الكتاب: فرصة ثانية.. ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأمريكية
الكاتب: زبغنيو برجينسكي
دار النشر: Basic Books
تاريخ النشر: مارس 2007
عدد الصفحات: 234
عرض: تقرير واشنطن
يحيى عبد المبدي
مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر والمفكر الاستراتيجي زبغنيو برجينسكي Zbigniew Brzenski كان من الشخصيات القليلة من خبراء السياسة الخارجية الأمريكية التي حذرت إدارة بوش صراحة من غزو العراق. وينقل عنه في فبراير 2003 وقبل حرب العراق بأسابيع قوله إنه إذا قررت الولايات المتحدة المضي قدما في خططها الخاصة بالعراق، فسوف تجد نفسها بمفردها لتتحمل تكلفة تبعات الحرب، فضلا عن ازدياد مشاعر العداء والكراهية الناتجة عن تلك الحرب..
في كتابه الجديد " فرصة ثانية" يوجه سهام نقده اللاذعة إلى السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، ويعتقد أن الولايات المتحدة خلال حكم هؤلاء الثلاثة قد فرطت وأهدرت فرصتها الأولى لقيادة العالم عندما سنحت هذه الفرصة مع انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي. ورغم ضياع الفرصة الأولى في ظل أداء ضعيف يفتقر الرؤية الإستراتيجية لكل من الرؤساء الثلاثة، فإن برجينسكي يرى ن الولايات المتحدة ما تزال لديها فرصة ثانية.
ويؤكد برجينسكي على أهمية الشهور العشرين القادمة في حسم اضطلاع الولايات المتحدة بقيادة العالم محذرا من أن ازدياد سوء الوضع في العراق أو توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط بمهاجمة إيران ربما يؤديان إلى أن تذكر كتب التاريخ أن عمر الولايات المتحدة كقائدة للعالم كان قصيرا جدا.
الفاشلون الثلاثة
على طريقة تقييم أداء الطلاب بمنحهم علامات دراسية، قام برجينسكي بتقييم أداء الرؤساء الثلاثة في مجال السياسة الخارجية ووضع الولايات المتحدة في موقع قيادة العالم، حيث منح بوش الأب الدرجة الأعلى وهي B ، بينما حل كلينتون ثانيا بمنحه C ، وأخيرا جورج بوش الابن الذي منحه علامة F ، وهي تعني الرسوب في الامتحان. فكل من الرؤساء الثلاثة منذ انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، صار أهم لاعب على الساحة الدولية في أكثر قضايا العالم أهمية، ومع ذلك لم يكن هناك رؤية إستراتيجية واحدة ، فأصبح كل منهم يلعب طبقا لطريقته الخاصة بغض النظر عن أصول اللعبة. ورغم أن جورج بوش الأب كان أول قائد أحادي للعالم، وكان ذا خبرة ومهارة دبلوماسية عالية، فلم يكن يحركه رؤية واضحة تدرك وتلاءم تاريخية المرحلة والفرصة. أما الرئيس كلينتون القائد الثاني للعالم والذي يصفه برجينسكي بالأذكى والأكثر استشرافا للمستقبل، فقد افتقر أداؤه إلى الثبات والاستمرارية في استخدام قوة وقدرات الولايات المتحدة في ترسيخ قيادة العالم. أما القائد العولمي الثالث وهو جورج بوش الابن، فيقول عنه برجينسكي إنه يتسم بالشجاعة ورباطة الجأش ولكنه يفتقد فهم ومعرفة تعقيدات السياسة الخارجية، فضلا على أن سيطرة الأفكار العقائدية على طريقة تفكيره.
التحولات العالمية التي لم تستطع أمريكا الاستفادة منها
يحدد برجينسكي في كتابه الجديد عشرة تحولات رئيسية شهدها العالم منذ عام 1990 خلال انحسار التنافس الدولي، والتي لم تستطع السياسة الخارجية الأمريكية الاستفادة منها والتفاعل معها على النحو الأفضل، بل إن الأداء الضعيف للرؤساء الثلاثة في التفاعل مع تلك التحولات قد أوقع الولايات المتحدة في أزمات أساءت إلى صورتها وقللت من احتمال قيادته للعالم. وتلك التحولات العشر طبقا لبرجينسكي هي:
1. انحسار نفوذ الاتحاد السوفيتي في أوربا الشرقية، ومن ثم سقوطه لتنفرد الولايات المتحدة بقيادة الساحة الدولية.
2. نصر الولايات المتحدة العسكري في حرب الخليج عام 1991 تم التفريط فيه سياسيا. كما لم تهتم الولايات المتحدة باستئناف محادثات سلام الشرق الأوسط. كذلك بدأت مشاعر العداء والكراهية ضد الولايات المتحدة في العالم الإسلامي تتزايد.
3. اتساع حلف الناتو والاتحاد الأوربي شرقا بانضمام المزيد من دول أوربا الشرقية ليصبح حلف الأطلنطي أكثر التجمعات الدولية تأثيرا ونفوذا على الساحة العالمية.
4. دخلت فكرة العولمة حيز التطبيق والمؤسسية من خلال تأسيس منظمة التجارة العالمية WTO وتعاظم الدور الذي يقوم به صندوق النقد الدولي IMF . فضلا عن تنامي الأجندة المناهضة للفساد في البنك الدولي.
5. الأزمات المالية الأسيوية التي شهدتها النمور الأسيوية في التسعينات أدت إلى نشوء مجتمع اقتصادي جديد في شرق أسيا أهم ملامحه سيطرة الاقتصاد الصيني أو التنافس الصيني الياباني على السيطرة عليه. كما أدى انضمام الصين إلى منظمة الجارة العالمية إلى تعاظم دور ونفوذ الصين التجاري والسياسي في العالم.
6. حربان في الشيشان وصراع الناتو في كوسوفو ومنطقة البلقان وانتخاب فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا، ساهمت هذه العوامل السابقة في تصاعد الفاشية والقومية الروسية. وبدأت روسيا في استغلال مواردها من الغاز والنفط لكي تصبح قوة عظمى في مجال الطاقة.
7. غض الطرف من قبل الولايات المتحدة وغيرها عن الأنشطة النووية الهندية والباكستانية، تحدت الدولتان المتنازعتان الرأي العام الدولي وأعلنتا عن كونهما قوتين نوويتين. كما واصلت كل من كوريا الشمالية وإيران سعيهما لامتلاك قدرات نووية في ظل أداء ضعيف من الولايات المتحدة.
8. هجمات 11 سبتمبر صدمت الأمريكيين، وحولت الولايات المتحدة إلى دولة خوف. وقررت أن تنهج سياسة وقرارات أحادية، وأعلنت الحرب على الإرهاب.
9. انقسام مجتمع حلف الأطلنطي إزاء الحرب في العراق، وفشل الاتحاد الأوربي في تطوير هويته السياسية ونفوذه.
10. الانطباع الذي ساد العالم في مرحلة التسعينات بالتفوق العسكري الأمريكي وأوهام واشنطن تفوقها العسكري واتساع نفوذها قد تحطمت على صخور الفشل في العراق. ومن ثم اعترفت الولايات المتحدة بحاجتها إلى التعاون مع قوى أخرى في قضايا الأمن العالمي في مقدمتهم دول الاتحاد الأوربي والصين واليابان وروسيا.
وفي ختام هذه التحولات الرئيسية يذكر المؤلف أن الشرق الأوسط قد أصبح في الوقت الراهن وسوف يظل مقياس نجاح أو فشل قيادة الولايات المتحدة للعالم.
صورة أمريكا قبل عقدين وصورتها الآن
في محاولته لتوضيح الفرص التي أهدرتها الولايات المتحدة خلال العقدين السابقين، يقارن برجينسكي بين صورة أمريكا في العالم في عام 1989 عند سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث كانت صورتها مقبولة في كافة أنحاء العالم بلا منافسة أو كراهية بعد عقود من الحرب الباردة والتنافس مع الاتحاد السوفيتي. ولكن بعد أقل من عقد ونصف من هذا التاريخ، أصبحت مشاعر العداء للولايات المتحدة هي القاسم المشترك بين معظم شعوب العالم، كما تراجعت مصداقيتها، وفقدت سمعة قدراتها العسكرية بعد السقوط في مستنقع الشرق الأوسط. ذلك فضلا عن خسارتها لحلفاء دوليين لطالما كان ينظر أليهم بوصفهم حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة.
كارثة حرب العراق
يصف برجينسكي في كتابه حرب العراق بالكارثة الجيوبوليتيكية التي صرفت الانتباه والموارد من مجابهة الإرهاب في أفغانستان وباكستان ، بل أدت إلى زيادة التهديدات الإرهابية الموجهة ضد الولايات المتحدة بإثارة مشاعر الاستياء وتوفير تربة خصبة لتجنيد المزيد من الإرهابيين. ويضيف الكاتب أنه لن يكون للولايات المتحدة ما هو أسوء من تبنيها سياسة ينظر إليها العالم على أنها امتداد للحقبة الاستعمارية.
اللوبي الإسرائيلي يشوه السياسة الأمريكية
من الأفكار المهمة في كتاب برجينسكي دعوته الكونغرس إلى التدقيق في قوانين اللوبي وجماعات الضغط والمصالح المناصرة لدول أجنبية من أجل التقليل من نفوذها وتأثيرها على صانع القرار الأمريكي، حيث يذكر برجينسكي أن بعض جماعات الضغط الاثنية في واشنطن تمسك بأذن العم سام ولا تتركها. وخص الكاتب اللوبي الإسرائيلي والأرمني واليوناني والتايواني. وأضاف أن تلك الجماعات تعقد الموقف أمام صانع القرار. ويعتقد المستشار السابق للأمن القومي أن اللوبي الإسرائيلي يشوه السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، ليس بسبب أنهم يدفعون في اتجاه الحصول على مصالح محدودة، ولمن لقدرتهم على تعبئة الرأي العام الأمريكي بصورة كبيرة.
مهمة صعبة للرئيس القادم
يعتبر الكاتب أن الموقف المتدهور لوضع الولايات المتحدة في العالم الآن سوف يحتاج سنوات من العمل الجاد والخلاق لإعادة الاعتبار لشرعية ومصداقية الولايات المتحدة كقائدة للعالم. وذلك يعنى ضرورة أن يتحلى الرئيس القادم للولايات المتحدة بمهارات دبلوماسية إستراتيجية وغير تقليدية لكي يصوغ سياسة خارجية تتناسب مع التحولات الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة ودخولنا عصر العولمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق