الثلاثاء، سبتمبر 30، 2008

خصخصة قتل العراقيّين..؟!


أصدر بول بريمر، قبل مغادرته بغداد في 27/6/2004 ، القرار رقم (17) الذي يقضي بمنح الحصانة المطلقة للمرتزقة المنتظمين في "الشركات الأمنية الخاصة المتعاقدة" مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على قتل العراقيين وسجنهم وإستجوابهم وإقتحام البيوت وترويع أهلها وحراسة المسؤولين عن تنظيم شؤون الأحتلال من الأمريكان والعراقيين التابعين. نص القرار المذكور على منع "الحكومة العراقية المنصّبة" من التدخل بمهام هذه الشركات أوإدانة اعمالها أومقاضاة العاملين فيها. بهذا منح المحتل الحصانة الكاملة للمرتزقة المسلحين إباحة قتل العراقيين وإستعبادهم . لقد صاحبت الشركات القتالية والأمنية والمخابراتية الخاصة القوات الأمريكية منذ بداية غزوها وإحتلالها العراق. ولغاية نيسان 2008 لم يتعرض أي عضو في تلك الشركات لأي مسائلة قانونية او إدانة عن أنشطتهم الأجرامية طيلة الخمسة سنوات الماضية بضمنها مذبحة " ساحة النسورفي بغداد" التي ذهب ضحيتها سبعة عشر مدنيا عراقيا بريئا وكوفئت عليها BLACKWATER بزيادة العقود معها لتصل إلى ما قيمته 144 مليون دولار في أيلول 2007 وجرى تجديدها في نيسان 2008 لتأكيد حقيقة ان خدمات تلك الشركات بالنسبة للأدارة الأمريكية أكبر من سيادة العراق وأرواح أهله وكرامتهم . يعمل في العراق بحدود 170 شركة خاصة يقوم أعضائها ( أكثر من 160 ألف مرتزق) بمعارك ميدانية وإقتحام وعمليات أمنية وإستجواب للسجناء العراقيينوجمع للمعلومات الأستخباريةوتنظيم عقود الأنشاء والتجهيز والرحلات الجوية وحماية المسؤولين الكبار عن الأحتلال من جنرالات جيش ومقاولين وسياسيين وخبراء وإستشاريين زائرين أمريكان وكذلك حماية "القيادات العراقية المتعاقدة" على إدارة أزمة الأحتلال والعملية السياسية في الحكومة والمنظومات التابعة لها. لقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية حماية هؤلاء "المسؤولين" فوق حياة العراقيين المدنيين الأبرياء. من أبرز الشركات العاملة في مجال القتل والترويع الخاضعة لسيطرة وإشراف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء والبعيدة أعمالها عن مراقبة وتدخل رجال القانون والأعلام ثلاث : Blackwater, Triple Canopy & Dyncorp . تقوم شركات القتل الخاصة هذه بالتنسيق مع الوحدات العسكرية والأمنية التابعة لقوات الأحتلال والحكومة العراقية ومع "بعض" من المليشيات العرقية والطائفية . جرى توفير المرتزقة لهذه الشركات من أكثر من 100 دولة ليس لحكوماتها أية مصلحة في حرب العراق وأهله. بالنسبة لهذه الشركات، الحرب في العراق عبارة عن مشروع تجاري ذو أرباح عالية جدا لاتحكمها أية إلتزامات دولية أو أخلاقية أو سياسية أو قانونية . إن الأهداف والممارسات والأجراءات ألا إنسانية التي إعتمدها المحتل وشركاته الخاصة تتطابق في جوهرها مع غايات أمراء المليشيات الطائفية والعرقية بشكل مباشر أو غير مباشر . وما الولاءات المزدوجة لهذه المليشيات في السياسة والأمن الداخلي والعلاقات الخارجية إلا خير دليل على تطابق وتوافق مبدأ الخصخصة عند تلك الأطراف على حساب سيادة ووظيفة الدولة تجاه مواطنيها. إن عظم حجم خصخصة الحرب في العراق تتجسد بالمليارات التي أغدقت على أمراء المليشيات الطائفية والعرقية بحيث أصبحت مقومات وجود الأمراء ومصالحهم وتعاظم أرباحهم مرتبطة إرتباطا عضويا بآلة الحرب وتوسع منظوماتها وتعقدها وتصعيد درجات العنف في العراق. في ضوء ذلك أصبح " القطاع الأمني" الذي أوجده المحتل في العراق من أكبر القطاعات العراقية إزدهارا.
لقد إستخدم المحتل الأمريكي شركات المرتزقة الأجنبية ووحدات خاصة من البيشمركة الكردية والمليشيات الطائفية في مطاردة وإعدام القوى المناهضة للأحتلال ومحاصرة المقاومة الوطنية وتشجيع الأقتتال الطائفي والعرقي. جرى تمويل كل ذلك من صندوق " أسود " سري خصص له 3 مليارات دولار يجري رفده دوريا. عملت ولاتزال تعمل شركات القتل الخاصة تحت أغطية متعددة جرى إجازتها وتنظيم أعمالها بالتنسيق مع المستويات العليا للأدارة الأمريكية في البيت الأبيض والكونغرس والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية وغيرها . إلى جانب التشكيلات المسلحة إستخدمت تلك الشركات أغطية تمويهيّة مختلفة كمقاولين مدنيين ومهندسين لأعادة الأعمار وعمال وناشطين إنسانيين وإستشاريين وخبراء في مجال النفط والكهرباء والماء والتدريب العسكري والأمني وغير ذلك من الظلال الباهتة.
إن قتل المدنيين الأبرياء من العراقيين جزء من الخطة الأمريكية التي تعتمد على إستحداث تشكيلات قتالية تقوم بالتصدي لأهداف عراقية غير مرغوبة من قبل المحتل. تتيح التشكيلات المسلحة هذه لآلة الحرب الأمريكية خفض خسائرها البشرية والمادية والمالية من خلال إقتصار دورهم على تهيئة البرامج القتالية والتمويل وتقديم المعلومات والخدمات العملياتية المساندة. ومن أبرز سمات شركات القتل الخاصة العاملة في العراق إن معظم قياداتها من المحافظين ذوي النزعات الأصولية المسيحية المتطرفة ذات الأجندات والعلاقات السرية القوية مع المنظومات السياسية والدفاعية والمخابراتية للولايات المتحدة الأمريكية. وأن البعض من رؤساء تلك الشركات هم أعضاء في منظمة " فرسان مالطة" التي تشكلت في القرن الحادي عشر من أجل إحكام السيطرة على البلدان التي يجري إستعمارها من قبل الصليبيين. تلك المنظمة الباطنية الغامضة بات لها في الوقت الحاضر علاقات دبلوماسية مع أكثر من 94 دولة حول العالم. تشير التقارير بأن قيمة الصناعة العسكرية الخاصةعلى المستوى العالمي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار وأن حوالي 70% من ميزانية المخابرات الأمريكية تذهب إلى الشركات الأستخبارية الخاصة وأن 6مليار دولار سحبت من أموال إعمار العراق وصرفت على الأمن الخاص خلال الفترة الممتدة بين 2004 – 2007 . إن من الخطورة واللا إنسانية بمكان أن تناط المهام المركزية للدولة المتعلقة بأمن المجتمع وإحتياجاته الأنسانية بشركات ومجموعات ربحية خاصة تعتمد أساليب وإجراءات منفلتة يتعطل بموجبها القانون والقضاء ويباح القتل والقهر وإفساد رجال الدولة والمجتمع.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بجد على توسيع دائرة مبدأ خصخصة القتل من خلال إصرارها على فرض تضمين وتوظيف "الحصانة القانونية" لقواتها ولمرتزقتها من المتعاقدين في الأتفاقية الأمنية البعيدة المدى(SOFA) ) التي ستنظم عمل القوات الأمريكية المحتلة في العراق. إن الأدارة الأمريكية مصرّة على أن يقوم السياسيون والبرلمانيون العراقيون بمكافئتها بتوقيع "وثيقة إعلان" تبيح لهم إستدامة إحتلال وإستعمارالعراق وصلب سيادته وقتل وسجن وتعذيب أهله لزمن غير منظور؟!.
إن شركات القتل الخاصة الجامعة لمرتزقة العالم، تمثل الماكنة الحربية لعصر جديد إبتدأته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. إنها رمز لزمن جرى فيه خصخصة إحتياجات الأنسان في بقاءه وقتله وامتهان كرامته ..

كمال القيسي
عضو منتدى الفكر العربي
25 / 9 / 2008

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار