بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
شبكة البصرة
د. أيمن الهاشمي
كاتب عراقي
مرة أخرى تكشف الولايات المتحدة عن وجهها القبيح وسعيها لشراء الذمم من خلال تخصيص ملايين الدولارات لبث الدعاية الكاذبة عن اهدافها (الانسانية والديمقراطية!) في العراق، وهو ما يُذكّرنا بما سمى 'قانون تحرير العراق' لعام 1998 الذي خصصت الإدارة الأمريكية بموجبه ملايين الدولارات لشراء ذمم المدّاحين والمُطبّلين وفبركة الاكاذيب لتبرير غزوها الآثم للعراق، وتحت باب المساعدة لدعم الانتقال الى الديمقراطية في العراق، ودعم المنظمات العراقية المعارضة. ثم جاء الخبر الآخر عقب الغزو بعامين، حين كُشِفَ عن قيام 'البنتاغون' عبر رجالها العسكريين والاعلاميين في العراق تحت الاحتلال، بدفع رواتب شهرية ورشاوي عينية مثل أجهزة كمبيوتر وآلات تصوير حديثة لعدد من الصحفيين والكتاب، من أجل كتابة ونشر أخبار ومقالات تمدح الاحتلال الأمريكي وتسوّق لمحاسنه وتبرّر عملياته العسكرية، أمام الرأي العام العراقي والعربي والدولي. وأضطر الجيش الأمريكي في العراق لنشر بيان اعترف فيه بدفع الأموال مقابل نشر مقالات في صحف عراقية، في حين قال السناتور الأمريكي 'جون وارنر' ان هناك مجموعة تعمل تحت قيادة ثاني أكبر قائد عسكري امريكي في العراق 'جون فاينز' هي التي أعدت هذه المقالات، وراجعها ضباط كبار ومستشارون قانونيون أمريكيون، ثم تمّ تسليمها لشركة وسيطة هي 'لينكولن كروب' التي قدمتها للصحف والصحفيين في العراق لنشرها مقابل أموال تدفعها لهم، في اطار السياسة الأمريكية لتحسين الوجه ومحاربة كراهية أمريكا!!.. وقبل أن يرد وزير الدفاع الأمريكي حينها رامسيفيلد، بأنه يدرس هذه القضية بدقة، كانت شظايا فضيحة اختراق الصحافة وافسادها بدفع رواتب ورشاوي، قد طالت الصحافة الأمريكية ذاتها فأصابت مصداقيتها أيضا، وليس فقط مصداقية بعض الصحف العراقية والعربية، إذ كشفت صحف أمريكية أن البنتاغون والمخابرات المركزية الأمريكية وآخرين، تعودوا الدفع لبعض الكتاب والصحفيين الأمريكيين، مقابل نشر معلومات أو اخبار تروّج لهدف معين مثل حكاية أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل الغزو، وكذلك مقابل نشر مقالات وتعليقات تبرّر السياسات الأمريكية، بما فيها شن الحرب ضد افغانستان والعراق، والحملة الدولية ضد الإرهاب التي ازدادت بعد هجمات سبتمبر2001. وهكذا فإن السياسة الأمريكية العدوانية, لم تكتف بالتسبب في قتل نحو95 إعلامياً عربياً وأجنبياً, خلال الحرب ضد العراق، ولم تكتف بكل الممارسات القمعية ضد المراسلين لمنعهم من أداء عملهم في نقل حقيقة الأحداث من ساحة المعارك, لكنها تمادت وصولا للتفكير في 'قصف' قناة الجزيرة، وامتدادا لافساد الصحافة العراقية واختراقها وشراء ذمم بعض الصحفيين مقابل دولارات معدودة. !!
ومؤخراً ورد في الانباء ان وزارة الدفاع الأمريكية 'البنتاغون' تنوي أن تدفع (رشى ومكافئات) لمقاولين أمريكيين في العراق حوالى 300 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة من أجل إنتاج أفلام دعائية ومواد إخبارية وبرامج ترفيه وإعلانات ترتبط بالخدمات العامة في وسائل الإعلام العراقية، في محاولة لتجميل الإحتلال، و'لإلهام' المواطنين العراقيين والتقرب إليهم، بدعم الأهداف الأمريكية والحكومة العراقية. وذكرت صحيفة 'واشنطن بوست' أن وزارة الدفاع وقعت عقدين منحتهما إلى أربع شركات سيساهمان في تعزيز ما يصفه الجيش الأمريكي بالعمليات 'المعلوماتية والنفسية' في العراق، ليبدو وكأن العنف يتراجع وأن القوات الأمريكية بدأت بتخفيض عددها. وكان دور الجيش الأمريكي في 'حرب الأفكار' أو 'العمليات الإعلامية السيكولوجية' تحوّلاً جذرياً في السنوات القليلة الماضية، نتيجة الموارد الكبيرة ووثيقة مكافحة التمرد التي اعتمدها البنتاغون والتي يعتبر الإعلام أحد المفاتيح الرئيسية للنجاح فيها. وأصبح العسكريون الأخصائيون في الاتصالات والعلاقات العامة والمقاولون جزءا لا يتجزأ من عمليات الجيش الأمريكي في أوروبا الشرقية وصولاً إلى أفغانستان وأماكن أخرى. وأشارت الصحيفة إلى أن العراق الذي أنفقت فيه ملايين الدولارات على مثل هذه العقود، هو المكان الأنسب لإثبات مثل هذا التغيير. ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين العسكريين الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قوله إن 'الأدوات التي يستخدمونها والوسائل وصلابة هذا النشاط، انطلقت مثل السهم منذ عام 2003. ولا يزال البنتاغون يشعر في بعض الأحيان أنه يحاول اللحاق بالسوق الدعائية 'البروباغندا' التي يهيمن عليها تنظيم القاعدة والذي تتضمن عملياته الإعلامية بناء مواقع معقدة على شبكة 'الأنترنيت'، وشرائط سمعية ومصورة تم إنتاجها بحرفية عالية تظهر أسامة بن لادن ومعاونه. وسبق أن قالها روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي 'إن بن لادن وهو شخص يقبع في أحد الكهوف قد تفوّق علينا في مجال الإتصالات!'.
لقد بدأ البنتاغون يظهر وكأنه أكثر إقتناعاً بأن 'الإعلام' هو أحد أبرز المفاتيح الرئيسية للنجتح في 'حرب الأفكار'، وأصبح مقاولو العلاقات العامة في الجيش الأمريكي لايقلّون شأنا عن غيرهم، وعملهم جزءا لايتجزأ من عمليات الجيش الأخرى. ويستشهد مسؤول في البنتاغون بأثر 'الحملات الإعلامية التي ساعدت في تنمية توجهات دفعت العراقيين لرفض تنظيم القاعدة بل ومحاربته على مدى العامين الأخيرين'. وأضاف أنه من المحتمل أن تثبت الأدوات ذاتها فاعليتها في تقليص النفوذ الإيراني'. ويذكر أن النشرات والحملات الإعلانية التي أنتجت في العراق وخارجه، والتي مولتها واشنطن وتبثها قنوات فضائية عربية موالية، تضمنت الإشادة بالتحسن في الخدمات الحكومية، والسعي لتعزيز المصالحة السياسية، والثناء على المؤسسة العسكرية والأمنية في العراق، وحث المواطنين على الإبلاغ عن النشاطات التخريبية والإجرامية، وعندما تنامت المشاعر الوطنية بصورة مفاجئة العام السابق في أعقاب فوز مطربة عراقية في مسابقة للمواهب في تلفزيون لبناني، وبعدها فوز المنتخب العراقي بكأس آسيا، تم تمويل إعلان يظهر المطربة الفائزة مع بعض لاعبي المنتخب العراقي وهم ينشدون للعراق الجديد!!، ويظن بعض العراقيين أن الكليب صادر عن الحكومة!!. وتتحاشى امريكا أن تظهر إعلاناتها على أنها من إنتاج وتمويل البنتاغون لتفادي ردود فعل عراقية عكسية!!..
بالأمس كانت أمريكا ووكلائها يتهمون النظام السابق بأنه يشترى الكتاب العرب بـ'كوبونات النفط'، واليوم تلجأ أمريكا إلى محاولة شراء ذمم البعض بملايين دولاراتها.. لكن اللعبة صارت مفضوحة.. وكريهة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق