الثلاثاء، نوفمبر 02، 2010

اغتيال عزيز العراق





بقلم نقولا ناصر*

قال مراسل صحيفة القبس اليومية الكويتية في العراق، طالب عبد العزيز، إن معظم العراقيين يشجبون عقوبة الموت التي فرضت على طارق عزيز، وزير خارجية النظام الوطني العراقي الذي أطاح به الغزو فالاحتلال الأميركي عام 2003، وقد عارضها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا واليونان وإيطاليا والفاتيكان ومنظمات عديدة معنية بحقوق الانسان تتصدرها منظمة العفو الدولية والمفوضية الدولية ضد عقوبة الموت وآخرون كثر، لأسباب عديدة في مقدمتها رفض عقوبة الاعدام من حيث المبدأ، كما أعلن مارتن نسيركي المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون.

ومع ذلك ما زال النظام العربي الرسمي الذي يحاول عبثا لملمة أمنه القومي بعد الاحتلال الأميركي للعراق صامتا صمتا مريبا لا يجد أي سبب ولو كان حتى التضامن الدبلوماسي "النقابي" مع وزير خارجية كان هو ونظامه وبلده خير ظهير للقضايا العربية والأمن القومي لسنوات طويلة، ربما حرصا من وزراء الخارجية العرب على انعقاد مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد تحت الاحتلال الأميركي، وهو أمر إن حدث فعلا فإنه يسوغ من حيث المبدأ عقد مؤتمر مماثل في رام الله تحت الاحتلال الاسرائيلي!

وتعددت الأسباب التي أوردها المحللون والمعلقون السياسيون ل"توقيت" اصدار الحكم يوم الثلاثاء الماضي باعدام العزيز العراقي، لكن أهمها على الأرجح ما ذكره مؤلف ثلاثة كتب حتى الآن (اثنان عن العولمة وثالث عن العراق) هو بيبى إيسكوبار في "آشيا تايمز" في اليوم التالي، في مقال بعنوان "قصة عزيز لم ترو بعد"، فعزيز "هو الشخص الوحيد على الأرض الذي يمكنه حكاية القصة الحقيقية ... للعبة الأميركية القذرة التي استمرت عقودا من الزمن في العراق" ولأنه "الرجل المثالي الذي يعرف أكثر مما يجب، وكان لا بد من تصفيته"، فطارق عزيز هو في نهاية المطاف مؤلف "أفضل الكتب السياسية الأكثر مبيعا الذي لن تتسنى قراءته أبدا". إذا، فإن رأس "الحقيقة" هو المطلوب في هذا التوقيت للحكم على طارق عزيز بالاعدام.


على ذمة وكالة أنباء فارس الايرانية في السابع والعشرين من الشهر الجاري، فإن المحكمة نفسها التي أصدرت حكمها باعدام عزيز يوم الثلاثاء الماضي قد أصدرت أيضا في اليوم نفسه مذكرات اعتقال ضد (258) بعثيا "كرديا" أرسلتها إلى حكومة كردستان العراق في أربيل لتنفيذها، مما يعني أن حملة "اجتثاث البعث" مستمرة على قدم وساق، وأن تصفية طارق عزيز كواحد من رموز البعث وقيم العرب العروبة ليس الا جزءا منها، في عملية إبادة جماعية منظمة كرر عزة ابراهيم الدوري، أمين سر قيادة قطر العراق للحزب والقائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني، القول انها طالت حتى الآن أكثر من مائة وخمسين ألف بعثي، وهي عملية لم تشهد مثلها أي من دول الاتحاد السوفياتي السابق بعد انهياره، وربما تكون مجازر الخمير الحمر في كمبوديا ضد خصومهم السياسيين هي السابقة الوحيدة لها في التاريخ الانساني المعاصر.

ويظل الانتقام الأميركي من الأسباب الرئيسية لتوقيت الحكم على العزيز العراقي. فيوم الخميس الماضي كتب بيل فان أوكن في موقع "الاشتراكي العالمي" الالكتروني بأن الحكم عليه "عمل بربري من أعمال الانتقام السياسي للحكومة العميلة للولايات المتحدة في العراق وحلقة جديدة في سلسلة جرائم الحرب التي ارتكبتها واشنطن منذ الغزو عام 2003"، لأن طارق عزيز كان يرى منذ وقت مبكر بأن "النفط واسرائيل" هما السببان الحقيقيان للحرب على العراق ولأن الولايات لم تكن تسعى بغزوها إلى مجرد "تغيير النظام" في العراق بل إلى "تغيير في المنطقة" انطلاقا من العراق، كما قال عشية الغزو الأميركي عام 2002.

ومما يؤكد الدور المباشر للولايات المتحدة في الحكم عليه أنها انتهكت ميثاق اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي يحظر تسليم المعتقلين إلى أعدائهم كما فعلت قوات الاحتلال الأميركي عندما سلمت أكثر من خمسة وخمسين قياديا في النظام الوطني الذي اطاحت به كانت تعتقلهم في سجن كروبر، ومنهم طارق عزيز، إلى الحكومة التي نصبتها في المنطقة الخضراء ببغداد التي نقلتهم بدورها إلى سجن الكاظمية حيث تحتفظ بهم كرهائن تحتمي بهم من أي هجمات للمقاومة عليها من ناحية وكاحتياطي تحيل منه إلى محاكمها الصورية غير الشرعية كلما خدم ذلك مآربها السياسية، كما في حالة العزيز العراقي ، من ناحية ثانية، أو تقتلهم بالموت البطيء كما حدث مع الشهيد ابراهيم عبد الستار معاون رئيس أركان الجيش العراقي الوطني يوم الجمعة الماضي من ناحية ثالثة.

وقد اتفق الكثيرون مع قسطنين كوساشيف، رئيس لجنة الشؤون الدولية في الدوما الروسية، في أن السبب في الحكم على عزيز هو "محاولة لصرف أنظار الرأي العام بعيدا" عن الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، التي دفعت بجامعة الدول العربية والمفوضة السامية لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، وكذلك روسيا إلى المطالبة بالتحقيق لأن الملفات المنشورة توضح بأن الولايات المتحدة كانت على علم باستخدام التعذيب على نطاق واسع ضد المحتجزين لدى قوات "العراق الجديد" ومع ذلك أرسلت الآلاف من المعتقلين إلى المعتقلات العراقية خلال العامين المنصرمين، بينما اعتبر د. عبد الوهاب الأفندي الذي لا يمكن تصنيفه بصديق لحزب البعث أو نظام حكمه (القدس العربي الخميس الماضي) أنه "لو طبق مبدأ المسؤولية الذي طبق على طارق عزيز على العهد الحالي، فإن كل وزراء حكومة المالكي وربما حكومات الجعفري وحتى علاوي يكونون مستحقين للاعدام، ذلك أن ما تم في عهودهم وبمعرفتهم وبتشجيعهم .. يضع طارق عزيز في خانة براءة الأطفال بالمقارنة، فليس من مصلحة القوم سن سنة يندمون عليها".

وإذا تذكر المراقب بأن "المحكمة الجنائية العليا" التي اصدرت الحكم قد أنشئت بمرسوم أصدرته سلطة الائتلاف المؤقتة للاحتلال الأميركي بهدف ممارسة "عدالة المنتصر" في "اجثاث البعث" التي أنشئت له هيئة مستقلة بمرسوم من النوع نفسه، وبأن قضاة هذه المحكمة وموظفيها قد انتقاهم المحتل الأميركي وكان يدفع لهم من ميزانية السفارة الأميركية في بغداد، فإن هذا المراقب لن يستغرب تصريح فيليب كراولي، مساعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون الدبلوماسية العامة، بأن العزيز العراقي "قد أدين من خلال عملية قانونية تنسجم مع الدستور العراقي" وبأن "التصرف النهائي في هذه الحالة يعود إلى العراق".

لكن مجموعة عمل الأمم المتحدة حول الاعتقال التعسفي اعتبرت محاكمته "زائفة" بعد اغتيال أحد محاميه وهروب محام آخر من العراق خشية الاغتيال، ورفض طلبات من محامين دوليين للدفاع عنه، مذكرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول / ديسمبر الماضي بتعليق استخدام عقوبة الاعدام.

وفي يوم صدور الحكم على عزيز وجد محرر الشؤون العالمية في ال"بي بي سي"، جون سيمبسون، أن من المناسب التذكير بأن إدارة الحاكم المدني للاحتلال الأميركي في العراق، بول بريمر، كان لديها "تصميم واضح" على "اتهام طارق عزيز بجرائم خطيرة، بهدف شنقه".

وإذا كان الانتقام هو الهدف، فإنه خروج على قيمة عربية أصيلة تتمثل في العفو عند المقدرة، ولم يكن متوقعا طبعا ممن يعلنون عداءهم للعروبة جهارا في بغداد اليوم أن يعملوا بالقيم العربية.

لقد ذكرت الواشنطن بوست الأميركية بأن رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم على العزيز العراقي، قاضي التمييز محمود صالح الحسن، هو عضو في ائتلاف دولة القانون الذي يقوده حزب الدعوة برئاسة رئيس الوزراء الذي يرفض الامتثال لنتائج الانتخابات الأخيرة وما زال يعرقل تاليف حكومة جديدة منذ شهر آذار / مارس الماضي، نوري المالكي، وأنه فشل في الفوز بمقعد في البرلمان في تلك الانتخابات. وقد نسبت نيوزويك الأميركية لميسون الدملوجي الناطقة باسم القائمة العراقية الفائزة في الانتخابات قولها: "إن اي قاض يجب أن يكون محايدا، لكن هذا القاضي ليس كذلك"، مضيفة أن رئاسته للمحكمة "انتهاك للدستور".

إن حقيقة كون العزيز العراقي في الرابعة والسبعين من عمره ويقضي حكما سابقا بالسجن لمدة خمسة عشر عاما وتعرض لنوبات قلبية متكررة واضطر مؤخرا إلى الاستعانة بعكاز يساعده في المشي كانت سببا في المناشدات الانسانية لعدم تنفيذ الحكم الجديد عليه "شنقا حتى الموت" كونه على "حافة القبر" أولا وليس من المتوقع أن يمد الله في عمره لينهي الحكم السابق عليه بالسجن ثانيا، لكن الاصرار على إعدامه يؤكد فقط أن الانتقام في أبشع صوره الانسانية والسياسية هو سبب حاسم في توقيت الحكم بإعدامه.

وإذا كان يمكن الاتفاق مع ميخائيل مارغيلوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، في قوله إن الحكم "لم يكن انتصارا للعدالة ولا شيئ يمكنه أن يسوغ هذا الحكم"، فإن السببين اللذين أوردهما للحكم بحاجة إلى وقفة، أولهما "إزالة شاهد"، وثانيهما "تصفية حسابات بين الطوائف الدينية المختلفة".

وتفسير مارغيلوف الثاني يوحي بان المحكمة تمثل المذهب الشيعي، وفي هذا التفسير تجني على الحقيقة وظلم للشيعة العرب في العراق الذين يقاومون المحتل الأميركي والمتسلل الايراني تحت مظلته، فالمحكمة التي أصدرت الحكم ليست "شيعية" المذهب بل اميركية بأسماء ولغة عربية. وكون رئيسها وصاحب قرارها هو حزب الدعوة فإنه ايضا ظاهر يخفي حقيقة أن الحزب وحلفاءه من الأحزاب التي تتستر بالطائفية والمذهب الشيعي ليسوا إلا امتدادات سياسية للانتقام الايراني من النتائج التي انتهت إليها ثماني سنوات من الحرب العراقية الايرانية ولا علاقة لهم بالشيعة العرب أو بالمذهب الشيعي.

ويظل الحكم ببساطة مجرد عملية "اغتيال" كما قال زعيم الحزب الشيوعي الروسي، غينادي زوغانوف الذي ناشد المجتمع الدولي والبرلمانيين في أوروبا والولايات المتحدة التحرك لمنعه.

ويكاد يوجد إجماع على ما ذهب إليه وكيل وزارة الخارجية الايطالية، ألفريدو مانتيكا، كسبب للحكم في كونه تحديدا بمثابة "إدانة سياسية بمعنى أن عزيز أدين لدوره السياسي الذي لعبه في نظام صدام حسين" وفي كونه حكما "لا طائل منه على الاطلاق" كما قال أثناء زيارة للصين مطالبا بوقف تنفيذ الحكم.

وتظل المفارقة الكبرى في الحكم على عزيز العراق تكمن في اتهامه بتصفية الأحزاب التي تتستر بالدين التي تعمل كوكيل محلي للشريكين الأميركي والايراني في احتلال العراق بينما تقود الولايات المتحدة "حربا عالمية ضد الارهاب" الذي تقوده حركات مماثلة، بقدر ما تكمن في كون طارق عزيز الذي كاد أن يسقط ضحية عمل ارهابي أعلن حزب الدعوة الحاكم في بغداد اليوم مسؤوليته عنه عام 1980 يكاد الآن يسقط شهيدا ضحية للارهاب نفسه بتهمة كان يجب أن توجه لقضاته وحكامهم وللقادة الأميركان والبريطانيين الذين حملوهم على دباباتهم الغازية إلى سدة الحكم في بغداد.

* كاتب عربي من فلسطين






ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار