عبد الباري عطوان
المشهد العراقي مليء بالمفارقات الكئيبة في معظمها، ولكن المفارقة التي لفتت نظري في الاسبوع الماضي، هي قيام المطرب العراقي كاظم الساهر بزيارة تجمعات اللاجئين العراقيين في سورية، والفرحة الواضحة على وجوه الاطفال بوجود هذا الرمز الفني العراقي بينهم، يتعاطف مع محنتهم، ويحاول تخفيف آلام غربتهم وتشردهم بعيدا عن بلادهم. لم اسمع، او اشاهد، او اقرأ، ان مسؤولا عراقيا من حكام 'العراق الجديد' زار هؤلاء في سورية، او تفقد اوضاع اشقائهم في الاردن، حيث يصل عدد اللاجئين العراقيين في البلدين الى ما يقارب الاربعة ملايين. بل ان منظمات دولية واقليمية اتهمت حكومة المالكي برفض تقديم اي مساعدات لمواطنيها اللاجئين بالخارج.
كان الكثيرون، يعتقدون ان محنة العراق ستنتهي بمجرد الاطاحة بالنظام السابق، وسيتحول البلد الى واحة من الرخاء تغري ملايين العراقيين الذين يعيشون في الخارج بالعودة مع أسرهم للتمتع بثروات البلاد واستقرارها واحترام حقوق الانسان، ولكن ما حدث هو العكس تماما، وشاهدنا العراقيين يهربون بالملايين الى دول الجوار، ويصطفون في طوابير طويلة امام مكاتب الامم المتحدة او قنصليات الدول الاوروبية والامريكية بحثا عن تصريح باللجوء، هربا من الاضطهاد او العنف الطائفي.
اما الحكومة العراقية 'المنتخبة' فتجلس حاليا على جبل هائل من الاموال، حيث قدر تقرير حكومي امريكي عوائد النفط العراقي بحوالي 156 مليار دولار في العام، وقال ان الفائض في الميزانية يبلغ 79 مليار دولار، اما رصيد الحكومة في بنوك امريكا واوروبا فيبلغ حاليا 92 مليار دولار.
ارقام مرعبة، ومــــع ذلك لا تخلو الصحـــف العراقيــة من تحقــيقات وتقارير اخبارية تتحدث عن اطفال يتسولون لقمة الخبز في شوارع بغداد ولا يزيد عمر بعضهم عن ثلاثة اعوام، يركضون خلف المارة والسيارات في ظروف مناخية ملتهبة. بل ان احدى الصحف قالت ان عائلات تراكمت بأسمال نسائها البالية امام مكاتب الرعاية الاجتماعية للحصول على اعانة، وقد بدا عليهم البؤس والفقر والعوز والمرض، وهي اعانة لم تصرف لهم منذ اربعة اشهر.
لا نعتقد ان قطط الحكومة السمان التي تنعم برفاهية المنطقة الخضراء ومستشفياتها ومطاعمها وقصورها المكيفة، تشعر او تتعاطف مع هؤلاء الفقراء المحرومين، ومعظمهم جاء من المنافي، واغرق في الوعود بالانحياز الى الفقراء وتحويل العراق الى 'جمهورية افلاطون الفاضلة'.
جميع الشعوب النفطية في الخليج او المغرب العربي تتنعم بثرواتها النفطية، والعوائد الضخمة التي تتدفق على خزائن حكوماتهم سنويا، باستثناء الشعب العراقي او غالبيته المسحوقة، التي لا تجد لقمة الخبز او علبة الدواء، ناهيك عن الامن والامان المفقودين، سواء بسبب العصابات الاجرامية المسلحة او القتل على ايدي الميليشيات الطائفية او القوات الامريكية.
العراق يتعرض الى اكبر عملية نهب في التاريخ الحديث، ومن قبل بعض اللصوص الذين عادوا اليه مع قوات الاحتلال. وتكفي الاشارة الى ما ذكره برنامج 'بانوراما' الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي.بي.سي) وكشف بالارقام والوثائق الامريكية الرسمية عن سرقة 23 مليار دولار من عوائد البلاد النفطية من قبل هؤلاء، واثبت ان العراق هو اكثر بلدان العالم فسادا في الوقت الراهن.
اما آثار هذا الفساد فنراها واضحة في ابراج وودائع فلكية في مدينة دبي، وشقق ومنازل باذخة في لندن وباريس وبراغ وعواصم اوروبية اخرى، كلها مملوكة لاشخاص من رجالات 'العراق الجديد' كانوا يعيشون على 'الضمان الاجتماعي' او مساعدات الفقراء في بريطانيا، وكأن هؤلاء ارادوا ان يثأروا من الشعب العراقي بإفقاره وسرقة ثرواته.
اعرف شخصيا اسرة عراقية تعيش في لندن على اعانات الحكومة البريطانية للاجئين، كانت تتباكى على العراق وثرواته المهدورة، وبذخ إبني الرئيس العراقي الراحل والملتفين حولهما، لأفاجأ بان هذه الأسرة اصبحت تلعب بالملايين من الدولارات، وتقيم حفل عرس من طراز الف ليلة وليلة في افخر فنادق دمشق، وترسل الدعوة للاصدقاء مقرونة بتذاكر السفر ذهابا وايابا، وحجز طابق كامل في الفندق المذكور للمدعوين.
لا احد يحاسب هؤلاء، فالقانون غائب، والشفافية معدومة، وهل يعقل ان يحاسب اللصوص اللصوص، وما هو ادهى وأمر ان اي شخص ينتقد هذا الوضع الفاسد الذي يجوع شعبا كريما عريقا ابيا، يتهم فورا بانه من 'مؤيدي المقابر الجماعية'، من قبل اناس حولوا العراق كله الى مقبرة جماعية.
الشعب العراقي تعرض الى اكبر خديعة في تاريخه عندما صدق هؤلاء الذين اتوا اليه بالخراب، والدمار، والفساد، والقتل، تحت شعارات 'الديمقراطية والرخاء والامان'، ليجد نفسه بعد خمس سنوات، اكثر شعوب المنطقة بؤسا وحرمانا.
الادارة الامريكية مارست ضغوطا ضخمة على دول الخليج لالغاء ديون العراق. وكانت دولة الامارات العربية المتحدة اول دولة تستجيب لهذه الضغوط، بينما ما زالت دول اخرى مثل الكويت والمملكة العربية السعودية 'تدرس' هذه الخطوة. والسؤال المطروح هو عن مبررات الغاء هذه الديون لدولة تجلس على فوائض مالية هائلة، وتنفق اقل من اربعة مليارات دولار في الفترة من 2005 الى 2007 على مشاريع اعادة الاعمار التي من المفترض ان يستفيد منها الشعب العراقي، وظائف ومستشفيات ومدارس وامدادات ماء وكهرباء.فحكومة لا تهتم بمواطنيها في الداخل او في الخارج، وينحصر اهتمامها في توظيف اقارب المسؤولين فيها، والاغداق عليهم بالمنح وبدلات السفر، وتدفع رواتب عالية لعشرات الآلاف من المحسوبين عليها الذين فضلوا العودة الى منافيهم السابقة ولكن ليس كلاجئين، وانما كموظفين كبار، بدرجات ورتب عالية، وامتيازات مالية ضخمة لا يحلم بنصفها امثالهم من رعايا الدول الخليجية.
الشعب العراقي يجب ان يحاكم هؤلاء اللصوص، وكل من اهدر ثرواته، واساء استخدام السلطة، مثلما عليه ان يحاكم ايضا الذين ارتكبوا المجازر الجماعية الجديدة، وبزوا كل من سبقوهم في التعذيب والقتل على الهوية، تحت حجج وذرائع مختلفة.
فعندما يلجأ اطفال العراق الى التسول، تحت شمس الصيف الحارقة، بحثا عن لقمة خبز، فهذه ظاهرة لم يعرفها هذا البلد الكريم الشهم حتى في زمن الحصار الامريكي الظالم الذي امتد لاكثر من ثلاثة عشر عاما، ومن شاهد برنامج قناة 'الحرة' الامريكية عن هؤلاء الاطفال وأسرهم فانه يدرك احد جوانب مأساة العراق مع حكامه ومحتليه معا.
كان الكثيرون، يعتقدون ان محنة العراق ستنتهي بمجرد الاطاحة بالنظام السابق، وسيتحول البلد الى واحة من الرخاء تغري ملايين العراقيين الذين يعيشون في الخارج بالعودة مع أسرهم للتمتع بثروات البلاد واستقرارها واحترام حقوق الانسان، ولكن ما حدث هو العكس تماما، وشاهدنا العراقيين يهربون بالملايين الى دول الجوار، ويصطفون في طوابير طويلة امام مكاتب الامم المتحدة او قنصليات الدول الاوروبية والامريكية بحثا عن تصريح باللجوء، هربا من الاضطهاد او العنف الطائفي.
اما الحكومة العراقية 'المنتخبة' فتجلس حاليا على جبل هائل من الاموال، حيث قدر تقرير حكومي امريكي عوائد النفط العراقي بحوالي 156 مليار دولار في العام، وقال ان الفائض في الميزانية يبلغ 79 مليار دولار، اما رصيد الحكومة في بنوك امريكا واوروبا فيبلغ حاليا 92 مليار دولار.
ارقام مرعبة، ومــــع ذلك لا تخلو الصحـــف العراقيــة من تحقــيقات وتقارير اخبارية تتحدث عن اطفال يتسولون لقمة الخبز في شوارع بغداد ولا يزيد عمر بعضهم عن ثلاثة اعوام، يركضون خلف المارة والسيارات في ظروف مناخية ملتهبة. بل ان احدى الصحف قالت ان عائلات تراكمت بأسمال نسائها البالية امام مكاتب الرعاية الاجتماعية للحصول على اعانة، وقد بدا عليهم البؤس والفقر والعوز والمرض، وهي اعانة لم تصرف لهم منذ اربعة اشهر.
لا نعتقد ان قطط الحكومة السمان التي تنعم برفاهية المنطقة الخضراء ومستشفياتها ومطاعمها وقصورها المكيفة، تشعر او تتعاطف مع هؤلاء الفقراء المحرومين، ومعظمهم جاء من المنافي، واغرق في الوعود بالانحياز الى الفقراء وتحويل العراق الى 'جمهورية افلاطون الفاضلة'.
جميع الشعوب النفطية في الخليج او المغرب العربي تتنعم بثرواتها النفطية، والعوائد الضخمة التي تتدفق على خزائن حكوماتهم سنويا، باستثناء الشعب العراقي او غالبيته المسحوقة، التي لا تجد لقمة الخبز او علبة الدواء، ناهيك عن الامن والامان المفقودين، سواء بسبب العصابات الاجرامية المسلحة او القتل على ايدي الميليشيات الطائفية او القوات الامريكية.
العراق يتعرض الى اكبر عملية نهب في التاريخ الحديث، ومن قبل بعض اللصوص الذين عادوا اليه مع قوات الاحتلال. وتكفي الاشارة الى ما ذكره برنامج 'بانوراما' الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي.بي.سي) وكشف بالارقام والوثائق الامريكية الرسمية عن سرقة 23 مليار دولار من عوائد البلاد النفطية من قبل هؤلاء، واثبت ان العراق هو اكثر بلدان العالم فسادا في الوقت الراهن.
اما آثار هذا الفساد فنراها واضحة في ابراج وودائع فلكية في مدينة دبي، وشقق ومنازل باذخة في لندن وباريس وبراغ وعواصم اوروبية اخرى، كلها مملوكة لاشخاص من رجالات 'العراق الجديد' كانوا يعيشون على 'الضمان الاجتماعي' او مساعدات الفقراء في بريطانيا، وكأن هؤلاء ارادوا ان يثأروا من الشعب العراقي بإفقاره وسرقة ثرواته.
اعرف شخصيا اسرة عراقية تعيش في لندن على اعانات الحكومة البريطانية للاجئين، كانت تتباكى على العراق وثرواته المهدورة، وبذخ إبني الرئيس العراقي الراحل والملتفين حولهما، لأفاجأ بان هذه الأسرة اصبحت تلعب بالملايين من الدولارات، وتقيم حفل عرس من طراز الف ليلة وليلة في افخر فنادق دمشق، وترسل الدعوة للاصدقاء مقرونة بتذاكر السفر ذهابا وايابا، وحجز طابق كامل في الفندق المذكور للمدعوين.
لا احد يحاسب هؤلاء، فالقانون غائب، والشفافية معدومة، وهل يعقل ان يحاسب اللصوص اللصوص، وما هو ادهى وأمر ان اي شخص ينتقد هذا الوضع الفاسد الذي يجوع شعبا كريما عريقا ابيا، يتهم فورا بانه من 'مؤيدي المقابر الجماعية'، من قبل اناس حولوا العراق كله الى مقبرة جماعية.
الشعب العراقي تعرض الى اكبر خديعة في تاريخه عندما صدق هؤلاء الذين اتوا اليه بالخراب، والدمار، والفساد، والقتل، تحت شعارات 'الديمقراطية والرخاء والامان'، ليجد نفسه بعد خمس سنوات، اكثر شعوب المنطقة بؤسا وحرمانا.
الادارة الامريكية مارست ضغوطا ضخمة على دول الخليج لالغاء ديون العراق. وكانت دولة الامارات العربية المتحدة اول دولة تستجيب لهذه الضغوط، بينما ما زالت دول اخرى مثل الكويت والمملكة العربية السعودية 'تدرس' هذه الخطوة. والسؤال المطروح هو عن مبررات الغاء هذه الديون لدولة تجلس على فوائض مالية هائلة، وتنفق اقل من اربعة مليارات دولار في الفترة من 2005 الى 2007 على مشاريع اعادة الاعمار التي من المفترض ان يستفيد منها الشعب العراقي، وظائف ومستشفيات ومدارس وامدادات ماء وكهرباء.فحكومة لا تهتم بمواطنيها في الداخل او في الخارج، وينحصر اهتمامها في توظيف اقارب المسؤولين فيها، والاغداق عليهم بالمنح وبدلات السفر، وتدفع رواتب عالية لعشرات الآلاف من المحسوبين عليها الذين فضلوا العودة الى منافيهم السابقة ولكن ليس كلاجئين، وانما كموظفين كبار، بدرجات ورتب عالية، وامتيازات مالية ضخمة لا يحلم بنصفها امثالهم من رعايا الدول الخليجية.
الشعب العراقي يجب ان يحاكم هؤلاء اللصوص، وكل من اهدر ثرواته، واساء استخدام السلطة، مثلما عليه ان يحاكم ايضا الذين ارتكبوا المجازر الجماعية الجديدة، وبزوا كل من سبقوهم في التعذيب والقتل على الهوية، تحت حجج وذرائع مختلفة.
فعندما يلجأ اطفال العراق الى التسول، تحت شمس الصيف الحارقة، بحثا عن لقمة خبز، فهذه ظاهرة لم يعرفها هذا البلد الكريم الشهم حتى في زمن الحصار الامريكي الظالم الذي امتد لاكثر من ثلاثة عشر عاما، ومن شاهد برنامج قناة 'الحرة' الامريكية عن هؤلاء الاطفال وأسرهم فانه يدرك احد جوانب مأساة العراق مع حكامه ومحتليه معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق