2008-10-02 :: بقلم: نمير النمر ::
قبل عيد الفطر بعشرة أيام جلس بقربي صديق عزيز وقال:أتصور أننا سنذهب الى بيوتنا يوم العيد لان العدو الامريكي بهذا العمل سيكسب الرأي العام العالمي.لم أفض اليه بعكس أحلامه، فالسجين هاجسه الاول الذهاب الى بيته وتابع قائلا:لماذا اعتقلنا، ولو كنا " نعرف " كنا خرجنا من القرية، فأفضل لنا الاستشهاد من حياة الذل التي نعيشها...قلت.. نحن في سجن ولسنا في بيوتنا، يجب أن نتحمل، أطرد فكرة " الافراج" من رأسك وأهتم بصحتك، حتى اولادك وزوجتك لا تفكر بهم، لان الذي يمرض يموت، فلا طبابة " ولا ما يحزنون ".فهز رأسه قائلا: صامدون ، صامدون ، ولكن اولادي التسعة من أين سيأكلون، زوجتي، معها مبلغ بسيط فقط.- عليك أن تتحمل، الحزن و" الصفنة ما تفيد" هنا ولا بهذه الطريقة تؤمن لها النقود.ويطل العيد علينا فأتامل وجه صاحبي أنه كالموزة الفاقعة الاصفرار، لا يأكل ولا ينبس ببنت شفة، بل انه تخاصم معه زميلة تلك الليلة لانه أثر الصمت وهم كانوا يدنون فعلا، كان الضجر والغم أحيانا يولد توترات عصبية في صفوف الاسرى والمعتقلين، فتحدث بعض المشاكل الا انها سريعا ما تزول.- " ماذا بك " يا أبو جواد" فيجهش بالبكاء مثل الاطفال وتكر المسبحة فيبدأ العديد من الاسرى البكاء مثله بسبب " العيدية " في المعتقل، ترى بعضنا واضعا يديه على وجهه وآخر نائم والبعض يستنكف عن الطعام، فكنت أشعر بأنه اليوم هو يوم مأتم، العيون تقدح شررا، الرؤوس مطأطأة، الشتائم على قوات الاحتلال " صاعدة نازلة " فأعطيته سيجارة لتهدئة اعصابه، فيأخذها..ويتابع كلامه وهو يجهش بالبكاء: - من يعطي العيدية الى نازك وغفران وأوس و....و....الخ، وكيف هو شعورهم عندما سيرتدي اولاد الجيران وهم دون ثياب، ويمكن يبقوا جالسين في البيت.. هذه الكلمات " لابو خليل " أصبح يرددها غالبية المعتقلين.أحاول أن ألطف الامور معه ويثور ثانية :" ابو خليل" انسان عاطفي جدا وهو نموذج عن آلاف الاسرى الذين " حز " عليهم قضاء يوم العيد بعيدا عن عائلاتهم واقاربهم.. هذا الجو " المكهرب" يوم العيد أدى الى عدة انهيارات عصبية ولكن حاولنا ترطيب الاوضاع نسبيا ومسح الكأبة عن وجوه المعتقلين. ففي الصباح أقمنا صلاة العيد جماعة، وألقت خطبة حماسية حول المقاومة في العراق وفلسطين وأختتمت بقراْءة الفاتحة على أرواح الشهداء. وفي الليل انتدب احد شيوخ المعتقل لقراءة القرأن وكان بعضهم يؤذن مساءا وصباحا وهو ما يرعب قيادة المعسكر لان هذه الممارسات تعتبر تمردا في قوانينهم.في النهار كنا نقوم بزيارات الى غرف المعتقلين وزنزاناتهم ونتبادل التهاني بالعيد، ونقدم " على الريحة " الحلويات، وسيجارات، فكان المعتقل يوم عيد : زيارات وفضى ولم يجرأ العدو على منعنا لانه يشعل فتيل الحقد في نفوسنا أكثر.هكذا قضينا يوم عيد الفطر، نعزي بعضنا بأهمية الصبر وأن البكاء لا ينفع، أحد المعتقلين الكبار اقترح ان نقيم يوم العيد حفلة ونطلب من الصهاينة كمية من الحليب لصنع حلويات في الحليب، وبعض الحلويات البسيطة، ولكننا رفضنا هذا الاقتراح.اذا لا بد من عمل يوم العيد، فليكن يوم تمرد وتظاهر ضد قوات الاحتلال على معاملتنا اللاانسانية، ولنعلن الاضراب عن الطعام ونرفض دخول الجنود الى داخل المعتقل " لعدنا " فلا عيد عندنا في ظل حراب الاحتلال.فالعيد سيكون يوم يصبح معتقلات الاحتلال ملاعب لكرة القدم، أو اقسام داخلية للجامعات، أو متنزهات عامة ومستشفيات.يوم ترحل وتسحق قوات الاحتلال من وطننا الغالي.العيد يوم الحرية ..العيد يوم تعيد لطيور المهاجرة الى احضان امهاتها، وتبني اعشاشا من القش اليابس وسط النخيل والسنديات في الشمال والاهوار..سمعني " ابو خليل " وقال ما هذا الشعر سمعنا، سمعنا ..يا استاذ فأجبته:
عاش العراق
عاشت المقاومة الوطنية العراقية
عاشت المقاومة الفلسطينية
الخميس 3 شوال 1429 هـ2 تشرين الأول 2008 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق