريكي – صهيوني معروف !
لعبة ابراز ايران والتعتيم على العراق
ان كيفية غزو العراق تقدم لنا صورة واضحة لهذه الاساليب التضليلية ، فلقد تمت عملية التعتيم على خطة غزو العراق عبر اساليب مدروسة من بينها الايحاء للعالم كله ، وللعراقيين بشكل خاص ، بأن محط تركيز امريكا وهدفها الرئيسي هو ايران وليس العراق ، رغم ان امريكا قررت منذ تأميم النفط في عام 1972 ( احتواء ) العراق بالضغط والاغراءات والتأمر الداخلي ، واذا فشل ذلك فان الغزو او تقسيم العراق هما الحل ، وهي حقيقة نشرت تقارير عنها منذ عام 1973 .
احسبو وادرسو عدد التهديدات والتأزمات والازمات الكبيرة التي وقعت بين امريكا وايران منذ اسقاط الشاه ، بمساعدة مباشرة من المخابرات الامريكية والبريطانية ، وقارنوها بالتوترات بين العراق وامريكا بين عامي 1973 و1990 وهي محدودة وغير ساخنة غالبا ، ستكتشفون ان العداء لايران ظاهريا والتهديدات الموجهة لها كانت تهديدات ومناورات وازمات مفتعلة لا نظير لها في منطقتنا كلها ، بل ربما في العالم كله ، وانها لم تؤدي الى حرب او صراع مسلح بين امريكا وايران رغم ضخامتها الاعلامية والسياسية ، اكثر من ذلك ، وفي اطار المفارقات ، تخللت صراع الديوك المسرحي بين امريكا وايران ظاهرة التعاون بينهما ضد طرف لم يكن يحتل ، أعلاميا وسياسيا فقط طبعا ، في التوترات الامريكية في المنطقة موقعا أبرز من موقع ايران في التوترات وهو العراق . والسبب واضح جدا الان فلقد كان مطلوبا التأمر على العراق بسرية تامة ، او بتعمد عدم التصعيد والحرص على عدم اعطاء اشارة الى العراق والشعب العربي كله تقول بان العدو الاساسي الذي تستهدفه امريكا هو العراق ، بل كان يجب ترويج انطباع قوي بانه ايران ، لاجل منع بروز ردود فعل عراقية او عربية متحوطة ومتضامنة مع العراق ، وطمأنة الضحية !
في هذه اللعبة الاستخبارية المدروسة بدقة كانت امريكا وبريطانيا قد قررتا منذ عام 1972، وهو عام تأميم النفط العراقي ، ان العدو الرئيسي هو العراق ولكنهما ولاجل تضليل الضحية ، اي العراق ، وخداع الراي العام سخنتا الوضع في ايران ، بعد الفشل في اسقاط النظام الوطني في العراق بين عامي 1973 و1977 وفجرتا ( ازمة ) حقوق الانسان في ايران في عام 1977 واطلقتا يد الملالي لاجل السيطرة على الانتفاضة الشعبية الصادقة ضد الشاه ، التي بدأت تتعمق وتتوسع في عام 1978، والتي نظمتها وفجرتها بالدرجة الاولى منظمتين ذبحتا بعد الثورة واسقاط الشاه على يد الطارئ على الثورة الايرانية الديكتاتور الدموي و( ظل الله في الارض ) بموجب ولاية الفقيه ، خميني ، وهما منظمة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيي خلق .
لقد كان الهدف المركزي من وراء اسقاط الشاه هو تحويل ايران ، المشحونة بعوامل الرفض التام والحاسم للشاه والغرب ، من مشروع ثورة تحررية ضد الامبريالية والصهيونية الى الاداة الرئيسية في القضاء على النهج التحرري الوطني للعراق ، دون ان تخسر امريكا شيئا ، كمقدمة لالقاء الاقطار العربية كلها في جحيم صراعات مذهبية وعرقية تحرر الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية من عناء وخسائر ومخاطر توجه كل طاقات واسلحة حركة التحرر الوطني العربية اليهما وتجبرها ( الاقطار العربية ) على اعتبار ايران الملالي هي الخطر المباشر والرئيسي الذي يجب الرد عليه ، وانزال مرتبة خطر امريكا والكيان الصهيوني الى درجة ثانوية ، من جهة ، وتحويل الثورة الايرانية ، التحررية الطابع عند انطلاقتها ، الى دعوة لنشر مذهب بالقوة باسم ( الثورة الاسلامية ) تنشغل بها ايران عن ( محاربة الامبريالية والصهيونية ) ، وهو الشعار الاساسي لها الذي ضللت الجماهير العربية به ، وتقود هذه الدعوة الى اشعال حروب وازمات بين المسلمين انفسهم فتتحرر الامبريالية والكيان الصهيوني من ضغط العرب عليهما ، ويجهض مشروع تحرير ايران وبناء مجتمع عادل ومسالم فيها يتعايش مع جيرانه العرب ، من جهة ثانية .
أذن ارادت امريكا ، من وراء ابعاد الثوار الحقيقيين واحلال رجل عنصري حاقد على الامة العربية في قيادة الثورة الايرانية ، ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد :
1- أسقاط تجربة النهضة القومية العربية التحررية الناجحة في العراق .
2- اجهاض مشروع الثورة التحررية في ايران .
3 - تحويل الصراع من صراع ضد الامبريالية الامريكية والصهيوينة الى صراع اسلامي – اسلامي ( الحرب العراقية الايرانية ) ، ثم الى صراع سني - شيعي يجتاح الاقطار العربية ويقسمها ، في اطار سايكس – بيكو رقم الثانية .
الا تستحق زمرة الملالي بزعامة خميني ان توصل الى السلطة في ايران ، من وجهة نظر الستراتيجيتين الامريكية والصهيونية ، اذا كانت وظيفتها الاساسية الفعلية تحقيق الاهداف التي ذكرناها ؟ وهل يمكن انجاز هذه الاهداف من دون اضفاء هوية تحررية زائفة على خميني ونهجه الظلامي ؟
لقد اثبتت التجربة التاريخية منذ اسقاط الشاه وحتى غزو العراق ما يلي : بأزاحة الثوار الحقيقيين ضد الشاه ، وفي مقدمتهم مجاهدي خلق وفدائيي خلق ، وهيمنة الملالي على ايران بالحديد والنار امنت امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني تحويل ايران الى حادلة كبيرة اريد منها ازالة ( العقبة العراقية ) من طريق الهيمنة الامريكية على النفط العراقي مجددا ، والقضاء على النظام الوطني والوحيد الذي بقي يرفض الصلح مع الكيان الصهيوني والاعتراف به ، تمهيدا لاحداث انقلاب شامل في كل الشرق الاوسط ( الوطن العربي زائدا ايران وتركيا والكيان الصهيوني ) لصالح الامبريالية الامريكية وحليفتها الصهيونية .
لقد تجاوز العراق تحت قيادة البعث والقائد الشهيد صدام حسين الخطوط الحمر الرئيسية التالية :
1 - كان النفط ومازال هو الهدف الرئيسي لتحالف الشر الغربي الصهيوني وكان العراق هو مالك اكبر احتياطي نفطي .
2 - وكان العراق هو الذي فتح الابواب امام ظاهرة تأميم النفط بنجاح ، وهي ظاهرة تشكل ضربة جوهرية للاحتكارات الراسمالية الغربية .
3 - وكان العراق فقط من تمسك بالمبادئ الاصيلة للثوار العرب وهمها مبدأ تحرير فلسطين من البحر الى النهر دون مساومة او تنازل عن اي جزء منها .
لذلك لم تكن توترات ايران مع امريكا في ظل الشاه الجديد خميني وأتباعه الملتحين سوى لعبة مخابرات للتعتيم على الهدف الحقيقي للغرب الامبريالي والصهيونية وهو القضاء على النظام الوطني التقدمي في العراق ، الذي تجاوز كل الخطوط الحمر الغربية والصهيونية . ان العبرة ليست في الضجيج والصراخ في لعبة صراع الديوك ولا الشعارات بل في النتائج ، ( ان الامور بخواتيمها ) كما قالت العرب ، وما نشهده امامنا هو ان العراق وليس ايران كان الهدف الامريكي – الصهيوني ، وان ايران لم تكن سوى اداة تضليل ولفت نظر عن الهدف – الضحية الحقيقي ، ولعل التعاون الامريكي – الايراني ، حول غزو العراق وقيام ايران بالدور الحاسم والاساسي بعد الدور الامريكي في تحقيق وانجاح واستمرار الغزو ، وقيامها بتفجير اخطر ازمة في الوطن العربي وهي الازمة الطائفية ، الدليل الحاسم الذي يثبت ان ايران لم تكن ولن تكون ، في ظل الملالي ، عدوا حقيقيا للغرب الراسمالي والصهيونية .
والغريب جدا ان عبيد البتروتومان الايراني العرب لا يتجاهلون هذه الحقيقية العيانية الملموسة فقط بل يتجاهلون حتى الوثائق الخاصة بالسياسة الامريكية تجاه منطقتنا ، والتي تؤكد كلها دون استثناء ، ابتداء من سياسة ( الاحتواء المزدوج ) وانتهاء بسياسة ( محور الشر ) على ان العراق هو العدو الذي لا يمكن التحاور معه بل يجب اسقاط نظامه ، اما ايران فانها خصم ثانوي يمكن ويجب حل الخلافات معه بالحوار والضغوط الدبلوماسية وليس بالحرب .
هنا نلاحظ لعبة المخابرات الامريكية وهي تسجل اعظم انجازاتها في تاريخ منطقتنا عن طريق اقناع العديد من المثقفين والساسة العرب بان ايران وليس العراق هي هدف الحملات الامريكية ، وحتى بعد اتضاح الصورة ، وهي ان العراق وليس ايران هو الهدف الرئيسي لامريكا بدليل غزو العراق ومشاركة ايران فيه كطرف ثاني بعد امريكا ، مازل هناك من يدعي بان ايران تشكل خطرا او هي خصم رئيسي لامريكا ! ومن الصعب علينا تصور وجود دافع نظيف لهؤلاء المدافعين عن ايران .
لعبة استبدال المقاومة العراقية ب ( المقاومة اللبنانية )
ان ما يجري في لبنان يقدم لنا انموذجا اخرا يكمل الانموذج الايراني الذي تناولناه وهو انموذج واضح للعبة استبدال الساحة الرئيسية للصراع بساحة ثانوية والتركيز على الثانوية من اجل التقليل من اهمية ساحة الصراع الرئيسية ، ولنوضح هذه المسألة الدقيقة جدا لابد من توضيح بعض الحقائق .
من بين اهم اساليب اضعاف العدو الرئيسي اسلوب عزله عن المحيط الداعم له وتجريده من الحزام الجماهيري الذي يحمي ظهره ، والعزل لا يتم الا بتقليل القيمة واقناع الراي العام بنقص تلك القيمة من اجل أهمال الموضوع الرئيسي وتركيز الاهتمام على موضوع ثانوي وملحق . في الموضوع الرئيسي الذي يعزل ويهمل ، اعلاميا وسياسيا ، تريد قوة الاحتلال تحقيق هدف جوهري وهو اضعاف المقاومة او سحقها بعد تجريدها من المحيط الجماهيري القطري والاقليمي الذي يشكل البيئة الحتمية لمواصلة الثورة والتقدم ، لذلك فان ثمن المبالغة باهمية جبهة ثانوية ، ومهما كان كبيرا ، هو قليل مقارنة بتحقيق مكسب عزل القوة المقاومة في الساحة الرئيسية للصراع .
ان تركيز امريكا واسرائيل على حزب الله في لبنان والتعامل معه كأنه العدو الاول والاهم ، ومع الساحة اللبنانية على انها ساحة الصراع الرئيسي يحقق هدف جوهري وهو اضعاف الطرف الرئيسي في الصراع اوعزله ، وهو هنا العراق المقاوم ، وذلك انجاز كبير في ساحة العراق لا تتحمل الامبريالية الامريكية الهزيمة فيها على الاطلاق ، الا اذا فرضت عليها فرضا . مقابل ذلك فان مشكلة حزب الله مع امريكا واسرائيل لا تسبب ، في كل الاحتمالات ، تغييرا ستراتيجيا رئيسيا في المنطقة لان اهداف حزب الله ، بعد تحرير الجنوب ، اصبحت ثانوية لانه حصرها رسميا باعادة مزارع شبعا ، وهو موضوع ثانوي بالنسبة لامريكا واسرائيل وايران بكل المعايير مقارنة باهمية الصراع على الساحة العراقية .
بل يجب ان نكون اكثر دقة في تحديد طبيعة عمل حزب الله الان ، فبمجرد انتهاء احتلال جنوب لبنان انتهى الدور المقاوم لحزب الله ، وبدء دوره المساوم ، لان الاصل في مقاومته هو احتلال الجنوب وبعد انسحاب اسرائيل منه فرض سؤال مهم نفسه وهو : هل بقي هناك منطق او ضرورة لاعتبار المقاومة لبقاء اسرائيل في مزارع شبعا ، وهي منطقة صغيرة جدا واصغر من الجزر العربية الثلاثة التي تحتلها ايران واقل اهمية ستراتيجية منها ، هي مقاومة رئيسية ؟ ام انها تخضع لتوصيف اخر وهو انها ضغط سياسي يمارسه حزب الله لابقاء صورته محبوبة في الخيال العربي ، وبذلك تضمن ايران بقاء الوضع العربي العام داعما لحزب الله على اساس انه يقاتل اسرائيل ، وهو دعم يجيره حزب الله تلقائيا وحتميا لصالح ايران ، مهما ارتكبت ايران من جرائم بشعة بحق العراق والاقطار العربية كلها بما في ذلك الاحواز ؟
وهنا نحدد قيمة الصراع اللبناني الداخلي والصراع مع اسرائيل الان ، فحزب الله وبعد تحرر الجنوب لجأ الى لعبة خطف الجنود الاسرائيليين او للاحتفال بقضايا ثانوية كتبادل الاسرى والجثث ، ولكن مع تصوير هذه الاحداث الثانوية اعلاميا وكانها رئيسية ( ! ) لابقاء نوع من الحرارة التي تقنع بعض السذج بان الصراع في لبنان هو بين المقاومة ، التي تريد مواصلة العمل ضد الاحتلال مع ان الاحتلال انتهى بشكل رئيسي ، وقوى عميلة للغرب تحاول تجريد المقاومة من السلاح المقاوم مع ان هذه القوى كانت حليفة لحزب الله في مراحل معينة وعاد حزب الله بعد ان خونّها واتهمها باللصوصية والعمالة في الصيف الماضي الى التصالح والتعاون معها ! وكانت حرب عام 2006 التأهيلية ، كحرب اكتوبر عام 1973 لتأهيل السادات للتفاوض مع اسرائيل والاعتراف بها ، اكبر محاولة لابقاء المقاومة المسلحة في لبنان رغم انتهاء وظيفتها ومبرر وجودها المسلح بعد تحرير الجنوب .
لقد تحول حزب الله ، بعد ان اصبح حزب مساومة ، من محاربة الاسرائيليين الى محاربة اللبنانيين واستخدم سلاح ( المقاومة ) لقتل عشرات اللبنانيين وتدمير احياء من بيروت في صيف عام 2008 ، رغم ان حسن نصر الله قد اقسم اكثر من مرة على عدم استخدامه ضد لبنانيين ! انها عملية يائسة للتحول من حزب مقاومة الى حزب مساومة داخل لبنان لتحقيق انقلاب داخلي في التوازن التقليدي لصالح ايران واستخدم السلاح لاجل فرض نفسه ودعم مصالح ايران في لبنان ، ليكون لبنان ساحة صراع بالنيابة بين اللصين الاستعماريين امريكا وايران !
ومن الضروري اعاد التذكير ببعض الحقائق التي تحدد الهوية والدور الحقيقيين لحزب الله :
1 – ان ايران هي الشريك الرئيسي للامبريالية الامريكية في غزو وتدمير العراق ومحاولة اقامة نظام عميل مستقر فيه ، والدليل العملي الواضح على صحة هذه الحقيقة هو ان الحكومات المتعاقبة منذ الغزو ايرانية الهوى والتبعية .
2 – ان ايران تلتقي ستراتيجيا مع الامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني حول خطة ستراتيجية خطيرة وقديمة وهي تفتيت الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية ، وهذه الخطة لم تنجح لا امريكا ولا الكيان الصهيوني في تحقيها ، كليا او جزئيا ، رغم مرور عقود من الزمن على تبنيها ، لكن ايران ، وايران فقط ، هي التي نجحت في اثارة اكبر واخطر فتنة طائفية في التاريخ العربي والاسلامي تجسدت في جعل الدعوة الطائفية الصفوية التشيعية ، ومقابلها ورد فعلها الطبيعي الطائفية التسننية ، هي الطبيعة الغالبة في ساحة الاعلام وبعض مظاهر الصراع ، اما الانطمة العربية الطائفية فانها فشلت في أثارة فتنة طائفية لانها مرتبطة عضويا بالامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني ، الامر الذي يجردها من التأثير الكبير .
ان ثمة تغيير خطير تشهده الساحة اللبنانية من اهم مظاهره تأسيس ميليشيات لبنانية سنية مسلحة لاول مرة في لبنان مثل ( جند الشام ) و( فتح الاسلام ) خصوصا في شمال لبنان ، حيث دارت وتدور معارك شرسة نقلت لبنان الى مرحلة خطيرة جدا ، واستند منطق تاسيسها اساسا على انه رد فعل على وجود ميليشيا طائفية شيعية مسلحة اخذت ( تشكل خطرا مباشرا عليها ) ، خصوصا بعد احتلال حزب الله لبيروت في صيف عام 2008 بالعنف والقتل على اساس طائفي ، تماما كما فعل توأم حزب الله في الطائفية الدموية جيش المهدي في بغداد في عام 2006 . من هنا فان نشوء ميليشيا سنية ماكان له ان يتحقق لولا وجود حزب الله كقوة طائفية صرفة ورسمية وفعلية مسلحة اقوى من الدولة ، ولا تخفي نيتها في تغيير المعادلة اللبنانية بالقوة وبتجاهل تام لكافة مكونات لبنان .
والسؤال الجوهري هنا هو : ايهما اهم بالنسبة للامبريالة الامريكية والصهيوينة جعل العرب منغمسين في صراع طائفي مدمر لقوتهم ولوحدتهم ، ام السماح لايران بتحقيق مكاسب ثانوية – مقارنة بمكاسب امريكا واسرائيل – مقابل نجاحها في شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية ؟ من المؤكد ان امريكا والكيان الصهيوني يريان في الفتنة الطائفية انجازا كبير وستراتيجيا تستحق ايران بموجبه ان تكون شريكا اقليميا لها مباشرة او بصورة غير مباشرة في خطة تفتيت الامة العربية قطرا بعد قطر ، في اطار تنفيذ سايكس – بيكو رقم 2 التي نرى الان خطواتها الخطيرة تنفذ على يد ايران وبدعم امريكي – صهيوني كامل .
3 – وهنا ياتي التعامل الستراتيجي والاستخباري مع ( سر ) حزب الله في لبنان ، فهذا الحزب وظيفته الاساسية والاعظم هي تلميع وجه ايران الملالي وابقاء خط فاصل يميزها عن ايران الشاه ، لان ايران الشاه ونتيجة لسياساتها الامبريالية ومطامعها في الاقطار العربية ، تحت شعارات نظام قومي فارسي علني ورسمي ، فشلت في كسب اي تكتل شعبي عربي وكانت سياستها القومية المباشرة احد اهم اسباب انتفاء حاجة امريكا والكيان الصهيوني لنظام الشاه . وفي ضوء هذه الحقيقة فان المصلحة الامريكية والصهيونية المشتركة فرضت دعم قيام نظام في ايران يستطيع اختراق منطقة الصراع الرئيسي ، وهي الاقطار العربية ، ويشرذم قواها ويجبرها على خوض صراعات طائفية مدمرة تستنزف قواها وتجعلها فريسة سهلة بالنسبة للضبعين الامريكي والصهيوني ، وهذا النظام هو نظام رجال يتسترون بالدين والطائفية ويستخدمون قضايا العرب الاساسية ، واهمها فلسطين ، لاجل تشكيل صورة جديدة لايران مقبولة في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، وقادرة على ممارسة نفوذ داخل الاقطار العربية ، من خلال خيول طروادة عرب يرددون ان ايران خميني تقف الى جانب الحق الفلسطيني لذلك يجب دعمها ! لقد قام حزب الله بالدور الحاسم في تجنيد الكثير من المثقفين والساسة العرب لصالح ايران فقط بفضل سمعته الطيبة القائمة على محاربة اسرائيل وامواله الكثيرة التي تدفعها له ايران لشراء الضمائر في الوطن العربي !
مما لاشك فيه ان تلك الخطوة كانت مجرد مقدمة لتأهيل ايران لتكون قادرة على اختراق الاقطار العربية ، بغطاء فلسطيني وعربي وفره حزب الله بالدرجة الاولى ، لكن السياسات الايرانية التي تحولت من التستر بالاسلام ومحاربة الشيطانين الاكبر والاصغر ( امريكا واسرائيل ) الى سياسات توسعية عنصرية على حساب العرب ، وكانت ذروة الفضيحة الايرانية هي غزو العراق ودورها الاساسي والحاسم فيه ، الامر الذي فرض الحاجة لتجميل وجه ايران بطرق اخرى ، فكان حزب الله هو ( الماكيير ) المدرب على تجميل وجه ايران ، بعملياته الاستعراضية ضد اسرائيل ، والتي تجيّر كليا ورسميا لصالح ايران ومنطقها ودعايتها .
ان الصلة التوافقية بين حزب الله والتوسع الامبريالي الامريكي – الصهيوني واضحة على المستوى الستراتيجي ، وان كانت مخفية ومموهة على المستوى التكتيكي ، فهو يتكفل بتحويل الانظار ، منذ انتهى دوره كحزب مقاوم بتحرير جنوب لبنان ، من العراق الى لبنان لاجل التعتيم على الثورة العراقية المسلحة والتقليل من دورها وقيمتها ، من جهة ، وهو الملكلف رسميا بصفته حزب ولاية الفقيه ، بتوفير غطاء تحرري لايران مع انها تمارس دورا استعماريا امبرياليا في العراق وتجاه اقطار الخليج العربي ، من جهة ثانية !
ان حزب الله اصبح الضمانة الوحيدة لايران كي تستمر في مواصلة سياستها التوسعية القومية الاستعمارية ، ولكن المتسترة بغطاء طائفي صفوي ، على حساب الامة العربية دون رد فعل عربي كامل ومتفق عليه بين الجميع ضد ايران ، من خلال احتفاظ الحزب بدعم من جندهم من الاعراب ! والسبب هو تبعية حزب الله الصارمة والتامة لمرجعيته في ايران ودعم الاخيرة له بمال مفتوح الحساب كي يمول من جندهم من الاعراب . ومن المستحيل هنا تجاهل دعم عناصر فلسطينية لايران ولنفس السبب : المال الايراني الذي يتدفق بكرم عليها لاجل تحويل الصراع من صراع لتحرير فلسطين الى حالة الاحتراب الفلسطيني – الفلسطيني وحالة الصراع الطائفي في فلسطين ، التي لم تعرف الطائفية حتى تعاظم قوة تيارات فلسطينية اسلاموية ، وهذا الدعم لايران ، من قبل حزب الله وعناصر فلسطينية ، يتخذ غطاء ايرانيا لمواصلة تدمير العراق ونشر الفتن الطائفية في الاقطار العربية .
وعلينا الان ان نكرر السؤال المنطقي التالي : لنفترض ان حزب الله غير موجود وان ايران تمارس سياستها التوسعية الاستعمارية الحالية تجاه البحرين والجزر العربية المحتلة اوالاحواز المحتلة ، وتواصل تعاونها مع امريكا في غزو العراق ودعم غزو افغانستان هل كان احد من العرب ، خصوصا الوطنيين ، قادرا على المجاهرة بدعم ايران والدفاع عنها وعن مشروعها النووي مع انها تقوم بدور استعماري توسعي معاد للعرب اكثر واخطر من دور نظام الشاه ؟
ان الجواب الواضح والحاسم هو ان ايران لم تكن لتستطيع ان تكسب احدا من العرب كنظام الشاه تماما لو ان حزب الله لم يكن موجودا بسمعته كمناضل ضد الكيان الصهيوني . ان من لا ينظر الى دور حزب الله من هذه الزاوية الستراتيجية يفقد البوصلة التي تمكنه من اختيار الموقف الصحيح من ايران وحزب الله .
ان الموقف من القضية الفلسطينية الذي يتخذه حزب الله ليس قائما على تحرير فلسطين ، وهو امر يعترف به حسن نصر الله ، بل انه تكيتك واضح لحماية ايران من رد الفعل العربي تجاه اعمال وسياسات لا تختلف عن سياسات الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية . وليقل لنا اي عاقل عربي ما الفرق بين احتلال الصهيونية لفلسطين واحتلال ايران للاحواز ؟ اليست الاحواز ارض عربية ؟ وما الفرق بين احتلال ايران للجزر العربية واحتلال اسرائيل للجولان السورية وحيفا الفلسطينية ؟ وما الفرق بين احتلال امريكا للعراق واحتلال ايران له مشاركة مع امريكا ؟ ان ايران تحتل اراض عربية اكثر واكبر مما تحتل اسرائيل ، والاحواز وحدها اكبر من فلسطين والجولان والضفة الغربية وغزة سكانيا وجغرافيا ، وهي تمتد من جنوب العراق الى عمان في الضفة الشرقة للخليج العربي ، وان ايران تخترق الاقطار العربية بالفتن الطائفية ، تحت غطاء اسلامي او طائفي زائف ، في حين ان اسرائيل عاجزة عن ذلك لانها كيان معاد رسميا وتقليديا للعرب . فهل تعني هذه الحقائق ان ايران اسلامية وتدعم النضال الفلسطيني ؟ وهل هذه الحقيقة تسمح لحزب الله لو كان عربيا وولاءه للبنان والامة العربية ان يواصل ، هو والعناصر الفلسطينية ، دعم ايران رغم كل جرائمها الفظيعة بحق الامة العربية ؟
بعد لعبة استبدال ايران ، وهي طرف ليست له تناقضات اساسية مع الامبريالية والصهيونية ، بالعراق ، وهو الطرف الذي يشكل القوة الاساسية في الصراعين الاساسيين ، وهما صراع النفط والصراع العربي الصهيوني ، نجد انفسنا امام لعبة تقليدية اخرى لمحاصرة مركز الثورة الاساسية في العراق ، والذي يشكل الانتصار فيه دحرا شاملا للنظام الامبريالي برمته وعلى مستوى كوني ، والمحاصرة تتم عن طريق التعتيم على عمليات المقاومة في العراق وتشويه دورها الحقيقي ، واهماله ليبدو كانه غير مهم وان البيانات الامريكية التي تدعي تحسن الوضع الامني في العراق صحيحة ! ومقابل ذلك يجري التركيز على مركز اخر ثانوي ، ستراتيجيا ، وليس سياسيا او عسكريا ، والذي لا تشكل الهزيمة الامريكية فيه دحرا شاملا وكونيا للنظام الامبريالي الامريكي ولا خسارة اقتصادية عظمى ، لانه مركز مشاغلة وممارسة ضغوط ، وهو الساحة اللبنانية ، على اساس ان الاستعمار والامبريالية هما جوهريا ظاهرتين اقتصاديتين ، والعراق هو مخزن الاقتصاد وليس لبنان ، والعراق هو مركز مقاومة الكيان الصهيوني الثابت والاساسي وليس لبنان .
ان الوظيفة الاساسية لهذا التحويل المصطنع هي نقل الانتباه الى المركز الثانوي ، وهو لبنان ، وتصوير الازمة فيه كأنها الازمة المركزية في المنطقة كلها والاكثر اهمية من المركز الرئيسي الحقيقي للمقاومة والثورة المسلحة وهو العراق ، وهكذا فان الصراع في لبنان ، وحول لبنان ، لن يقود الى تغييرات جيوستراتيجية رئيسية في المنطقة بل سوف يبقى عبارة عن صراع بالنيابة تخوضه امريكا وايران من اجل اعادة توزيع الغنائم بينهما في العراق وبقية الاقطار العربية وسينتهي حالما يتم الاتفاق بين الطرفين الاستعماريين .
وهنا يجب ان يتذكر الجميع واقعة تؤكد ما ذهبنا اليه وهي قيام حزب الله باحتلال بيروت بانقلاب عسكري دموي فظ بشكل بدى مفاجئا للبعض ، وكان سببه المعلن والرسمي هو قرار الحكومة اللبنانية نقل الضابط المسؤول عن مطار بيروت الى وظيفة اخرى لانه كان مواليا لحزب الله وكان يسمح بهبوط طائرات ايرانية محملة بمئات ضباط المخابرات الايرانية والاجهزة السرية بشكل دوري ودون تدقيق او رقابة ، اضافة لمنظومة الاتصالات الخاصة بحزب الله ، وهاتان الحالتان شكلتا الغاء فعليا للدولة ، لذلك جاء نقل الضابط وقرار التحقيق بمنظومة الاتصالات دافعا قويا للقيام بالانقلاب الدموي في بيروت ، لضمان عدم قطع الطريق على ايران لمواصلة بناء نفوذها في لبنان .
ولكن وبعد ان نجحت طهران وواشطن في الاتفاق حول خطة اولية لتقاسم المنطقة ، والتي سربت معلومات عنها مؤخرا ، عاد حزب الله باوامر ايرانية جديدة للتصالح مع وليد جنبلاط وسعد الحريري وسمير جعجع مع ان حسن نصر الله قد اتهمهم بالعمالة واللصوصية والكذب ! لقد نفذ حزب الله اوامر ايران بابقاء المطار ومنظومة الاتصالات وعدم الغاءهما او وضعهما تحت سيطرة الحكومة ، لانهما من اهم طرق استمرار تدفق الايرانيين على لبنان ، وما ان اتفقت امريكا وايران حتى صدرت اوامر جديدة تطلب من حسن نصر التصالح مع من وصفهم بالعملاء واللصوص والكذابين !
اما فضيحة من جندهم حزب الله من العرب فهي انهم شنو حملات شعواء ضد جنبلاط والحريري ورئيس الوزراء ، ومن دافع عنهم او تعاون معهم ، لكنهم وجدو ان حزب الله ، ولي نعمتهم ومصدر اموالهم وممول مكاتبهم ومقرات احزابهم الكارتونية ، يتراجع ويتصالح دون تفسير مقنع لهذا التغيير الجوهري ! انها العمالة والارتزاق في اكثر اشكالهما حقارة ودونية وهذا هو سر صمتهم على التصالح الاخير بين (عملاء ايران ) و(عملاء امريكا ) في لبنان !
وربما سيأتي من يقول : ولكن لم هذا التمييز بين المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية مع انهما يقاتلان اعداء الامة ؟ الايفترض ان تتوحد المقاومة العراقية مع المقاومة اللبنانية ؟ ان جوابنا هو كالاتي : ان الاحداث الواقعية خصوصا منذ احتلال العراق قد اكدت بالقطع والمواقف والوثائق ان حزب الله ما هو الا اداة ايرانية ، في المقام الاول وقبل كل شيء ، وانه لا يعمل او يتحرك من دون اوامر من مراجعه الايرانية ولخدمة ايران وليس لبنان او فلسطين او اي قضية عربية ، لذلك فان دعوات المقاومة العراقية وانصارها لحزب الله للتعاون بينهما ، بشرط ادانة الدور الايراني في العراق ، قد فشلت واختار هذا الحزب صراحة ولاءه لايران دون ادنى تردد او غموض !
لقد وصلت تبعية حزب الله لايران لدرجة مقرفة ، ففي لعبته الاستعراضية الاخيرة ، وهي تبادل الاسرى والجثث ، قدم نتائجها العاطفية والسياسية والدعائية هدية لايران مباشرا وصراحة ، بدليل ان المستقبل الخامس للاسرى ، بعد رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ونائب الامين اعام لحزب الله ، كان ممثل ايران الرسمي حسين شيخ الاسلام ، وبعده وقف رؤوساء الوزراء السابقون والوزراء الحاليون وبقية قادة لبنان ! ان السؤال الذي فرض نفسه على الجميع كان : ما صلة ممثل ايران باستقبال اسرى عرب ولبنانيين ؟ ولم تعمد حزب الله وضعه قبل الوزراء والقادة اللبنانيين ؟ اليس للايحاء بانه لولا ايران لما تمكن حزب الله من تحقيق اطلاق الاسرى وتبادل الجثث ؟
اذن وفي ضوء ما تقدم يمكن ان نفهم لعبة التضليل الاخرى التي تنفذها المخابرات الامريكية ، بالتزامن مع ادعاء تراجع المقاومة العراقية ، وهي التركيز على ان الجبهة الرئيسية للحرب الان هي افغانستان وان العراق لم يعد الساحة الرئيسية ، وهو ما اكده اوباما واعتمد عليه في محاولته اضعاف الحزب الجمهوري . والغريب ان هذا التصريح قد اقترن بهجرة واسعة النطاق لبعض القوى التكفيرية من العراق الى افغانستان رغم ان الصراع في العراق يتطلب المزيد من قوات المقاومة لاجل مواصلة الضغط على امريكا عسكريا وزيادته ، لتحقيق اقصى استفادة من حالة اليأس والاستنزاف التي تعرض لها الجيش الامريكي منذ عام 2003 ووصلت ذروتها في عام 2005 !
واذا تذكرنا حقيقة ستراتيجة واضحة وهي ان افغانستان لم تكن ولن تكون الا ساحة حرب وسيطة ، اي انها تعاني من الصراع لوقوعها بين اهم مكامن النفط : الخليج العربي وبحر قزوين ، اما هي فهي بلد فقير وبلا نفط ويشكل عبئا على من يتولى السيطره عليه لكنه مهم لوقوعه قرب ، اوعلى طريق مسارات انابيب النفط ، اذا تذكرنا ذلك نفهم ابعاد لعبة تحويل الانظار من العراق ، حيث يمكن حسم الصراع والحاق هزيمة ستكون مدمرة الاثار على امريكا ، الى افغانستان ، حيث لن تكون هزيمة امريكا فيها ستراتيجية ولن تخسر شيئا جوهريا . وهذه حقيقة معروفة ولا تحتاج لاثبات . ان النفط ليس في افغانستان بل في العراق ، والحرب هي حرب نفط ، ولكون النفط قريبا من افغانستان تم احتلالها بحجة واهية وهي هجمات 11 – سبتمبر عام 2001 لاجل تسهيل فرض السيطرة الشاملة على محيط وطرق ومقتربات مكامن النفط . وهذه حقيقة اكدتها المصادر الامريكية مرارا ، ونكتفي بما قاله د. فؤاد عجمي ، وهو مفكر ستراتيجي امريكي من اصل لبناني من المحافظين الجدد ، من ان مركز الثقل في السياسة الخارجية الامريكية انتقل من الصراع العربي – الاسرائيلي الى العراق ( المصدر قناة الجزيرة 2 / 1 / 2006 ) .
بهذا المعنى فان افغانستان ليست الساحة الرئيسية للصراع وان امريكا اذا خسرت الحرب فيها لن تتعرض لكارثة ستراتيجية على الاطلاق ، بل يمكن تفسير الهزيمة بطرق عديدة بعكس العراق ، والدليل الحاسم على صحة ذلك هو ان امريكا لم ترسل في البداية الى افغانستان الا 15 الف جندي مع انها ارسلت للعراق اكثر من 150 الف جندي ( عشرة اضعاف المرسل الى افغانستان ) واكثر من 120 الف مرتزق من الشركان الخاصة ، اضافة لقوات الحلفاء الاوربيين وغيرهم ، ثم زادت عدد قوتها في افغانستان الى 30 الف وبنفس الوقت ازداد عدد القوات المحتلة في العراق الى حوالي نصف مليون جندي امريكي وغير امريكي .
الا تعكس هذه الارقام القيمة الحقيقية ستراتيجيا لكل من افغانستان والعراق ؟ من المؤكد ان العراق هو البلد الاكثر اهمية في خطة اقامة امبراطورية عالمية امريكية ، ولذلك فان امريكا بحاجة لاتباع كل الطرق لضمان ابقاء احتلاله واستثمار هذا الاحتلال لتحقيق مكاسب اقتصادية وستراتيجية .
اذن لم تبرز الحرب في افغانستان الان ويعتم على الحرب في العراق ؟ ما معنى الهروب الى افغانستان ؟ هل ادعاء تراجع المقاومة في العراق وتصاعدها في افغانستان محاولة امريكية لامرار الهزيمة في العراق ؟ ولماذا ؟ هل جبهة افغانستان هي الجبهة الرئيسية حقا رغم الاعترافات المتكررة بان العراق وليس افغانستان هو جبهة الحرب الرئيسية ؟ هل تصلح افغانستان لتكون جبهة رئيسية مع انها ساحة حرب ملحقة بقرار السيطرة على مناطق اخرى ؟
في ضوء ما شرحناه عن تكتيكات امريكا مع ايران وفي لبنان يمكننا ان نفهم حقيقة اساسية وهي ان التركيز على افغانستان مصمم لاجل اكمال فرض مؤامرة صمت قاتل على العراق ، وعزله عربيا وعالميا وامريكيا ومواصلة عمليات الابادة والتدمير الشامل للبشر والحجر . بخنق العراق اعلاميا وسياسيا وسايكولوجيا تعتقد المخابرات الامريكية ان ذلك قد يقود الى ارباك الثورة المسلحة في العراق وهز ثقة الثوار بمستقبلها ، ان افغانستان تبقى ساحة صراع ثانوي لسبب حديدي معروف وهو انها بلد فقير وان العراق بلد غني بل ان السيطرة الثابتة والكاملة عليه احد اهم شروط نجاح امريكا في اقامة امبراطوريتها الكونية .
يتبع
نهاية رمضان – ايلول – سبتمبر 2008
salahalmukhtar@gmail.com
مثل عالمي
صلاح المختار
لعبة نقل التركيز الى أفغانستان
أطلق العديد من المسؤولين الامريكيين تصريحات مريبة حول قيمة افغانستان وحول الوضع فيها ، فقد قال جيتس ، وزير الحرب الامريكي ، ان المقاومة في أفغانستان تتصاعد , وطلب القادة مزيدًا من القوات لمواجهة هذا التصاعد في الهجمات من قبل حركة طالبان ، وصرح الأميرال مايكل مولين ، كبير مستشاري جيتس ، بأنه غير مقتنع بأن بلاده تكسب الحرب في أفغانستان . وقال إنه أمر الجيش بوضع إستراتيجية جديدة . ووصف مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة ، قرار إرسال 4500 جندي إلى أفغانستان بأنه " جيد وبداية مهمة رغم أنه أقل بكثير من العدد الذي طالب به القادة وهو إرسال نحو 10 آلاف جندي " . وكان الجنرال ديفيد ماكيرنان القائد الأمريكي البارز في أفغانستان ، قد طالب بإرسال ثلاثة ألوية أي نحو عشرة آلاف جندي ، إلا أن جيتس اعتبر أن " القوات الإضافية وحدها لن تحل المشكلة " (وكالات الانباء الأربعاء 10- 9- 2008 ) .
نعم هناك تصاعد في عمليات المقاومة الافغانية ، ونعم امريكا بحاجة للمزيد من القوات فيها ، ولكن : لم تعترف امريكا بتصاعد المقاومة في افغانستان وتهمل التصاعد في العراق ؟ بتعبير اخر : لم تعظّم امريكا العمليات في افغانستان ، وهي عظيمة دون ادنى شك ، وتقزمها في العراق مع انها أعظم من افغانستان ؟
أشكال من لعبة التمويه الاستخبارية
في الحرب هناك علم وفن بدونهما لا يمكن كسب الحرب ، ومن بين اهم فنون الحرب خداع العدو بالتمويه على منطقة الحرب الاساسية عن طريق حشد قوات او شن هجمات في منطقة ليست هي مكان معركة الحسم من اجل تسهيل التغلب على العدو . وفي المخابرات هناك علم وفن ايضا بدونهما يصبح الصراع لعبة اطفال سذج ، ومن بين اهم فنون المخابرات تضليل العدو بالتركيز على موضوع ثانوي او شخص ثانوي من اجل عدم كشف الموضوع الرئيسي او حماية الشخص الرئيسي . واذا درسنا تأريخ حروب الولايات المتحدة الامريكية فاننا سنلاحظ بسهولة ان المخابرات تلعب دورا اساسيا فيها اخطر من القوات المسلحة ، فهي التي تمهد للحرب عبر الاعلام ونشر المعلومات لتضليل العدو او الراي العام وجعله يقبل خيار الحرب ، وهي التي تجعل ممكنا تجنب الكشف عن الهدف الحقيقي للحرب او التأزم الحاد لجعل الضحية – الهدف متراخيا ولا يستعد لتلقي الضربة الرئيسية او الوقاية منها .
ولتوضيح ألاهمية الحقيقية للمقاومة المسلحة في افغانستان في الصراعات الاقليمية والدولية الحالية ، وكيفية استخدام المخابرات الامريكية لموضوعها كوسيلة للتعتيم على الثورة العراقية او التقليل من شأنها ، سنتناول مثالين مهمين وهما مثال ايران ومثال حزب الله لانهما مناسبان جدا لتوضيح كيفية تحويل ساحة صراع من ساحة رئيسية ( العراق ) الى ساحة ثانوية ، في الاعلام والسياسة طبعا ، والعكس صحيح ، وهو تحويل ساحة صراعات ثانوية كايران ولبنان الى ساحتي صراع رئيسي ، طبعا في الاعلام ايضا ، واقناع زمر من الساسة والمثقفين بذلك لاجل الاستماتة في الدفاع عن ايران وحزب الله ، من منطلق معاد للامبريالية الصهيونية مع انهما ( اي ايران وحزب الله ) من اشد اعداء حركة التحرر الوطني العربية خطورة ، والطرفين الاكثر خدمة وتنفيذا لمخطط شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية عرقية وهو مخطط امريكي – صهيوني معروف !
لعبة ابراز ايران والتعتيم على العراق
ان كيفية غزو العراق تقدم لنا صورة واضحة لهذه الاساليب التضليلية ، فلقد تمت عملية التعتيم على خطة غزو العراق عبر اساليب مدروسة من بينها الايحاء للعالم كله ، وللعراقيين بشكل خاص ، بأن محط تركيز امريكا وهدفها الرئيسي هو ايران وليس العراق ، رغم ان امريكا قررت منذ تأميم النفط في عام 1972 ( احتواء ) العراق بالضغط والاغراءات والتأمر الداخلي ، واذا فشل ذلك فان الغزو او تقسيم العراق هما الحل ، وهي حقيقة نشرت تقارير عنها منذ عام 1973 .
احسبو وادرسو عدد التهديدات والتأزمات والازمات الكبيرة التي وقعت بين امريكا وايران منذ اسقاط الشاه ، بمساعدة مباشرة من المخابرات الامريكية والبريطانية ، وقارنوها بالتوترات بين العراق وامريكا بين عامي 1973 و1990 وهي محدودة وغير ساخنة غالبا ، ستكتشفون ان العداء لايران ظاهريا والتهديدات الموجهة لها كانت تهديدات ومناورات وازمات مفتعلة لا نظير لها في منطقتنا كلها ، بل ربما في العالم كله ، وانها لم تؤدي الى حرب او صراع مسلح بين امريكا وايران رغم ضخامتها الاعلامية والسياسية ، اكثر من ذلك ، وفي اطار المفارقات ، تخللت صراع الديوك المسرحي بين امريكا وايران ظاهرة التعاون بينهما ضد طرف لم يكن يحتل ، أعلاميا وسياسيا فقط طبعا ، في التوترات الامريكية في المنطقة موقعا أبرز من موقع ايران في التوترات وهو العراق . والسبب واضح جدا الان فلقد كان مطلوبا التأمر على العراق بسرية تامة ، او بتعمد عدم التصعيد والحرص على عدم اعطاء اشارة الى العراق والشعب العربي كله تقول بان العدو الاساسي الذي تستهدفه امريكا هو العراق ، بل كان يجب ترويج انطباع قوي بانه ايران ، لاجل منع بروز ردود فعل عراقية او عربية متحوطة ومتضامنة مع العراق ، وطمأنة الضحية !
في هذه اللعبة الاستخبارية المدروسة بدقة كانت امريكا وبريطانيا قد قررتا منذ عام 1972، وهو عام تأميم النفط العراقي ، ان العدو الرئيسي هو العراق ولكنهما ولاجل تضليل الضحية ، اي العراق ، وخداع الراي العام سخنتا الوضع في ايران ، بعد الفشل في اسقاط النظام الوطني في العراق بين عامي 1973 و1977 وفجرتا ( ازمة ) حقوق الانسان في ايران في عام 1977 واطلقتا يد الملالي لاجل السيطرة على الانتفاضة الشعبية الصادقة ضد الشاه ، التي بدأت تتعمق وتتوسع في عام 1978، والتي نظمتها وفجرتها بالدرجة الاولى منظمتين ذبحتا بعد الثورة واسقاط الشاه على يد الطارئ على الثورة الايرانية الديكتاتور الدموي و( ظل الله في الارض ) بموجب ولاية الفقيه ، خميني ، وهما منظمة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيي خلق .
لقد كان الهدف المركزي من وراء اسقاط الشاه هو تحويل ايران ، المشحونة بعوامل الرفض التام والحاسم للشاه والغرب ، من مشروع ثورة تحررية ضد الامبريالية والصهيونية الى الاداة الرئيسية في القضاء على النهج التحرري الوطني للعراق ، دون ان تخسر امريكا شيئا ، كمقدمة لالقاء الاقطار العربية كلها في جحيم صراعات مذهبية وعرقية تحرر الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية من عناء وخسائر ومخاطر توجه كل طاقات واسلحة حركة التحرر الوطني العربية اليهما وتجبرها ( الاقطار العربية ) على اعتبار ايران الملالي هي الخطر المباشر والرئيسي الذي يجب الرد عليه ، وانزال مرتبة خطر امريكا والكيان الصهيوني الى درجة ثانوية ، من جهة ، وتحويل الثورة الايرانية ، التحررية الطابع عند انطلاقتها ، الى دعوة لنشر مذهب بالقوة باسم ( الثورة الاسلامية ) تنشغل بها ايران عن ( محاربة الامبريالية والصهيونية ) ، وهو الشعار الاساسي لها الذي ضللت الجماهير العربية به ، وتقود هذه الدعوة الى اشعال حروب وازمات بين المسلمين انفسهم فتتحرر الامبريالية والكيان الصهيوني من ضغط العرب عليهما ، ويجهض مشروع تحرير ايران وبناء مجتمع عادل ومسالم فيها يتعايش مع جيرانه العرب ، من جهة ثانية .
أذن ارادت امريكا ، من وراء ابعاد الثوار الحقيقيين واحلال رجل عنصري حاقد على الامة العربية في قيادة الثورة الايرانية ، ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد :
1- أسقاط تجربة النهضة القومية العربية التحررية الناجحة في العراق .
2- اجهاض مشروع الثورة التحررية في ايران .
3 - تحويل الصراع من صراع ضد الامبريالية الامريكية والصهيوينة الى صراع اسلامي – اسلامي ( الحرب العراقية الايرانية ) ، ثم الى صراع سني - شيعي يجتاح الاقطار العربية ويقسمها ، في اطار سايكس – بيكو رقم الثانية .
الا تستحق زمرة الملالي بزعامة خميني ان توصل الى السلطة في ايران ، من وجهة نظر الستراتيجيتين الامريكية والصهيونية ، اذا كانت وظيفتها الاساسية الفعلية تحقيق الاهداف التي ذكرناها ؟ وهل يمكن انجاز هذه الاهداف من دون اضفاء هوية تحررية زائفة على خميني ونهجه الظلامي ؟
لقد اثبتت التجربة التاريخية منذ اسقاط الشاه وحتى غزو العراق ما يلي : بأزاحة الثوار الحقيقيين ضد الشاه ، وفي مقدمتهم مجاهدي خلق وفدائيي خلق ، وهيمنة الملالي على ايران بالحديد والنار امنت امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني تحويل ايران الى حادلة كبيرة اريد منها ازالة ( العقبة العراقية ) من طريق الهيمنة الامريكية على النفط العراقي مجددا ، والقضاء على النظام الوطني والوحيد الذي بقي يرفض الصلح مع الكيان الصهيوني والاعتراف به ، تمهيدا لاحداث انقلاب شامل في كل الشرق الاوسط ( الوطن العربي زائدا ايران وتركيا والكيان الصهيوني ) لصالح الامبريالية الامريكية وحليفتها الصهيونية .
لقد تجاوز العراق تحت قيادة البعث والقائد الشهيد صدام حسين الخطوط الحمر الرئيسية التالية :
1 - كان النفط ومازال هو الهدف الرئيسي لتحالف الشر الغربي الصهيوني وكان العراق هو مالك اكبر احتياطي نفطي .
2 - وكان العراق هو الذي فتح الابواب امام ظاهرة تأميم النفط بنجاح ، وهي ظاهرة تشكل ضربة جوهرية للاحتكارات الراسمالية الغربية .
3 - وكان العراق فقط من تمسك بالمبادئ الاصيلة للثوار العرب وهمها مبدأ تحرير فلسطين من البحر الى النهر دون مساومة او تنازل عن اي جزء منها .
لذلك لم تكن توترات ايران مع امريكا في ظل الشاه الجديد خميني وأتباعه الملتحين سوى لعبة مخابرات للتعتيم على الهدف الحقيقي للغرب الامبريالي والصهيونية وهو القضاء على النظام الوطني التقدمي في العراق ، الذي تجاوز كل الخطوط الحمر الغربية والصهيونية . ان العبرة ليست في الضجيج والصراخ في لعبة صراع الديوك ولا الشعارات بل في النتائج ، ( ان الامور بخواتيمها ) كما قالت العرب ، وما نشهده امامنا هو ان العراق وليس ايران كان الهدف الامريكي – الصهيوني ، وان ايران لم تكن سوى اداة تضليل ولفت نظر عن الهدف – الضحية الحقيقي ، ولعل التعاون الامريكي – الايراني ، حول غزو العراق وقيام ايران بالدور الحاسم والاساسي بعد الدور الامريكي في تحقيق وانجاح واستمرار الغزو ، وقيامها بتفجير اخطر ازمة في الوطن العربي وهي الازمة الطائفية ، الدليل الحاسم الذي يثبت ان ايران لم تكن ولن تكون ، في ظل الملالي ، عدوا حقيقيا للغرب الراسمالي والصهيونية .
والغريب جدا ان عبيد البتروتومان الايراني العرب لا يتجاهلون هذه الحقيقية العيانية الملموسة فقط بل يتجاهلون حتى الوثائق الخاصة بالسياسة الامريكية تجاه منطقتنا ، والتي تؤكد كلها دون استثناء ، ابتداء من سياسة ( الاحتواء المزدوج ) وانتهاء بسياسة ( محور الشر ) على ان العراق هو العدو الذي لا يمكن التحاور معه بل يجب اسقاط نظامه ، اما ايران فانها خصم ثانوي يمكن ويجب حل الخلافات معه بالحوار والضغوط الدبلوماسية وليس بالحرب .
هنا نلاحظ لعبة المخابرات الامريكية وهي تسجل اعظم انجازاتها في تاريخ منطقتنا عن طريق اقناع العديد من المثقفين والساسة العرب بان ايران وليس العراق هي هدف الحملات الامريكية ، وحتى بعد اتضاح الصورة ، وهي ان العراق وليس ايران هو الهدف الرئيسي لامريكا بدليل غزو العراق ومشاركة ايران فيه كطرف ثاني بعد امريكا ، مازل هناك من يدعي بان ايران تشكل خطرا او هي خصم رئيسي لامريكا ! ومن الصعب علينا تصور وجود دافع نظيف لهؤلاء المدافعين عن ايران .
لعبة استبدال المقاومة العراقية ب ( المقاومة اللبنانية )
ان ما يجري في لبنان يقدم لنا انموذجا اخرا يكمل الانموذج الايراني الذي تناولناه وهو انموذج واضح للعبة استبدال الساحة الرئيسية للصراع بساحة ثانوية والتركيز على الثانوية من اجل التقليل من اهمية ساحة الصراع الرئيسية ، ولنوضح هذه المسألة الدقيقة جدا لابد من توضيح بعض الحقائق .
من بين اهم اساليب اضعاف العدو الرئيسي اسلوب عزله عن المحيط الداعم له وتجريده من الحزام الجماهيري الذي يحمي ظهره ، والعزل لا يتم الا بتقليل القيمة واقناع الراي العام بنقص تلك القيمة من اجل أهمال الموضوع الرئيسي وتركيز الاهتمام على موضوع ثانوي وملحق . في الموضوع الرئيسي الذي يعزل ويهمل ، اعلاميا وسياسيا ، تريد قوة الاحتلال تحقيق هدف جوهري وهو اضعاف المقاومة او سحقها بعد تجريدها من المحيط الجماهيري القطري والاقليمي الذي يشكل البيئة الحتمية لمواصلة الثورة والتقدم ، لذلك فان ثمن المبالغة باهمية جبهة ثانوية ، ومهما كان كبيرا ، هو قليل مقارنة بتحقيق مكسب عزل القوة المقاومة في الساحة الرئيسية للصراع .
ان تركيز امريكا واسرائيل على حزب الله في لبنان والتعامل معه كأنه العدو الاول والاهم ، ومع الساحة اللبنانية على انها ساحة الصراع الرئيسي يحقق هدف جوهري وهو اضعاف الطرف الرئيسي في الصراع اوعزله ، وهو هنا العراق المقاوم ، وذلك انجاز كبير في ساحة العراق لا تتحمل الامبريالية الامريكية الهزيمة فيها على الاطلاق ، الا اذا فرضت عليها فرضا . مقابل ذلك فان مشكلة حزب الله مع امريكا واسرائيل لا تسبب ، في كل الاحتمالات ، تغييرا ستراتيجيا رئيسيا في المنطقة لان اهداف حزب الله ، بعد تحرير الجنوب ، اصبحت ثانوية لانه حصرها رسميا باعادة مزارع شبعا ، وهو موضوع ثانوي بالنسبة لامريكا واسرائيل وايران بكل المعايير مقارنة باهمية الصراع على الساحة العراقية .
بل يجب ان نكون اكثر دقة في تحديد طبيعة عمل حزب الله الان ، فبمجرد انتهاء احتلال جنوب لبنان انتهى الدور المقاوم لحزب الله ، وبدء دوره المساوم ، لان الاصل في مقاومته هو احتلال الجنوب وبعد انسحاب اسرائيل منه فرض سؤال مهم نفسه وهو : هل بقي هناك منطق او ضرورة لاعتبار المقاومة لبقاء اسرائيل في مزارع شبعا ، وهي منطقة صغيرة جدا واصغر من الجزر العربية الثلاثة التي تحتلها ايران واقل اهمية ستراتيجية منها ، هي مقاومة رئيسية ؟ ام انها تخضع لتوصيف اخر وهو انها ضغط سياسي يمارسه حزب الله لابقاء صورته محبوبة في الخيال العربي ، وبذلك تضمن ايران بقاء الوضع العربي العام داعما لحزب الله على اساس انه يقاتل اسرائيل ، وهو دعم يجيره حزب الله تلقائيا وحتميا لصالح ايران ، مهما ارتكبت ايران من جرائم بشعة بحق العراق والاقطار العربية كلها بما في ذلك الاحواز ؟
وهنا نحدد قيمة الصراع اللبناني الداخلي والصراع مع اسرائيل الان ، فحزب الله وبعد تحرر الجنوب لجأ الى لعبة خطف الجنود الاسرائيليين او للاحتفال بقضايا ثانوية كتبادل الاسرى والجثث ، ولكن مع تصوير هذه الاحداث الثانوية اعلاميا وكانها رئيسية ( ! ) لابقاء نوع من الحرارة التي تقنع بعض السذج بان الصراع في لبنان هو بين المقاومة ، التي تريد مواصلة العمل ضد الاحتلال مع ان الاحتلال انتهى بشكل رئيسي ، وقوى عميلة للغرب تحاول تجريد المقاومة من السلاح المقاوم مع ان هذه القوى كانت حليفة لحزب الله في مراحل معينة وعاد حزب الله بعد ان خونّها واتهمها باللصوصية والعمالة في الصيف الماضي الى التصالح والتعاون معها ! وكانت حرب عام 2006 التأهيلية ، كحرب اكتوبر عام 1973 لتأهيل السادات للتفاوض مع اسرائيل والاعتراف بها ، اكبر محاولة لابقاء المقاومة المسلحة في لبنان رغم انتهاء وظيفتها ومبرر وجودها المسلح بعد تحرير الجنوب .
لقد تحول حزب الله ، بعد ان اصبح حزب مساومة ، من محاربة الاسرائيليين الى محاربة اللبنانيين واستخدم سلاح ( المقاومة ) لقتل عشرات اللبنانيين وتدمير احياء من بيروت في صيف عام 2008 ، رغم ان حسن نصر الله قد اقسم اكثر من مرة على عدم استخدامه ضد لبنانيين ! انها عملية يائسة للتحول من حزب مقاومة الى حزب مساومة داخل لبنان لتحقيق انقلاب داخلي في التوازن التقليدي لصالح ايران واستخدم السلاح لاجل فرض نفسه ودعم مصالح ايران في لبنان ، ليكون لبنان ساحة صراع بالنيابة بين اللصين الاستعماريين امريكا وايران !
ومن الضروري اعاد التذكير ببعض الحقائق التي تحدد الهوية والدور الحقيقيين لحزب الله :
1 – ان ايران هي الشريك الرئيسي للامبريالية الامريكية في غزو وتدمير العراق ومحاولة اقامة نظام عميل مستقر فيه ، والدليل العملي الواضح على صحة هذه الحقيقة هو ان الحكومات المتعاقبة منذ الغزو ايرانية الهوى والتبعية .
2 – ان ايران تلتقي ستراتيجيا مع الامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني حول خطة ستراتيجية خطيرة وقديمة وهي تفتيت الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية ، وهذه الخطة لم تنجح لا امريكا ولا الكيان الصهيوني في تحقيها ، كليا او جزئيا ، رغم مرور عقود من الزمن على تبنيها ، لكن ايران ، وايران فقط ، هي التي نجحت في اثارة اكبر واخطر فتنة طائفية في التاريخ العربي والاسلامي تجسدت في جعل الدعوة الطائفية الصفوية التشيعية ، ومقابلها ورد فعلها الطبيعي الطائفية التسننية ، هي الطبيعة الغالبة في ساحة الاعلام وبعض مظاهر الصراع ، اما الانطمة العربية الطائفية فانها فشلت في أثارة فتنة طائفية لانها مرتبطة عضويا بالامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني ، الامر الذي يجردها من التأثير الكبير .
ان ثمة تغيير خطير تشهده الساحة اللبنانية من اهم مظاهره تأسيس ميليشيات لبنانية سنية مسلحة لاول مرة في لبنان مثل ( جند الشام ) و( فتح الاسلام ) خصوصا في شمال لبنان ، حيث دارت وتدور معارك شرسة نقلت لبنان الى مرحلة خطيرة جدا ، واستند منطق تاسيسها اساسا على انه رد فعل على وجود ميليشيا طائفية شيعية مسلحة اخذت ( تشكل خطرا مباشرا عليها ) ، خصوصا بعد احتلال حزب الله لبيروت في صيف عام 2008 بالعنف والقتل على اساس طائفي ، تماما كما فعل توأم حزب الله في الطائفية الدموية جيش المهدي في بغداد في عام 2006 . من هنا فان نشوء ميليشيا سنية ماكان له ان يتحقق لولا وجود حزب الله كقوة طائفية صرفة ورسمية وفعلية مسلحة اقوى من الدولة ، ولا تخفي نيتها في تغيير المعادلة اللبنانية بالقوة وبتجاهل تام لكافة مكونات لبنان .
والسؤال الجوهري هنا هو : ايهما اهم بالنسبة للامبريالة الامريكية والصهيوينة جعل العرب منغمسين في صراع طائفي مدمر لقوتهم ولوحدتهم ، ام السماح لايران بتحقيق مكاسب ثانوية – مقارنة بمكاسب امريكا واسرائيل – مقابل نجاحها في شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية ؟ من المؤكد ان امريكا والكيان الصهيوني يريان في الفتنة الطائفية انجازا كبير وستراتيجيا تستحق ايران بموجبه ان تكون شريكا اقليميا لها مباشرة او بصورة غير مباشرة في خطة تفتيت الامة العربية قطرا بعد قطر ، في اطار تنفيذ سايكس – بيكو رقم 2 التي نرى الان خطواتها الخطيرة تنفذ على يد ايران وبدعم امريكي – صهيوني كامل .
3 – وهنا ياتي التعامل الستراتيجي والاستخباري مع ( سر ) حزب الله في لبنان ، فهذا الحزب وظيفته الاساسية والاعظم هي تلميع وجه ايران الملالي وابقاء خط فاصل يميزها عن ايران الشاه ، لان ايران الشاه ونتيجة لسياساتها الامبريالية ومطامعها في الاقطار العربية ، تحت شعارات نظام قومي فارسي علني ورسمي ، فشلت في كسب اي تكتل شعبي عربي وكانت سياستها القومية المباشرة احد اهم اسباب انتفاء حاجة امريكا والكيان الصهيوني لنظام الشاه . وفي ضوء هذه الحقيقة فان المصلحة الامريكية والصهيونية المشتركة فرضت دعم قيام نظام في ايران يستطيع اختراق منطقة الصراع الرئيسي ، وهي الاقطار العربية ، ويشرذم قواها ويجبرها على خوض صراعات طائفية مدمرة تستنزف قواها وتجعلها فريسة سهلة بالنسبة للضبعين الامريكي والصهيوني ، وهذا النظام هو نظام رجال يتسترون بالدين والطائفية ويستخدمون قضايا العرب الاساسية ، واهمها فلسطين ، لاجل تشكيل صورة جديدة لايران مقبولة في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، وقادرة على ممارسة نفوذ داخل الاقطار العربية ، من خلال خيول طروادة عرب يرددون ان ايران خميني تقف الى جانب الحق الفلسطيني لذلك يجب دعمها ! لقد قام حزب الله بالدور الحاسم في تجنيد الكثير من المثقفين والساسة العرب لصالح ايران فقط بفضل سمعته الطيبة القائمة على محاربة اسرائيل وامواله الكثيرة التي تدفعها له ايران لشراء الضمائر في الوطن العربي !
مما لاشك فيه ان تلك الخطوة كانت مجرد مقدمة لتأهيل ايران لتكون قادرة على اختراق الاقطار العربية ، بغطاء فلسطيني وعربي وفره حزب الله بالدرجة الاولى ، لكن السياسات الايرانية التي تحولت من التستر بالاسلام ومحاربة الشيطانين الاكبر والاصغر ( امريكا واسرائيل ) الى سياسات توسعية عنصرية على حساب العرب ، وكانت ذروة الفضيحة الايرانية هي غزو العراق ودورها الاساسي والحاسم فيه ، الامر الذي فرض الحاجة لتجميل وجه ايران بطرق اخرى ، فكان حزب الله هو ( الماكيير ) المدرب على تجميل وجه ايران ، بعملياته الاستعراضية ضد اسرائيل ، والتي تجيّر كليا ورسميا لصالح ايران ومنطقها ودعايتها .
ان الصلة التوافقية بين حزب الله والتوسع الامبريالي الامريكي – الصهيوني واضحة على المستوى الستراتيجي ، وان كانت مخفية ومموهة على المستوى التكتيكي ، فهو يتكفل بتحويل الانظار ، منذ انتهى دوره كحزب مقاوم بتحرير جنوب لبنان ، من العراق الى لبنان لاجل التعتيم على الثورة العراقية المسلحة والتقليل من دورها وقيمتها ، من جهة ، وهو الملكلف رسميا بصفته حزب ولاية الفقيه ، بتوفير غطاء تحرري لايران مع انها تمارس دورا استعماريا امبرياليا في العراق وتجاه اقطار الخليج العربي ، من جهة ثانية !
ان حزب الله اصبح الضمانة الوحيدة لايران كي تستمر في مواصلة سياستها التوسعية القومية الاستعمارية ، ولكن المتسترة بغطاء طائفي صفوي ، على حساب الامة العربية دون رد فعل عربي كامل ومتفق عليه بين الجميع ضد ايران ، من خلال احتفاظ الحزب بدعم من جندهم من الاعراب ! والسبب هو تبعية حزب الله الصارمة والتامة لمرجعيته في ايران ودعم الاخيرة له بمال مفتوح الحساب كي يمول من جندهم من الاعراب . ومن المستحيل هنا تجاهل دعم عناصر فلسطينية لايران ولنفس السبب : المال الايراني الذي يتدفق بكرم عليها لاجل تحويل الصراع من صراع لتحرير فلسطين الى حالة الاحتراب الفلسطيني – الفلسطيني وحالة الصراع الطائفي في فلسطين ، التي لم تعرف الطائفية حتى تعاظم قوة تيارات فلسطينية اسلاموية ، وهذا الدعم لايران ، من قبل حزب الله وعناصر فلسطينية ، يتخذ غطاء ايرانيا لمواصلة تدمير العراق ونشر الفتن الطائفية في الاقطار العربية .
وعلينا الان ان نكرر السؤال المنطقي التالي : لنفترض ان حزب الله غير موجود وان ايران تمارس سياستها التوسعية الاستعمارية الحالية تجاه البحرين والجزر العربية المحتلة اوالاحواز المحتلة ، وتواصل تعاونها مع امريكا في غزو العراق ودعم غزو افغانستان هل كان احد من العرب ، خصوصا الوطنيين ، قادرا على المجاهرة بدعم ايران والدفاع عنها وعن مشروعها النووي مع انها تقوم بدور استعماري توسعي معاد للعرب اكثر واخطر من دور نظام الشاه ؟
ان الجواب الواضح والحاسم هو ان ايران لم تكن لتستطيع ان تكسب احدا من العرب كنظام الشاه تماما لو ان حزب الله لم يكن موجودا بسمعته كمناضل ضد الكيان الصهيوني . ان من لا ينظر الى دور حزب الله من هذه الزاوية الستراتيجية يفقد البوصلة التي تمكنه من اختيار الموقف الصحيح من ايران وحزب الله .
ان الموقف من القضية الفلسطينية الذي يتخذه حزب الله ليس قائما على تحرير فلسطين ، وهو امر يعترف به حسن نصر الله ، بل انه تكيتك واضح لحماية ايران من رد الفعل العربي تجاه اعمال وسياسات لا تختلف عن سياسات الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية . وليقل لنا اي عاقل عربي ما الفرق بين احتلال الصهيونية لفلسطين واحتلال ايران للاحواز ؟ اليست الاحواز ارض عربية ؟ وما الفرق بين احتلال ايران للجزر العربية واحتلال اسرائيل للجولان السورية وحيفا الفلسطينية ؟ وما الفرق بين احتلال امريكا للعراق واحتلال ايران له مشاركة مع امريكا ؟ ان ايران تحتل اراض عربية اكثر واكبر مما تحتل اسرائيل ، والاحواز وحدها اكبر من فلسطين والجولان والضفة الغربية وغزة سكانيا وجغرافيا ، وهي تمتد من جنوب العراق الى عمان في الضفة الشرقة للخليج العربي ، وان ايران تخترق الاقطار العربية بالفتن الطائفية ، تحت غطاء اسلامي او طائفي زائف ، في حين ان اسرائيل عاجزة عن ذلك لانها كيان معاد رسميا وتقليديا للعرب . فهل تعني هذه الحقائق ان ايران اسلامية وتدعم النضال الفلسطيني ؟ وهل هذه الحقيقة تسمح لحزب الله لو كان عربيا وولاءه للبنان والامة العربية ان يواصل ، هو والعناصر الفلسطينية ، دعم ايران رغم كل جرائمها الفظيعة بحق الامة العربية ؟
بعد لعبة استبدال ايران ، وهي طرف ليست له تناقضات اساسية مع الامبريالية والصهيونية ، بالعراق ، وهو الطرف الذي يشكل القوة الاساسية في الصراعين الاساسيين ، وهما صراع النفط والصراع العربي الصهيوني ، نجد انفسنا امام لعبة تقليدية اخرى لمحاصرة مركز الثورة الاساسية في العراق ، والذي يشكل الانتصار فيه دحرا شاملا للنظام الامبريالي برمته وعلى مستوى كوني ، والمحاصرة تتم عن طريق التعتيم على عمليات المقاومة في العراق وتشويه دورها الحقيقي ، واهماله ليبدو كانه غير مهم وان البيانات الامريكية التي تدعي تحسن الوضع الامني في العراق صحيحة ! ومقابل ذلك يجري التركيز على مركز اخر ثانوي ، ستراتيجيا ، وليس سياسيا او عسكريا ، والذي لا تشكل الهزيمة الامريكية فيه دحرا شاملا وكونيا للنظام الامبريالي الامريكي ولا خسارة اقتصادية عظمى ، لانه مركز مشاغلة وممارسة ضغوط ، وهو الساحة اللبنانية ، على اساس ان الاستعمار والامبريالية هما جوهريا ظاهرتين اقتصاديتين ، والعراق هو مخزن الاقتصاد وليس لبنان ، والعراق هو مركز مقاومة الكيان الصهيوني الثابت والاساسي وليس لبنان .
ان الوظيفة الاساسية لهذا التحويل المصطنع هي نقل الانتباه الى المركز الثانوي ، وهو لبنان ، وتصوير الازمة فيه كأنها الازمة المركزية في المنطقة كلها والاكثر اهمية من المركز الرئيسي الحقيقي للمقاومة والثورة المسلحة وهو العراق ، وهكذا فان الصراع في لبنان ، وحول لبنان ، لن يقود الى تغييرات جيوستراتيجية رئيسية في المنطقة بل سوف يبقى عبارة عن صراع بالنيابة تخوضه امريكا وايران من اجل اعادة توزيع الغنائم بينهما في العراق وبقية الاقطار العربية وسينتهي حالما يتم الاتفاق بين الطرفين الاستعماريين .
وهنا يجب ان يتذكر الجميع واقعة تؤكد ما ذهبنا اليه وهي قيام حزب الله باحتلال بيروت بانقلاب عسكري دموي فظ بشكل بدى مفاجئا للبعض ، وكان سببه المعلن والرسمي هو قرار الحكومة اللبنانية نقل الضابط المسؤول عن مطار بيروت الى وظيفة اخرى لانه كان مواليا لحزب الله وكان يسمح بهبوط طائرات ايرانية محملة بمئات ضباط المخابرات الايرانية والاجهزة السرية بشكل دوري ودون تدقيق او رقابة ، اضافة لمنظومة الاتصالات الخاصة بحزب الله ، وهاتان الحالتان شكلتا الغاء فعليا للدولة ، لذلك جاء نقل الضابط وقرار التحقيق بمنظومة الاتصالات دافعا قويا للقيام بالانقلاب الدموي في بيروت ، لضمان عدم قطع الطريق على ايران لمواصلة بناء نفوذها في لبنان .
ولكن وبعد ان نجحت طهران وواشطن في الاتفاق حول خطة اولية لتقاسم المنطقة ، والتي سربت معلومات عنها مؤخرا ، عاد حزب الله باوامر ايرانية جديدة للتصالح مع وليد جنبلاط وسعد الحريري وسمير جعجع مع ان حسن نصر الله قد اتهمهم بالعمالة واللصوصية والكذب ! لقد نفذ حزب الله اوامر ايران بابقاء المطار ومنظومة الاتصالات وعدم الغاءهما او وضعهما تحت سيطرة الحكومة ، لانهما من اهم طرق استمرار تدفق الايرانيين على لبنان ، وما ان اتفقت امريكا وايران حتى صدرت اوامر جديدة تطلب من حسن نصر التصالح مع من وصفهم بالعملاء واللصوص والكذابين !
اما فضيحة من جندهم حزب الله من العرب فهي انهم شنو حملات شعواء ضد جنبلاط والحريري ورئيس الوزراء ، ومن دافع عنهم او تعاون معهم ، لكنهم وجدو ان حزب الله ، ولي نعمتهم ومصدر اموالهم وممول مكاتبهم ومقرات احزابهم الكارتونية ، يتراجع ويتصالح دون تفسير مقنع لهذا التغيير الجوهري ! انها العمالة والارتزاق في اكثر اشكالهما حقارة ودونية وهذا هو سر صمتهم على التصالح الاخير بين (عملاء ايران ) و(عملاء امريكا ) في لبنان !
وربما سيأتي من يقول : ولكن لم هذا التمييز بين المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية مع انهما يقاتلان اعداء الامة ؟ الايفترض ان تتوحد المقاومة العراقية مع المقاومة اللبنانية ؟ ان جوابنا هو كالاتي : ان الاحداث الواقعية خصوصا منذ احتلال العراق قد اكدت بالقطع والمواقف والوثائق ان حزب الله ما هو الا اداة ايرانية ، في المقام الاول وقبل كل شيء ، وانه لا يعمل او يتحرك من دون اوامر من مراجعه الايرانية ولخدمة ايران وليس لبنان او فلسطين او اي قضية عربية ، لذلك فان دعوات المقاومة العراقية وانصارها لحزب الله للتعاون بينهما ، بشرط ادانة الدور الايراني في العراق ، قد فشلت واختار هذا الحزب صراحة ولاءه لايران دون ادنى تردد او غموض !
لقد وصلت تبعية حزب الله لايران لدرجة مقرفة ، ففي لعبته الاستعراضية الاخيرة ، وهي تبادل الاسرى والجثث ، قدم نتائجها العاطفية والسياسية والدعائية هدية لايران مباشرا وصراحة ، بدليل ان المستقبل الخامس للاسرى ، بعد رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ونائب الامين اعام لحزب الله ، كان ممثل ايران الرسمي حسين شيخ الاسلام ، وبعده وقف رؤوساء الوزراء السابقون والوزراء الحاليون وبقية قادة لبنان ! ان السؤال الذي فرض نفسه على الجميع كان : ما صلة ممثل ايران باستقبال اسرى عرب ولبنانيين ؟ ولم تعمد حزب الله وضعه قبل الوزراء والقادة اللبنانيين ؟ اليس للايحاء بانه لولا ايران لما تمكن حزب الله من تحقيق اطلاق الاسرى وتبادل الجثث ؟
اذن وفي ضوء ما تقدم يمكن ان نفهم لعبة التضليل الاخرى التي تنفذها المخابرات الامريكية ، بالتزامن مع ادعاء تراجع المقاومة العراقية ، وهي التركيز على ان الجبهة الرئيسية للحرب الان هي افغانستان وان العراق لم يعد الساحة الرئيسية ، وهو ما اكده اوباما واعتمد عليه في محاولته اضعاف الحزب الجمهوري . والغريب ان هذا التصريح قد اقترن بهجرة واسعة النطاق لبعض القوى التكفيرية من العراق الى افغانستان رغم ان الصراع في العراق يتطلب المزيد من قوات المقاومة لاجل مواصلة الضغط على امريكا عسكريا وزيادته ، لتحقيق اقصى استفادة من حالة اليأس والاستنزاف التي تعرض لها الجيش الامريكي منذ عام 2003 ووصلت ذروتها في عام 2005 !
واذا تذكرنا حقيقة ستراتيجة واضحة وهي ان افغانستان لم تكن ولن تكون الا ساحة حرب وسيطة ، اي انها تعاني من الصراع لوقوعها بين اهم مكامن النفط : الخليج العربي وبحر قزوين ، اما هي فهي بلد فقير وبلا نفط ويشكل عبئا على من يتولى السيطره عليه لكنه مهم لوقوعه قرب ، اوعلى طريق مسارات انابيب النفط ، اذا تذكرنا ذلك نفهم ابعاد لعبة تحويل الانظار من العراق ، حيث يمكن حسم الصراع والحاق هزيمة ستكون مدمرة الاثار على امريكا ، الى افغانستان ، حيث لن تكون هزيمة امريكا فيها ستراتيجية ولن تخسر شيئا جوهريا . وهذه حقيقة معروفة ولا تحتاج لاثبات . ان النفط ليس في افغانستان بل في العراق ، والحرب هي حرب نفط ، ولكون النفط قريبا من افغانستان تم احتلالها بحجة واهية وهي هجمات 11 – سبتمبر عام 2001 لاجل تسهيل فرض السيطرة الشاملة على محيط وطرق ومقتربات مكامن النفط . وهذه حقيقة اكدتها المصادر الامريكية مرارا ، ونكتفي بما قاله د. فؤاد عجمي ، وهو مفكر ستراتيجي امريكي من اصل لبناني من المحافظين الجدد ، من ان مركز الثقل في السياسة الخارجية الامريكية انتقل من الصراع العربي – الاسرائيلي الى العراق ( المصدر قناة الجزيرة 2 / 1 / 2006 ) .
بهذا المعنى فان افغانستان ليست الساحة الرئيسية للصراع وان امريكا اذا خسرت الحرب فيها لن تتعرض لكارثة ستراتيجية على الاطلاق ، بل يمكن تفسير الهزيمة بطرق عديدة بعكس العراق ، والدليل الحاسم على صحة ذلك هو ان امريكا لم ترسل في البداية الى افغانستان الا 15 الف جندي مع انها ارسلت للعراق اكثر من 150 الف جندي ( عشرة اضعاف المرسل الى افغانستان ) واكثر من 120 الف مرتزق من الشركان الخاصة ، اضافة لقوات الحلفاء الاوربيين وغيرهم ، ثم زادت عدد قوتها في افغانستان الى 30 الف وبنفس الوقت ازداد عدد القوات المحتلة في العراق الى حوالي نصف مليون جندي امريكي وغير امريكي .
الا تعكس هذه الارقام القيمة الحقيقية ستراتيجيا لكل من افغانستان والعراق ؟ من المؤكد ان العراق هو البلد الاكثر اهمية في خطة اقامة امبراطورية عالمية امريكية ، ولذلك فان امريكا بحاجة لاتباع كل الطرق لضمان ابقاء احتلاله واستثمار هذا الاحتلال لتحقيق مكاسب اقتصادية وستراتيجية .
اذن لم تبرز الحرب في افغانستان الان ويعتم على الحرب في العراق ؟ ما معنى الهروب الى افغانستان ؟ هل ادعاء تراجع المقاومة في العراق وتصاعدها في افغانستان محاولة امريكية لامرار الهزيمة في العراق ؟ ولماذا ؟ هل جبهة افغانستان هي الجبهة الرئيسية حقا رغم الاعترافات المتكررة بان العراق وليس افغانستان هو جبهة الحرب الرئيسية ؟ هل تصلح افغانستان لتكون جبهة رئيسية مع انها ساحة حرب ملحقة بقرار السيطرة على مناطق اخرى ؟
في ضوء ما شرحناه عن تكتيكات امريكا مع ايران وفي لبنان يمكننا ان نفهم حقيقة اساسية وهي ان التركيز على افغانستان مصمم لاجل اكمال فرض مؤامرة صمت قاتل على العراق ، وعزله عربيا وعالميا وامريكيا ومواصلة عمليات الابادة والتدمير الشامل للبشر والحجر . بخنق العراق اعلاميا وسياسيا وسايكولوجيا تعتقد المخابرات الامريكية ان ذلك قد يقود الى ارباك الثورة المسلحة في العراق وهز ثقة الثوار بمستقبلها ، ان افغانستان تبقى ساحة صراع ثانوي لسبب حديدي معروف وهو انها بلد فقير وان العراق بلد غني بل ان السيطرة الثابتة والكاملة عليه احد اهم شروط نجاح امريكا في اقامة امبراطوريتها الكونية .
يتبع
نهاية رمضان – ايلول – سبتمبر 2008
salahalmukhtar@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق