الاثنين، سبتمبر 29، 2008

المقاومة العراقية الباسلة وأبواب التوازن الدولي الجديد




شبكة البصرة
الدكتور عبد الله القاص
أشار الجنرال بروس رايت، قائد القوات الأمريكية في اليابان في أيلول 2007م إن العراق وحده قد استنزف الموارد المخصصة لاستبدال أو تحديث سلاح الجو، وأوضح أن العمليات العسكرية هناك تستهلك الطاقة العملياتية القصوى للأسراب المقاتلة. ووفق ذلك فقد حذر عسكريون أمريكيون أن سيادة سلاح الجو الأمريكي على الأجواء في خطر، ما لم يعمل البنتاغون على زيادة موازنة القوة وسريعاً لتجديد أساطيلها المتهالكة. وقال عسكريون في سلاح الجو إن حرب العراق وعلى مدى خمس أعوام، أنهكت على نحو خطير، الأسراب الجوية من طائرات مقاتلة وقاذفات وناقلات شحن وتلك الهجومية، وطالبوا ببدائل حديثة ومكلفة على وجه السرعة. وأوضح مدير التخطيط الإستراتيجي بسلاح الجو الأمريكي أن القوة بحاجة إلى ضخ 20 مليار دولار إضافية سنوياً، وعلى مدى خمسة أعوام، بالإضافة إلى موازنة بنحو 137 مليار دولار للعام 2009، عوضاً عن 117 مليار دولار التي اقترحتها إدارة الرئيس جورج بوش.

ومن هذه المعلومة يمكننا الدخول بموضوع مقالنا هذا
11 سبتمبر, تاريخ مشهود في هذه المعمورة, شكل انعطافا حادا في السياسة الدولية بعد أن استثمرته الولايات المتحدة الأمريكية, إن لم نقل صنعته هي, لتنطلق بقطبيتها الدولية الواحدة الجديدة في إستراتيجية القرصنة والاستحواذ على كل مقدرات العالم دون منازع أو معارض على وفق مبدأ إن ليس معي فهو ضدي.
وبعد سبع سنوات على ذلك الحدث, يأتي يوم 11سبتمبر جديد ليشكل انعطافا جديدا آخر في السياسة الدولية بعد أن حطت في نفس هذا اليوم من الشهر الماضي طائرتان قاذفتان روسيتان في فنزويلا تزامنا مع طرد السفير الأمريكي في كل من بوليفيا وفنزويلا.

فماذا يعني هذا التوافق الزمني؟ وما هي مدلولاته؟
القاذفتان الإستراتيجيتان الروسيتان اللتان حطتا عشية الحادي عشر من سبتمبر الماضي في قاعدة ليبرتادور العسكرية في فنزويلا للمشاركة في مناورات عسكرية روسية فنزولية هما من طراز تي يو-160. ويعتبر هذا النوع من الطائرات من أهم القاذفات التي تتميز بقدرتها الفائقة على التحليق لمسافات بعيدة تتجاوز14 ألف كيلومتر دون النزول إلى الأرض للتزود بالوقود، إذ يمكنها التزود به أثناء الطيران عن طريق الإرضاع الجوي من طائرات مخصصة لذلك. كما إن سرعتها تزيد على سرعة الصوت، ويمكنها التحليق حتى ارتفاع 16 كيلومترا. وتكمن الخطورة من هذه القاذفات في قدرتها على حمل 12 صاروخا نوويا بعيد المدى، ويمكنها إصابة أي هدف في قلب الولايات المتحدة بدقة عالية, حيث أنها مزودة بنظام للملاحة الجوية يمكنه كشف الأهداف البحرية والبرية من مسافات بعيدة، ومن الصعوبة رصدها راداريا حيث أن هذه القاذفات مزودة بأربعة محركات نفاثة، روعي في تصميمها تخفيف "البصمة الحرارية" لتفادي الرصد من قبل الرادارات.
وهناك حديث عن عزم روسيا لإقامة قاعدتين حربيتين لهذه القاذفات في ميناءي اللاذقية وطرطوس في سوريا, علما إن روسيا تمتلك حاليا وحسب معلومات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام 78 قاذفة إستراتيجية مهيأة لحمل السلاح النووي.
ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة لهذا الحدث المتزامن مع الذكرى السابعة للحادي عشر من سبتمبر. والذي أعلنت روسيا فيه أيضا أنها سترسل سفينة "بطرس الكبير" النووية والتي تحمل صواريخ عابرة للقارات يمكن أن تحمل رؤوس نووية. وغيرها من السفن الحربية والطائرات إلى منطقة الكاريبي لإجراء مناورات مشتركة مع فنزويلا في تشرين الثاني/نوفمبر والتي ستجري لأول مرة في منطقة مجاورة للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة.
وتأتي هذه المناورات وسط توتر بين روسيا والولايات المتحدة بسبب تواجد سفن حربية أميركية بالقرب من الشواطئ الروسية عشية التوغل الروسي في جورجيا وفصل كل من اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن جورجيا واعتراف روسيا يهما كدول مستقلة. وعشية عقد اتفاقية نشر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية مع بولندا في أغسطس الماضي.والتي هددت روسيا باستخدام السلاح النووي ضد بولونيا إن تحولت هذه الاتفاقية إلى واقع إجرائي على الأرض, وهو التهديد الأخطر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية على عرش القطبية الدولية الواحدة.
إذن فالصراع الروسي الأمريكي قد بدأ بالفعل, ويبدو للعيان إن روسيا التي ورثت الثقل الأكبر من الترسانة النووية السوفيتية كانت قد عقدت العزم من خلال بوتين الرئيس ومن ثم بوتين رئيس الوزراء في العهد الجديد الذي كان وما يزال يرسم ويؤمن متطلبات الإستراتيجية الروسية للوقوف ضد الزحف الأمريكي والأطلسي باتجاه روسيا من خلال ابتلاع تلك الدول التي كانت منضوية تحت خيمة الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو. بل يبدو أن هذا اللاعب الرياضي الذي أتقن الدفاع والهجوم في لعبة المصارعة والتايكواندو قد أجاد اللعبة السياسية أيضا, فتمكن من تحقيق الانتقال من الوضعية الدفاعية والوقائية والاحترازية تجاه خطر الزحف الأمريكي لمحاصرة روسيا من خلال جيرانها إلى الوضعية التعرضية في محاصرة أمريكا نفسها من خلال جيرانها. وها هي بوليفيا وفنزويلا تطردان السفير الأمريكي من أراضيها دون تردد أو فزع من المارد الذي أخاف العالم بعصاه الغليظة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولحد الآن, وها هي كوبا تتحدى, والحبل على الجرار كما يقول المثل.
ولذا فان الردع الروسي سيأخذ مدى وعمق جديد ليس في مسار الانطلاق من خط شروع سباق تسلح جديد أو العودة إلى الحرب الباردة مجددا فحسب, بل إلى مسار تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل من يفكر بالتطاول عليها أو إعلان معاداتها.
وإذا ما عدنا فليلا إلى الوراء لإلقاء نظرة على إستراتيجية بوتين في مجال التسلح والتحدي والردع التدريجي والهادي لوجدنا إن الصواريخ النووية والقاذفات الإستراتيجية كانت قد أخذت الحيز الأكبر في هذه الإستراتيجية.
فمنذ أن اشتدت قوة ونمط المقاومة العراقية الباسلة وأخذت منحى الإنهاك العسكري والاقتصادي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية انطلقت الإستراتيجية البوتينية التسليحية والنووية في مجالي القاذفات والصواريخ الإستراتيجية باستعادة عافيتها. فقد أجرت قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2004م بنجاح أول تجربة على صاروخ باليستيي عابر للقارات من نوع RS-20V فويفودا" والذي يسميه حلف شمال الأطلسي "الشيطان SS-18 والذي يعتبر من أهم التقنيات العسكرية في الترسانة النووية الروسية. فهو مجهز بعقل الكتروني وعربة فضائية, يبلغ مداه 12 ألف كيلومتر, ويعتبر اكبر صاروخ حربي في العالم, ذو وقود ثابت عند الخزن, وتمتلك روسيا منه 57 صاروخ.
أما القاذفات الإستراتيجية فقد نشطت تحديثاتها المتواصلة بعد وقوع الولايات المتحدة الأمريكية في ورطة أفغانستان ومستنقع العراق وتراجع قدراتها العسكرية وخاصة الجوية منها. فإرادة الله عز وجل ثم المقاومة العراقية الباسلة قد أنهكت القوات الجوية الأمريكية إن لم نقل اخرجت معظمها من الخدمة. فتلك هي القاذفات الإستراتيجية من نوع اف 111 تبتلعها مياه المحيط الهندي هي وجزيرة دييو غارسيا التي كانت تجثم عليها عندما جاءها غضب الله في إعصار تسو نامي. أما القاذفات الإستراتيجية من نوع بي 52 التي تشكل القوة الرئيسية للطيران الإستراتيجي الأمريكي فتؤكد تقارير عسكرية أمريكية وجود عناصر خلل خطرة في منظوماتها يعد أن أصبحت قديمة دون تحديث منذ أن دخلت الخدمة في عام 1948م. هذه القاذفة التي قد تسبب الآن هي وأطقمها مشاكل خطيرة على النظام الجوي الاستراتيجي الأمريكي, وكما حدث في تشرين الثاني من العام الماضي عندما حلقت قاذفة "ب - 52" في الأجواء الأمريكية في رحلة من نورث داكوتا إلى لويزيانا وهي محملة بست صواريخ نووية عن طريق الخطأ. هذا الخطأ الخطير الذي يؤشر الإهمال المتفشي بين أطقم هذا السلاح, والذي يمكن أن يؤدي الى كارثة يصعب تصورها. أما طائرات اف 15 والتي تشكل العمود الفقري للدفاع الجوي الأمريكي فقد تم تجميد نشاط أسطولها الجوي بالكامل والبالغ عدده 450 طائرة منذ يوم الثاني من شهر تشرين الثاني 2007م بعدما تعرضت إحدى الطائرات من هذا الطراز إلى حادث تفككت خلاله في الجو أثناء طيرانها قبل أن تتحطم في ذلك اليوم, وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها الوكالات المختصة في سلاح الجوي الأمريكي وجود مشكلة خطيرة في صلاحية الطيران على مستوى الأسطول برمته.
فيما يؤكد خبراء أن الفترة الحالية تشهد حدثاً غير مسبوق في التاريخ العسكري الأمريكي، وذلك باعتماد سلاح الجو كلياً على طراز واحد من الطائرات هو اف 16. وتنتشر تلك الطائرات في 12 قاعدة موزعة على امتداد الولايات المتحدة، ومن مهامها الأساسية التصدي لأي تهديد جوي يعترض الولايات المتحدة،. ومما يزيد من خطورة هذه المشكلة هو أن القسم الأعظم من طائرات اف 16 مسخرة حاليا للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، فيما ما تزال أعداد المقاتلة الجديدة من طراز F-22 محدودة للغاية. ولذا فان أمريكا تستعين الآن بكندا حيث تقوم الطائرات الكندية من طراز سي اف 18بطلعات دفاعية متواصلة فوق ألاسكا، في ظل عجز سلاح الجو الأمريكي عن القيام بالمهمة، وقد وقع بعض طياري تلك الطائرات بحيرة كبيرة خلال مصادفتهم قاذفات روسية تقوم بطلعات قرب الأجواء الأمريكية وذلك لترددهم في الطلب منهم التعريف عن هوياتهم.
وقد ذكر بول سيلفا مدير التخطيط الاستراتيجي في سلاح الجو الأمريكي إن مقاتلات اف 16، العاملة حالياً، تعدت عمرها الافتراضي المحدد بـ4 آلاف ساعة طيران، إلى 8 آلاف.
ومن هنا فقد رسم بوتين الإستراتيجية التدريجية الهادئة لروسيا في ضوء المقاومة العنيفة والإرادة الفولاذية لأبناء الرافدين في الدفاع عن بلدهم. خاصة وان حجم الخسائر الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية جراء هذه المقاومة الباسلة أوصلت أمريكا ليس فقط في إخراج طائرات اف 15 واف 16 وبي 52 من الخدمة الجوية بل إلى الاندحار العسكري الشامل والانحدار الاقتصادي الكبير. فلو أخذنا بالأرقام التي تعلنها الولايات المتحدة عن خسائرها في العراق(مع العلم أنها لا تقترب من الصواب حيث ان جمعية المحاربين القدماء الأمريكية قدرت الخسائر البشرية الأمريكية بعشرة أضعاف الأرقام المعلنة) لوجدنا أن الخسائر البشرية التي تجاوزت 4000 قتيل و38 ألف جريح بأنها تشكل نسبة تبلغ حوالي24 جندي في اليوم الواحد. أما الخسائر المالية فقد اعترفت الإدارة الأمريكية بأنها تخسر في حرب العراق 27 مليون دولار في اليوم الواحد. وذلك يعني انه في كل ساعة تخسر أمريكا ما لا يقل عن جندي واحد مع مليون دولار. وها هي الأزمة المالية الأمريكية تطل برأسها منذرة بانهيار مالي قريب.
وإذا كان الدستور الروسي لا يسمح لبوتين بولاية جديدة كرئيس, فان الإرادة الروسية أصرت على أن يواصل هذا البناء ومتابعة الجوانب التطبيقية لهذه ألاستراتيجيه من موقعه الجديد كرئيس للوزراء.
ومن هذه المعطيات بعثت روسيا برسالتها الخطيرة والجديدة الى الولايات المتحدة الأمريكية في الذكرى السابعة للحادي عشر من سبتمبر لتقول فيها: ها أنا هنا موجودة بقواي الناهضة وبقدراتي المتصاعدة, بل أنا قادمة إليكم وفي جعبتي الكثير.. فقد ولى عهد الاستبداد والاستحواذ الأوحد في هذا العالم الفسيح.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار