! هارون محمد
ليس صدفة او توارد خواطر ان يخرج ثلاثة من أبرز السلطويين في العراق المحتل، مسعود بارزاني رئيس ما يسمى باقليم كردستان وعادل عبد المهدي نائب رئيس المجلس الاعلى الشيعي واحمد الجلبي رئيس هيئة اجتثاث البعث ومؤسس البيت الشيعي بتصريحات في اوقات متقاربة تحذر من حدوث انقلاب عسكري دون ان يتحدثوا عن طبيعة الانقلاب والطرف الذي يقوده والجهات التي يستهدفها، مما أثار الكثير من التساؤلات والتفسيرات، خصوصا وان المؤسسة العسكرية التي كانت هي المؤهلة للقيام بهذه المهمة في السابق لم تعد موجودة، والجيش الحالي بفرقه وألويته وأفواجه، هو عبارة عن مليشيات لا تستطيع مواجهة مفرزة مسلحة تسليحا خفيفا لمدة ساعة واحدة، والادلة كثيرة لا يسع المكان لايراد جزء منها، فمن يا ترى الذي يخشى منه الثلاثة ولماذا اختاروا هذا الوقت بالذات للكلام في قضية لا تخطر على بال أحد؟والملاحظ في تصريحات الثلاثة وهم من عتاة المحاصصة الطائفية والعرقية وأكثر المستفيدين منها، انها جاءت في أعقاب خطب لرئيس الحكومة وقائد حزب الدعوة نوري المالكي في ثلاث مناسبات حشر فيها البعثيين بطريقة فجة وهاجمهم بعنف وحذر منهم بخوف واضح في نبرات كلامه، دون ان يكشف أسباب الهجوم عليهم، ولماذا تذكرهم الآن وهم مجتثون تطاردهم قوات الاحتلال ويلاحقهم الجلبي الذي اعتقل أكبر مساعد له من قبل الامريكان (علي فيصل اللامي) مدير عام المتابعة في هيئة الاجتثاث وهو عائد من الخارج بعد زيارة لايران ولبنان وفي جيبه لائحة بأسماء المئات من ضباط الجيش السابق كانوا بعثيين في العهد الماضي، وأغلبهم رفض او اعتذرعن العودة الى الخدمة عندما فوتح او تم الاتصال به من قبل، والمعلومات المتداولة لدى الاوساط الحزبية والنيابية القريبة من الامريكان في بغداد تشير الى ان (قائمة اللامي) كما اصطلح على تسميتها، ضمت أسماء ثلاثة وتسعين ضابطا بعثيا سابقا أعيدوا الى الجيش الحالي برغبة أمريكية يتولون وظائف ومواقع استشارية وميدانية في بغداد وعدد من المحافظات العربية.ولكي نكشف الاسباب الحقيقية التي حفزت مسعود وعبد المهدي والجلبي الى التحذير من شبح الانقلاب العسكري، والدوافع التي أقلقت المالكي من عودة البعثيين، لا بد وان نشير ابتداء الى انها مجرد هواجس يشعر بها الثلاثة أصحاب التصريحات المحذرة من الانقلاب العسكري ورابعهم المالكي الخائف على منصبه، جاءت بعد قبول ضابط كبير برتبة فريق شغل حتى الاحتلال قائد فيلق في الحرس الجمهوري للعمل كمستشار لدى قيادة القوات الامريكية في العراق، وهو الآن في المنطقة الخضراء منذ قرابة شهرين، يعمل ويسكن، وقد أثيرت حوله اعتراضات خفية من قبل مسعود بارزاني وعبد العزيز الحكيم ونوري المالكي خلال اجتماعاتهم العديدة والمتكررة خلال الاسابيع القليلة الماضية مع السفير رايان كروكر والجنرال بترايوس، وكان جواب الاخير للثلاثة، لا علاقة لكم بالامر، هو مستشار عسكري عندنا وليس عندكم، بل ان الجنرال الامريكي - حسب مصادر من حزب الدعوة- ابلغ المالكي عندما اعترض الاخيرعلى عودة الضابط العراقي الى بغداد من مقر اقامته في العاصمة الاردنية التي عاش فيها بحدود خمس سنوات وتعيينه بوظيفته الاستشارية العسكرية الجديدة (مستر مالكي لا أسمح لك بالتدخل في خصوصياتنا مثل ما تريد منا الا نتدخل في خصوصياتك) وانتهى اللقاءببرود.وقد انتجت عودة القائد العسكري العراقي السابق الى بغداد واشتغاله مستشارا لدى قيادة القوات الامريكية في العراق، ردود فعل غاضبة لدى كثير من زملائه ورفاقه السابقين الذين رأوا ان عودته وتعاونه مع الامريكان قد أضرتا بسمعة الجيش العراقي السابق، وان القيادة الامريكية استخدمته كمخلب قط في تخويف جماعة السلطة والتلويح به كتهديد مباشر ضدها، وبعض رفاقه وصل به الاستياء من تصرفه الاخير الى اتهامه بالتعاون مع الامريكان في الايام الاخيرة من حرب آذار(مارس) نيسان(ابريل) 2003 وقال لي أحدهم معاتبا لعرضي كتابا له في 'القدس العربي' قبل عامين، انه لم يقل الحقيقة في كتابه، وشكك في المعلومات التي أوردها وخاصة في تأخره في نسف جسر استراتيجي استخدمته القوات الغازية للتوجه الى بغداد، ولما جادلته وطلبت منه الرد واستعداد الجريدة لنشر ملاحظاته بالكامل، رد بان الوقت غير مؤات للحديث في مثل هذه القضايا الان، في حين اعتبر عدد آخر من ضباط الجيش السابق ان عودته الى بغداد مسألة تخصه لا يلام عليها، فالقرار قراره اتخذه بعد ان تعرض طيلة السنوات الخمس الماضية الى شبه مقاطعة غير مبررة من رفاقه السابقين على خلفية حساسيات ماضية، وأحد هؤلاء قال: انه يعرف السيد الفريق جيدا ويعرف انه عسكري محترف وقائد استراتيجي من طراز القادة الكبار، وانه لا يفرط باسمه وسمعته وتاريخه، وقبوله بالعمل لدى الامريكان جاء نتيجة حاجتهم اليه وليس حاجته اليهم، ووجوده في بغداد يخدم المؤسسة العسكرية العراقية مستقبلا. وفي الوقت الذي أحدثت عودة الضابط العراقي الكبير الى بغداد موجة من الاستنكار لدى عدد من زملائه ورفاقه السابقين باستثناء قلة منهم، فانها في المقابل الحكومي، فجرت جزعا لدى أغلب مسؤولي الطبقة السلطوية الذين انتابهم خوف مروع من عودته وتعيينه في موقعه الجديد، ويقال ان الامريكان يضربون حوله حراسة مشددة لحمايته من جماعة الحكومة ومليشياتها، حتى انه عندما عاد الى بغداد واستقر فيها مؤخرا لممارسة عمله قبل شهرين، حطت الطائرة الامريكية الخاصة التي أقلته من عمان في مطار قاعدة (البغدادي) بمحافظة الانبار وليس في مطارات العاصمة لاعتبارات أمنية، ومما عزز مخاوف أحزاب وقيادات السلطة من عودته وتسلمه وظيفة المستشار الاول للقيادة العسكرية الامريكية في العراق، ان عمله معتم عليه تماما، واتصالاته غير مكشوفة، والمعلومات الشحيحة عنه تشير الى انه نجح خلال ايام عمله الاولى في موقعه الجديد من منح الضباط السابقين حقوقهم التقاعدية وتحويلها الى فروع مصرف الرافدين في عواصم الجوار العربي رغم معارضة نوري المالكي ووزير ماليته باقر صولاغ اللذين هددا بكشف ملفاتهما اذا استمرا في معارضتهما، كما انه - والكلام لبعض المقربين والمتعاطفين معه- انجز دراسة عسكرية تحدد الملامح الاساسية للجيش العراقي على المدى القريب بعد انسحاب القوات الامريكية او اجزاء منها، وان الدراسة حظيت بموافقة الجنرال بترايوس ووزير البنتاغون غيتس، وان العمل وفق سياقاتها جار على قدم وساق بدون توقف.والسؤال الذي يطرح نفسه وسط هلع أصحاب السلطة من الانقلاب العسكري المزعوم هو: اذا كانت عودة ضابط واحد رفيع المستوى الى بغداد واشتغاله مع القوات الامريكية قد أحدث هذا الحجم من المخاوف والهواجس والتحذيرات، فكيف تكون النتائج اذا عاد عشرة او عشرين او ألف أو مئة ألف من الضباط السابقين الى الخدمة العسكرية في العراق وتسلموا وظائف ومواقع استشارية او عملياتية في الجيش او الاجهزة الامنيه والعسكرية؟
الواضح ان بارزاني ورئيس اركانه بابكر زيباري وعادل عبد المهدي وسيده عبد العزيز واحمد الجلبي ورهطه في هيئة الاجتثاث السيئة الصيت ونوري المالكي وحزبه العتيد، سيموتون بالسكتة القلبية او الدماغية حال سماعهم بالنبأ وقبل ان يباشر الضباط والقادة في مواقعهم التي شغلوها باقتدار سنوات طويلة قبل ان يأتي بول بريمر ويحل الجيش العراقي باوامر بوشية ونصيحة اسرائيلية ودفع ايراني وتحريض العملاء والدخلاء.
' كاتب سياسي عراقي يقيم في دمشق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق