الاثنين، نوفمبر 24، 2008

الاتفاقية الامنية والهزيمة الامريكية القادمة


شبكة البصرة
محسن خليل
اخيرا وافقت حكومة المالكي على الاتفاقية الامنية بعد عشرة أشهر من المناورات والسجالات المسرحية حاولت من خلالها اعطاء أنطباع للعراقيين أن لديها قدر من الاستقلالية وهامش من الارادة وجر أة على قول (لا ولو صغيرة) لواشنطن. ولأعتبارات مختلفة كانت الادارة الامريكية بحاجة شديدة الى هذا البعد المسرحي بهدف أستخدامه في تفريغ شحنة المعارضة الشعبية المتسعة للحرب داخل الولايات المتحدة، وإلباس الاحتلال ثوبا غير ثوبه الحقيقي لتطمين الشارع الامريكي وتقليل مخاوفه وأقناعه بأن الادارة الامريكية قد أنجزت مهمتها ولم يبق لديها سوى تنظيم سحب قواتها من العراق وتقديم دعم فني لحكومة عراقية منتخبة وإسنادها عند الحاجة ضد أعمال الارهاب.
الجزء البرلماني من المسرحية بدأ منذ أحالة حكومة المالكي الاتفاقية الى البرلمان للمصادقة عليها. ومصادقة البرلمان تمثل بالفعل الجزء البرلماني من المسرحية، لكون هذه المصادقة ستمر بفصول من الصراعات والسجالات والاتهامات بين أعضاء وكتل برلمانية هم ممثَّلون في الحكومة وشركاء معها في صفقة بيع العراق للمحتل،وستأتي موافقتهم على الاتفاقية الامنية بعد أخذ ورَّد وتعليق جلسات ولكنها ستاتي، ولا يجب أن يداخل أحد أي قدر من الشك في أمكانية تعطيل الاتفاقية في البرلمان، لأن مثل هذا الشك يفترض أن هناك برلمان وطني مستقل، والبرلمان الحالي برلمان منشأ تحت الاحتلال..
وستظهر آراء وأصوات هنا وهناك،عراقية وأجنبية تتخوف من عرقلة الاتفاقية في البرلمان أو من إحتمال عدم حصولها على النصاب اللازم لتمريرها، ولكنها مخاوف وتوقعات بعيدة عن الواقع، لأن ما هو مؤكد وغير قابل للتخمين أن الاتفاقية ستمر في البرلمان كما مرت في الحكومة، وبالصيغة التي أرادتها قوات الاحتلال، ووقعتها الحكومة، فهي أتفاقية من طرف واحد من الناحية العملية وليست بين حكومتين، بمعنى أن من حاور وفاوض لها ويناور من أجلها الان ليس طرفين عراقي وأمريكي، وأنما طرف واحد هو الطرف الامريكي، أما الطرف المحسوب على العراق فهو مأمور بأداء دور، وله مساحة يناور فيها لا يتجاوزها، والعبرة ليس فيما يقال ولكن في النتيجة.. والنتيجة أصبحت معروفة وهي ان حكومة المالكي وقعت على نص الاتفاقية الذي ارادته أمريكا وليس فيه مادة واحدة من بين مواده الثلاثين تشير الى أحترام أمريكا لسيادة العراق أو الحفاظ على وحدة أرضه وشعبه أو تقييد حرية التصرف لقوات الاحتلال في العراق.
المناقشة لا يجب ان تنصب على مواد الاتفاقية إلا لتوضيح الحقيقة لمن كانت أعينهم في غطاء عن رؤية واقع الاحتلال، لكن الاهم من توقيع الاتفاقية هو ما يعنيه التوقيع عليها في هذا الوقت، أي بعد خمس سنوات من الاحتلال، وبأصرار شديد من الجانب الامريكي وبموافقة كاملة وغير مشروطة من جانب حكومة المالكي وأحزابها الحاكمة وليس كما قيل ويقال. الم يعلن مسعود بارزاني من واشنطن استعداده لتحويل شمال العراق الى قواعد للقوات الامريكية؟؟ ألم توافق جميع الكتل السياسية دون اعتراض على مذكرة التفاهم الموقعة بين المالكي وبوش في ديسمبر 2007 والتي كانت بمثابة الاطار للأتفاقية الامنية؟؟؟ المعروف أن حكومة الاحتلال واحزابها الحاكمة لا تريد الاتفاقية أصلا، ولا تريد أنسحابا للقوات الامريكية من العراق، وهم الذين كلما أَطلق الامريكان تصريحا يشير الى أحتمالات الانسحاب، رأَيتهم يسارعون الى نصح الادارة الامريكية بأن الانسحاب من العراق خطر على ألامن القومي الامريكي، وانتصارا للأرهاب وهزيمة للديمقراطية... المهم في الاتفاقية هو ما يعنيه توقيعها اليوم، أما موادها فلا أهمية لها طالما ان العراق بلد محتل، فالمعيار ليس ما تقوله مواد الاتفاقية ولكن ماتقرره قوات الاحتلال. ويمكن رصد الملاحظات التالية بشأن الاتفاقية :
1. الاتفاقية أعلان رسمي عن فشل مشروع الاحتلال، وهي نوع من إلتماس الاعذار المسبقة للحظة حرجة تنتظر الجيش الامريكي في العراق وهي لحظة الهزيمة الكاملة. هي لزوم حفظ ماء وجه الاحتلال عندما تجبره المقاومة العراقية على الانسحاب مهزوماً وفي أفق مرئي.

2. وهي أعتراف أمريكي غير مباشر بقوة المقاومة العراقية وصلابتها وأستحالة القضاء عليها أو أضعافها، فالذي فرض على واشنطن تبني خيار الاتفاقية الامنية والتخفي وراءها بدل صيغة الاحتلال المباشر والصريح، هو الضربات التي تلقتها قواتها من المقاومة. ولنعد بالذاكرة قليلاً، ألم تكن ضربات المقاومة السريعة والفورية التي برزت بعد الاحتلال في 2003 هي التي اجبرت إدارة بوش على تغيير أسلوب احتلاله من صيغة الحكم العسكري المباشر برئاسة جي جارنر الى صيغة مجلس الحكم، ثم الى صيغة نقل (السيادة كاملة) الى حكومة أياد علاوي 2004، ثم الى أجراء الانتخابات وتشكيل حكومة الجعفري المؤقتة 2005، ثم أجراء أنتخابات وتشكيل(حكومة وحدة وطنية منتخبة) برئاسة المالكي 2006.. أليست هذه التطورات سببها قوة المقاومة، التي أجبرت المحتل على تغيير أسلوبه وتبني أشكال معدلة بأستمرار في محاولة منه لأقناع الشعب العراقي بأن الاحتلال أنتهى وأن أسباب المقاومة أنتفت؟

3. الاتفاقية لن تغيِّر من واقع المعادلات القائمة على أرض العراق شيءٌ أطلاقاً.ففي أطار هذه المعادلات توجد عدة عوامل سيكون لها حضور في تغيير خارطة الاحداث ورسم تطورات المستقبل في العراق ومنها: قوات الاحتلال،الدور الصهيوني، قوات حكومة المالكي،التدخل الايراني بأدواته العسكرية والامنية والسياسية والدينية،الدور التركي، دول الجوار العربية، العامل الدولي...وبدون أية مبالغة فأن جميع هذه العوامل أصبحت في الواقع العراقي عوامل تابعة، معتمدة في تحركها وأجراءآتها على ما تقرره وتريده وتقدر عليه عوامل أخرى أهمها المقاومة العراقية ورفض الشعب العراقي للأحتلال، أي ان المقاومة العراقية هي العامل الوحيد المستقل الذي له قدرة التأثير على تطور الاحداث والوقائع ورسم صورة مستقبل العراق، أما العوامل الاخرى بما في فيها وجود قوات الاحتلال فهي أصبحت عوامل تابعة تعتمد في حركتها وتكتيكاتها وتغيير أساليبها ومواقفها على ما تقوم به المقاومة الباسلة.

4. الايام القادمة ستشهد تصاعدا كبيرا في أعمال المقاومة، بعد أن زالت الغمامة عن اعين بعض الذين خدعوا بأمكانية ان يستقر العراق ويستقل تحت الاحتلال، وبعد أن تمادى المحتل في ارتكاب جرائمه ضد العراقيين وحوَّل نصف الشعب على الاقل الى شهداء ومهجرين وأرامل ويتامي وعاطلين عن العمل.كما أن المقاومة راكمت خبرة ضخمة في المجال العسكري خلال العام والنصف الماضيين. وعلى حكومة الاحتلال الرابعة وإدارة أُوباما ان تستعدا منذ الان لتقديم اجابات مقنعة للرأي العام حول تطور عمليات المقاومة القادمة، وحاجتهما الى زيادة القوات الامريكية في العراق بدل تقليص أعدادها وسحب بعضها، وأحكام الهيمنة الامريكية على كل مقدرات الحياة ومناحيها في العراق..

5- الذين أدعوا معارضتهم للأتفاقية بحجة أن بعض موادها ماسة بالسيادة العراقية، أين كان هؤلاء من السيادة العراقية يوم وافقوا على دستور أعدته قوات الاحتلال، وعلى نظام سياسي قائم على المحاصصة والفدرالية فرضته قوات الاحتلال وتعهدت الاتفاقية الامنية بحمايته أذا تعرض للتهديد او التغيير.. وبماذا يفسرون أشتراكهم في حكومة تحميها قوات الاحتلال من ضربات المقاومة، بل ومشاركتهم في برلمان يتمتع بحماية قوات الاحتلال... التيار الصدري والفضيلة وجبهة التوافق والجبهة العراقية للحوار الذين كانوا من بين (فرسان الاحتلال وأدواته) منذ 2003 يتولون اليوم الجزء البرلماني من مسرحية رفض الاتفاقية التي سيوافقون عليها وهم صاغرين،لأن الغيور على سيادة العراق ووحدته لا يمكن أن يختصر محنة العراق بمجرد تعديل في هذه المادة أو تلك، وعادة سيكون تعديلا في الصياغة اللغوية دون المضامين والمحتوى.. والغيور على سيادة العراق لا يحمي الاحتلال وعملاء الاحتلال، ولكنه يعرف أن طريق التحرير واضح، وهو حمل البندقية والالتحاق بالمقاومة العراقية والتخلي عن حكومة ونظام منشآن تحت الاحتلال ويستمران بحمايته..

6- أما الملاحظات على بنود الاتفاقية فيمكن أيجازها بعبارة واحدة،وهي أن ما أعطته الاتفاقية لحكومة المالكي من أستقلالية وحرية تصرف بشأن من الشؤون عادت وسحبته من الحكومة في نفس المادة بنص معاكس ب ذريعة الاستثناء. ولهذا تعد الاتفاقية، اتفاقية من طرف واحد وليس من طرفين، طرف واحد هو الطرف الامريكي يقرر كل شيء والطرف الثاني المزعوم مجرد كومبارس لزوم الاخراج.
7- وأخيرا... لا قيمة لهذه الاتفاقية لأنها تبرم تحت الاحتلال وقوات الاحتلال موجودة في العراق بكامل أعدادها ومعداتها، وتبعا لذلك فهي اتفاقية غير شرعية باطلة، لا تلزم سوى من وضعها ووقع عليها والمقاومة العراقية التي ستهزم المحتل ستهزم معه عملاءه وأدواته وأتفاقياته.
صحيفة الموقف العربي
القاهرة 25/11/2008

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار