الأحد، أكتوبر 12، 2008

الازمات الاقتصادية الراسمالية



شبكة البصرة
د. محمود خالد المسافر
لا يستطيع احد في هذا العالم المترابط رغم ترامي اطرافه، والمتداخل مصلحيا رغم اختلاف افكاره، ان ينكر عليه التأثيرات الجدلية لكل اجزائه. فأي حدث اقتصادي او سياسي او اجتماعي او حتى جيولوجي يحدث في اي جزء من العالم لابد ان تصل تاثيراته الى كل اجزاء العالم الاخرى، وان اختلفت هذه التاثيرات تبعا لنوعية الحدث وسرعة انتقاله، ولم يعد بامكان اي صاحب قرار حين يتخذ قراره، اهمال اي من المتغيرات باختلاف اصنافها واماكنها وازمانها.
واذا ما سلمنا بهذه الحقيقة وآمنا بها فانها ستقودنا لا شك الى مسألة غاية بالاهمية وهي: اذا ما اردنا نحن هنا في الجنوب ان نخطط ونعمل بجد لمستقبل آمن من كل المتغيرات السلبية علينا ان لا نكون بعيدين عن العالم الذي نعيشه، حتى اقنع الرأسماليون الناس في العالم اجمع انه ليس بمقدور احد العيش منفردا في عالم اصبح الكلام فيه اعتماد على الذات وتنمية مستقلة بمعناه الاقتصادي، بل والسياسي احيانا، ضربا من الخيال بنظر الكثير من الباحثين المطبلين للرأسمالية ومفاهيم الحرية الفردية. وهكذا فاي بلد اليوم يحاول تنمية ذاته بمعزل عن الآخرين في عالم تتقاسمه الاحتكارات المبنية على اساس القوى التنافسية الضيقة، وفي عالم لا يتخذ فيه قرار واحد مستقل، سيصطدم بعقبات لا يمكن ان يتجاوزها منفردا، والتجارب والامثلة كثيرة لا زلنا نعيشها اليوم.
ولكن هل اصبح من الصواب الارتباط بالنظام الرأسمالي حد التسيير الخارجي، والتي لن تكون الدولة بسببه قادرة على ان تتخذ اي قرار مهما كان نوعه، ولن يكون البلد الا جزءا من نظام فُرض عليه ولم يقم هو باختياره، وعند ذاك ستكون المصيبة اكبر. ان العالم الاقتصادي في ظل غياب القطبية الثنائية اصبح اكثر التئاما مع بعضه البعض، حتى اصبح اغلب اعداء الامس اصدقاءا اليوم، ولم تعد التيارات والتوجهات السياسية والاقتصادية نفسها التي كانت بالامس. وفي ظل كل ما سبق لا يزال هدف دولة الجنوب لا يتجاوز الحد المعقول من الحقوق الدولية مثل رفع المستوى المعاشي وزيادة الدخل القومي وتحقيق معدلات نمو تتلاءم والموارد المتوفرة والطاقة الاستيعابية للبلد، وغيرها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لكن يبدو ان مشكلتنا اليوم تتمثل في اننا شركاء بالزمان والمكان لعالم الشمال الذي لا يزال لا يرى الا مصلحته، ذاك الذي تحكمه وتسيره الرأسمالية، وبالرغم من عدم اعتراضنا على الكثير من مبادئها، لكن اكثرها وطأة على الشعوب في الجنوب هي ايمانها الاساسي بالاختلال. فقد بني التحول من الاقطاع الى الرأسمالية التجارية على مبدأ الاختلال وتراكم رأس المال به، وتطور به، وتحولت الى الرأسمالية الصناعية به، وانتقلت الى الرأسمالية المالية به ايضا. فلا تطور او تقدم بلا اختلال، وقبل كل هذا وذاك فان الاختلال بين الشمال والجنوب عنصر من عناصر بقاء الشمال وصموده. ولمّا كان هذا الاختلال كانت الازمات، اذ ان الازمات هي نتاجات ذات تفسيرات جيولوجية وبيولوجية ومادية ومالية، وظيفتها افراغ الاختلال من محتواه، لتعطي بالنتيجة حافزا زمنيا للنظام للأستمرار والابتعاد عن الاختلال الذي يليه.
اذن فالاختلال والازمة عنصران مهمان مكملان يتميز النظام الراسمالي بهما. ولبقاء الراسمالية اليوم وحيدة بعد صراع دامي مع الشيوعية الشمولية على مدى اكثر من سبعين عاما، فان العالم اليوم مشغول بها وحدها فالكل رأسمالي وان كان مخالفا. ولا توجد بقعة في الارض تستطيع العيش بدونها، فهي النظام الوحيد وان تعددت الاقطاب كما يرغب البعض. والى ان تظهر انظمة اقتصادية وسياسية اخرى ستبقى دول العالم تحكمها تيارات ذلك النظام بانواعها. ولا ادل على ذلك من وجود انظمة وان كانت شمولية ومركزية السلطة والادارة الا انها تعد جزءا من النظام الرأسمالي العالمي، وامثلتها في آسيا وافريقيا كثيرة.
لم تكن الازمات والاختلالات الرأسمالية تشكل خطرا كبيرا على دول عالم الجنوب (باستثناء الدول التي تعاني من تبعية شديدة للنظام الراسمالي) خلال مرحلة ما بعد الاستقلال، في الخمسينات والستينات، وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك اطرافه. ولكن بعد انفراد الرأسماية بالعالم، شماله وجنوبه، في ظل انتشار افكار الحرية والفردية التي روجت لها، وفرضتها احيانا مؤسستا بريتن وودز، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والشركات دولية النشاط ومراكز الابحاث العالمية، اصبحت تعاني بلدان الجنوب كما الشمال من وطئة تلك الاختلالات والازمات، بل ان ما يلفت النظر والانتباه انه وبعد ازمة عام 1987، ازمة وول ستريت بنيويورك التي قال عنها البعض انها اسوأ ازمة بعد ازمة عام 1929، وقال آخرون ان ازمة الكساد العظيم ليست باسوأ منها، لم تضرب اية ازمة شديدة العالم الرأسمالي، وانما اغلب الازمات ظهرت في ظل النظام ولكن في اطرافه، روسيا، جنوب شرقي آسيا، المكسيك، البرازيل وغيرها، ولا نعتقد ان هذا وليد صدفة، ولا هو جزء من حركة دورية تخترق النظام الرأسمالي من مراكزه الى اطرافه، وبالعكس، وانما نعتقد بوجود شيئ خفي كما هي يد آدم سمث الخفية، تحرك الازمة هنا وهناك. وحتى لا نزيد الامر خيالا، نقول ان هناك من تخدمه الارقام والمؤشرات فيتوقع الازمة، فيرى ان الازمة بدلا من ان تصيب صلب الرأسمالية في مركزها، فلتصِب اطرافها، وفي ذلك ظروف وشروط تحدد لماذا هنا وليس هناك، ولماذا الآن وليس غدا، وهكذا. ولذلك فان من اقسى ما يمكن ان يجرّه الاندماج في العالم الرأسمالي اليوم هو ان تصبح الاقتصادات الهامشية المدمجة بالاصل عرضة لأزمات لا يتحمل اسبابها واقع تلك الاقتصادات، وانما فقط لأنها اقتصادات مدمجة فانها يمكن ان تمثل الوعاء البديل لأي اختلال يظهر في واقع علاقات وقوانين السوق في المراكز الرأسمالية.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار