شبكة البصرة
بقلم الدكتور عبد الواحد الجصاني
أولا : المقدمة
عنوان هذه المقالة ليس مجازيا ولا من روايات الخيال العلمي، بل حقيقة واقعة، لكنها من الحقائق التي غيّبها ركام الأكاذيب والأباطيل والتزوير والغش الذي ميّز النظام الدولي الجديد الذي تقود فيه أمريكا العالم الى مهاوي الإنحطاط الفكري والأخلاقي والحروب المدمرة. وأدناه الوقائع :
أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية يوم الأول من آب/أغسطس 2008 إنتحار العالم الأمريكي المتخصص في مجال الأسلحة البيولوجية (الجرثومية) بروس إيفنز، الذي كان يعمل في مختبرات حكومية للأسلحة الجرثومية في فورت ديريك. وفور إعلان وفاته أصدرت وزارة العدل الأمريكية بيانا قالت فيه إن العالم إيفنز كان المتهم الوحيد في سرقة الأنثراكس من مستودعات الجيش وإستخدامه في هجمات رسائل الأنثراكس التي حصلت في ثلاث مدن أمريكية بعد ثلاثة اسابيع على هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 والتي قتلت خمسة مدنيين أمريكان واصابت العشرات، وأضافت وزارة العدل الأمريكية أنها ستغلق ملف هجمات الأنثراكس لوفاة المتهم الوحيد فيها.
وبإعلانها غلق ملف هجمات الأنثراكس، تحاول الولايات المتحدة دفن واحدة من أخطر عمليات الإرهاب والقتل الجماعي وجرائم الحرب التي قامت بها ضد شعبها والشعوب الأخرى. فالأنثراكس أو الجمرة الخبيثة هو سلاح تدمير شامل محظور بموجب معاهدة عام 1972 التي وقعت وصادقت عليها الولايات المتحدة، وإقرار الولايات المتحدة أن الأنثراكس جاء من مستودعات جيشها إنما هو إقرار منها أنها تخرق إلتزاماتها بموجب المعاهدة. أما إتهامها أحد علمائها بشن هجمات رسائل الأنثراكس فهو محاولة لدفن الحقيقة، فالدلائل تشير الى أن هذه الهجمات لم تكن عملا منفردا قام به عالم من اجل الترويج للقاح مضاد للأنثراكس، مثلما إدّعى المحققون الأمريكان، بل كانت عملا إرهابيا خططت له ونفذته الأجهزة الإستخبارية الأمريكية لتبرير أعمال عدوانية لاحقة من بينها العدوان على العراق وأفغانستان.
وهذا المقال هو محاولة لربط الأحداث وتوضيح الحقائق من أجل تثبيت الركن المادي في جريمة الإدارة الأمريكية بإستخدامها سلاح دمار شامل ضد شعبها، وهو أيضا دعوة الى ضحايا هذا العدوان، من أمريكان وعراقيين وأفغان، لمقاضاة الجناة والمطالبة بتقديم مجرم الحرب بوش وبطانته الى المحكمة الجنائية الدولية أو أي جهاز قضائي دولي آخر لينالوا جزائهم ولرد حقوق ضحايا هذه الجريمة.
ثانيا : وقائع هجمات الأنثراكس
بعد أسبوع من أحداث 11 أيلول 2001، وتحديدا في 18أيلول 2001، أودع مجهول رسالتي أنثراكس في إحدى دوائر بريد ولاية نيو جرسي الأمريكية، إحداهما موجهة الى الصحفي توم بروكاو من شبكةNBC الإخبارية والثانية موجهة الى صحيفة نيويورك بوست. وفي 3/10/2001 وصلت رسالة أنثراكس الى روبرت ستيفنز الصحافي في صحيفة الشمس في فلوريدا. وفي 9/10/2008 وجهت رسالتا انثراكس الى مكتبي السيناتور توم داشيل رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي والى السيناتور باتريك ليهي في مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة. رسائل الإنثراكس هذه أصابت العشرات من المواطنين الأمريكان بمرض الجمرة الخبيثة، بضمنهم 31 موظف في الكونجرس. وتوفي خمسة من المصابين، من بينهم الصحفي روبرت ستيفنز. كما أدت هجمات الأنثراكس الى إغلاق مبنى الكابيتول مقر الكونغرس الأمريكي ومبنى المحكمة الإتحادية لمدة إسبوع لتعقيمها من الإنثراكس، وجرى تلقيح 200 موظف في الكونغرس بجرعات المضادات الحيوية كإجراء احترازي. وخلقت هجمات الأنثراكس حالة من الرعب والهلع لدى الشعب الأمريكي الذي رأى نفسه فجأة مستهدفا في عقر داره وبأبشع سلاح هو السلاح الجرثومي.
ثالثا : لماذا إختارت الإدارة الأمريكية إستعمال سلاح دمار شامل ضد شعبها؟ ولماذا الأنثراكس بالذات؟ :
1 - إن حصول هجمات بالأسلحة البايولوجية ضد المدنيين الأمريكان هو أفضل سيناريو لإقناع المواطنين والمشرّعين الأمريكان بفرضية أن برامج أسلحة الدمار الشامل لدى الدول (المارقة) تمثل خطرا داهما على الأمن القومي الأمريكي حتى وإن كانت هذه الدول تبعد عشرات الآلاف من الكيلومترات عن الأرض الأمريكية، كون هذه الدول (المارقة) قادرة على تزويد المنظمات الإرهابية بهذه الأسلحة لضرب العمق الأمريكي في أي وقت وفي أي مكان. كما أن تثبيت هذه الفرضية سوف يبرر اللجوء الى (الحرب الإستباقية) خارج الشرعية الدولية. ومعلوم أن ميثاق هيئة الأمم المتحدة حرّم جميع الحروب عدا الحرب الدفاعية إعمالاً لحق الدفاع المشروع عن النفس، أو تلك التي تجري بموافقة مجلس الأمن وتحت علم الأمم المتحدة.إن تشريع (الحرب الإستباقية) يعني أن أمريكا لن تكون بحاجة لإستصدار قرار من مجلس الأمن يخولها إستخدام القوة، وسيعطيها العلوية على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ويخلق قواعد جديدة في إستخدام القوة في العلاقات الدولية، تصبح الحروب العدوانية بموجبها حروبا مشروعة، وهذا بالضبط ما يسعى اليه المحافظون الجدد من أجل جعل القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا.
2- خلق القناعة بإن إستخدام (الدول المارقة) أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين الأمريكان يوفر غطاء قانونيا وأخلاقيا ليس فقط لغزو هذه الدول ولكن أيضا لإستخدام أسلحة الدمار الشامل، وفي مقدمتها الأسلحة النووية، ضد هذه الدول. ومعلوم أنه في ظل توازن الرعب النووي يصعب على دولة نووية إستخدام هذه الأسلحة ضد الدول الأخرى لإنه يفتح الباب أمام الآخرين لإستخدامها وتحصل المحرقة النووية، ولذا فإن إدعاء أمريكا أنها كانت ضحية إستخدام أسلحة دمار شامل سيبرر إستخدامها الأسلحة النووية. وهذا المفهوم عمل عليه بوش الإبن ومجموعة المحافظين الجدد منذ وصولهم للحكم، حيث تبنّوا سياسة نووية جديدة تحول بموجبها الترسانة النووية الأمريكية من سلاح ردع إلى سلاح ميداني يمكن استخدامه لإجهاض هجوم محتمل بأسلحة الدمار الشامل على أمريكا.
3 – بعد أحداث 11/9 سعى المحافظون الجدد لإصدار قوانين وتشريعات تحدّ من الحريات الشخصية للمواطنين الأمريكان وتزيد من صلاحيات قوى الأمن الداخلي من دون العودة للسلطة التشريعية أو القضائية : كالتنصت على الهواتف والانترنت والتفتيش والإعتقال بدون اذن قضائي وإيقاف العمل بالقانون الدولي الإنساني وإتخاذ إجراءات تعسفية ضد المهاجرين، وجوبهت مشاريع القوانين هذه بمعارضة الكونغرس الأمريكي، وكانت هجمات الأنثراكس على المدن الأمريكية هي الحدث المثالي الذي أسكت المعارضين وسمح بتمرير العديد من القوانين والتشريعات المخالفة للدستور الأمريكي ومنها قانون مكافحة الإرهاب المسمى (القانون الوطني) الذي أقرّ في 26/10/2001. وتجدر الإشارة هنا الى أن السيناتور داشيل رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي كان من أشد معارضي هذه القوانين قبل وصول رسالة الأنثراكس الى مكتبه لكنه غيّر رايه بعد ذلك.
4- أما لماذا أختير الأنثراكس دون سواه من أسلحة الدمار الشامل، فالسبب هو إن الإدارة الأمريكية قررت أن يكون العراق هو الهدف التالي للغزو بعد أفغانستان، وإن أفضل سلاح دمار شامل يمكن إستخادمه ضد المدنيين الأمريكان وإتهام العراق به هو الأنثراكس. فاالرأي العام الأمريكي سبق تعبئته بقصص وأهوال عن مخاطر الإنثراكس العراقي، وسبق وأن أعلن وزير الدفاع الأمريكي السابق وليم كوهين بأن العراق قادر على تسميم نصف واشنطن.كما أن رئيس المفتشين السابق (ريتشارد بتلر)ذكر في آخر تقاريره عام 1998 بإن الأنثراكس هو أحد أخطر القضايا المعلقة في البرنامج البايولوجي العراقي الذي وصفه ب(الثقب السود) (Black Hall) تشبيها له بالظاهرة الفلكية التي حبرت علماء الفلك في حجمها وتأثيرها على بقية كواكب الكون.
رابعا : الأدلة التي تثبت مسؤولية الإدارة الأمريكية عن هجمات الأنثراكس
إن الحقائق المذكورة في الفقرة السابقة ترجح مسؤولية الإدارة الأمريكية عن هجمات الأنثراكس وفق قاعدة (إذا حصلت جريمة فإبحث عن المستفيد)، وندرج في أدناه أدلة وقرائن إضافية تثبت هذه المسؤولية:
1 – لو كانت هجمات رسائل الأنثراكس عملا فرديا قام به عالم يسعى للترويج للقاح الأنثراكس، لما إحتوت على بيان مكتوب بخط اليد وبإنجليزية ركيكه يتضمن هجوما على أمريكا وإسرائيل لإعطاء الإنطباع بإن مرسلها من تنظيم القاعدة. وأدناه صورة البيان :
وترجمة البيان هي:
هذا ما يتلو 11/9/2001
خذ جرعة من البنسلين الآن
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
الله أكبر
وجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية وضعت العالمين بروس إيفنز والعالم ستيفن هاتفيل في دائرة الإتهام، وفي وقت لاحق برّأت العالم هاتفيل ودفعت له مبلغ ستة ملايين دولار تعويضات عن الأصرار النفسية التي سببتها له هذه الملاحقة. ويقي العالم إيفنز هو المتهم الوحيد في القضية حتى إنتحاره المزعوم، ولم تكلف الإدارة الأمريكية نفسها منذ حصول الهجمات، أي منذ سبع سنوات، فحص بصمات وخط يد إيفنز لمعرفة هل إن الرسائل كتبت بخط يده أم لا. وإذا كانت بخط يده فلماذا لم تعتقله، وإذا لم تكن بخط يده فكيف يكون هو المتهم الوحيد؟
2 - إدعي مكتب التحقيقات الفيدرالي أن العالم الأمريكي إنتحر بأخذ جرعة زائدة من الأسبرين، ولم يقدم دليلا يؤكد فرضية الإنتحار، ومن مراجعة سجل المؤسسات الإستخبارية الأمريكية تبرز حقيقة أن (الإنتحار) هو إحدى الوسائل المفضّلة لدفن الحقائق والأشخاص.
3 - حال الإعلان عن حصول هجمات رسائل الإنثراكس، بادر بوش وأركان إدارته والماكنة الإعلامية الأمريكية الى إستباق التحقيقات بشأن مصدر رسائل الأنثراكس، وأطلقوا أحكامهم متهمين تنظيم القاعدة والعراق بالمسؤولية عن هذه الهجمات، وإختلقوا وثائق لدعم هذه الفرضية، وأدناه نماذج من تلك التصريحات والتلفيقات :
- صرح بوش يوم 16/10/2001. قائلا (ليس لدينا المعطيات الثابتة، لكن من الواضح أن بن لادن هو الرجل الشرير، ولا أرى سواه يقوم بهذا العمل) كما هدد في تصريحه يوم 17/10/2001 الى أن هذه الهجمات سيرد عليها عسكريا بقوله : (سنحارب الإرهاب، وقد تستغرق الحرب ضد الإرهاب اكثر من عامين. فهناك عدة جبهات، وطالما ان هناك احدا يقوم بترهيب حكومات قائمة فان الحرب ستكون ضرورية).
- صرح جيمس وولسلي مدير المخابرات الأمريكية السابق يوم 18/10/2001قائلا (إستطعنا ردع صدام عن إرسال صواريخه محملة بالأسلحة البايولوجية إلينا، لكنه أرسل الينا أسلحته الجرثومية بدون وضع عنوان المرسل)
- ذكرت صحيفة أوبزيرفر بعددها يوم 14/10/2001 إن (المتشددين في البيت الأبيض يضغطون من أجل توجيه ضربات ضد العراق) وأضافت أن المحققين الأميركيين (يعتقدون أن رسائل الأنثراكس تحمل علامات هجوم إرهابي ويعتبرون العراق المتهم الرئيسي والمصدر الأساسي للمادة القاتلة).
- لفقت الإدارة الأمريكية وثائق وأحداث عن علاقة العراق بالقاعدة منها لقاء مزعوم في حزيران 2000 بين دبلوماسي عراقي في براغ ومحمد عطا قائد المجموعات التي نفذت هجوم 11/9، ومنها أيضا ما فضحه مؤخرا الكاتب فيرون سوسكايند في كتابه (طريق العالم)، الصادر في آب/2008 والذي قال أن المخابرات الأمريكية زورت رسالة بخط اليد موجهة من طاهر جليل الحبوش مدير جهاز المخابرات العراقي الى الرئيس صدام حسين بعلمه فيها ان محمد عطا تدرب في العراق على تنفيذ هجمات أيلول 2001.
- صرح "ريتشارد بتلر" الرئيس السابق للجنة الخاصة لصحيفة "لوموند" الفرنسية يوم 16-10-2001: (عندما كنا نقوم بالتفتيش عن الأسلحة العراقية وجدنا أدلة على امتلاك العراق للأنثراكس، بالإضافة لبقايا تلك الجراثيم في القنابل التابعة لهم، والمعدات اللازمة لتكوين تلك الجراثيم) وقال (لدينا بعض الآراء القائلة إن محمد عطا المتهم بتفجبرات 11/9 كان قد طلب من مسؤولين عراقيين منحه جراثيم الأنثراكس).
- صرح المفتش السابق البريطاني تيم تريفان يوم27/10/2001 أن العراق هو المتهم الأول كمصدر للأنثراكس. كما صرح في نفس اليوم المفتش البايولوحي الأمريكي ريتشارد سبرتزل قائلا(العراق على رأس قائمة المتهمين بهجمات الأنثراكس فلديه القدرة والمعرفة على صنع أنثراكس متطور، كما أنه يمتلك علاقات مع القاعدة)
ويمكن الإطلاع على المزيد من هذه التصريحات والمواقف منشورة في ورقة العمل (الأنثراكس في أمريكا) التي أصدرها في مركز بحوث عدم الإنتشار (CCR) في تشرين الثاني2002.
4 – لو كانت الإدارة الأمريكية قد فوجئت بهذه الهجمات ولم تخطط لها وتنفذها لإتخذت إجراءات عاجلة وجدّية لمعرفة الجاني والقاء القبض عليه، خاصة وأن معطيات كثيرة كانت تساعد على التوصل اليه منها دائرة البريد التي أرسلت منها الرسائل والبصمات والخط الذي كتبت به الرسائل ونوعية الأنثراكس المستخدمة. كذلك كان يجب فرض نظام مراقبة على مراكز البريد وإستخدام أجهزة الكشف عن الأسلحة الجرثومية، وعندها كان يمكن كشف الرسائل المتتالية التي أرسلت من نفس مكتب البريد خلال شهر تقريبا. كما كان المفروض أن تسعى الحكومة الأمريكية لتطمين الشعب الأمريكي بأن الأمور تحت السيطرة.
كل هذا لم يحصل وحصل العكس تماما، فقد أطلقت الحكومة الأمريكية ووسائل إعلامها حملة لتضخيم مخاطر هذه الهجمات وتركت الشعب الأمريكي في إلتباس تام وخوف مطلق وأخذت رسائل الأنثراكس مداها الكامل في خلق حالة الرعب لدى الشعب الأمريكي. وأدناه نماذج من هذه التصريحات والمواقف :
- أعلن السيناتور ليهي يوم 27/10/2001 أن الأنثراكس الذي إحتوته الرسالة الموجهة الى مكتبه كان يمكن أن يقتل مائة ألف شخص.
- عقدت المؤسسات الرسمية الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام2001 العديد من الإجتماعات والندوات والمؤتمرات شارك فيها وزراء ونواب الكونجرس وكبار الخبراء وأجهزة الأمن لبحث إحتمال تعرض أمريكا لهجوم أكبر بالأسلحة البيولوجية والنتائج المترتبة على ذلك. أحد هذه المؤتمرات توقع أن هجوما على أي مدينة أمريكية ستصل آثاره خلال اسبوعين إلى 25 ولاية أمريكية، وإن 50 كيلو جراماً من الأنثراكس إذا نشرت على إرتفاع ثلاثة آلاف قدم فوق أي مدينة أمريكية يمكن أن تصيب 125 ألف شخص بالمرض ويموت منهم 95 ألف شخص.
5 – عبر خبراء متخصصون في الأسلحة الجرثومية عن قناعتهم أن هجمات الأنثراكس لا يمكن أن تكون من عمل شخص واحد كما تدعي الإدارة الأمريكية، ونشرت وكالات الأنباء يوم 6/8/2008 تصريح محامي العالم (المنتحر) بروس إيفنز قال فيه لو أن موكله ما زال حيا لأثبت برائته، كما صرح بعض معارف وزملاء العالم المتوفي بإنهم غير مقتنعين بإنه قام بنشر هذا السم الفتاك، وقالوا إنه كان إنسانا متدينا ومتطوعا نشطا في عمليات الصليب الأحمر وذو شخصية إجتماعية محبوبة. كما عبّر مثقفون وياحثون أمريكيون عديدون عن قناعتهم بمسؤولية الحكومة الأمريكية عن هجمات الأنثراكس، ومنهم السيد ريتشارد أوكس الذي إعتبرها مؤامرة من الحكومة الأمريكية لخنق أصوات معارضيها (أنظر الموقع www.freefromterror.net).
6 -ومما يزيد القناعة بإن هجمات الأنثراكس كانت عملا إستخباريا منظّما هو حصول وفيات غامضة أو قتل عمد لعلماء بايولوجيين أمريكان بعد حصول هجمات رسائل الأنثراكس. ففي 15/10/2001 توفي الدكتور بنيتو كو الخبير في الأسلحة البايولوجية متأثرا بجراح اصيب بها إثر هجوم أربعة أشخاص مجهولين عليه بالهراوات، وفي18/10/2001 توفي العالم البايولوجي دون ويلي في ظروف غامضة (سقط من جسر)، وبعد ذلك بأيام وجد العالم البايولوجي فلاديمير باشنيك مقتولا قرب مختبر الأسلحة البايولوجية الذي يعمل فيه.(أنظر www.counterpunch.org).
7 – ومن المؤشرات التي تؤكد أن الإدارة الأمريكية إستخدمت هجمات الأنثراكس لتبرير غزوها وإحتلالها لإفغانستان والعراق، هو أن حملتها الإعلامية ضد القاعدة خفّت بعد الإحتلال الأمريكي لإفغانستان، بينما تضاعفت إزاء العراق وإستمرت في التصاعد حتى ساعة الغزو، ونشير على وجه الخصوص الى كلمة كولن باول الشهيرة أمام مجلس الأمن يوم 5/2/2003 (أي قبل الغزو بشهر ونصف) وجاء فيها (لقد أعلن العراق بأن لديه 8500 لتر من الأنثراكس إلا أن لجنة التفتيش الدولية عن الأسلحة تقدّر أن العراق قادر على إنتاج 25000 لتر، وإنه إذا تم تركيز هذه الكميات وتحويلها الى مسحوق جاف فإنها ستملأ عشرات وعشرات الألاف من الملاعق الصغيرة، ولم يقدم العراق بيانا قابلا للتحقق عن مصير ولو ملعقة واحدة من هذه المادة القاتله). (أنظر وثيقة الأمم المتحدة S/p.v.4701).
8– لم تكن هجمات الأنثراكس، كمؤامرة يتم فيها إستهداف مواطنين أمريكان لإغراض عدوانية، حالة منفردة في تاريخ المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية، ففي عام 1962 خطط رئيس الأركان الأمريكي لإنقلاب ضد إدارة الرئيس كينيدي من خلال إفتعال عمل إرهابي ضد المواطنين الأمريكان وإتهام الحكومة الكوبية به وإتخاذ ذلك ذريعة لعزل الرئيس كنيدي بتهمة ضعفه في مواجهة الخطر الكوبي. [أنظر كتاب (جهاز الأسرار) للكاتب الأمريكي جيمس بانفورد]. وفي أيلول 1941 تلقى الرئيس الأمريكي روزفلت، إنذاراً حول موعد الغارة اليابانية على قاعدة بيرل هاربر البحرية، ولكنه انتظر حتّى وقعت الغارة دون أن يخطر عنه أحداً، لكي يتمكن من إقناع الرأي العام الأمريكي بضرورة دخول أمريكا الحرب ضد دول المحور. [ أنظر كتاب جان بيير شوفنمان وزير الدفاع الفرنسي السابق (حرب الخليج دفعتني الى الإستقالة)]. كما أن هناك قناعة تتزايد بإضطراد لدى المعنيين داخل أمريكا وخارجها بأن المخابرات الأمريكية كانت تعرف بهجمات 11/9 ولم تمنعها بل فضّلت الإنتظار لحين حدوثها. وحادثة أخرى مشهورة وهي إتفاق جورج بوش الأب عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات الأمركية مع الإيرانيين على تأخير إطلاق سراح الرهائن الأمريكان في طهران الى ما بعد فوز رونالد ريغان. ومن تجربة العراق مع فرق التفتيش، وإعترافات المفتشين أنفسهم (ومنهم سكوت ريتر) فإن الإدارة الأمريكية كانت توجّه المفتشين الأمريكان بإختلاق مواجهة مع الجانب العراقي لاستغلالها لإستهداف العراق غير عابئة بالمخاطر التي قد يتعرض لها المفتشون، بل كانت تتمنى أن يؤذي العراق المفتشين لتسهيل إستهدافه.
وقائمة الأمثلة طويلة وكلها تقود الى إستنتاج واحد هو أن الإدارات الأمريكية المختلفة مستعدة للتضحية بأمن شعبها من أجل تنفيذ مخططاتها العدوانية، لكن تميزت إدارة بوش الإبن بإنها ذهبت أبعد كثيرا من أي إدارة سابقة فهي إستخدمت فعلا أسلحة الدمار الشامل ضد شعبها من أجل تبرير إرتكابها جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية في العراق وأفغانستان.
خامسا : حقيقة برنامج العراق البايولوجي
بعد إستعراض هذه المبالغات والأكاذيب حول البرنامج البايولوجي العراقي والأنثراكس العراقي لنرى حقيقة هذا البرنامج كما هي :
بدأ البرنامج البايولوجي العسكري العراقي في عام 1985، وحقق لغاية نهاية عام 1990 نتائج متواضعة، فقد توصل الى إنتاج الأنثراكس السائل ولم يصل الى مرحلة تجفيف الأتثراكس، أي أن الأنثراكس لم يكن، كسلاح، قابلا للتعبئة والخزن لفترة طويلة. وبعد صدور قرار مجلس الأمن 687(1991) الذي فرض تدمير كل ما يمكن أن تكون له علاقة بإسلحة الدمار الشامل والإنضمام لمعاهدة حظر الأسلحة البايولوجية، دمرت الحكومة العراقية معدات وعناصر البرنامج وإنضمت لإتفاقية حظر الأسلحة البايولوجية يوم 6/4/1991.
وتنفيذا للقرار 687 (1991) قدم العراق الإعلان الشامل عن برامجه في مجال اسلحة الدمار الشامل والصواريخ. وبسبب سوء التقدير والخشية من أذى إضافي يصيب العراق، لم يضمّن هذا الإعلان معلومات عن البرنامج البايولوجي بإعتباره دمر بالكامل قبل وصول المفتشين الى العراق. ولم تعترض اللجنة الخاصة على ذلك، لإنها أرادت إبقاء هذا الموضوع معلقا لمرحلة لاحقة، وفي عام 1995 طلبت اللجنة الخاصة من العراق تقديم معلومات عن برنامجه البايولوجي السابق، فأعلمها العراق في تموز أن برنامجه البايولوجي كان يشمل إنتاج كميات محدودة من عوامل الحرب البايولوجية وإنه دمّر بالكامل قبل وصول المفتشين. وفي 22/8/1995 أبلغ حسين كامل اللجنة الخاصة بجميع التفاصيل عن هذا البرنامج وعن تدميره، إلا أن اللجنة الخاصة ركزت على إقراره بإن العراق لم يعلن عن جميع عناصر برنامجه البايولوجي السابق وتعمدت إخفاء الجزء الي يؤكد فيه ان هذا البرنامج دمر كليا عام 1991. وللتوثيق ندرج في ادناه الجزء الخاص بتدمير البرنامج البايولوجي من محضر لقاء حسين كامل في عمان مع اللجنة الخاصة، والذي أبقته اللجنة الخاصة سريا لفترة طويلة :
المفتش سميدوفيتش : هل دمرتم الأسلحة والعناصر البايولوجية؟
حسين كامل : نعم كلها دمرت ولم يبق منها شيء
سميدوفيتش : ولكننا لم نجد آثار التدمير
حسين كامل : حصل التدمير قبل قدوم المفتشين، وقد أبلغناكم بمكان تدمير ودفن المعدات المدمرة.
ولإن إثارة الشكوك حول البرنامج البايولوجي العراقي المدمر يخدم أهداف السياسة الأمريكية ضد العراق ويديم الحصار عليه، فقد واصلت اللجنة الخاصة (الأنسكوم) وبعدها (الأنموفيك) الحديث في تقاريرها عن برنامج بايولوجي عراقي أنتج الإنثراكس ولا يعرف مصيره (ولم يذكروا أن الأنثراكس المنتج كان سائلا يفقد صلاحيته بسرعة وأنه دمّر)، وإستمر هذا الموقف الى أن جاء الإحتلال وتأكد الأمريكان من الوقائع على الأرض ومن مراجعة إرشيف الدولة العراقية الذي إستولوا عليه، من أن بيانات العراق صحيحة وأن إدعاءات إستخباراتهم كاذبة، واصدروا تقريرهم الشهير (تقرير لجنة مسح العراق) في تشرين الأول 2004 الذي أقروا فيه عدم وجود أية برامج او اسلحة دمار شامل في العراق، وأن هذه البرامج دمرت منذ عام 1991، عندها فقط أصدرت لجنة التفتيش (الأنموفيك) تقريرها الذي جاء في الفقرة 254 منه الآتي (تأكد المفتشون أن المرافق والتجهيزات والمواد التي من المعروف أن العراق إستخدمها في الماضي في برنامجه للحرب البايولوجية قد دمرت أو ابطل مفعولها). كما إعترف التقرير، وهذا هو الأهم، أن العراق لم ينتج الأنثراكس المجفف مطلقا حيث جاء في الفقرة 263 من التقرير (لم يعثر مفتشو الأمم المتحدة على أية أدلة تشير الى أن العراق أنتج عوامل حرب بكتيريه بايولوجية جافة ولم يتم العثور على أية ادلة على وجود ذخائر بايولوجية معبأة بعوامل جافة). [أنظر وثيقة الأمم المتحدة S/2006/420 المؤرخة 21/6/2006 ].
وهكذا إعترف الأمريكان، مجبرين، بإن كل إدعاءاتهم عن الأنثراكس العراقي باطلة، ولم يكن هناك أصلا أنثراكس عراقي مجفف.
سادسا : ملاحظة ختامية
كانت (أسلحة الدمار الشامل) الركن الأساسي في حملة الولايات المتحدة والصهيونية العالمية لشيطنة العراق ورئيسه. ولم يكن يذكر إسم الرئيس الشهيد صدام حسين إلا وسبقته صفة (القائد الوحيد الذي إستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه)، ولم يكن يذكر إسم العالمتين العراقيتين الفذّتين الدكتوره هدى صالح مهدي عماش والدكتورة رحاب طه العزاوي إلاّ وتسبقهما عبارة (الدكتورة أنثراكس) للأولى و (الدكتورة جرائيم) للثانية. فماذا إتضح اليوم؟
إيران هي التي إستخدمت الأسلحة الكيمياوية في حلبجة، ورد الله كيد بوش الى نحره، فإتضح إنه الرئيس الوحيد الذي إستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه. أما الدكتورة هدى والدكتورة رحاب فقد سجلتا أروع صفحات الصمود والإباء العراقي سواء عندما كان المفتشون يطاردونهما بإستجواباتهم الإستفزازية، أو بالصمود في معسكرات الإعتقال الأمريكية بعد الإحتلال. واليوم عرف العالم أخلاقية علماء العراق وأخلاقية علماء أمريكا الذين إشتركوا مع حكامهم في صنع أسلحة جرثومية محظورة إستهدافوا بها شعبهم. ولعلي أذكر هنا حادثة تبين مدى خسّة الإدارة الأمريكية وخسّة بعض علماء أمريكا وبريطانيا :
في عام 1993 ذهب وفد فني عراقي الى الأمم المتحدة للتفاوض مع اللجنة الخاصة لحلّ ما سمي المسائل المعلقة. وكانت الدكتورة رحاب ضمن الوفد. وأثناء تواجد الوفد في صالة الوفود في الأمم المتحدة لاحظت الدكتورة رحاب أستاذها الذي كان يدرسها في الجامعة في بريطانيا يمرق من أمامها فإستغربت وجوده في هذا المكان، لكن إستغرابها لم يطل، ففي المساء رن هاتف غرفتها في الفندق وكان المتحدث إستاذها الذي قال لها أنه مقيم في الغرفة المجاورة لها وإنه يريد مساعدتها وضمان موقع مميز لها في الجامعة البريطانية والى آخر الوعود المعسولة. وبكل هدوء أجابته الدكتورة رحاب بإنها لم تكن تتصور أن يستخدم عالم مثله في عملية إستخبارية رخيصة مثل هذه، وأغلقت الهاتف بوجهه، وإرتفعت هاماتنا الى السماء برحاب.
هذه هي أمريكا التي يشكو خبراء العلاقات العامة فيها من أنهم لم يستطيعوا تسويق شخصية وطنية أمريكية يجمع عليها الشعب الأمريكي وتصلح أن يلتف الشعب حولها ويقتدي بها، وهذا هو العراق وطن الرموز الشامخة التي يحار العراقي بإي منها يقتدي، وجاءت إنتصاراتنا على لإحتلال الأمريكي – الفارسي لتجعل كل عراقي مقاوم قدوة ورمزا وبطل.
والسؤال الأخير هو : الى متى يستمر سكوت العالم على العربدة الأمريكية التي تقود العالم الى الدمار والحروب؟ الى متى يقبل العالم أن يكون زاده اليومي المزيد من أكاذيب أمريكا والصهيونية العالمية؟ أما حان الوقت لتقوم ثورة أخلاقية وجبهة عالمية ضد تجار الحروب الأمريكان والصهاينة؟
والله المستعان
بغداد 10/8/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق