المختصر/
واع / ترجمة حرفية كاملة للتقرير الصادر عن معهد أمريكان إنتربرايز بقلم الباحث مايكل روبين :
يمكننا أن نتفهم الدعم الأميركي لاكراد العراق من منطلق عاطفي بحت، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى أضاع الأكراد فرصتهم للحصول على دولتهم في الوقت الذي نالت فيه شعوب أخرى استقلالها. ويبقى الأكراد اليوم أكبر مجموعة عرقية لا دولة لها. لقد عانوا الكثير على يد الآخرين، ولكن بينما تتقدم (كردستان) العراق، فإن عدم الثقة بقادتهم يجعل أي تحالف أميركي-كردي طويل المدى أمراً غير حكيماً. فبدلاً من أن تكون منارة للديمقراطية، يبدو بأن القيادة الكردية العراقية الحالية مصممة على تكرار نماذج أكثر استبدادية. وبدلاً من أن يسعى مسعود برزاني لأن يصبح نيلسون مانديلا إقليمياً، يبدو أنه ينتهج حالياً مساراً ليصبح ياسر عرفات جديد. على الرغم من البيان المتغطرس حول مناسبته ليكون حليفاً، فإن تصرفاته تفيد بأنه بعيد أن يكون أهلاً للثقة. لقد كانت (كردستان) العراق، ربما، المستفيد الأكبر من (تحرير) العراق، إذ يتمتع أكراد العراق اليوم بأعلى مستويات المعيشة، وأعلى مستويات من الاستثمار الأجنبي والأمن. لقد انتهت العزلة الدولية حيث تحمل شركات الطيران الأوروبية المسافرين وحتى السياح من ميونيخ وفيينا مباشرة إلى السليمانية وإربيل. وتستمتع القوات (متعددة الجنسيات) بالراحة والاسترخاء في فنادق دهوك ومنتجعات دوكان. وتتدافع إدارات النفط من الولايات المتحدة وأوروبا لجذب الاهتمام الكردي. استبقى الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بيتر غالبريت، السفير من عهد كلينتون، للقيام بالضغط من جانبهم، وحتى اقتراح إقامة قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. منذ خمس سنوات مضت، كان الوضع مختلف تماماً. في حين كان أكراد العراق يتمتعوا فعلياً بحكم ذاتي منذ عام 1991، فقد هيمن الشك على حياتهم اليومية. كانت ثقة أكراد العراق ضعيفة جداً بأن الولايات المتحدة والأمم المتحدة سيقوموا بأكثر من إدانة بغداد أو زيادة العقوبات في حال تحرك الجيش العراقي نحو الشمال. في عام 1975 ضحى وزير الخارجية هنري كيسنجر بأكراد العراق مقابل اتفاق تبني سياسة واقعية مع بغداد، التي كان يسيطر عليها نائب الرئيس في حينه صدام حسين. وقامت القوات الأميركية بالقليل عندما أمر صدام قوات الحرس الجمهوري باحتلال إربيل عام 1996. بينما قامت إدارة كلينتون بإدانة التحرك، وقد رأى كلاً من الحلفاء والخصوم كيف كان الرد الأميركي مكتوماً، حتى عندما قام الحرس باحتجاز والتنظيم وبالنهاية إعدام العراقيين الانتهازيين الذي يعملون مع واشنطن. عانت القوات العراقية عام 2000 من عواقب محدودة عندما اجتازوا الموازي الست والثلاثين لاستكشاف الدفاعات الكردية حول قرية بدر. تجاهلت الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بشكل كبير المنطقة الوحيدة الحرة نسبياً في العراق التي عانت ليس فقط من عقوبات الأمم المتحدة وإنما أيضاً في ظل الحظر المنفصل الذي فرضه حكم صدام في بغداد، والذي أعطاه الأمين العام للأمم المتحدة في حينها بطرس غالي السلطة لتوزيع الغذاء والدواء على اكراد العراق بموجب برنامج الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء. في أواخر عام 2001، أكدت إدارة الدولة بأن سفر المواطنين الأميركيين إلى شمال العراق غير قانوني بموجب جوازات سفر أميركية وذلك بناءً على العقوبات الأميركية وعقوبات الأمم المتحدة المفروضة. فرصة اكراد العراق في 1 آذار 2003 أعطى قرار تركيا في عدم المشاركة في عملية ( تحرير) العراق الادارة الكردية دفعاً إستراتيجياً غير متوقعاً. في حين أن القوات الخاصة الأميركية قد تشاركت مع ميليشيات البشماركة والقيادة السياسية الكردية في الأشهر السابقة لاندلاع العداوات، وقد ارتأى مخططي الجيش الأميركيين شراكة أكثر قوة مع تركيا. في شباط 2003، كرر الدبلوماسيون الأميركيون والأتراك وضباط الجيش مذكرة دبلوماسية شاملة لاستعراض فهم التعاون الأميركي-التركي في العراق. كان المسئولين الأكراد العراقيين مقتنعين تماماً بأن العلاقة التركية مع واشنطن يجب أن تحتل الأولوية على اهتماماتهم الخاصة التي اختطوها ليس لمنع التدخل التركي ولكن للحصول على موافقة، في البداية، أن يحدد البنتاغون الوجود التركي في العراق إلى ممرات تزويد محددة في شمالي العراق، وثانياً أي فريق تركي حقيقي يمكنه العمل فقط في مناطق جنوب أو شرق تكريت، ومناطق العمل التي تعتقد إربيل بأنها تحد من التأثير التركي في منطقة كركوك المتنازع عليها. أدى رفض البرلمان التركي المشاركة مع الولايات المتحدة للتحالف إلى قطع النفوذ الإستراتيجي التركي ودعم الأهمية الإستراتيجية للقوات الكردية العراقية لأهداف الولايات المتحدة. بدلاً من العبور من تركيا قامت القوات الأميركية بالهبوط بالمظلات في مهابط حرير، في شمالي إربيل. قد تكون البشماركة قامت بالسلب أكثر من القتال في الأسابيع الأولى من الحرب، ولكن، رمزياً، عززت العلاقة المتنامية مع القيادة المركزية الأميركية الشكوكية، المعتادة أكثر على رأي العالم بالقادة العرب وأقاربهم في الهيئات العامة أكثر من الاهتمامات الكردية. وقد دعمت الرومانسية أيضاً العلاقة الأميركية-الكردية. كان من الصعب على العديد من أفراد الجيش الأميركي ألا يتعاطفوا مع أكراد العراق: كان العديد قد اختبر أكراد العراق عام 1991 عندما ساعدوهم في صد الهجرة والمجاعة الكبيرة من خلال عملية توفير الراحة. وبالعودة بعد اثني عشر عاماً، وجدوا بأن المنطقة قد تحولت، على الرغم من العقبات العديدة، بفضل القيادة الكردية. كما سهلت الثقافة الكردية المحلية العلاقة مع الولايات المتحدة. يصر كلاً من دبلوماسيي وضباط الجيش التركي على المضي قدماً في المراسم والالتزام المتزمت بقواعد المقاطعة بدلاً عن تسهيلهم للعلاقات. يشعر القليل من الدبلوماسيين الأميركيين بالمودة تجاه محاوريهم الأتراك. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأكراد العراقيين يمطرون المسئولين الأميركيين بالضيافة، وتحضير مآدب سخية، وفي بعض الأحيان تسهيل العلاقات مع النساء. يضع الحزب الديمقراطي الكردستاني المسئولين الأميركيين في أماكن ضيافتهم ويقدموا الهدايا لمسئولي إدارة الدولة والجيش تتراوح ما بين السجاد الحرير والمجوهرات الذهبية. و في حين يرفض معظم المسئولين الأميركيين مثل هذه الهدايا، خلال فترة سلطة الائتلاف المؤقتة، فإن بعض المواطنين المسئولين المدنيين الأميركيين وضباط الجيش يقبلون بها. ومن أساليب تعزيز التأثير الكردي في واشنطن كان استئجار (حكومة إقليم كردستان) لخدمات ضباط ومسئولين سياسيين أميركيين سابقين لتمثيلهم. فمثلاً قامت القيادة الكردية بتوظيف شركة ضغط يديرها روبرت د. بلاكويل، نائب مستشار سابق في الأمن القومي، لتمثيل مصالح الأكراد في واشنطن ولتحضير لقاءات مع مسئولي الإدارة. هاري سكوت، القائد العسكري السابق في الكتيبة 404 للشؤون المدنية المرتكزة في إربيل، استقال من مهمته العسكرية ليصبح مستشاراً مأجوراً لرئيس الوزراء الكردي نيشيرفان بارزاني. كلاً من الجنرال غارنر (المتقاعد) والكولونيل ديك ناب (متقاعد)، الذين قادا الإدارات المدنية في فترة ما بعد الحرب في بغداد وإربيل، على التوالي، عادوا إلى كردستان العراق من أجل عقود. بينما قام قوباد طالباني، نجل جلال طالباني و زعيم التحالف الوطني الكردستاني، بالطلب من الأكراد ومن أصدقاء الأكراد العراقيين أن يتبرعوا لصالح الحملات الانتخابية الأميركية لأعضاء الكونغرس الذين يتعاطفون مع الاستقلال الكردي. أدت مشاركة الأكراد إلى جانب القوات الأميركية في الحرب على العراق، خاصة مقارنة مع الأفعال التركية، بالقيادة الكردية إلى التعبير عن إحساس بالجدارة. واستجابة لسؤال في مقابلة عام 2003 حول المكافأة المتوقعة لأكراد العراق لقاء دعمهم للأهداف الأميركية، قال مسعود بارزاني "إن مطلبنا الأساسي من الولايات المتحدة وبريطانيا...هو دعم نضالنا لإحراز حقوقنا الوطنية". في مقالة عام 2005 بخصوص الموضوع نفسه، أشار بارزاني، "بعد القوات المسلحة الأميركية، كانت قواتنا من البشماركة أكبر عضو في التحالف". منارة للديمقراطية ؟ يبدو بأن تعاليم بوش بإقامة تحالف مع كردستان العراق طبيعياً. فقد كانت الدبلوماسية وموضوع التحول إلى الديمقراطية في صدارة جدول الأولويات، على الأقل بيانياً ونظرياً، في سياسة البيت الأبيض. وقد يبدو هنا كردستان العراق على أنه نموذجاً. قبل سقوط صدام بسنتين، وصف كارول أوليار، طالب مقيم في مركز الجامعة الأميركية للسلام الكوني، كردستان العراق بأنها "بوتقة للديمقراطية ونموذجاً لعراق ما بعد صدام". أطلق سفيركير أوريدسون وأولي شميدت، مؤرخ في جامعة لوند وسياسي سويدي على التوالي، على منطقة كردستان العراق "منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط". في عام 2006 قامت حكومة إقليم كردستان التي تدير التعاون التنموي الكردستاني بوضع إعلانات تلفزيونية في الولايات المتحدة تصف كردستان العراق بأنه "يمارس الديمقراطية منذ أكثر من عقد من الزمان". مع العلم بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لم يسمحا بأي تحديات انتخابية جدية، إلا أن المغالاة المتعلقة فهي في حين كانت باقي أنحاء الدولة التي ترزح تحت حكم صدام كانت الأقاليم الثلاثة المحكومة من قبل مسعود بارزاني وجلال طالباني قائد التحالف الوطني الكردستاني أكثر حرية. ولكن لم يكن لا بارزاني ولا طالباني ديمقراطيان. خلال الحرب الأهلية الكردية الداخلية 1994-1997، قام القائدان الكرديان بانتهاك حقوق الإنسان بشكل كبير: فقد اختفى المناوئين وأمر بارزاني وطالباني بإعدام السجناء. ويقدر اليوم نشطاء أكراد العراق في المناطق التي يحكمها كلا القياديان السياسيان بأنه لا يزال هناك ثلاثة آلاف سجين كردي مصيرهم غير معروف، ولكن منظمات حقوق الإنسان الإقليمية تقول بأن القادة السياسيين يمنعان أي مطالبة من عائلات المفقودين. وخلال محاكمة صدام عام 2006، أشار العديد من المثقفين الأكراد في الجامعات الإقليمية والمقاهي بسخرية إلى أن القيادة الكردية العراقية قد ارتكبت بعضاً من الجرائم، وإن كان دون استخدام الأسلحة الكيماوية، التي كان يحاكم على أساسها صدام. لقد تغير العراق ولكن كردستان العراق لم تتغير. بعد سقوط صدام، توقع العديد من أكراد العراق بأن منطقتهم سوف تتحرر وتصبح ديمقراطية. فبدلاً من الإصلاح تعاظمت السياسات الإقليمية. حافظ بارزاني على حكم ديكتاتوري على محافظتي دهوك وإربيل، وطالباني بالمثل يسيطر على السليمانية. في حين أنه ليس دقيقاً أن توصف القيادة الكردية، على الأقل من جانب التحالف الوطني الكردستاني، على أنها عشائرية، فقد كان الطرفان يعتمدان على أفراد العائلة في الحكم. فقد عين بارزاني ابن أخيه رئيساً للوزراء وكلف ابنه ذو الخمس وثلاثون عاماً بإدارة وكالة المخابرات المحلية. بينما يحكم أقارب آخرين شركات الهاتف الإقليمية، والصحف والإعلام. وبالمثل تدير هيرو خان، زوجة طالباني محطة التلفزيون الفضائية المحلية. وفي حين أن أحد أبناء جلال الطالباني يدير عمليات مخابرات التحالف الوطني الكردستاني، فإن الآخر ممثل لحكومة إقليم كردستان في واشنطن (قوباد طالباني). وعندما حان الوقت لتوزيع الحقائب الوزارية في بغداد، استدار كلا القائدين الكرديين إلى عائلاتهم: أعطى بارزاني عمه حقيبة وزارة الخارجية، بينما طالباني أعطى صهره حقيبة الموارد المائية وأخ زوجته إلى السفارة في الصين. ولكن النقطة التي هي في صالح طالباني هي أن رجاله مؤهلين. تهيمن حالياً في كردستان العراق فكرة العداء لأميركا. إن عدم إدراك هذا الأمر واتخاذ الإجراءات لتصحيحها فسوف يؤثر ذلك سلبياً على الفرص الإستراتيجية للولايات المتحدة. يسيطر كلاً من بارزاني وطالباني على الشركات القابضة، فبعضها مرتبط بأقاربهم والبعض الآخر بأحزابهم السياسية. حوّل طالباني الأراضي الحكومية، بصفته قائد التحالف الوطني الكردستاني، إلى أقاربه لكي يكسبوا الفوائد. في إحدى الحالات، استخدم نوكان، وكيل أعمال الحزب، كوسيط لطرد اللاجئين من الأرض التي يرغب حزبه في تطويرها لرعاية أعضائها. وبما أن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني يسيطران على التعيينات القضائية، يفتقد اللاجئين والمواطنين العاديين الذين ليس لديهم علاقات رفيعة المستوى للاحتكام إلى القضاء. خلال الزيارات الدورية للسجون اكتشف مراقبو حقوق الإنسان المستقلين رجال أعمال مسجونين دون أي تهمة ويقولون بأنهم مسجونين بموجب قرار من أحد أبناء بارزاني بعد أن رفض شراكات خفية مع رجال أعمال من عائلة بارزاني. أما في المكتب، فإن بارزاني وطالباني قد كدسوا ثروات تفوق 2 مليار و400 مليون دولار، على التوالي. حيث أن القيادة السياسية الكردية تجادلت ذات مرة على عائدات الجمارك، قامت اليوم بدمج الخزينة الوطنية مع أموال الرشوة للحزب والمحافظ الشخصية. عملياً هنالك فرق بسيط بين ملكيات بارزاني وطالباني كأفراد وممتلكات أحزابهم السياسية وحكومة إقليم كردستان بمجملها. قام بارزاني بتحويل منتجعاً عاماً في ساري راش إلى مجمع شخصي، وقام أفراد عائلته ووزرائه ببناء منازل فخمة على الأراضي العامة المجاورة. تسيطر مفاوضات النفط الحديثة على الضبابية المستمرة على الأصعدة السياسية والتجارية الكردية. للحصول على امتيازات التنقيب عن النفط وعقود التنمية في إربيل ودهوك يجب أن تقيم الشركات شراكة خفية مع رابطة معينة من قبل بارزاني. يقول العديد من المسئولين المقربين من مفاوضات النفط المختلفة بأن روابط بارزاني قد طلبت نسب وصلت حتى 10% من العائدات المستقبلية على أن تحول إلى بارزاني شخصياً وقيمة مساوية لحزب بارزاني السياسي. إن الخزينة العامة لحكومة إقليم كردستان أمر ثانوي، حتى وإن كان النفط، ولو نظرياً، مصدر لكامل منطقة كردستان، إن لم نقل للعراق. إن مثل هذه المضاربات في المصالح ليست جديدة. تناقش الوثائق التي ضبطت بعد سقوط صدام معاملات تجارية بين نيجرفان بارزاني وأبناء صدام. ينتشر الفساد بسرعة كبيرة في هذا الوسط. بناءً على معلومات منظمات غير حكومية في حلبجة، عام 2006، دمر حريق مشكوك بأمره أرشيف اتحاد المعلمين من الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن صدر أمر بإرسال لجنة تدقيق حسابات بخصوص اختلاسات من أموال الاتحاد. إلا أن العديد من أكراد العراق يقولون بأنهم يأملون بأن يحفز الوجود الأميركي الإصلاح والشفافية والمحاسبة. آليات الحكم والسيطرة يجري التحكم السياسي في العمق. في حال وجود ضحية تتعلم من جلادها، فإن كلا الحزبين يكرر آليات حكم حزب البعث. ينتدب كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني ممثلين ليس فقط إلى صفوف الكلية وإنما إلى المدارس العليا. في بعض الحالات، هؤلاء الطلاب الممثلين الذين يقومون بعمل المفوضين السياسيين لا تتجاوز أعمارهم الأربعة عشر أو خمسة عشر عاماً: يقومون بتجميع تقارير عن المناقشات داخل الصف إلى جانب المناقشات الخاصة، التي تقوم مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني بتفحصهم. تجري أجهزة الاستخبارات في العمق، ويكون التعذيب شائعاً. يبدو بأن كلا الحزبين الكرديين يحذون حذو حزب البعث. بينما لا يلتزم أي منهما بأيديولوجيات تأسيسهم (مثلاً عدد قليل من أعضاء المكتب السياسي، يلتزمون بجدية بمعتقدات الاشتراكية العالمية، على الرغم من أن التحالف الوطني الكردستاني عضو في هذه المنظمة)، يمضي الأعضاء الطموحين بالإخبار عن زملائهم. يتعامل الأكراد مع الأجانب بشكل جيد، ولكن ينظرون إليهم بعين الشك: يقوم سائقي سيارات الأجرة المتوقفين خارج فنادق السليمانية برفع تقارير إلى مخابرات التحالف الوطني الكردستاني. عادة ما يقوم الاتحاد الوطني الكردستاني باستضافة الأجانب في مقرات ضيافة صلاح الدين. وفيما هم مرتاحين، يجبرهم التحالف على الاعتماد على سائقي الحزب (لا يمكن لسائقي سيارات الأجرة الاقتراب من هذه المنشأة). ويوجه عادة الحزب الديمقراطي الكردستاني سائقي سيارات الأجرة بعدم نقل الغربيين الذين لم يحصلوا على إذن من رئيس مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني للتحرك بين المدن. أما طاقم العمل في الفنادق الرئيسية في إربيل ودهوك والسليمانية فيفترض أن يكونوا من أعضاء الحزب؛ هناك الكثير منهم مرتبطين مع أجهزة المخابرات ويعدوا ملفات عن الزوار والأشخاص الذين يقابلونهم. قامت جامعة دهوك بتركيب سوفت وير للتعقب على أجهزة الكمبيوتر التي يستخدمها الأجانب؛ ومن المرجح بأن الكليات والجامعات الإقليمية الأخرى تقوم بعمل الأمر نفسه. إن عواقب عدم الانقياد بخط الحزب له جذور عميقة: الطلاب الذين ينتقدون الحزب أو قيادته يوضعون على القائمة السوداء من حيث التوظيف وفرص التعليم. في جامعة صلاح الدين، مثلاً، الطلاب الحاصلين على درجات عليا ولكن غير مرتبطين بالحزب الديمقراطي الكردستاني يجب أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم غير كفوئين. يتمتع بارزاني وطالباني بآليات أخرى للحكم. البشماركة تحديداً، أولئك الذين يواجهون الموت، يكون عملهم كجيش لكردستان العراق أقل من عملهم كمليشيا لفرض رغبات قادة الأحزاب السياسية. على الرغم من الاتحاد الاسمي بين إدارتي القادة الكرديين، فإن أجهزة استخبارات الأحزاب والمليشيا تبقى مستقلة. المسافرون الواصلون إلى كويسانجاك، أول مدينة رئيسية في منطقة الاتحاد الوطني الكردستاني يتم التحقيق معهم من قبل بشماركة التحالف الوطني الكردستاني وفي بعض الأحيان من قبل أجهزة مخابراتهم أيضاً. غالباً يكون أعضاء البشماركة فوق القانون. في إحدى الواقعات الحديثة، قام عضو في البشماركة بإطلاق النار على ضابط شركة أثناء الوقوف على شارة مرور عادية. وقام زملاء المشتبه بنقله من سجن الشرطة لكي يمنعوا على المدعي العام محاولات توجيه الاتهامات له. ليس هناك تحقيقات ولا توازنات. إن حرية الصحافة في كردستان العراق في تراجع، حتى أثناء توسعهم في المناطق الغير كردية. تستخدم زوجة طالباني نفوذها على كل من المحطة الفضائية المحلية والمجلة المحلية لضبط النقد. على الرغم من وجود صحيفتين مستقلتين في كردستان العراق، أوين وهاولاتي، فإن القيود تتزايد عليهم. يستخدم كلا الحزبين تحكمهم بمحاكم القانون بالتهديد، والإفلاس وحتى حبس الصحفيين الذين ينتقدون الأحزاب الحاكمة والمسئولين. مثلاً لاحق التحالف الوطني الكردستاني محررين من هاولاتي بعد أن اتهمت الصحيفة رئيس الوزراء من التحالف الوطني الكردستاني بالإساءة باستخدام السلطة. وقد هدد مكتب نيجرفان بارزاني بمحاكمات تافهة للكتاب والمحللين الأجانب الذين لا يلتزموا بخط الحزب. أما أولئك الذين يرفضون الانضمام أو على الأقل أن يلتزموا الصمت يواجهون أجهزة الاستخبارات. في تشرين الأول 2006 قامت المخابرات السرية للحزب الديمقراطي الكردستاني باختطاف الصحفي النمساوي-الكردي كمال سعيد قادر بعد كتابته مقالات تتناول الفساد ضمن جماعة بارزاني الحاكمة وقام بنشر وثائق تشير إلى الروابط بين الملا مصطفى بارزاني، قائد قومي هام، ومسعود بارزاني الأب، وأجهزة الاستخبارات الروسية. بعد محاكمة لمدة 15 دقيقة، حكم قاضي الحزب الديمقراطي الكردستاني على كمال بالسجن لمدة ثلاثين عاماً، ولم يستبدل هذا الحكم حتى قامت حملة من المنظمات الغير حكومية الدولية وبعد إدانة الحكم من قبل إدارة الدولة. تظهر الإدارات الكردية بأنها مصممة على استعادة التحكم السياسي المحكم على الصحافة. ويبقى القانون الكردي معتمداً على القانون العراقي. المادة 433 من قانون الجنايات العراقي، الذي سنه حزب البعث، يساوي بين كافة الانتقادات على أنها جرائم قذف. اتحادات الصحفيين المحلية التي رغبت بتغيير هذا النتاج قوبلوا بغضب بارزاني. في 20 كانون الأول 2007، أبلغ بارزاني البرلمان أن يعيد النظر بالتشريع الذي قد يقلب قانون الصحافة من العهد البعثي ويجيز انتقاد حكومته. كما لم تكن المنظمات الغير حكومية جهات مستقلة. تعمل معظم المنظمات الغير حكومية الكردية تحت رعاية القيادة السياسية الكردية. مثلاً تعتمد منظمة رعاية الأطفال الكردية على رعاية زوجة طالباني وتعمل بشكل كبير بموجب أهداف الحزب. أما عمال المساعدات الخارجية فيقولون بأن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني قد أصرا على تشغيل أعضاء الحزب في حال أرادا العمل بالتنسيق مع الحكومة المحلية. عندما رفض موظفين أكراد مستقلين يعملون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إطاعة تعليمات التحالف الوطني الكردستاني، قام مسئولي أمن الحزب بصياغة ملفات عنهم وقدموا مزاعم عن اعتبارات أمنية إلى إداريي الوكالة، الذين قاموا فوراً بطرد المستقلين وتعيين الموالين للاتحاد الوطني الكردستاني. مع بعض الاستثناءات القليلة جداً قامت منظمات حقوق الإنسان المحلية ووزارة حقوق الإنسان الحكومية بالتركيز على الأعمال الوحشية ضد الأكراد في ظل نظام صدام، بدلاً من الإساءات التي توجهها القيادة السياسية الحالية. بينما كانت الهوة بين القيادة الكردية والناس الذين يدعون بأنهم يمثلونهم تزداد عمقاً، كان التنافر أيضاً يزداد. يشعر العديد من الأكراد بالعجز. ليس هنالك محاسبة، حتى عندما تقوم الحكومة بإصدار قرارات متعجرفة مثل توفير 24 ساعة من الكهرباء لإضاءة قبر إبراهيم أحمد، والد زوجة طالباني، بينما يقطع التيار الكهربائي عن اللاجئين الأكراد. إن قرار التحالف الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني للدخول في نفس قائمة الانتخابات علناً واقتسام المناصب سرياً قد أثرت سلبياً على منع حق الاقتراع عن الشعب المحلي. عندما بدأ التحالف الإسلامي الكردستاني، الجناح الغير عنيف من الإخوان المسلمين، باعتداءاته، قامت حشود يرعاهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بإحراق مكاتب الحزب في عدد من المدن وقتلت رئيس الحزب في دهوك. حتى بعد تنظيمهم لتجنب المنافسة، لمس دبلوماسيو الولايات المتحدة وهيئة الانتخابات المستقلة بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقوم بتزوير فاضح في الانتخابات في كافة أنحاء البلاد، باستخدام البشماركة لمنع وصول الناخبين وقيام مراقبي الحزب بتعبئة صناديق الاقتراع. كان التزوير لا مبرر له، حيث أنه بدون هذا التزوير فإن آلة الحزب والمصادر كانت الضامن للفوز، حتى وإن لم تكن على نفس الدرجة مما قام به الديكتاتوريين الإقليميين من أمثال حسني مبارك وبشار الأسد. تحليل السلوك الكردي قد لا يكون كردستان العراق منارة للديمقراطية التي يدعيها ممثليها، ولكن الواقعيين في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قد يجادلوا بأن ممارساتهم تجاه الشعب غير هامة بالنسبة للمصالح الأميركية، خاصة إذا ما استمرت المنطقة الكردية بكونها مؤيدة للمصالح الأميركية. إن مثل هذه الحسابات متسمة بقلة التمييز. وبما أن حكومة الولايات المتحدة قد دعمت كلا القائدين الكرديين، فإن الأكراد بشكل عام يربطون سوء سلوك قادتهم بسياسة الولايات المتحدة. تتزايد عبارات الاستياء عندما يعزو الأكراد إساءات قادتهم للمصالح الأميركية: عام 2006، مثلاً، عندما طلبت الحكومة الأميركية بمكان من أجل مكاتبها في السليمانية، قام طالباني بطرد كلية تقنية بدون سابق إنذار، إن لم نذكر الإجراء المناسب، مما أدى إلى غضب شريحة كبيرة من الشعب. كما يتهم الأكراد أيضاً المسئولين الأميركيين بالاشتراك في التعذيب الذي يرتابون بأنه مركز تسليم العدو في منشآت من عهد صدام بين تاسلوجا وباراماغران. بينما يصرح المسئولين الأكراد بتوقعات الشعب الموالي لأميركا، فإن مثل هذا التوجه يذبل بسرعة. هيمنت العدائية لأميركا ضمن كردستان العراق. إن عدم إدراك ذلك الآن واتخاذ الإجراءات للتصحيح سوف ينعكس سلباً على الفرص الإستراتيجية الأميركية. قد يتغاضى الإستراتيجيون الأميركيون عن هذا الأمر فيما إذا برهن أكراد العراق بأنهم سوف يدفعون بالمصالح الأميركية الإقليمية قدماً. ولكن للأسف، لم يفعلوا ذلك. في حين أن كردستان العراق لم تسمح للقوات العراقية بالتجمع، وانضمت إلى الاتجاه الجنوبي في نيسان 2003، لتعبئة الفراغ الذي خلفه انهيار الجيش العراقي، يترك السلوك الكردي سؤال كبير حول مدى مصداقية كردستان العراق كحليف لأميركا. في الواقع بارزاني كرر إستراتيجية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: فإنه ينكر التورط بالإرهاب ومع ذلك يسعى لرفعه إلى مكاسب دبلوماسية. خلال الأسبوع الأول من تموز 2003، كانت وحدة عسكرية أميركية تقوم بدورية في الجبال في الشمال الشرقي للعراق حوالي ثلاثين ميلاً من الحدود الإيرانية وصادفوا نقطة تفتيش غير رسمية للحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث قاموا بمصادرة حفنة من جوازات السفر الإيرانية والأموال. لقد استخدم مسئولي الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه النقطة لتسهيل تمرير الإيرانيين، بالسماح للعاملين الإيرانيين باستبدال جوازات السفر الإيرانية بوثائق هوية كردية محلية، مقابل مبالغ مالية. اعترف القادة الأكراد بسرية بأن هذه الحالة لم تكن وحيدة. في بداية التمرد العراقي في نيسان 2004، أصبحت كردستان العراق منطقة عبور لأنصار السنة: فقد دخل أفرادها كردستان العراق من إيران وتمكنوا من الوصول بسلام إلى الموصل مقابل اتفاقية بعدم القيام بعمليات في المحافظات الشمالية الثلاث، وربما إلى جانب دفع مبالغ معينة. إن التعامل المزدوج للأكراد مع إيران مستمر حتى اليوم. في 11 كانون الثاني 2007 وفي 20 أيلول 2007 غزت القوات المسلحة الأميركية المنشآت في إربيل والسليمانية وألقت القبض على ستة من أفراد الاستخبارات الإيرانية. كان المسئولين العراقيين يحتجون في كل مرة على الاعتقالات. بعد الواقعة الأولى، أصدر مكتب بارزاني بياناً يقول فيه "يُفضل إعلام الحكومة الكردية قبل اتخاذ إجراءات ضد أي شخص"، وفي الواقعة التالية، وصفت حكومة إقليم كردستان الاعتقال بأنه "غير شرعي" وقالت بأن "إن مثل هذه الإجراءات لا تخدم أحداً". إن القرار بعدم تحذير السلطات الكردية لم يكن سخافة دبلوماسية وإنما كان نتيجة للخبرة، فإن صانعي القرار الأميركيين فقدوا الثقة بالسلطات الكردية من عدم إفشائها معلومات حساسة ذات علاقة بالعمليات. فيما إذا كانت القيادة الكردية أو التابعين لها في البشماركة وأجهزة الأمن يقومون بذلك للتوصل ببراعة إلى سلطات إقليمية أو لأسباب شخصية فإن ذلك ليس هاماً. إن رفض السلطات الكردية اللاحق، من جانب كل من حكومة إقليم كردستان وهوشيار زيباري، وزير خارجية العراق وعم بارزاني والشخص المختار للمنصب، بتزويد المسئولين الأميركيين بقائمة دبلوماسية قد قطعت ثقة القوات المتعددة الجنسيات بالقيادة الكردية. إن مثل هذه القائمة التي لا مبرر لوجود السرية حولها سوف تمكن السلطات الأميركية من تحديد الوضع الدبلوماسي قبل العمليات. يظهر الرفض الكردي عدم الاستعداد لمساعدة الجهود الأميركية لمواجهة تسلل عناصر الحرس الثوري الإيراني. اللعب بورقة الإرهاب إن عداوة بارزاني مع تركيا تقطع أيضاً أي إمكانية للتحالف مع الولايات المتحدة. ينظر العديد من المسئولين الأكراد إلى العلاقات الأميركية-التركية على أنها لعبة يخرج فيها الطرف الثاني صفر اليدين: فإما أن تقوم واشنطن بتنفيذ صداقة مع إربيل أو أن تتحالف مع أنقرة. لا يفهم معظم المسئولين الأكراد بأنه لا يفترض بالعلاقات أن تكون مقتصرة. غالباً ما تقول السلطات الكردية للمسئولين الأميركيين الزائرين بأن كردستان العراق ستكون حليفاً أفضل بكثير من تركيا. فهم لا يفهمون لا اتساع العلاقات الأميركية التركية ولا مدى الاستخفاف الذي تلاقى به المطالب الكردية حيث أن واشنطن تقوم بفلترة حلفائها عبر مصالحها في أي دولة أخرى. مثلاً المملكة العربية السعودية وإسرائيل قد ترغبان في أن تتراجع في علاقاتها مع الطرف الآخر، ولكن كلاهما مقتنعان بأن ذلك لن يحصل. لا يتمتع بارزاني بهذا النوع من التمرس ويبدو عازماً على إجبار البيت الأبيض على الاختيار بين أنقرة وإربيل. في حال قيامه بذلك، فإن القيادة الكردية سوف تصاب بخيبة أمل. ليس هناك سبباً جازماً بأن بارزاني يجب ألا يدافع عن المصالح الكردية، ولكن غالباً ما تتحول بياناته إلى تهديدات. في كانون الأول 2005 مثلاً أوضح بأنه إن لم تنضم مدينة كركوك الغنية بالنفط إلى إدارته بحلول كانون الأول 2007، فسوف يشعل فتيل الحرب الأهلية في كل أرجاء العراق. ثم في نيسان 2007 هدد بمساندة التمرد في تركيا في حال لم تذعن أنقرة لمطالبه في كركوك. يتورط الإعلام الذي يسيطر عليه حزبه بنفس النوع من التحريض ضد تركيا كالذي يقوم به الإعلام الفلسطيني ضد إسرائيل. تظهر الخرائط التي تباع في ظل برلمان حكومة إقليم كردستان بأن منطقة كردستان الكبرى تمتد إلى داخل تركيا. تشير الصحف الكردية إلى كردستان العراق على أنها جنوب كردستان، ويكمن المعنى الضمني بأن تركيا الجنوب شرقية هي شمال كردستان. كما يحدث مع السلطة الفلسطينية، إنها تلك النزعة لاستخراج مطالب أتباع النظرية الشعبية عبر الحدود مما يجعل من كردستان قوة لعدم الاستقرار، وليست ملاذاً للأمن. من هذا المنطلق أصبحت علاقات بارزاني مع حزب العمال الكردستاني معضلة. قد لا يكون بارزاني قومياً، ولكنه واقعي أيضاً. إنه يكره حزب العمال الكردستاني القوي، ليس لأن إرهابه يلوث قضية القومية الكردية ولكن لأنه يقدم بديلاً. عبد الله أوجلان، قائد الحزب، سعى إلى الصدارة على منافسيه الأكراد العراقيين. "بارزاني وطالباني مثل الأقدام والأذرع، أما أنا فالرأس الأساسي أو العقل"، كما فسر أوجلان الأمر في مقابلة معه عام 1998. أمر بارزاني وطالباني جماعاتهم من البشماركة في التسعينات بمقاتلة حزب العمال الكردستاني في أي مكان يحاولون فيه إنشاء موطئ قدم لهم في مناطقهم. في ذلك الوقت، طلب بارزاني من الحكومة التركية أن تساند جماعته من البشماركة وأن يحاربوا معه ضد المجموعة الإرهابية بناءً على ما يقوله عدد من الدبلوماسيين وضباط المخابرات الأتراك. وأدرك بارزاني بأن أي ملاذ آمن لحزب العمال الكردستاني سيكون لعنة لمصالحه وتحرك لمنع ذلك. ولكن بوجود أوجلان في السجن لم يعد يشكل حزب العمال الكردستاني تهديداً لتفوقه السياسي، تبنى بارزاني المجموعة لاستخدامها كأداة ضد تركيا. بعد قرار البرلمان التركي في 1 آذار، 2003 بعدم المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد صدام، غدا بارزاني على ثقة كبيرة بتقديراته بخصوص الصداقة مع واشنطن واتخذ خطاً حامياً ضد أنقرة. فاستقبل قادة حزب العمال الكردستاني في منطقته، وخاصة في منطقة "المثلث الحدودي" إيران، العراق وتركيا. في حين أن المتحدثين باسم بارزاني وحكومة إقليم كردستان قد كرروا وعودهم بحملة لفرض النظام كان بارزاني في الواقع يكرر إستراتيجية رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات: كان ينكر التورط بالإرهاب ولكن مع ذلك يسعى إلى رفعه إلى مكاسب دبلوماسية. إنه يقول للدبلوماسيين الأميركيين بأن تهديد حزب العمال الكردستاني سوف يختفي في حال عرضت أنقرة المزيد من التنازلات فيما يخص العفو العام والإذاعة والإصلاحات الدستورية، بينما في الوقت نفسه يشجع قادة حزب العمال الكردستاني على الاستمرار في الهجمات، وفي الواقع، يسهل لهم هذه العمليات الإرهابية. تقول السلطات التركية بأن لديهم صور لقادة رفيعي المستوى من حزب العمال الكردستاني يتلقون الرعاية الطبية في مشافي إربيل ويلتقون مع حلفاء بارزاني في المطاعم المجاورة. عن طريق بيع المؤن والغذاء، حصل بارزاني على ربح جيد، وعندما انخرط أفراد عائلته بالتجارة أصبحوا مدمنين عليها. يشك المسئولين التركيين بأن ابن بارزاني يبيع السلاح لحزب العمال الكردستاني. إن هذه المعلومة أجبرت أنقرة على اتخاذ ذلك النهج القاسي ضد كردستان وأقنعت المسئولين الأميركيين بدعم أنقرة، حتى عندما كانت الطائرات الحربية التركية تقصف الأهداف الكردية. مستقبل العلاقات الأميركية - الكردية يعيش كردستان العراق في الماضي، حيث يمضي بسمعة زائفة، وينعزل عن الواقع بفضل مديح مجموعات الضغط والمستشارين. لدى كل من بارزاني وطالباني سبباً لكي يشعروا بالفخر: في أواخر التسعينات وقبل الإطاحة بصدام، كان كردستان العراق قصة نجاح، ديمقراطي نسبياً ومزدهراً حتى في ظل العقوبات. قد يعذر الأكراد أخطاء قادتهم بسبب الأزمة الأكبر، ولكنهم يتحلون بالأمل في المستقبل. إن تاريخ علاقة عائلة بارزاني مع الشعب أنها تسعى إلى قيادة نظائر تطور الأجيال على قاعدة سعود في المملكة العربية السعودية. كل جيل ينمو بمزيد من العزلة والفساد. بعد تحرره من ظل صدام انزلق كردستان العراق إلى الخلف. ومع رفع العقوبات انتشر الفساد بشكل كبير. إن تاريخ علاقة عائلة بارزاني مع الشعب أنها تسعى إلى قيادة نظائر تطور الأجيال على قاعدة سعود في المملكة العربية السعودية: إن كلا من الملا مصطفى بارزاني (1903-1979) والملك عبد العزيز بن سعود (1876-1953) استمروا بالتقرب من القيم القبلية لمجتمعهما وكانوا موقرين بصدق. إلا أن كل جيل ينمو بمزيد من العزلة والفساد. بينما يخبر بارزاني المستثمرين عن خططه بتحويل المنطقة إلى دبي جديدة، لا يفهم بأن إدارته للفساد سوف تعيق مثل هذا النجاح. بينما تزداد الهوة بين الغنى والفقر، وبينما طالباني وبارزاني يستخدمان آليات الحكم لإخماد المعارضة، فإن الأحزاب الإسلامية سوف تزداد شعبيتها، لقد قاموا باعتداءاتهم، إن لم يكن بسبب آرائهم الدينية فإن ذلك بسبب اعتبار الأكراد لهم البديل "النزيه" الوحيد لفساد الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني. يتجنب معظم الأكراد التشدد الديني للاتحادات الإسلامية الكردية، ولكن في حين أن الحزب يزداد شعبيةً، فإن انتقاده الكبير للسياسة الأميركية ولنظريات المؤامرة حول النوايا الأميركية سوف تتخذ لها جذوراً قوية. يقترح عدد من المسئولين الأكراد العراقيين وبعض المعلقين الأميركيين بأن كردستان العراق يمكنه أن يستضيف الوجود الأميركي العسكري الطويل الأمد، مما سيمكن القوات الأميركية من الانسحاب من باقي أنحاء العراق، حيث لا يلقوا نفس الترحيب. كان هذا الأمر خياراً ذات مرة، ولكن سلوك بارزاني جعله أمراً غير حكيماً. في حين أن قاعدة في كردستان العراق، على الورق، يبدو بأنها قيمة إستراتيجية للبنتاغون، في الواقع قد تكون مسئولية. حيث أن بارزاني يمكّن، إن لم يكن يرعى، إرهاب حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، فإن أي وجود أميركي سوف يحمي كردستان العراق من أي محاسبة. يريد بارزاني قاعدة أميركية على أراضيه لأنها ستوفر له حصانة من الانتقام التركي. في الواقع، إن إقامة أي قاعدة أميركية في كردستان العراق، طالما أن بارزاني بقي في السلطة، قد يؤدي إلى نزاع أكبر. إن بارزاني ليس شخصاً محباً للغير: إن الاختباء خلف كتائب دائمة من القوات الأميركية، سوف يمنحه في الواقع الحصانة التي يريدها. فيما إذا رغب البنتاغون بإنشاء قاعدة في كردستان العراق، يجب أن يتوقع مشاكل من حزب العمال الكردستاني ومن ازدياد تحريض بارزاني لدول الجوار. يريد بارزاني للقوات الأميركية أن تقيم في أراضيه لنفس السبب الذي تطالب فيه حماس وفتح بوجود مراقبين أوروبيين على طول حدود غزة مع إسرائيل، وبنفس الشكل يتقبل حزب الله وجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوبي لبنان. بعيداً عن تمكين الانسحاب الأميركي، فإن أي قاعدة في كردستان العراق في الظروف الحالية سوف تضمن توسعاً في النزاع. إن الديكتاتوريين الإقليميين وخاصة أولئك الذين يرفضون فصل أنفسهم عن الإرهاب يشكلون حلفاء رديئين. في حال كانت كردستان العراق حليفاً جيداً، فقوة الاستقرار، والتحفظ من الأيديولوجيات المتآكلة للقوميات الإسلاميات العربية، فإن إستراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تركز على المصالح الطويلة الأمد. إن كردستان العراق هامة إستراتيجياً. إن الفيدرالية هي مستقبل العراق. في حين أن الكثير من الخبراء، وفي الواقع، العديد من العراقيين يتوقون إلى عودة الرجل القوي ونمط الحكومة المركزية للعراق، فإن مثل هذا النظام لم يفلح يوماً: كانت العراق على شفا حرب أهلية مستمرة في الفترة ما بين 1961 و2003، حين كان العراقيين يقاومون محاولات بغداد فرض إرادتها الديكتاتورية. يبدو بأن القيادة القوية جيدة، ولكن العراق يبقى دولة فيها مئة من الأولويات المتوقعة لكل خصوصية. يجب أن تتحلى واشنطن بمبدأ عدم السماح بأي نوع من الإرهاب على الإطلاق. لقد اتخذت كردستان العراق خطوات كبيرة، ولكن بارزاني يجازف بكل شيء قد حصله أكراد العراق بتوريط نفسه مع حزب العمال الكردستاني. لقد خان كلاً من الحزب الكردستاني الديمقراطي والتحالف الوطني الكردستاني ثقة واشنطن في تعاملاتهم مع إيران. في حين أنه من الطبيعي أن يكون لكلا الحزبين علاقات مع جيرانهم، فإن بيعهم للمعلومات أو تسهيلهم للتسلل إجراءات غير مقبولة لتواصلهم مع جيرانهم. إن مسئولية القيادة ليست اختيارية. فالقيادة الكردية العراقية المسئولة يجب أن تضع حداً للتحريض. قد تصنع الغوغائية سياسات جيدة وقد تبعد عن مواضيع الفساد والمحاسبة التي يرغب بارزاني بتجنبها، ولكن التحريض يعطي نتائج عكسية. تنشر اللغة الكردية بأن تحكم الأحزاب الحاكمة يؤدي أحياناً إلى تأجيج المشاعر القومية. عن طريق تخصيص خمس وعشرون دقيقة من نشرة أخبار لمدة ثلاثين دقيقة للمطالب الشعبية بالاستقلال، مثلاً، مقابلة أطفال المدارس وجعلهم يسردون المطالب القومية، يجر بارزاني نفسه ومنطقته إلى صراع مع جيرانه. قامت إدارة الدولة بتجاهل مثل هذا التحريض في السنوات الأولى من السلطة الفلسطينية وذلك لكي تحكم الكيان بالفوضى؛ ويجب ألا يتكرر الخطأ نفسه، لأسباب عملية، مع السلطة الكردية. بينما تقصف الطائرات الحربية التركية معاقل الإرهاب في كردستان العراق، فقد حان الوقت لكل من واشنطن وإربيل لإعادة النظر بسياساتهم. لدى واشنطن العديد من الأوراق لاستخدامها. إن التعاطف مع كردستان مفهوم ولكنه يعتمد بشكل متزايد على الأسطورة. يجب ألا تكون الإرادة الطيبة للولايات المتحدة تخويلاً؛ قد يبقى بارزاني حليفاً، ولكنه حرم نفسه من الأهلية لأي شراكة حقيقية. لقد حان الوقت لاتخاذ مبدأ الحب القاسي لكردستان العراق. يجب ألا تكون هناك مساعدات ولا شرعية دبلوماسية طالما أن كردستان العراق بقيت مأوى لحزب العمال الكردستاني، تبيع الأمن الأميركي لمن يدفع أكثر، وتترك الإصلاح الديمقراطي راكداً
واع / ترجمة حرفية كاملة للتقرير الصادر عن معهد أمريكان إنتربرايز بقلم الباحث مايكل روبين :
يمكننا أن نتفهم الدعم الأميركي لاكراد العراق من منطلق عاطفي بحت، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى أضاع الأكراد فرصتهم للحصول على دولتهم في الوقت الذي نالت فيه شعوب أخرى استقلالها. ويبقى الأكراد اليوم أكبر مجموعة عرقية لا دولة لها. لقد عانوا الكثير على يد الآخرين، ولكن بينما تتقدم (كردستان) العراق، فإن عدم الثقة بقادتهم يجعل أي تحالف أميركي-كردي طويل المدى أمراً غير حكيماً. فبدلاً من أن تكون منارة للديمقراطية، يبدو بأن القيادة الكردية العراقية الحالية مصممة على تكرار نماذج أكثر استبدادية. وبدلاً من أن يسعى مسعود برزاني لأن يصبح نيلسون مانديلا إقليمياً، يبدو أنه ينتهج حالياً مساراً ليصبح ياسر عرفات جديد. على الرغم من البيان المتغطرس حول مناسبته ليكون حليفاً، فإن تصرفاته تفيد بأنه بعيد أن يكون أهلاً للثقة. لقد كانت (كردستان) العراق، ربما، المستفيد الأكبر من (تحرير) العراق، إذ يتمتع أكراد العراق اليوم بأعلى مستويات المعيشة، وأعلى مستويات من الاستثمار الأجنبي والأمن. لقد انتهت العزلة الدولية حيث تحمل شركات الطيران الأوروبية المسافرين وحتى السياح من ميونيخ وفيينا مباشرة إلى السليمانية وإربيل. وتستمتع القوات (متعددة الجنسيات) بالراحة والاسترخاء في فنادق دهوك ومنتجعات دوكان. وتتدافع إدارات النفط من الولايات المتحدة وأوروبا لجذب الاهتمام الكردي. استبقى الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بيتر غالبريت، السفير من عهد كلينتون، للقيام بالضغط من جانبهم، وحتى اقتراح إقامة قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. منذ خمس سنوات مضت، كان الوضع مختلف تماماً. في حين كان أكراد العراق يتمتعوا فعلياً بحكم ذاتي منذ عام 1991، فقد هيمن الشك على حياتهم اليومية. كانت ثقة أكراد العراق ضعيفة جداً بأن الولايات المتحدة والأمم المتحدة سيقوموا بأكثر من إدانة بغداد أو زيادة العقوبات في حال تحرك الجيش العراقي نحو الشمال. في عام 1975 ضحى وزير الخارجية هنري كيسنجر بأكراد العراق مقابل اتفاق تبني سياسة واقعية مع بغداد، التي كان يسيطر عليها نائب الرئيس في حينه صدام حسين. وقامت القوات الأميركية بالقليل عندما أمر صدام قوات الحرس الجمهوري باحتلال إربيل عام 1996. بينما قامت إدارة كلينتون بإدانة التحرك، وقد رأى كلاً من الحلفاء والخصوم كيف كان الرد الأميركي مكتوماً، حتى عندما قام الحرس باحتجاز والتنظيم وبالنهاية إعدام العراقيين الانتهازيين الذي يعملون مع واشنطن. عانت القوات العراقية عام 2000 من عواقب محدودة عندما اجتازوا الموازي الست والثلاثين لاستكشاف الدفاعات الكردية حول قرية بدر. تجاهلت الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بشكل كبير المنطقة الوحيدة الحرة نسبياً في العراق التي عانت ليس فقط من عقوبات الأمم المتحدة وإنما أيضاً في ظل الحظر المنفصل الذي فرضه حكم صدام في بغداد، والذي أعطاه الأمين العام للأمم المتحدة في حينها بطرس غالي السلطة لتوزيع الغذاء والدواء على اكراد العراق بموجب برنامج الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء. في أواخر عام 2001، أكدت إدارة الدولة بأن سفر المواطنين الأميركيين إلى شمال العراق غير قانوني بموجب جوازات سفر أميركية وذلك بناءً على العقوبات الأميركية وعقوبات الأمم المتحدة المفروضة. فرصة اكراد العراق في 1 آذار 2003 أعطى قرار تركيا في عدم المشاركة في عملية ( تحرير) العراق الادارة الكردية دفعاً إستراتيجياً غير متوقعاً. في حين أن القوات الخاصة الأميركية قد تشاركت مع ميليشيات البشماركة والقيادة السياسية الكردية في الأشهر السابقة لاندلاع العداوات، وقد ارتأى مخططي الجيش الأميركيين شراكة أكثر قوة مع تركيا. في شباط 2003، كرر الدبلوماسيون الأميركيون والأتراك وضباط الجيش مذكرة دبلوماسية شاملة لاستعراض فهم التعاون الأميركي-التركي في العراق. كان المسئولين الأكراد العراقيين مقتنعين تماماً بأن العلاقة التركية مع واشنطن يجب أن تحتل الأولوية على اهتماماتهم الخاصة التي اختطوها ليس لمنع التدخل التركي ولكن للحصول على موافقة، في البداية، أن يحدد البنتاغون الوجود التركي في العراق إلى ممرات تزويد محددة في شمالي العراق، وثانياً أي فريق تركي حقيقي يمكنه العمل فقط في مناطق جنوب أو شرق تكريت، ومناطق العمل التي تعتقد إربيل بأنها تحد من التأثير التركي في منطقة كركوك المتنازع عليها. أدى رفض البرلمان التركي المشاركة مع الولايات المتحدة للتحالف إلى قطع النفوذ الإستراتيجي التركي ودعم الأهمية الإستراتيجية للقوات الكردية العراقية لأهداف الولايات المتحدة. بدلاً من العبور من تركيا قامت القوات الأميركية بالهبوط بالمظلات في مهابط حرير، في شمالي إربيل. قد تكون البشماركة قامت بالسلب أكثر من القتال في الأسابيع الأولى من الحرب، ولكن، رمزياً، عززت العلاقة المتنامية مع القيادة المركزية الأميركية الشكوكية، المعتادة أكثر على رأي العالم بالقادة العرب وأقاربهم في الهيئات العامة أكثر من الاهتمامات الكردية. وقد دعمت الرومانسية أيضاً العلاقة الأميركية-الكردية. كان من الصعب على العديد من أفراد الجيش الأميركي ألا يتعاطفوا مع أكراد العراق: كان العديد قد اختبر أكراد العراق عام 1991 عندما ساعدوهم في صد الهجرة والمجاعة الكبيرة من خلال عملية توفير الراحة. وبالعودة بعد اثني عشر عاماً، وجدوا بأن المنطقة قد تحولت، على الرغم من العقبات العديدة، بفضل القيادة الكردية. كما سهلت الثقافة الكردية المحلية العلاقة مع الولايات المتحدة. يصر كلاً من دبلوماسيي وضباط الجيش التركي على المضي قدماً في المراسم والالتزام المتزمت بقواعد المقاطعة بدلاً عن تسهيلهم للعلاقات. يشعر القليل من الدبلوماسيين الأميركيين بالمودة تجاه محاوريهم الأتراك. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأكراد العراقيين يمطرون المسئولين الأميركيين بالضيافة، وتحضير مآدب سخية، وفي بعض الأحيان تسهيل العلاقات مع النساء. يضع الحزب الديمقراطي الكردستاني المسئولين الأميركيين في أماكن ضيافتهم ويقدموا الهدايا لمسئولي إدارة الدولة والجيش تتراوح ما بين السجاد الحرير والمجوهرات الذهبية. و في حين يرفض معظم المسئولين الأميركيين مثل هذه الهدايا، خلال فترة سلطة الائتلاف المؤقتة، فإن بعض المواطنين المسئولين المدنيين الأميركيين وضباط الجيش يقبلون بها. ومن أساليب تعزيز التأثير الكردي في واشنطن كان استئجار (حكومة إقليم كردستان) لخدمات ضباط ومسئولين سياسيين أميركيين سابقين لتمثيلهم. فمثلاً قامت القيادة الكردية بتوظيف شركة ضغط يديرها روبرت د. بلاكويل، نائب مستشار سابق في الأمن القومي، لتمثيل مصالح الأكراد في واشنطن ولتحضير لقاءات مع مسئولي الإدارة. هاري سكوت، القائد العسكري السابق في الكتيبة 404 للشؤون المدنية المرتكزة في إربيل، استقال من مهمته العسكرية ليصبح مستشاراً مأجوراً لرئيس الوزراء الكردي نيشيرفان بارزاني. كلاً من الجنرال غارنر (المتقاعد) والكولونيل ديك ناب (متقاعد)، الذين قادا الإدارات المدنية في فترة ما بعد الحرب في بغداد وإربيل، على التوالي، عادوا إلى كردستان العراق من أجل عقود. بينما قام قوباد طالباني، نجل جلال طالباني و زعيم التحالف الوطني الكردستاني، بالطلب من الأكراد ومن أصدقاء الأكراد العراقيين أن يتبرعوا لصالح الحملات الانتخابية الأميركية لأعضاء الكونغرس الذين يتعاطفون مع الاستقلال الكردي. أدت مشاركة الأكراد إلى جانب القوات الأميركية في الحرب على العراق، خاصة مقارنة مع الأفعال التركية، بالقيادة الكردية إلى التعبير عن إحساس بالجدارة. واستجابة لسؤال في مقابلة عام 2003 حول المكافأة المتوقعة لأكراد العراق لقاء دعمهم للأهداف الأميركية، قال مسعود بارزاني "إن مطلبنا الأساسي من الولايات المتحدة وبريطانيا...هو دعم نضالنا لإحراز حقوقنا الوطنية". في مقالة عام 2005 بخصوص الموضوع نفسه، أشار بارزاني، "بعد القوات المسلحة الأميركية، كانت قواتنا من البشماركة أكبر عضو في التحالف". منارة للديمقراطية ؟ يبدو بأن تعاليم بوش بإقامة تحالف مع كردستان العراق طبيعياً. فقد كانت الدبلوماسية وموضوع التحول إلى الديمقراطية في صدارة جدول الأولويات، على الأقل بيانياً ونظرياً، في سياسة البيت الأبيض. وقد يبدو هنا كردستان العراق على أنه نموذجاً. قبل سقوط صدام بسنتين، وصف كارول أوليار، طالب مقيم في مركز الجامعة الأميركية للسلام الكوني، كردستان العراق بأنها "بوتقة للديمقراطية ونموذجاً لعراق ما بعد صدام". أطلق سفيركير أوريدسون وأولي شميدت، مؤرخ في جامعة لوند وسياسي سويدي على التوالي، على منطقة كردستان العراق "منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط". في عام 2006 قامت حكومة إقليم كردستان التي تدير التعاون التنموي الكردستاني بوضع إعلانات تلفزيونية في الولايات المتحدة تصف كردستان العراق بأنه "يمارس الديمقراطية منذ أكثر من عقد من الزمان". مع العلم بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لم يسمحا بأي تحديات انتخابية جدية، إلا أن المغالاة المتعلقة فهي في حين كانت باقي أنحاء الدولة التي ترزح تحت حكم صدام كانت الأقاليم الثلاثة المحكومة من قبل مسعود بارزاني وجلال طالباني قائد التحالف الوطني الكردستاني أكثر حرية. ولكن لم يكن لا بارزاني ولا طالباني ديمقراطيان. خلال الحرب الأهلية الكردية الداخلية 1994-1997، قام القائدان الكرديان بانتهاك حقوق الإنسان بشكل كبير: فقد اختفى المناوئين وأمر بارزاني وطالباني بإعدام السجناء. ويقدر اليوم نشطاء أكراد العراق في المناطق التي يحكمها كلا القياديان السياسيان بأنه لا يزال هناك ثلاثة آلاف سجين كردي مصيرهم غير معروف، ولكن منظمات حقوق الإنسان الإقليمية تقول بأن القادة السياسيين يمنعان أي مطالبة من عائلات المفقودين. وخلال محاكمة صدام عام 2006، أشار العديد من المثقفين الأكراد في الجامعات الإقليمية والمقاهي بسخرية إلى أن القيادة الكردية العراقية قد ارتكبت بعضاً من الجرائم، وإن كان دون استخدام الأسلحة الكيماوية، التي كان يحاكم على أساسها صدام. لقد تغير العراق ولكن كردستان العراق لم تتغير. بعد سقوط صدام، توقع العديد من أكراد العراق بأن منطقتهم سوف تتحرر وتصبح ديمقراطية. فبدلاً من الإصلاح تعاظمت السياسات الإقليمية. حافظ بارزاني على حكم ديكتاتوري على محافظتي دهوك وإربيل، وطالباني بالمثل يسيطر على السليمانية. في حين أنه ليس دقيقاً أن توصف القيادة الكردية، على الأقل من جانب التحالف الوطني الكردستاني، على أنها عشائرية، فقد كان الطرفان يعتمدان على أفراد العائلة في الحكم. فقد عين بارزاني ابن أخيه رئيساً للوزراء وكلف ابنه ذو الخمس وثلاثون عاماً بإدارة وكالة المخابرات المحلية. بينما يحكم أقارب آخرين شركات الهاتف الإقليمية، والصحف والإعلام. وبالمثل تدير هيرو خان، زوجة طالباني محطة التلفزيون الفضائية المحلية. وفي حين أن أحد أبناء جلال الطالباني يدير عمليات مخابرات التحالف الوطني الكردستاني، فإن الآخر ممثل لحكومة إقليم كردستان في واشنطن (قوباد طالباني). وعندما حان الوقت لتوزيع الحقائب الوزارية في بغداد، استدار كلا القائدين الكرديين إلى عائلاتهم: أعطى بارزاني عمه حقيبة وزارة الخارجية، بينما طالباني أعطى صهره حقيبة الموارد المائية وأخ زوجته إلى السفارة في الصين. ولكن النقطة التي هي في صالح طالباني هي أن رجاله مؤهلين. تهيمن حالياً في كردستان العراق فكرة العداء لأميركا. إن عدم إدراك هذا الأمر واتخاذ الإجراءات لتصحيحها فسوف يؤثر ذلك سلبياً على الفرص الإستراتيجية للولايات المتحدة. يسيطر كلاً من بارزاني وطالباني على الشركات القابضة، فبعضها مرتبط بأقاربهم والبعض الآخر بأحزابهم السياسية. حوّل طالباني الأراضي الحكومية، بصفته قائد التحالف الوطني الكردستاني، إلى أقاربه لكي يكسبوا الفوائد. في إحدى الحالات، استخدم نوكان، وكيل أعمال الحزب، كوسيط لطرد اللاجئين من الأرض التي يرغب حزبه في تطويرها لرعاية أعضائها. وبما أن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني يسيطران على التعيينات القضائية، يفتقد اللاجئين والمواطنين العاديين الذين ليس لديهم علاقات رفيعة المستوى للاحتكام إلى القضاء. خلال الزيارات الدورية للسجون اكتشف مراقبو حقوق الإنسان المستقلين رجال أعمال مسجونين دون أي تهمة ويقولون بأنهم مسجونين بموجب قرار من أحد أبناء بارزاني بعد أن رفض شراكات خفية مع رجال أعمال من عائلة بارزاني. أما في المكتب، فإن بارزاني وطالباني قد كدسوا ثروات تفوق 2 مليار و400 مليون دولار، على التوالي. حيث أن القيادة السياسية الكردية تجادلت ذات مرة على عائدات الجمارك، قامت اليوم بدمج الخزينة الوطنية مع أموال الرشوة للحزب والمحافظ الشخصية. عملياً هنالك فرق بسيط بين ملكيات بارزاني وطالباني كأفراد وممتلكات أحزابهم السياسية وحكومة إقليم كردستان بمجملها. قام بارزاني بتحويل منتجعاً عاماً في ساري راش إلى مجمع شخصي، وقام أفراد عائلته ووزرائه ببناء منازل فخمة على الأراضي العامة المجاورة. تسيطر مفاوضات النفط الحديثة على الضبابية المستمرة على الأصعدة السياسية والتجارية الكردية. للحصول على امتيازات التنقيب عن النفط وعقود التنمية في إربيل ودهوك يجب أن تقيم الشركات شراكة خفية مع رابطة معينة من قبل بارزاني. يقول العديد من المسئولين المقربين من مفاوضات النفط المختلفة بأن روابط بارزاني قد طلبت نسب وصلت حتى 10% من العائدات المستقبلية على أن تحول إلى بارزاني شخصياً وقيمة مساوية لحزب بارزاني السياسي. إن الخزينة العامة لحكومة إقليم كردستان أمر ثانوي، حتى وإن كان النفط، ولو نظرياً، مصدر لكامل منطقة كردستان، إن لم نقل للعراق. إن مثل هذه المضاربات في المصالح ليست جديدة. تناقش الوثائق التي ضبطت بعد سقوط صدام معاملات تجارية بين نيجرفان بارزاني وأبناء صدام. ينتشر الفساد بسرعة كبيرة في هذا الوسط. بناءً على معلومات منظمات غير حكومية في حلبجة، عام 2006، دمر حريق مشكوك بأمره أرشيف اتحاد المعلمين من الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن صدر أمر بإرسال لجنة تدقيق حسابات بخصوص اختلاسات من أموال الاتحاد. إلا أن العديد من أكراد العراق يقولون بأنهم يأملون بأن يحفز الوجود الأميركي الإصلاح والشفافية والمحاسبة. آليات الحكم والسيطرة يجري التحكم السياسي في العمق. في حال وجود ضحية تتعلم من جلادها، فإن كلا الحزبين يكرر آليات حكم حزب البعث. ينتدب كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني ممثلين ليس فقط إلى صفوف الكلية وإنما إلى المدارس العليا. في بعض الحالات، هؤلاء الطلاب الممثلين الذين يقومون بعمل المفوضين السياسيين لا تتجاوز أعمارهم الأربعة عشر أو خمسة عشر عاماً: يقومون بتجميع تقارير عن المناقشات داخل الصف إلى جانب المناقشات الخاصة، التي تقوم مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني بتفحصهم. تجري أجهزة الاستخبارات في العمق، ويكون التعذيب شائعاً. يبدو بأن كلا الحزبين الكرديين يحذون حذو حزب البعث. بينما لا يلتزم أي منهما بأيديولوجيات تأسيسهم (مثلاً عدد قليل من أعضاء المكتب السياسي، يلتزمون بجدية بمعتقدات الاشتراكية العالمية، على الرغم من أن التحالف الوطني الكردستاني عضو في هذه المنظمة)، يمضي الأعضاء الطموحين بالإخبار عن زملائهم. يتعامل الأكراد مع الأجانب بشكل جيد، ولكن ينظرون إليهم بعين الشك: يقوم سائقي سيارات الأجرة المتوقفين خارج فنادق السليمانية برفع تقارير إلى مخابرات التحالف الوطني الكردستاني. عادة ما يقوم الاتحاد الوطني الكردستاني باستضافة الأجانب في مقرات ضيافة صلاح الدين. وفيما هم مرتاحين، يجبرهم التحالف على الاعتماد على سائقي الحزب (لا يمكن لسائقي سيارات الأجرة الاقتراب من هذه المنشأة). ويوجه عادة الحزب الديمقراطي الكردستاني سائقي سيارات الأجرة بعدم نقل الغربيين الذين لم يحصلوا على إذن من رئيس مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني للتحرك بين المدن. أما طاقم العمل في الفنادق الرئيسية في إربيل ودهوك والسليمانية فيفترض أن يكونوا من أعضاء الحزب؛ هناك الكثير منهم مرتبطين مع أجهزة المخابرات ويعدوا ملفات عن الزوار والأشخاص الذين يقابلونهم. قامت جامعة دهوك بتركيب سوفت وير للتعقب على أجهزة الكمبيوتر التي يستخدمها الأجانب؛ ومن المرجح بأن الكليات والجامعات الإقليمية الأخرى تقوم بعمل الأمر نفسه. إن عواقب عدم الانقياد بخط الحزب له جذور عميقة: الطلاب الذين ينتقدون الحزب أو قيادته يوضعون على القائمة السوداء من حيث التوظيف وفرص التعليم. في جامعة صلاح الدين، مثلاً، الطلاب الحاصلين على درجات عليا ولكن غير مرتبطين بالحزب الديمقراطي الكردستاني يجب أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم غير كفوئين. يتمتع بارزاني وطالباني بآليات أخرى للحكم. البشماركة تحديداً، أولئك الذين يواجهون الموت، يكون عملهم كجيش لكردستان العراق أقل من عملهم كمليشيا لفرض رغبات قادة الأحزاب السياسية. على الرغم من الاتحاد الاسمي بين إدارتي القادة الكرديين، فإن أجهزة استخبارات الأحزاب والمليشيا تبقى مستقلة. المسافرون الواصلون إلى كويسانجاك، أول مدينة رئيسية في منطقة الاتحاد الوطني الكردستاني يتم التحقيق معهم من قبل بشماركة التحالف الوطني الكردستاني وفي بعض الأحيان من قبل أجهزة مخابراتهم أيضاً. غالباً يكون أعضاء البشماركة فوق القانون. في إحدى الواقعات الحديثة، قام عضو في البشماركة بإطلاق النار على ضابط شركة أثناء الوقوف على شارة مرور عادية. وقام زملاء المشتبه بنقله من سجن الشرطة لكي يمنعوا على المدعي العام محاولات توجيه الاتهامات له. ليس هناك تحقيقات ولا توازنات. إن حرية الصحافة في كردستان العراق في تراجع، حتى أثناء توسعهم في المناطق الغير كردية. تستخدم زوجة طالباني نفوذها على كل من المحطة الفضائية المحلية والمجلة المحلية لضبط النقد. على الرغم من وجود صحيفتين مستقلتين في كردستان العراق، أوين وهاولاتي، فإن القيود تتزايد عليهم. يستخدم كلا الحزبين تحكمهم بمحاكم القانون بالتهديد، والإفلاس وحتى حبس الصحفيين الذين ينتقدون الأحزاب الحاكمة والمسئولين. مثلاً لاحق التحالف الوطني الكردستاني محررين من هاولاتي بعد أن اتهمت الصحيفة رئيس الوزراء من التحالف الوطني الكردستاني بالإساءة باستخدام السلطة. وقد هدد مكتب نيجرفان بارزاني بمحاكمات تافهة للكتاب والمحللين الأجانب الذين لا يلتزموا بخط الحزب. أما أولئك الذين يرفضون الانضمام أو على الأقل أن يلتزموا الصمت يواجهون أجهزة الاستخبارات. في تشرين الأول 2006 قامت المخابرات السرية للحزب الديمقراطي الكردستاني باختطاف الصحفي النمساوي-الكردي كمال سعيد قادر بعد كتابته مقالات تتناول الفساد ضمن جماعة بارزاني الحاكمة وقام بنشر وثائق تشير إلى الروابط بين الملا مصطفى بارزاني، قائد قومي هام، ومسعود بارزاني الأب، وأجهزة الاستخبارات الروسية. بعد محاكمة لمدة 15 دقيقة، حكم قاضي الحزب الديمقراطي الكردستاني على كمال بالسجن لمدة ثلاثين عاماً، ولم يستبدل هذا الحكم حتى قامت حملة من المنظمات الغير حكومية الدولية وبعد إدانة الحكم من قبل إدارة الدولة. تظهر الإدارات الكردية بأنها مصممة على استعادة التحكم السياسي المحكم على الصحافة. ويبقى القانون الكردي معتمداً على القانون العراقي. المادة 433 من قانون الجنايات العراقي، الذي سنه حزب البعث، يساوي بين كافة الانتقادات على أنها جرائم قذف. اتحادات الصحفيين المحلية التي رغبت بتغيير هذا النتاج قوبلوا بغضب بارزاني. في 20 كانون الأول 2007، أبلغ بارزاني البرلمان أن يعيد النظر بالتشريع الذي قد يقلب قانون الصحافة من العهد البعثي ويجيز انتقاد حكومته. كما لم تكن المنظمات الغير حكومية جهات مستقلة. تعمل معظم المنظمات الغير حكومية الكردية تحت رعاية القيادة السياسية الكردية. مثلاً تعتمد منظمة رعاية الأطفال الكردية على رعاية زوجة طالباني وتعمل بشكل كبير بموجب أهداف الحزب. أما عمال المساعدات الخارجية فيقولون بأن كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني قد أصرا على تشغيل أعضاء الحزب في حال أرادا العمل بالتنسيق مع الحكومة المحلية. عندما رفض موظفين أكراد مستقلين يعملون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إطاعة تعليمات التحالف الوطني الكردستاني، قام مسئولي أمن الحزب بصياغة ملفات عنهم وقدموا مزاعم عن اعتبارات أمنية إلى إداريي الوكالة، الذين قاموا فوراً بطرد المستقلين وتعيين الموالين للاتحاد الوطني الكردستاني. مع بعض الاستثناءات القليلة جداً قامت منظمات حقوق الإنسان المحلية ووزارة حقوق الإنسان الحكومية بالتركيز على الأعمال الوحشية ضد الأكراد في ظل نظام صدام، بدلاً من الإساءات التي توجهها القيادة السياسية الحالية. بينما كانت الهوة بين القيادة الكردية والناس الذين يدعون بأنهم يمثلونهم تزداد عمقاً، كان التنافر أيضاً يزداد. يشعر العديد من الأكراد بالعجز. ليس هنالك محاسبة، حتى عندما تقوم الحكومة بإصدار قرارات متعجرفة مثل توفير 24 ساعة من الكهرباء لإضاءة قبر إبراهيم أحمد، والد زوجة طالباني، بينما يقطع التيار الكهربائي عن اللاجئين الأكراد. إن قرار التحالف الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني للدخول في نفس قائمة الانتخابات علناً واقتسام المناصب سرياً قد أثرت سلبياً على منع حق الاقتراع عن الشعب المحلي. عندما بدأ التحالف الإسلامي الكردستاني، الجناح الغير عنيف من الإخوان المسلمين، باعتداءاته، قامت حشود يرعاهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بإحراق مكاتب الحزب في عدد من المدن وقتلت رئيس الحزب في دهوك. حتى بعد تنظيمهم لتجنب المنافسة، لمس دبلوماسيو الولايات المتحدة وهيئة الانتخابات المستقلة بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقوم بتزوير فاضح في الانتخابات في كافة أنحاء البلاد، باستخدام البشماركة لمنع وصول الناخبين وقيام مراقبي الحزب بتعبئة صناديق الاقتراع. كان التزوير لا مبرر له، حيث أنه بدون هذا التزوير فإن آلة الحزب والمصادر كانت الضامن للفوز، حتى وإن لم تكن على نفس الدرجة مما قام به الديكتاتوريين الإقليميين من أمثال حسني مبارك وبشار الأسد. تحليل السلوك الكردي قد لا يكون كردستان العراق منارة للديمقراطية التي يدعيها ممثليها، ولكن الواقعيين في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قد يجادلوا بأن ممارساتهم تجاه الشعب غير هامة بالنسبة للمصالح الأميركية، خاصة إذا ما استمرت المنطقة الكردية بكونها مؤيدة للمصالح الأميركية. إن مثل هذه الحسابات متسمة بقلة التمييز. وبما أن حكومة الولايات المتحدة قد دعمت كلا القائدين الكرديين، فإن الأكراد بشكل عام يربطون سوء سلوك قادتهم بسياسة الولايات المتحدة. تتزايد عبارات الاستياء عندما يعزو الأكراد إساءات قادتهم للمصالح الأميركية: عام 2006، مثلاً، عندما طلبت الحكومة الأميركية بمكان من أجل مكاتبها في السليمانية، قام طالباني بطرد كلية تقنية بدون سابق إنذار، إن لم نذكر الإجراء المناسب، مما أدى إلى غضب شريحة كبيرة من الشعب. كما يتهم الأكراد أيضاً المسئولين الأميركيين بالاشتراك في التعذيب الذي يرتابون بأنه مركز تسليم العدو في منشآت من عهد صدام بين تاسلوجا وباراماغران. بينما يصرح المسئولين الأكراد بتوقعات الشعب الموالي لأميركا، فإن مثل هذا التوجه يذبل بسرعة. هيمنت العدائية لأميركا ضمن كردستان العراق. إن عدم إدراك ذلك الآن واتخاذ الإجراءات للتصحيح سوف ينعكس سلباً على الفرص الإستراتيجية الأميركية. قد يتغاضى الإستراتيجيون الأميركيون عن هذا الأمر فيما إذا برهن أكراد العراق بأنهم سوف يدفعون بالمصالح الأميركية الإقليمية قدماً. ولكن للأسف، لم يفعلوا ذلك. في حين أن كردستان العراق لم تسمح للقوات العراقية بالتجمع، وانضمت إلى الاتجاه الجنوبي في نيسان 2003، لتعبئة الفراغ الذي خلفه انهيار الجيش العراقي، يترك السلوك الكردي سؤال كبير حول مدى مصداقية كردستان العراق كحليف لأميركا. في الواقع بارزاني كرر إستراتيجية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: فإنه ينكر التورط بالإرهاب ومع ذلك يسعى لرفعه إلى مكاسب دبلوماسية. خلال الأسبوع الأول من تموز 2003، كانت وحدة عسكرية أميركية تقوم بدورية في الجبال في الشمال الشرقي للعراق حوالي ثلاثين ميلاً من الحدود الإيرانية وصادفوا نقطة تفتيش غير رسمية للحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث قاموا بمصادرة حفنة من جوازات السفر الإيرانية والأموال. لقد استخدم مسئولي الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه النقطة لتسهيل تمرير الإيرانيين، بالسماح للعاملين الإيرانيين باستبدال جوازات السفر الإيرانية بوثائق هوية كردية محلية، مقابل مبالغ مالية. اعترف القادة الأكراد بسرية بأن هذه الحالة لم تكن وحيدة. في بداية التمرد العراقي في نيسان 2004، أصبحت كردستان العراق منطقة عبور لأنصار السنة: فقد دخل أفرادها كردستان العراق من إيران وتمكنوا من الوصول بسلام إلى الموصل مقابل اتفاقية بعدم القيام بعمليات في المحافظات الشمالية الثلاث، وربما إلى جانب دفع مبالغ معينة. إن التعامل المزدوج للأكراد مع إيران مستمر حتى اليوم. في 11 كانون الثاني 2007 وفي 20 أيلول 2007 غزت القوات المسلحة الأميركية المنشآت في إربيل والسليمانية وألقت القبض على ستة من أفراد الاستخبارات الإيرانية. كان المسئولين العراقيين يحتجون في كل مرة على الاعتقالات. بعد الواقعة الأولى، أصدر مكتب بارزاني بياناً يقول فيه "يُفضل إعلام الحكومة الكردية قبل اتخاذ إجراءات ضد أي شخص"، وفي الواقعة التالية، وصفت حكومة إقليم كردستان الاعتقال بأنه "غير شرعي" وقالت بأن "إن مثل هذه الإجراءات لا تخدم أحداً". إن القرار بعدم تحذير السلطات الكردية لم يكن سخافة دبلوماسية وإنما كان نتيجة للخبرة، فإن صانعي القرار الأميركيين فقدوا الثقة بالسلطات الكردية من عدم إفشائها معلومات حساسة ذات علاقة بالعمليات. فيما إذا كانت القيادة الكردية أو التابعين لها في البشماركة وأجهزة الأمن يقومون بذلك للتوصل ببراعة إلى سلطات إقليمية أو لأسباب شخصية فإن ذلك ليس هاماً. إن رفض السلطات الكردية اللاحق، من جانب كل من حكومة إقليم كردستان وهوشيار زيباري، وزير خارجية العراق وعم بارزاني والشخص المختار للمنصب، بتزويد المسئولين الأميركيين بقائمة دبلوماسية قد قطعت ثقة القوات المتعددة الجنسيات بالقيادة الكردية. إن مثل هذه القائمة التي لا مبرر لوجود السرية حولها سوف تمكن السلطات الأميركية من تحديد الوضع الدبلوماسي قبل العمليات. يظهر الرفض الكردي عدم الاستعداد لمساعدة الجهود الأميركية لمواجهة تسلل عناصر الحرس الثوري الإيراني. اللعب بورقة الإرهاب إن عداوة بارزاني مع تركيا تقطع أيضاً أي إمكانية للتحالف مع الولايات المتحدة. ينظر العديد من المسئولين الأكراد إلى العلاقات الأميركية-التركية على أنها لعبة يخرج فيها الطرف الثاني صفر اليدين: فإما أن تقوم واشنطن بتنفيذ صداقة مع إربيل أو أن تتحالف مع أنقرة. لا يفهم معظم المسئولين الأكراد بأنه لا يفترض بالعلاقات أن تكون مقتصرة. غالباً ما تقول السلطات الكردية للمسئولين الأميركيين الزائرين بأن كردستان العراق ستكون حليفاً أفضل بكثير من تركيا. فهم لا يفهمون لا اتساع العلاقات الأميركية التركية ولا مدى الاستخفاف الذي تلاقى به المطالب الكردية حيث أن واشنطن تقوم بفلترة حلفائها عبر مصالحها في أي دولة أخرى. مثلاً المملكة العربية السعودية وإسرائيل قد ترغبان في أن تتراجع في علاقاتها مع الطرف الآخر، ولكن كلاهما مقتنعان بأن ذلك لن يحصل. لا يتمتع بارزاني بهذا النوع من التمرس ويبدو عازماً على إجبار البيت الأبيض على الاختيار بين أنقرة وإربيل. في حال قيامه بذلك، فإن القيادة الكردية سوف تصاب بخيبة أمل. ليس هناك سبباً جازماً بأن بارزاني يجب ألا يدافع عن المصالح الكردية، ولكن غالباً ما تتحول بياناته إلى تهديدات. في كانون الأول 2005 مثلاً أوضح بأنه إن لم تنضم مدينة كركوك الغنية بالنفط إلى إدارته بحلول كانون الأول 2007، فسوف يشعل فتيل الحرب الأهلية في كل أرجاء العراق. ثم في نيسان 2007 هدد بمساندة التمرد في تركيا في حال لم تذعن أنقرة لمطالبه في كركوك. يتورط الإعلام الذي يسيطر عليه حزبه بنفس النوع من التحريض ضد تركيا كالذي يقوم به الإعلام الفلسطيني ضد إسرائيل. تظهر الخرائط التي تباع في ظل برلمان حكومة إقليم كردستان بأن منطقة كردستان الكبرى تمتد إلى داخل تركيا. تشير الصحف الكردية إلى كردستان العراق على أنها جنوب كردستان، ويكمن المعنى الضمني بأن تركيا الجنوب شرقية هي شمال كردستان. كما يحدث مع السلطة الفلسطينية، إنها تلك النزعة لاستخراج مطالب أتباع النظرية الشعبية عبر الحدود مما يجعل من كردستان قوة لعدم الاستقرار، وليست ملاذاً للأمن. من هذا المنطلق أصبحت علاقات بارزاني مع حزب العمال الكردستاني معضلة. قد لا يكون بارزاني قومياً، ولكنه واقعي أيضاً. إنه يكره حزب العمال الكردستاني القوي، ليس لأن إرهابه يلوث قضية القومية الكردية ولكن لأنه يقدم بديلاً. عبد الله أوجلان، قائد الحزب، سعى إلى الصدارة على منافسيه الأكراد العراقيين. "بارزاني وطالباني مثل الأقدام والأذرع، أما أنا فالرأس الأساسي أو العقل"، كما فسر أوجلان الأمر في مقابلة معه عام 1998. أمر بارزاني وطالباني جماعاتهم من البشماركة في التسعينات بمقاتلة حزب العمال الكردستاني في أي مكان يحاولون فيه إنشاء موطئ قدم لهم في مناطقهم. في ذلك الوقت، طلب بارزاني من الحكومة التركية أن تساند جماعته من البشماركة وأن يحاربوا معه ضد المجموعة الإرهابية بناءً على ما يقوله عدد من الدبلوماسيين وضباط المخابرات الأتراك. وأدرك بارزاني بأن أي ملاذ آمن لحزب العمال الكردستاني سيكون لعنة لمصالحه وتحرك لمنع ذلك. ولكن بوجود أوجلان في السجن لم يعد يشكل حزب العمال الكردستاني تهديداً لتفوقه السياسي، تبنى بارزاني المجموعة لاستخدامها كأداة ضد تركيا. بعد قرار البرلمان التركي في 1 آذار، 2003 بعدم المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد صدام، غدا بارزاني على ثقة كبيرة بتقديراته بخصوص الصداقة مع واشنطن واتخذ خطاً حامياً ضد أنقرة. فاستقبل قادة حزب العمال الكردستاني في منطقته، وخاصة في منطقة "المثلث الحدودي" إيران، العراق وتركيا. في حين أن المتحدثين باسم بارزاني وحكومة إقليم كردستان قد كرروا وعودهم بحملة لفرض النظام كان بارزاني في الواقع يكرر إستراتيجية رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات: كان ينكر التورط بالإرهاب ولكن مع ذلك يسعى إلى رفعه إلى مكاسب دبلوماسية. إنه يقول للدبلوماسيين الأميركيين بأن تهديد حزب العمال الكردستاني سوف يختفي في حال عرضت أنقرة المزيد من التنازلات فيما يخص العفو العام والإذاعة والإصلاحات الدستورية، بينما في الوقت نفسه يشجع قادة حزب العمال الكردستاني على الاستمرار في الهجمات، وفي الواقع، يسهل لهم هذه العمليات الإرهابية. تقول السلطات التركية بأن لديهم صور لقادة رفيعي المستوى من حزب العمال الكردستاني يتلقون الرعاية الطبية في مشافي إربيل ويلتقون مع حلفاء بارزاني في المطاعم المجاورة. عن طريق بيع المؤن والغذاء، حصل بارزاني على ربح جيد، وعندما انخرط أفراد عائلته بالتجارة أصبحوا مدمنين عليها. يشك المسئولين التركيين بأن ابن بارزاني يبيع السلاح لحزب العمال الكردستاني. إن هذه المعلومة أجبرت أنقرة على اتخاذ ذلك النهج القاسي ضد كردستان وأقنعت المسئولين الأميركيين بدعم أنقرة، حتى عندما كانت الطائرات الحربية التركية تقصف الأهداف الكردية. مستقبل العلاقات الأميركية - الكردية يعيش كردستان العراق في الماضي، حيث يمضي بسمعة زائفة، وينعزل عن الواقع بفضل مديح مجموعات الضغط والمستشارين. لدى كل من بارزاني وطالباني سبباً لكي يشعروا بالفخر: في أواخر التسعينات وقبل الإطاحة بصدام، كان كردستان العراق قصة نجاح، ديمقراطي نسبياً ومزدهراً حتى في ظل العقوبات. قد يعذر الأكراد أخطاء قادتهم بسبب الأزمة الأكبر، ولكنهم يتحلون بالأمل في المستقبل. إن تاريخ علاقة عائلة بارزاني مع الشعب أنها تسعى إلى قيادة نظائر تطور الأجيال على قاعدة سعود في المملكة العربية السعودية. كل جيل ينمو بمزيد من العزلة والفساد. بعد تحرره من ظل صدام انزلق كردستان العراق إلى الخلف. ومع رفع العقوبات انتشر الفساد بشكل كبير. إن تاريخ علاقة عائلة بارزاني مع الشعب أنها تسعى إلى قيادة نظائر تطور الأجيال على قاعدة سعود في المملكة العربية السعودية: إن كلا من الملا مصطفى بارزاني (1903-1979) والملك عبد العزيز بن سعود (1876-1953) استمروا بالتقرب من القيم القبلية لمجتمعهما وكانوا موقرين بصدق. إلا أن كل جيل ينمو بمزيد من العزلة والفساد. بينما يخبر بارزاني المستثمرين عن خططه بتحويل المنطقة إلى دبي جديدة، لا يفهم بأن إدارته للفساد سوف تعيق مثل هذا النجاح. بينما تزداد الهوة بين الغنى والفقر، وبينما طالباني وبارزاني يستخدمان آليات الحكم لإخماد المعارضة، فإن الأحزاب الإسلامية سوف تزداد شعبيتها، لقد قاموا باعتداءاتهم، إن لم يكن بسبب آرائهم الدينية فإن ذلك بسبب اعتبار الأكراد لهم البديل "النزيه" الوحيد لفساد الحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف الوطني الكردستاني. يتجنب معظم الأكراد التشدد الديني للاتحادات الإسلامية الكردية، ولكن في حين أن الحزب يزداد شعبيةً، فإن انتقاده الكبير للسياسة الأميركية ولنظريات المؤامرة حول النوايا الأميركية سوف تتخذ لها جذوراً قوية. يقترح عدد من المسئولين الأكراد العراقيين وبعض المعلقين الأميركيين بأن كردستان العراق يمكنه أن يستضيف الوجود الأميركي العسكري الطويل الأمد، مما سيمكن القوات الأميركية من الانسحاب من باقي أنحاء العراق، حيث لا يلقوا نفس الترحيب. كان هذا الأمر خياراً ذات مرة، ولكن سلوك بارزاني جعله أمراً غير حكيماً. في حين أن قاعدة في كردستان العراق، على الورق، يبدو بأنها قيمة إستراتيجية للبنتاغون، في الواقع قد تكون مسئولية. حيث أن بارزاني يمكّن، إن لم يكن يرعى، إرهاب حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، فإن أي وجود أميركي سوف يحمي كردستان العراق من أي محاسبة. يريد بارزاني قاعدة أميركية على أراضيه لأنها ستوفر له حصانة من الانتقام التركي. في الواقع، إن إقامة أي قاعدة أميركية في كردستان العراق، طالما أن بارزاني بقي في السلطة، قد يؤدي إلى نزاع أكبر. إن بارزاني ليس شخصاً محباً للغير: إن الاختباء خلف كتائب دائمة من القوات الأميركية، سوف يمنحه في الواقع الحصانة التي يريدها. فيما إذا رغب البنتاغون بإنشاء قاعدة في كردستان العراق، يجب أن يتوقع مشاكل من حزب العمال الكردستاني ومن ازدياد تحريض بارزاني لدول الجوار. يريد بارزاني للقوات الأميركية أن تقيم في أراضيه لنفس السبب الذي تطالب فيه حماس وفتح بوجود مراقبين أوروبيين على طول حدود غزة مع إسرائيل، وبنفس الشكل يتقبل حزب الله وجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوبي لبنان. بعيداً عن تمكين الانسحاب الأميركي، فإن أي قاعدة في كردستان العراق في الظروف الحالية سوف تضمن توسعاً في النزاع. إن الديكتاتوريين الإقليميين وخاصة أولئك الذين يرفضون فصل أنفسهم عن الإرهاب يشكلون حلفاء رديئين. في حال كانت كردستان العراق حليفاً جيداً، فقوة الاستقرار، والتحفظ من الأيديولوجيات المتآكلة للقوميات الإسلاميات العربية، فإن إستراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تركز على المصالح الطويلة الأمد. إن كردستان العراق هامة إستراتيجياً. إن الفيدرالية هي مستقبل العراق. في حين أن الكثير من الخبراء، وفي الواقع، العديد من العراقيين يتوقون إلى عودة الرجل القوي ونمط الحكومة المركزية للعراق، فإن مثل هذا النظام لم يفلح يوماً: كانت العراق على شفا حرب أهلية مستمرة في الفترة ما بين 1961 و2003، حين كان العراقيين يقاومون محاولات بغداد فرض إرادتها الديكتاتورية. يبدو بأن القيادة القوية جيدة، ولكن العراق يبقى دولة فيها مئة من الأولويات المتوقعة لكل خصوصية. يجب أن تتحلى واشنطن بمبدأ عدم السماح بأي نوع من الإرهاب على الإطلاق. لقد اتخذت كردستان العراق خطوات كبيرة، ولكن بارزاني يجازف بكل شيء قد حصله أكراد العراق بتوريط نفسه مع حزب العمال الكردستاني. لقد خان كلاً من الحزب الكردستاني الديمقراطي والتحالف الوطني الكردستاني ثقة واشنطن في تعاملاتهم مع إيران. في حين أنه من الطبيعي أن يكون لكلا الحزبين علاقات مع جيرانهم، فإن بيعهم للمعلومات أو تسهيلهم للتسلل إجراءات غير مقبولة لتواصلهم مع جيرانهم. إن مسئولية القيادة ليست اختيارية. فالقيادة الكردية العراقية المسئولة يجب أن تضع حداً للتحريض. قد تصنع الغوغائية سياسات جيدة وقد تبعد عن مواضيع الفساد والمحاسبة التي يرغب بارزاني بتجنبها، ولكن التحريض يعطي نتائج عكسية. تنشر اللغة الكردية بأن تحكم الأحزاب الحاكمة يؤدي أحياناً إلى تأجيج المشاعر القومية. عن طريق تخصيص خمس وعشرون دقيقة من نشرة أخبار لمدة ثلاثين دقيقة للمطالب الشعبية بالاستقلال، مثلاً، مقابلة أطفال المدارس وجعلهم يسردون المطالب القومية، يجر بارزاني نفسه ومنطقته إلى صراع مع جيرانه. قامت إدارة الدولة بتجاهل مثل هذا التحريض في السنوات الأولى من السلطة الفلسطينية وذلك لكي تحكم الكيان بالفوضى؛ ويجب ألا يتكرر الخطأ نفسه، لأسباب عملية، مع السلطة الكردية. بينما تقصف الطائرات الحربية التركية معاقل الإرهاب في كردستان العراق، فقد حان الوقت لكل من واشنطن وإربيل لإعادة النظر بسياساتهم. لدى واشنطن العديد من الأوراق لاستخدامها. إن التعاطف مع كردستان مفهوم ولكنه يعتمد بشكل متزايد على الأسطورة. يجب ألا تكون الإرادة الطيبة للولايات المتحدة تخويلاً؛ قد يبقى بارزاني حليفاً، ولكنه حرم نفسه من الأهلية لأي شراكة حقيقية. لقد حان الوقت لاتخاذ مبدأ الحب القاسي لكردستان العراق. يجب ألا تكون هناك مساعدات ولا شرعية دبلوماسية طالما أن كردستان العراق بقيت مأوى لحزب العمال الكردستاني، تبيع الأمن الأميركي لمن يدفع أكثر، وتترك الإصلاح الديمقراطي راكداً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق