شبكة البصرة
محسن خليل
يطرح التصعيد في كركوك قضايا خطيرة تتصل بواقع الاحتلال وضرورة تعبئة كل الجهود لأنهائه وطرده من العراق. فمرة أخرى تدار الاحداث والخلافات بين حلفاء الامس فرقاء اليوم أدوات المحتل على قاعدة تفجير فتنة عرقية بين العرب والاكراد بعد أن أستنفذوا السنوات السابقة في أثارة فتنة طائفية بين العرب العراقيين، لسلخ كركوك من جسد العراق وضمها الى أقليم كرستان تمهيدا لأنفصال هذا الاقليم واعلان دولته الخاصة به. ويأتي انقسام المواقف بين أحزاب العملية السياسية الحاكمة مثيرا هو الاخر، فبينما يفوز مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات في البرلمان وتصِّوت لصالحه أغلبية مريحة برغم انسحاب نواب جلال الطالباني ومسعود البارزاني، يتضامن المجلس الاعلى الاسلامي الذي يترأسه عبدالعزيز الحكيم مع جلال ومسعود ويعارض المادة 24 التي ادخلت على القانون ويؤيد أجرا ء الانتخابات في وقتها من دون المادة 24. المجلس الاعلى الذي قاد عبر تنظيماته وميليشياته المدعومة من أيران حربا طائفية استهدفت العرب العراقيين لتفتيت وحدتهم الوطنية ورابطتهم القومية بهدف أضعافهم وتهميشهم، لا يجد حرجا في التحالف مع جلال ومسعود رغم عامل الاختلاف الطائفي،لأن القاعدة التي تحكم سلوكه السياسي وتصرفه هي تفتيت العراق، فيدعم حلفاءه الانفصاليين بالاستيلاء على كركوك، وحلفاءه يدعمون مشروعه لأقامة اقليم طائفي وسط وجنوب العراق.
مشروع التفتيت مشروع أمريكي صهيوني أيراني وما هؤلاء الا ادوات تنفيذ واجهية تجعل الامريكان يبرئون انفسهم مما يجري وينسبونه الى العراقيين أنفسهم. فقضية كركوك كانت لغما وضعه المحتل في قانون ادارة الدولة المؤقت الذي أستند اليه مجلس الحكم المنحل من 2003 لغاية 2005، والذي على أساسه وضع ما يسمى بالدستور. في قانون ادارة الدولة المؤقت اعترفت المادة 53 فقرة ألف منه ((بحكومة أقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى)). أي أن قانون أدارة الدولة قرر سلفا ومن دون أي اعتبار موضوعي أن يضم كركوك وأجزاء من محافظتي ديالى ونينوى الى أقليم كردستان. وفي المادة 58 فقرة باء منه ربط قانون ادارة الدولة تسوية حدود اقليم كردستان في حالة فشل أحزاب الاحتلال على أتفاق بشانها، بمحَّكِم دولي يٌعيَّنه أمين عام الامم المتحدة للقيام بالتحكيم المطلوب، وتأجيل التسوية النهائية لكركوك الى حين أستكمال عودة السكان الذين زعم جلال ومسعود ان النظام الوطني قبل الاحتلال هجرهم منها،ثم يتم بعد ذلك اجراء احصاء سكاني الى حين المصادقة على الدستور الدائم (المعد من قبل المحتل أصلا).
لقد أستثمر جلال ومسعود هذا النص فوضعوا يدهم على كركوك كامر واقع، ونشروا فيها ميليشياتهم المدعومة أمريكيا وأسرائيليا، وبدأوا تنفيذ خطة استيطان كركوك على الطريقة الصهيونية، وتغيير تركيبتها السكانية لصالح أيجاد اغلبية كردية،فاذا جاء موعد اجراء الاحصاء السكاني أكتسبت هذه الآلآف المستوطنة لكركوك شرعيتها بما يؤهلها للتصويت لصالح أنضمام كركوك لأقليم كردستان. وعلى هذا أدخلوا مئات الآلآف من أكراد أيران وتركيا وسوريا الى كركوك وقدموا لهم الدعم المالي وتسهيلات الحصول على اراضي سكنية داخل المدينة، وأقيمت مخيمات لأسكان بعضهم بحجة أن هؤلاء كانوا مهجرين وعادوا الى مدينتهم وليس لهم سكن، وهو ما تنفيه وثائق وأدلة يملكها عرب وتركمان كركوك.
المادة 24 حاولت أجهاض هذه الخطة، وقررت أن تؤجل الانتخابات في محافظة كركوك لحين أنهاء مهام محددة تقوم بها لجنة يتكون اعضاؤها من أربعة أعضاء لكل مكون من سكان كركوك (العرب والاكراد والتركمان) وعضو واحد للمسيحيين، يتم في الوقت نفسه تقاسم السلطة في كركوك بالتساوي بين مكونات سكانها وبنسبة 32 % لكل مكون و4 % للمسيحيين، وأن يعهد بالملف الامني لكركوك الى وحدات عسكرية مستقدمة من وسط وجنوب العراق بدلا من الوحدات العاملة حاليا والمكونة من ميليشيات جلال ومسعود لضمان حرية عمل اللجنة ومهنيتها، ومن مهام اللجنة الاساسية (تحديد التجاوزات على الاملاك العامة والخاصة والسكانية ضمن محافظة كركوك بعد 9/4/2003)،أي بعد الاحتلال.
المادة (24) التي أقرها مجلس النواب ضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات، أثارت هستيريا جلال الطالباني ومسعود البارزاني وحليفهم المجلس الاعلى، فقد تصرف الطالباني كرئيس لحزبه وليس كرئيس للعراق، وأعلن رفض هيئة الرئاسة للقانون قبل أن يطلع عليه،وأعاده الى مجلس النواب بعد ساعات من أقراره. ولمجلس النواب صلاحية أن يصوت عليه ثانية وثالثة ثم يكون نافذا رغم أعتراض الرئاسة أذا حاز على الاغلبية (مادة 138 من دستور الاحتلال).
رد فعل جلال ومسعود تجاوز قواعد اللعبة الديمقراطية المزعومة، وزعموا أن التصويت على القانون واقراره من مجلس النواب يهدد الأستقرار والمصالحة ويخرج على قاعدة التوافق بين الكتل السياسية ويخرق الدستور.. والتفجيرات في كركوك التي تزامنت مع اقرار قانون انتخابات المحافظات وراح ضحيتها اكثر من 170 من سكانها هي رسالة من مسعود قامت بتنفيذها ميليشلته... اكثر من هذا هدد مسعود، بتقسيم العراق وفرض هيمنة (أقليمه) على كركوك بالقوة المسلحة مالم يتم التراجع عن أقرار القانون، ورفض بشدة أستقدام أية قوات تابعة لحكومة المركز الى كركوك خلال فترة عمل اللجنة.. بأختصار يريد مسعود وجلال، أبقاء التركيبة السكانية التي عملوا على أستحداثها بعد الاحتلال في كركوك لصالحهم، وأجراء الاستفتاء على مصير كركوك في ظل هذه التركيبة. والنتيجة معروفة، وهي التصويت بأغلبية مصطنعة مع تزوير الاستفتاء لصالح أنضمام كركوك الى الاقليم. سيتم ذلك بسهولة لوجود ميليشيات جلال ومسعود فقط في كركوك ولا وجود لقوات حكومة المالكي فيها.
المفارقة التي يسكت عنها جميع اطراف العملية السياسية التي يقودها المحتل أن مسعود وجلال يستقلان أستقلالا كاملا في أدارة أقليم كردستان، ولا يسمحان لأطراف العملية السياسية الاخرى أو حكومة المركز في بغداد بأي تدخل في شؤون الاقليم بالمطلق، وفي الوقت نفسه يشاركان في ادارة حكومة المركز في بغداد بندِّية متساوية مع الاطراف الاخرى.
طبعا لا أحد من اطراف العملية السياسية راض على ما يتمتع به جلال ومسعود من أمتياز القوة والسلطة وتشكيل (جيش) بأشراف صهيوني مباشر، لكنهم جميعا يدركون أن هذه هي رغبة المحتل الامريكي، ولا يجرأون على تحدِّيها أو مخالفتها،لذلك يتصرف مسعود كرئيس دولة كبرى، فيهدد بأستخدام القوة للسيطرة على كركوك، ويهدد بتقسيم العراق، وبمنع نفط كركوك من الوصول الى مناطق العراق الاخرى ما لم يتراجع مجلس النواب عن أقراره لقانون انتخابات مجالس المحافظاات.
عندما تم تجاوز ازمة قانون انتخابات مجالس المحافظات بتأجيلها الى سبتمبر القادم، كان ديمستورا الممثل الخاص للأمين العام يقدم مقترحه الذي سبق أن قرره قانون ادارة الدولة المؤقت منذ بداية الاحتلال في 2003،وهو مقترح الاستعانة بمحكم دولي.. المسالة مكشوفة كلها ومخططة مسبقا من المحتل ومتفق عليها مع أحزاب الاحتلال الحاكمة.كان مقترح قانون ادارةالدولة المؤقت لغما ضمن آلآف الالغام التي وضعها المحتل لتفتيت العراق بالتقسيط وتمكين أدواته العميلة من التحكم في العراق. وصفقة تأجيل بحث ملف كركوك لم تكن قرارا للقوى المشاركة في العملية السياسية، بل قرار للولايات المتحدة وبريطانيا وبمشاركة الامم المتحدة.
والذين يشاركون في العملية السياسية ويزعمون انهم أنما يفعلون ذلك لانقاذ ما يمكن أنقاذه، نقول لهم ان طريق الانقاذ الوحيد يتم بالمقاومة وليس بالانخراط في مشروع المحتل.. المقاومة الوطنية هي التي ستحمي وحدة العراق وتعيد العملاء الى احجامهم الطبيعية بعد هزيمة المحتل.
صحيفة الموقف العربي
القاهرة
12/8/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق