الأحد، أكتوبر 31، 2010

فنار حكومة الشراك الإيرانية




نزار السامرائي

من بين كل الزيارات الخارجية التي قام بها قياديون في القوائم التي دخلت انتخابات آذار / مارس الماضي ، تأخذ جولات المالكي إلى بعض دول الجوار أعلى قدر من الخطورة على سيادة العراق وثرواته وأمن أبنائه وأمنه القومي ، فهي وعلى وفق الوصف الذي يطلقه عليها أقطاب حزب الدعوة زيارة دولة رسمية وليست زيارة رئيس قائمة أو حزب على الرغم من أننا لم نلحظ علم العراق الحالي أثناء استقبال المسؤولين الإيرانيين له خلال زيارته لطهران ، على حين أن الجولات التي يقوم بها قادة الكتل السياسية الأخرى لا تتناول عرض صفقات فورية سياسية أو اقتصادية لأنهم ليسوا من داخل التشكيلة الحكومية التي تعطيهم الحق في التكلم نيابة عنها وبالتالي فتلك الزيارات لا تربط العراق بأي التزام قانوني أو أخلاقي حتى بفرض أنهم تخطوا حدودهم وقدموا شيئا يتجاوز حقهم السياسي الخاص بأحزابهم أو كتلهم أو بأشخاصهم ، في حين أن نوري المالكي الذي يصر على مواصلة اغتصاب السلطة مع أنه لم يفز بالانتخابات ، معتمدا في ذلك على ما تحت يديه من أجهزة أمنية وما يلقاه من دعم أمريكي وإيراني ، فإنه ومع سقوط شرعية حكومته ما زال يباشر مهمات هي بموجب دستور 2005 لم تعد من اختصاص حكومته المنتهية ولايتها ، ولكنه يصر على توقيع الاتفاقيات وإطلاق الوعود ذات الطابع الاقتصادي الملزم للحكومة التي ستحل محل حكومته على وفق ما أفرزته الانتخابات الأخيرة ، كما أنه يسعى لتوظيف امكانات الدولة العراقية وثروات البلد لشراء التأييد له من أجل إعادته إلى واجهة السلطة مرة أخرى ، فحيثما حل كان يطلق الوعود التي لم يخرج منها شيء من جيبه الخاص ، بل هي التزامات تترتب على الدولة العراقية لا لمصحة لها فيها وإنما لمجرد أن يحافظ على منصب باع سيادة العراق للبعض وأرض العراق للبعض الآخر وأغدق وعودا ظنها كفيلة بخداع دول خبرت أسلوب المالكي في إدارة شؤون الحكم بطريقة مزاجية متقلبة سرعان ما تنقلب على الحلفاء بمجرد أن يشعر أن الأمور قد استتبت له ، وفي تجربة السنوات السابقة من رئاسة المالكي للحكومة شواهد لا يحتاج المراقب إلى قوة بصر أو بصيرة لاكتشافها ، ولعل تجربة العلاقة بين المالكي والتيار الصدري أصدق شاهد على هذا النمط في إدارة الحكم ، فعندما اضطر إبراهيم الجعفري على الانحناء للعاصفة الكردية والانسحاب من سباق تشكيل الحكومة السابقة عام 2006 ، ووقع اختيار التيار الصدري حينها على نوري المالكي نفسه من أجل استبعاد عادل عبد المهدي مرشح المجلس الأعلى الغريم التاريخي للتيار الصدري ، سرعان ما انقلب المالكي على أقرب حلفائه والذين كان لهم وحدهم الفضل بمجيئه رئيسا للوزراء وفتح لهم أكثر من جبهة للحرب خلال سنوات حكمه واستعان في مواجهة حلفائه السابقين بالقوات الأمريكية الغازية ، وخاصة في عملية صولة الفرسان التي بدأت بالبصرة حتى وصل سيل الدم وأزيز الرصاص ورائحة البارود فيها إلى بغداد وكان من بين نتائجها كسر العمود الفقري لجيش المهدي الذراع العسكرية للتيار الصدري وانشطار جيش المهدي وفرار مقتدى الصدر إلى قم تحت لافتة تلقي العلوم الدينية بعد أن وجهت له تهم بالحض على العنف والارهاب والمسؤولية عن قتل عشرات الآلاف بمن فيهم عبد المجيد الخوئي والذي استخدمت ورقة مقتله سببا في التلويح بمذكرة القاء القبض بحق الصدر يلوح بها خصومه متى ما شعروا أنه يريد أن يتمدد على أرضهم أو يقضم من جرفهم .

وبعد كل هذه التجارب التي خاضتها القوى السياسية مع المالكي منذ عام 2006 وحتى الآن ، وما يعتمده من أساليب المخادعة وإطلاق الوعود باسم التكتيك السياسي من أجل اقتناص الفرصة المناسبة حتى إذا تمكن من توظيف النتائج التي حصل عليها مع حلفاء تتغير أسماؤهم وعناوينهم تبعا لكل مرحلة وظرف ، انقلب على من اتفق معه ثم تنصل من كل العهود والمواثيق أيا كان مستوى الالتزام بها بل يبدأ بممارسة المزيد من الضغوط عليهم من أجل انتزاع الدعم المفتوح بعيون مغمضة ، بعد هذا كله يبدو الاستعداد الذي يبديه البعض لمد اليد له مرة أخرى ، أمرا يدعو إلى الدهشة وربما الاستهجان ويطرح تساؤلا محددا عن مدى وعمق السذاجة السياسية لمن يفعل ذلك من أشخاص وقوى سياسية على حد سواء ، وعدم قدرتها على حساب الخطوة التالية حتى إذا كانت قرب أنفها أو دون ذلك .

هذا ليس تجنيا على أحد ولا هو محاباة أو حرصا على أحد من أطراف العملية السياسية فكلهم في قطار واحد وإن كانت هناك اختلافات ميدانية هنا أو هناك ، وإنما هي معاينة مباشرة للمشهد العراقي عن قرب لا تتأثر بمن يبقى ومن يذهب ومن ، وكان ينبغي على من جرب العمل مع المالكي عن قرب أو عن بعد أن يستخلص العبر من تجارب الماضي ويبني مواقفه على أساسها ، فالمالكي الذي بطش بكل من كان سببا بوصوله إلى رئاسة الحكومة سوف يكون أكثر استعدادا ليفعل ذلك مرات ومرات معها ومع من عرقل مشروعه الخاص به وبحزب الدعوة ، وخاصة أنه أمتلك أدوات البطش الرسمية من مال سياسي وقوات مسلحة تخضع لسلطانه وتأتمر بأوامره وتفعل ما يريد تحت لافتة فرض القانون فيغتال القانون باسم القانون وتنتهك الحرمات ويروع العراقيون من قبل أجهزة يفترض بها أنها أسست من أجل صيانة الحرمات وأمن المواطن وسيادة البلد .

في جولاته السياسية الأخيرة كان المالكي يحرص على استخدام ثروات العراق سلاحا يشهره بوجه من لاقاهم من المسؤولين فيها في محاولة لإغرائهم في تقديم الدعم له في سباقه المرير للحصول إلى منصب لا يمتلك حقا فيه استنادا إلى الدستور الذي أقسم مرارا أنه سيحترمه بل كان له دور معروف في كتابة بعض نصوصه والترويج لها لفرضها على الشعب العراقي في استفتاء 15 تشرين الأول / أكتوبر 2005 المشكوك بمصداقيته ونزاهته على نطاق واسع ، المالكي لم يكن قبل الاحتلال من المعروفين بالثراء بحيث يتنازل عن جزء منه في أعمال خيرية أو سياسية ، وبالتالي فما يوزعه من هبات وما يعد به ليس من جيبه الخاص ، كل ذلك من أجل الحصول على وظيفة عامة واستخدم في تنقله إلى الدول التي زارها أموال الدولة ، وهذا وبكل المقاييس يعد استخداما غير مشروع لأموال الدولة ووضعها في خدمة طموح شخصي غير مشروع أصلا ويفتقد إلى الشرعية القانونية حتى بالمقاييس نفسها التي يكثر المالكي من الحديث فيها أمام أجهزة الإعلام وفي الاجتماعات العامة ، ولا يلتزم بأي قدر منها حينما يخلو إلى نفسه أو يلتقي مع أقرب مساعديه .

مقتدى الصدر الموجود في قم منفيا ومطاردا ، كان يجب عليه أن يسأل المالكي سؤالا محددا وبسيطا للغاية ، وهو لماذا تجشمت عناء السفر من بغداد إلى قم لغرض الاجتماع بي في حين كان بإمكانك أن تفعل ذلك في الكوفة لو كنت ألغيت مذكرة التوقيف الصادرة بحقي والتي تلوح بها متى ما وجدت أنك بحاجة إلى ابتزازي .

هناك أسئلة أخرى ترتبط بالماضي ، من سيعيد الحياة لمن قتل في عمليات صولة الفرسان ؟

وهناك أسئلة أخرى ترتبط بالمستقبل ، من قبيل أن المالكي المضطر للتحالف مع أي كتلة ترجح فرصته في البقاء في رئاسة الحكومة التي لم تطاوعه نفسه في الخروج من تحت خيمتها ، هل سيحترم تعهداته أم أنه سيكرر نفسه كما فعل بعد تسلمه لمنصبه عام 2006 ، فما هي الضمانة ألا يعاد السجناء الذين أصدر قرارا بالعفو عنهم متجاوزا على حدود الصلاحيات المخولة له ، لأنه من أجل المنصب السحري على استعداد أن يفعل أي شيء ؟ وما هي الضمانات في أن تستمر التحالفات التي ستشكل الحكومة على حالها ، بعد أن يبدأ المالكي بمضايقة حلفائه استنادا إلى نزعة تسلطية لا يستطيع مقاومتها ؟ تلك أسئلة أجوبتها ستصدم ضحاياها قبل غيرهم عندما تحين ساعة جرد الحساب بين الحلفاء والأعداء الذين يتناوبون على التنقل من ضفة إلى أخرى بسرعة تتناسب مع المكاسب السياسية الضيقة ، أما الشعب العراقي فهو رقم منسي في كل المعادلات السائدة منذ نيسان 2003 .

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار