الاثنين، سبتمبر 29، 2008

المقاومة العراقية والخيارات الأربعة / وليد الزبيدي



التاريخ: 27/9/1429 الموافق 28-09-2008
المختصر /
الشرق الأوسط / هناك اربعة خيارات أمام المقاومة العراقية في الوقت الحالي، ولكل خيار منها خصوصيته، ويبدو من الصعب الخلط بين خيارين او اكثر، وتقتضي المرحلة بجميع معطياتها، الركون الى أحدها واعتماده، في ضوء الفرز الدقيق، والقراءة الموضوعية للمرحلة المقبلة واستشراف آمادها.
الخيارات الاربعة هي:
اولا: إلقاء السلاح: يتم اعتماد مثل هذا التوجه، في حال اقتنع المقاومون بأنهم حققوا أهدافهم، التي رسموها في بداية انطلاق المقاومة ضد الاحتلال الامريكي للعراق، التي ابتدأت بعد ايام قلائل من احتلال بغداد في التاسع من ابريل (نيسان) عام 2003، حيث قتلت المقاومة اول جنود المارينز بعد ثلاثة ايام من الاحتلال، وشن مقاومون هجوما واسعا ضد دورية امريكية في الجانب الغربي من بغداد في منطقة نفق الشرطة في18/4/2003 (أدبيات جيش الراشدين)، ثم توالت الهجمات وتصاعدت، وأخذت بالانتشار في مختلف مناطق العراق، ومنذ ان بدأت أدبيات المقاومة بالخروج الى الرأي العام، لم يتزحزح خطابها قيد أنملة عن الهدف الأسمى المتمثل بطرد الاحتلال الامريكي من العراق، وإفشال مشروعه الأخطر في تاريخ البشرية، والمحافظة على وحدة العراق أرضا وشعبا، ولأن أهداف المقاومة مازالت هي المحرك الأساسي لفصائل وكتائب وجيوش المقاومة، والتزامها بذات الثوابت والتوجهات، فان إيقاف المقاومة وإنهاء عملياتها غير ممكن على الاطلاق، بل انه قد يكون ضربا من المستحيل إقناعها بإلقاء سلاحها، قبل تحقيق اهدافها التي انطلقت من أجلها.
الثاني: الانخراط في العملية السياسية وإصلاحها: قد يكون هذا التوجه، المحرك الأساسي، لجميع المحاولات التي جرت منذ عام2005 ومازالت، والتي تندرج تحت يافطة (المصالحة في العراق)، وقد حاولت الادارة الامريكية فتح مثل هذا النفق، لتزج به فصائل المقاومة العراقية، على أمل تذويب برنامجها الوطني في دهاليز العملية السياسية، وانطلقت اقوى المحاولات في مؤتمر(الوفاق) الذي عقد في القاهرة في19،20،21 نوفمبر(تشرين الثاني) 2005 برعاية الجامعة العربية، والاجتماع التحضيري الذي عقد في مقر الجامعة العربية في يوليو(تموز) 2006، لكن اصطدمت جميع الطروحات بثوابت القوى الوطنية التي تتطابق تماما مع خطاب المقاومة وأهدافها، التي تمسكت بالثوابت الوطنية، المطالبة بخروج الاحتلال كاملا، والتخلص من العملية السياسية التي صنعها الاحتلال الامريكي، وصاغها على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية، وما تمخض عنها من دستور وقوانين ومؤسسات وغيرها، اعتمادا على رؤية دقيقة، تؤكد ان كل ذلك يمثل مجموعة أخطار وألغام تم زرعها في الجسد السياسي الحالي في العراق، وبدون التخلص منها، لا يمكن للعراق ان يتعافى، ولن تكون هناك برامج وطنية تنموية شاملة، تخدم حاضر العراق وأجياله المقبلة، وبالرغم من جميع المحاولات المعلنة والخفية، التي جرت لثلم هذه القناعة، إلا ان خطاب المقاومة العراقية والقوى المناهضة للاحتلال، لم يتبدل وبقي واحدا وثابتا إزاء أخطار العملية السياسية وما تختزنه من امراض، ما يضعها في خانة (الميئوس من علاجها)، ولا حل إلا بالاقتلاع التام، وصياغة عملية سياسية عراقية، لا تمت بأي صلة لما زرعه الاحتلال الامريكي في العراق، ومن هذا الفهم، فان انخراط المقاومة العراقية في العملية السياسية، على أمل إصلاحها، قد يبدو مستحيلا، بل هو كذلك، لأنه يتناقض تماما وتوجهاتها وقناعاتها وثوابتها.
الثالث: استمرار المقاومة على ما هي عليه: لا شك أن المقاومين في مختلف التجارب التي عاشتها الأمم والشعوب، يضعون باستمرار الخطط والبرامج، التي تقربهم من أهدافهم بأسرع وقت ممكن، ومن يلقي نظرة سريعة، على واقع المقاومة في العراق حاليا، يخرج بالاستنتاجات التالية:
أ ـ لقد حققت نتائج باهرة في الميدان القتالي، وألحقت الكثير من الخسائر بقوات الاحتلال الامريكي والقوات الاجنبية المساندة لها.
ب ـ وفقا للمعيار الاهم في الحروب، فان جنود الاحتلال يعيشون اوضاعا نفسية متعبة جدا، وهذا ما يعترف به البنتاغون، حيث يعيش الآلاف منهم في حال من القلق والخوف، وهو نتيجة طبيعية لفعل الهجمات التراكمية التي نفذتها فصائل المقاومة العراقية ومازالت، ويؤكد ذلك التفوق العسكري الميداني للمقاومة.
ج ـ استعادت قوات الاحتلال شيئا من توازنها الذي فقدته تماما خلال عامي2005و2006، تحت ضربات المقاومة الموجعة، بعد استئجار الصحوات لصالح قوات الاحتلال.
د ـ تحاول قوات الاحتلال الاختباء شيئا فشيئا خلف الاجهزة الامنية الحالية من شرطة وجيش وصحوات، وجعل المواجهة مباشرة بين العراقيين، مما يسهم في إعادة شيء من التوازن المفقود عند جنودها، وفي حال استمرار ذلك، فقد يتم استبدال القوات الحالية بغيرها، مما يجعلها في وضع نفسي افضل، وتفقد بذلك المقاومة اهم مكتسباتها المتمثلة في زرع الرعب والهلع في قلوب جنود العدو.
ومن هنا، فان استمرار الحال كما هو عليه، أي الاكتفاء بشن الهجمات التقليدية (تفجير العبوات، قصف القواعد بالهاونات والصواريخ، استخدام القنص في مناطق متباعدة وقليلة) قد يسهم في إضعاف المقاومة اذا ما امتد لفترة طويلة. وتفقد بذلك أهم أدواتها في تحقيق اهدافها الاساسية، التي انطلقت من أجلها، والمتمثلة كما اسلفنا، في طرد الاحتلال والمحافظة على وحدة العراق أرضا وشعبا.
لذلك، فان هذا الخيار قد يبدو غير مجد، والتمسك به والسير بذات الوتيرة، لن يرتقي بالمقاومة الى درجات أعلى، ان لم يبدأ العد التنازلي، استنادا الى تأثير الفعل الميداني على التوجه السياسي للبيت الأبيض، وقد يؤخر تحقيق الأهداف المنشودة للمقاومة.
الرابع: المعارك الكبرى: إن حسم الصراع في العراق بين قوات الاحتلال الامريكي والمقاومة، يحتاج الى معارك كبرى، تشنها فصائل المقاومة العراقية ضد القوات الامريكية والقوات الاجنبية الساندة لها في مختلف مناطق العراق، وعبر التاريخ لن يخرج الاحتلال إلا بالمعارك الكبرى؛ فقد تحررت فيتنام بعد معارك كبيرة وحاسمة استمرت أربعين يوما، وانتهت بهروب القوات الامريكية بالمروحيات، من على سطح السفارة الامريكية في سايغون في 30- ابريل 1975، وانهزم الفرنسيون في الجزائر مرغمين لتحصل الجزائر على استغلالها في مارس (آذار) 1962، ولن يخرج الامريكيون من العراق إلا بأحداث كبرى، خاصة ان الاوضاع السياسية في الداخل الامريكي مهيأة في الوقت الحالي للتفاعل مع احداث من هذا النوع، واذا خسرت القوات الامريكية أعدادا كبيرة من جنودها، وتم تسليط الاضواء الاعلامية على ذلك. واذا ما تمكنت المقاومة من أسر جنود وضباط امريكيين، او السيطرة على قواعد ومقرات للقوات الامريكية، فان ادارة البيت الابيض، ستسارع لطلب التفاوض، والشروع بالانسحاب الفوري او بجدولته، مع تلبية جميع مطالب العراقيين، وان احداثا كبيرة ستهز الرأي العام الامريكي والعالمي، وستعيد جميع الأطراف التي تحاول دعم المشروع الامريكي في احتلال العراق حساباتها، وتنقلب الطاولة على أصحاب الافكار والمشاريع التي تريد بقاء القوات الامريكية في هذا البلد، كما ان هجمات كبيرة ونوعية، ستسقط بالضربة القاصمة الادعاءات الامريكية التي تروج لإحكام سيطرتها وتحسن الأمن في العراق.
ويتحقق بذلك للمقاومة ما انطلقت في سبيله بعد ايام قلائل من احتلال العراق، وتحصد زرعها، الذي قدمت في سبيله مئات الآلاف من الضحايا والمعتقلين والملايين من المشردين من بلدهم وديارهم.
خلاصة الخيارات الاربعة: لا شك ان العاقل يذهب باتجاه الخيار، الذي يخدم قضيته، وما قدمناه من خيارات لا يحتاج الى الكثير من الشرح والإيضاح. فبقدر ما تحاول ادارة الاحتلال الامريكي، ان تخلط الاوراق لتتداخل الألوان والأفكار والرؤى، فان الامور واضحة وجلية، والخيار الوحيد الذي يحسم قضية العراق واضح، إذا ما توفرت الإمكانات والمستلزمات الضرورية، طالما أن الارادة متوفرة والتصميم على انجاز المهمة العراقية راسخ لا يتزحزح. ويبقى الميدان مفتوحا على جميع الخيارات، وهذا ما يمثل قناعة عبقري الاستراتيجية العسكرية الصيني صن تزو صاحب كتاب (فن الحرب)، الذي قال: ان فن الحرب ذو أهمية بالغة، فهو مسألة حياة أو موت،
* كاتب عراقي

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار