الثلاثاء، أكتوبر 21، 2008

جنايات علي الدباغ الجسيمة


(رسالة شخصية الى الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية)

بقلم : سلام عبود
يقول على الدباغ، الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، حول حصانات الجنود الأمريكيين، في تصريح لرويترز، نقلته صحيفة الصباح العراقية يوم الخميس 16-10-2008 : " داخل المعسكرات سيخضعون (الامريكان) للقضاء الأمريكي، فيما ستطبق الولاية القضائية العراقية في حالة ارتكاب هذه القوات جنايات جسيمة ومتعمدة خارج منشاتهم وخارج الواجب، وسيقف الجنود الاميركان أمام محكمة عراقية، مؤكدا أن العراق بعد الولاية القضائية جزءا سياديا".للمرة الأولى في حياتي أطلب العون والمساعدة من سياسي ورجل سلطة. ( في وصية موتي كتبت ملاحظة هامة تقول: إذا مرضت مرضا مميتا أو مت أطلب العون والصفح من كل المخلوقات والموجودات: الديدان والطيور والأمواه والتراب والأشجار والرياح والدعاسيق واليعاسيب وغيرها من عناصر الطبيعة، بما فيها الإنسان الطيب، عدا المخلوقات التي تعمل في قيادة الحكومات أو الأحزاب. هؤلاء لا يسمح لهم بالاقتراب من جثتي أو قبري. وإذا اقترب أحدهم مني سأضطر الى قطع إجازة موتي والخروج اليه لأبصق في وجهه). لكنني الآن أقوم - مضطرا أيضا- بعكس ذلك. ها أنا أطلب علنا من السيد علي الدباغ أن يتكرم بمساعدتي على فهم نصه السابق. أرجو من الدباغ أن يعاملني بحنان حكومي، وأن يحترم جهلي اللغوي، وسوء معارفي السياسية، وضعف مداركي القضائية، وانكساري ومذلتي، وإحساسي العميق بالموت.لنتكلم أولا داخل المعسكرات: هل يجوز لجندي أمريكي أن يعتدي على علي الدباغ في زيارة له لقاعدة ما؟ هل يجوز لهذا الجندي فعل ذلك برئيس الوزراء مثلا، أو بنائب في البرلمان العراقي؟ هل يحق لهم سجن واعتقال وتعذيب المواطنين العراقيين داخل قواعدهم؟ ولأنك لا تثق بي كثيرا ، كما أحسب، أعرض عليك تقريرا أمريكيّا أعدته امرأة موثوقة من "الحلفاء"، هي جين هارمان، الرئيسة الديمقراطية للجنة الأمن الداخلي الفرعية حول الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، التي كشفت " أن نحو 41 في المئة من المجندات في الجيش الأمريكي تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي من قبل زملائهن الجنود"؛ وتؤكد هارمان" ان 181 من بين 2212 صرحن بتعرضهن لاعتداءات جنسية تم عرض قضاياهن أمام المحاكم العسكرية، وهي نسبة تعادل ثمانية في المئة فقط . وأن 2688 حالة اعتداء جنسي فقط تم الابلاغ عنها عام 2007" ، وفي السنوات الست الماضية "تم تسجيل 59600 حالة اعتداء جنسي واغتصاب تعرضن لها المجندات الأمريكيات" ( القدس 3 أغسطس 2008) ثمانية في المئة من الأمريكيات الأصيلات تمكنّ من الوصول الى المحاكم في عام واحد! و أقل من واحد في المئة خلال السنوات الست المنصرمة!! إذن، كيف تحمي النسوة العراقيات المتعاملات مع القواعد أنفسهن من حوادث كهذه؟ من يحاكم مغتصبيهن؟ من يحمي العراقيين العاملين أو المتعاملين مع منتهكي حقوقهم إذا وقع مثل هذا الفعل، بعد أن يصبح وجود القواعد شرعيا وقانونيا وجزءا من المشهد اليومي للعراق الجديد؟ من يحمي من يؤخذ الى القواعد بحجة تنفيذ الواجب؟ وما هو الواجب؟ هل قتل الناس واجب؟ هل احتجازهم أو اعتقالهم واجب؟ هل وجود الجنود والمرتزقة الدوليين في المدارس والجامعات والحسينيات والتكايا والأديرة والمؤسسات الاجتماعية جزء من واجبات ما بعد المعاهدة؟ وما هي القواعد أصلا؟ هل المنطقة الخضراء قاعدة؟ هل السفارة قاعدة؟ هل القنصلية قاعدة؟ هل المنشآت والمؤسسات والشركات التابعة للأمريكيين جزء من القواعد؟ أين تبدأ حدود القاعدة وأين تنتهي؟ وأخيرا: من هو الجندي الأمريكي، ونحن نعلم أن الجيش الأمريكي المحتل يعتمد على خدمات المرتزقة الدوليين والقوات المساندة والعاملة باسمه وتحت قيادة تشكيلاته القتالية والاستخبارية والإدارية والإعلامية؟لنترك القواعد، فأمورها معقدة، ولنذهب الى الجندي الأمريكي خارج القاعدة وخارج الواجب.سنفترض مسبقا، أنك واثق تماما من أن الأمريكي المجرم "سيقف أمام المحاكم العراقية". وعلى الرغم من أننا لا نعرف من أين أتيت بهذه الثقة الزائدة( لك أسرارك طبعا!)، إلا أننا نصدق أقوالك، فأنت الناطق الرسمي باسم حكومتنا المنتخبة. أنت تقول سيمثل الأمريكي أمام محاكم عراقية إذا ارتكب " جنايات جسيمة ومتعمدة" وكان "خارج الواجب". (ملاحظة: كلمة "جسيمة" هي تحوير من قبل علي الدباغ لتعبير وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، الذي استخدم كلمة "خطيرة"، التي لا حدود لها في قاموس الإرهاب الأمريكي. فهي تبدأ من استخدام قنبلة هيروشيما وتنتهي بدفن آلاف المجندين العراقيين المستسلمين في حرب الكويت. وكلها أمور لا يعاقب عليها القانون، لأنها تمت أثناء الواجب، ولا تعد جنايات متعمدة أو جسيمة)ولكن، هل يحق للجندي الأمريكي أن يرتكب "جناية" غير "متعمدة"، كأن يدهس عائلتك بدبابته سهوا، أو وهو مخمور، أو في لحظة سعادة، أو توتر، من غير أن يكون متعمدا؟هل يحق للجندي الأمريكي أن يفعل بك كل "الجنايات غير الجسيمة وغير المتعمدة" الممكنة والقانونية، إذا كان في "الواجب"؟ (تم تبرئة الجنود الأمريكيين الذين ألقوا شابين عراقيين من أحد الجسور، لأن الشابين كانا يهويان الانتحار من ارتفاعات شاهقة، كما أثبتت المحكمة!)هل يحق للجندي الأمريكي أن يغتصب ابنتك مثلا، إذا كان "في الواجب"؟إذا كان يحق للجندي الأمريكي ارتكاب جنايات غير "جسيمة"، فما هو توصيف "الجسيم"؟ وما هو التحديد القانوني للـ "جناية"؟ هل هتك عرض جناية؟ هل سرقة أموال جناية؟ هل سرقة آثار جناية؟ هل اغتصاب غير متعمد جناية؟ هل نشر أفلام دعارة جناية؟ (بالمناسبة هذا الفعل شرعي في القانون الأمريكي)، هل بيع مخدرات جناية؟ هل تعاطي المخدرات جناية؟ (فعل مكفول قانونيا أيضا)انتبه: أنت تمثل سلطة ذات توجهات دينية! أي أن التزاماتك الأخلاقية والشرعية أعلى من سواك. رغم هذا سنتواضع معك ونسأل: كيف سيتمكن المواطن العراقي من فهم مقدار حقوقه الفردية غدا، حينما يواجه الجندي الأمريكي الشرعي "خارج الواجب" في الشارع، في المطعم، قرب مجلس الشعب، وفي الخمارات أيضا وفي بيوت الراحة؟ هل لك أن تخبرنا بذلك، لكي نعرف متى يحق لنا الدفاع عن أنفسنا؟سأروي لك قصة طريفة ومسلية، قصة جنسية مثيرة، ربما ستعجبك؛ قصة لم تسمع بها من قبل، لأنك قادم من بلاد "واق الواق" وتعيش حاليا في منطقة "ميم الخاء". سأروي لك قصة الصبية عبير قاسم، التي أغتصبت في المحمودية في 12 مارس 2006 ، وقتلت ثم أحرقت وتم التبليغ عن عائلتها القتيلة على أنهم إرهابيون قتلوا في معركة بين عصابات طائفية متناحرة. أحد المشاركين في الجريمة تمت تبرئته من تهمة الاغتصاب. كان محامي دفاعه ديموقراطيا، وعقلانيا، ومتمرسا، يؤمن بحقوق مواطني بلاده وبحريتهم وكرامتهم، بالضبط مثلك. أثبت المحامي بالدليل القاطع أن عبير قاسم عند اغتصابها لم تبد مقاومة. حتى أن وصف الجندي المتهم لحادثة الاغتصاب، كما قرأته، يلمّح الى أن عبير كانت مستمتعة بالاغتصاب، إن لم تكن راضية عنه رضا تاما. لقد أدين هذا الجندي بالاشتراك فحسب، لكنه منح البراءة من واقعة الاغتصاب، بفعل دفاعه القانوني الصادق والمهني. فالدلائل جميعها تؤكد أن عبير قاسم لم تبد مقاومة حينما وصل " الدور" الى هذا الجندي. فعبير لم تقل "لا" صريحة، ولم تمنعه، أو تزجره، أو تدفعه، حتى أنها لم ترغب بغلق ساقيها. لذلك سُجل الاغتصاب على أنه "جناية غير جسيمة" و"غير متعمدة".حدث هذا على الرغم من أن اعتراف الجندي جيمس باركر، الذي سكب الكيروسين على عبير، كان حاسما وتاما. فقد رسم باركر صورة للحادثة منذ التخطيط في موقع الحراسة حتى الاقتحام والاغتصاب والقتل ثم الحرق والتبليغ والعودة الى جلسة السكر ولعب القمار. لكن العريف بول كورتز أنكر انكارا تاما تهمة القتل العمد، واكتفى بالاغتصاب، وألقى تهمة القتل على ستيف غرين، العقل المدبر، الذي أطلق رصاصة استقرت تحت عين عبير اليسرى قبل اغتصابها. وقد اعترف جيمس باركر أنه قام بشل حركة عبير، التي قاومت الاغتصاب بعنف، وأنه مكّن كورتز من اغتصابها. لذلك أرغم كورتز على الاقرار بالاغتصاب، لأن الاغتصاب "جناية" غير "جسيمة" في تقديره، خاصة أنه اغتصب صبية عراقية، لا سند حكوميا يحميها، ولا مواطن غيورا يخرج صارخا في الشوارع من أجلها. الحكومة العراقية تعلم جيدا بطلان الحجج وبشاعتها، كما أنها تعلم أن الحكم الدعائي على أحدهم بمئة عام معروف الفحوى من قبل كل من يعرف القانون الجنائي الأمريكي؛ فهو حكم يسري لعشرين عاما فقط، بحكم القانون الاتحادي. وهي سنوات تنقص عند التطبيق، وفق القانون المحلي للولايات، الى النصف، أو ما دون النصف بكثير، في الحالات التالية: الاضطرابات النفسية، حسن السلوك داخل السجن، الجانب الوطني. وهي أمور متوفرة بشكل كامل لدى المجرمين الخمسة. هذه هي الحصانات والجنايات الجسيمة وغير الجسيمة. " إن فكرة اغتصاب الفتاة تبلورت عندما كانوا يلعبون القمار، وإنهم اختاروا عبير لأن أسرتها لم تضم إلا رجلا واحدا، ما يسهل عليهم مهمتهم"، بهذه الكلمات يصف العريف "بول كورتيز"، من أفراد الفرقة 101 المنقولة جوا، ظروف الجريمة. أما الشاهد العراقي فيصف مسرح الجريمة قائلا: كانت عبير (14 عاما) عارية، محروقة الرأس، وطلقة تخترق أسفل عينها اليسرى، أما هديل ( 5 سنوات) فكانت مصابة برصاصة في الرأس، وكان الوالدان مصابين بعدد كبيرمن الأعيرة النارية، وقد تعرضوا جميعا للحرق. كان واجب المحررين خارج القاعدة هو السكر ولعب القمار ومراقبة عدد أفراد العوائل العراقية. أما المهمات فهي محاربة الإرهاب الدولي، ومن ضمنه اغتصاب عبير وحرقها ثم التبليغ عنها على أنها تعيش في وكر للمسلحين الإرهابيين.حينما شرع الأمريكي الحليف بمواقعة عبير، كانت عبير مسترخية، مسترخية استرخاء مطلقا، يثير الدهشة والعجب. وسبب استرخائها يعود الى أمر بسيط جدا، كانت عبير قد فارقت الحياة بعد أن اغتصبها العريف بول كورتيز، أول المغتصبين الخمسة. بهذا الدليل الوحشي صادقت المحكمة الأمريكية "الديموقراطية العادلة" على تبرئة مجرم من واقعة اغتصاب صبية ميتة. هل كانت تلك جناية أم جنحة أيها الدباغ؟ جناية متعمدة أم غير متعمدة؟ جسيمة أم غير جسيمة؟ داخل الواجب أم خارجه؟ مقبولة في ناموسك الخلقي والديني والحكومي أم مرفوضة!؟ستبادر الى القول وأنت ترتعش شرفا: مرفوضة، مرفوضة، وقد قمنا بالتحقيق في الأمر.ونحن نصدق نبلك الحكومي؛ ولكن، إذا كانت مرفوضة، فهل ترضى لأمك وابنتك بهذا المصير؟ ولماذا لم تدافع عن عبير أيها الدباغ وأنت الناطق الرسمي باسم الحكومة؟ هل تنتظر عبيرا أخرى لكي تدافع عنها أمام محاكمك ذات السيادة؟ لماذا لم تستأنف الحكم وتقل لتلك المحكمة أنه لا يجوز اغتصاب الموتى في نواميسنا! ولا يجوز اسقاط تهمة اغتصاب ميت! حادثة عبير ليست جريمة اغتصاب أو قتل فحسب، إنها نهج سلوكي وعقلي وأخلاقي، مبني على قواعد قانونية وتراثية صلبة. إنها ثقافة. الشعب العراقي يواجه ثقافة القتلة. كيف نحمي مجتمعنا من هذه الحصانات الثقافية اللاأخلاقية والوحشية؟إن أبشع أوجه هذه الجريمة هو الاهتمام الأمريكي بها. فهذا الاهتمام لم يكن منصبا على وحشية الجريمة، كما يظن الدباغ، بل كان مركزا بالدرجة الأولى على التفصيلات الأمنية الخطيرة التي كشفتها الواقعة، والتي كان من الممكن استغلالها، واستغلال ما يماثلها من حوادث، لتوجيه ضربات عسكرية "جسيمة" للقوات الأمريكية، المتواجدة على الأرض.أيها الدباغ! إذا رضيت أنت بهذا كله، علنا، سيرضى كثيرون بمعاهدتك وشروطها المذلة، ولسان حالهم يقول: " بقت على هاذي!". ولكن، إن رفضت سنقول لك : ضمّن المعاهدة نصا يقول إن للعراقي حقا قانونيا تاما في البلد الشريك (أمريكا)، يعادل ويساوي الحق الذي يملكه المواطن الأمريكي في الطرف الآخر من الشراكة (العراق). حينذاك نكون شركاء بحق، نكون أسيادا، كما تدعي. وخلاف ذلك فأنت مجرد عبد، عبد ذليل، وأكثر من ذليل.لعنة الله على كل من جوز لجان انتهاك حرمة وطنه عمدا أو سهوا، خلال الواجب أو خارجه!لعنة الله على كل من أيد سياسيا، وعلى كل من انتخب مشرّعا يمنح حق ممارسة الجنايات على نفسه وعلى أبنائه وشعبه! ولعنة الله على كل من قبل في معشر البشر مجوزي الجنايات المتعمدة وغير المتعمدة!أيها الدباغ! اترك السياسة، وعد الى حقل الدباغة، فهو أليق بك وبمن تمثله

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار