شبكة البصرة
وجدي أنور مردان
ألأحداث الأخيرة في كركوك وما رافقها من جرائم إرتكبتها عصابات عنصرية ارهابية بحق مواطنين أبرياء وقوى سياسية مسالمة، يوم 28 تموز2008، تعيد الى الاذهان المجزرة التي ارتكبها ذات العصابات العنصرية الارهابية ضد اهالى هذه المدينة المنكوبة بالاحتلالات، يوم 15 تموز من العام 1959 المشؤوم. ومما يثير المواجع والالم وينكأ الجراح انها وقعت تحت نفس الشعارات والتبجحات والادعاءات الكاذبة المضللة..
يستغل قادة الاكراد اليوم في شمال العراق الوضع الاستثنائي الشاذ الذي يسود في البلاد، والظروف المأساوية التي يمربها الشعب العراقي تحت ظلّ الاحتلال الامريكي الصهيوني الايراني.ومما زاد الطين بلة ضعف الحكومة المنصوبة من قبل الاحتلال وهزالتها وانحيازها لاجندة تقسيم العراق،ضمن صفقة سياسية صفيقة، يستغل قادة الحزبين الكرديين المهمينين على الساحة السياسية العراقية في عصر الاحتلال البغيض، هذه الظروف الشاذة لاقتناص الفرصة التاريخية التي خلقتها دبابات الاحتلال، و التي قد لاتتكرر، على حد زعمهم، اخذوا يتصرفون بحالة من الهيستيريا والجنون والتخبط السياسي خشية فقدان هذه الفرصة التي وفرتها لهم القدرة الامريكية. لقد اصابهم الذعر عندما احتكم النواب في مجلس العملاء الى الدستور المسخ،(الذي اعتبره الاكراد والمتحالفين معهم، دستورا ديمقراطيا)، وصوتوا على قانون المحافظات ووفقا للاجراءات المعمول بها في برلمانهم على المادة 24 من القانون. قامت الدنيا من يومها ولم تقعد بعد والله وحده يعلم متى ستقعد.
على اية حال أن الوطنيين العراقيون لايعترفون لا بدستور نوح فيلدمان ولا بقانون أدارة الدولة لبول بريمر ولا بالانتخابات المزورة التي جرت عام 2005 لانها اصلا، وبموجب القانون الدولي باطلة.
أننا لانؤمن باية حلول تنبع من الضمير العاهر لمنظمة الامم المتحدة، فان هذه المنظمة المشؤومة لم تتدخل في بلد ما الا وقسمتها ومزقتها. تدخلت في فلسطين فقسمتها بموجب القرار 181 الجائر عام 1948. تدخلت في افريقيا فمزقت دولها اربا اربا. تدخلت في يوغسلافيا فحولتها الى شظايا. والان جاء دور العراق والسودان لتقسيمهما ولتفتيهما. أما منظمة المؤتمر الاسلامي المسكين فليس بالعير والنفير. وعليه فان المقترحات التي قدمها دي ميستورا يشوبها شكوك كثيرة،لانه وسيط غير نزيه وغير محايد.
ثم ماهو مفهوم وابعاد المصطلح الاستعماري الذي يطرحه دي مستورا (مناطق متنازعة عليها). لايوجد في العراق مناطق متنازع عليها ومناطق غير متنازع عليها، فارض العراق وحدة واحدة لاتقبل التجزءة وان ارض العراق وسمائه ومياهه وجباله وسهوله ملك للعراقيين جميعا مثلما البصرة للعرب هي للاكراد والتركمان ومثلما السليمانية للاكراد فهي للعرب والتركمان والمسيحيين ومثلما كركوك للتركمان هي ملك للعرب والاكراد والاثوريين والكلدان. ينبغي ان نقف بوجه هذا المصطلح الاستعماري الانقسامي واسقاطه..
وكذلك لانؤمن بحلول الجامعة العربية، ان كانت لديها شىء من الحلول، لانها فقدت البوصلة الوطنية العروبية. واصبحت جزأً من ادوات شرعنة الاحتلال. اما حلول المحتلين فواضح وضوح الشمس لسنا بحاجة الى شرحها. ودور القيادة ايرانية في المجلس الاسلامي الاعلى جلي ايضا وواضح لان الموضوع برمته نابع من صفقة سياسية على غرار مقايضات البازار الايراني.
أن موقف جلال الطالباني، رئيس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردستاني و عادل عبد المهدي، القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى، في نقض قانون أنتخابات مجالس المحافظات بسبب المادة 24 هو موقف سياسي انتهازي لايعترف حتى بالقوانين التي شرعها لهم اسيادهم المحتلين، طالما ان نتيجة التصويت لاتخدم مصالحهم العرقية والمذهبية الضيقة. فالاول فضل عرقيته الكردية على عراقيته والثاني فضل اجندته الطائفية على وحدة العراق وسلامته الاقليمية.
لقد سبق لنا وكتبنا في هذا المكان، قبل عدة سنوات، بان الاجندة الامريكية الصهيونية التقت مع الاجندة الاقليمية في تقسيم العراق وقد اعتمدت هذه الاجندة في الاجتماع الذي عقد في منتجع صلاح الدين في محافظة اربيل قبل غزو العراق، حضره جميع الاحزاب العميلة والتي قدمت على ظهر الدبابات الامريكية وحماية بساطيل قوات الاحتلال، كما حضر الاجتماع ذاته ممثل عن الجبهة التركمانية وممثلين عن الحكومة البريطانية والحكومة التركية. ترأس الاجتماع السفير زلماي خليل زادة، عراب احتلال افغانستان والعراق. ضغط زلماي باتجاه اعتماد صيغة الفدرالية بعد الغزو، الامر الذي رفضته الجبهة التركمانية معتبرا ذلك تمهيدا لتقسيم العراق وترك ممثلها قاعة الاجتماع، مما حدا بخليل زادة تهديد التركمان بعواقب وخيمة.وكان الحاق كركوك بالاكراد ثمن هذه العاقبة الوخيمة.
تناقلت الاخبار انه خلال لقاء رايان كروكر الحاكم الامريكي للعراق المحتل مع جلال الطالباني يوم 31/7/2008 على هامش أزمة قانون مجالس المحافظات أعطى كروكر الضوء الاخضر لجلال للمضي في أجراءآت ضم كركوك الى أقليم كردستان. مما شجع المجلس الكردي لمحافظة كركوك على اصدار بيان من جانب واحد بضم كركوك الى كردستان. فان صحت هذه الاخبار فان العد التنازلي الفعلي لتقسيم العراق قد بدأ، سلميا ان رضخ ووافق الاخرون كما يريدها المجلس الاسلامي الاعلى أوحربا طائفيا وعرقيا كما يريدها الاكراد، ليحترق ما تبقى من العراق الجريح. وتجدر الاشارة الى ان المجلس الإسلامي الأعلى يدعم بقوة وفي إطار صفقة سياسية، الموقف الكردي، في مقابل دعم كردي مستقبلي لإقامة إقليم الوسط والجنوب الذي يرغب المجلس في إقامته.
في اتصال هاتفي لجلال الطالباني مع رئيس وزراء تركيا أ شار السيد اوردوغان الى قرار الكتلة الكردية في مجلس محافظة كركوك بضم المحافظة الى كردستان. أكد له الطالباني ان هذه الخطوة (القرار) "لا تعتبر انضماما الى أقليم كردستان بل تهديدا بالانضمام فيما اذا لم يتم التوصل الى اتفاق حول قانون انتخابات مجالس المحافظات بين كتلة التحالف الكردستاني والكتل الأخرى".
وعلى اثر ذلك صدر بيان عن الخارجية التركية بتاريخ 2 أب 2008 مما اطلق للتوقعات والتكهنات العنان باحتمال تدخل التركي لحماية التركمان في كركوك. نص البيان على ثلاث نقاط مهمة وهي :
1- تركيا كانت ومازالت دائما تدعم الحل السياسي المشترك للعيش الأمثل لكافة مكونات الشعب العراقي وباطيافه المختلفة.
2- أن تركيا تدافع عن ان تكون لمدينة كركوك طابع خاص يمثل جميع أطيافه دون تمييز بصورة عادلة ومتوازنة داخل العراق الموحد. (تركيا تقر صيغة 32% +32%+32% +4%)
3- ومن جانب آخر فأن تركيا تراقب وعن كثب الجهات التي تقوم بخلق الأجواء المتوترة وفرض الأمر الواقع في مدينة كركوك لان هذا الجو المتوتر ليس لصالح أي طرف وحتى الأطراف التي تقوم بخلقها.
في تقديرنا أن توقعات قيام تركيا في تدخل عسكري لحماية التركمان من السطوة والهيمنة الكردية سواء بتجهيز الأحزاب التركمانية بمعدات وأسلحة تمكنها من مواجهة اية تحركات كردية أوالقيام بإنزال مظلي في كركوك لاستعادة السيطرة على المدينة وطرد المليشيات الكردية منها، هو أمر غير وارد لان العام 2008 ليس العام 1974 وكركوك ليست قبرص وأمريكا ليست اليونان!!!
إن استمرار وتصاعد وتيرة التوترات العرقية بين المكونات العراقية هو ما لا يتمناه الوطنيين والشرفاء أي كان موقعهم ومكانتهم على الأرض العراقية. إن كركوك هي بحد ذاتها راية العراق العالية بكردها وعربها وتركمانها ومسيحييها، يجب الدفاع عنها ضد كل المطامع الاجنبية والمحافظة عليها بروح وطنية وإنسانية لا تمس ذرة من تراب العراق ووحدة شعبه.
يقول المشهداني رئيس ما يسمى بالبرلمان، في تصريحه الصحفي الاخير، أن قضية كركوك قضية شائكة ودولية ومناطقية وإقليمية ووطنية ولا يمكن أن تحل بقانون الانتخابات وإنما تحل كأزمة خاصة في ذاتها وليس من ضمن هذا القانون.كلا ياالمشهداني يا المواطن الامريكي، ان ازمة كركوك ليست مشكلة دولية ولامناطقية ولا اقليمية، انها ازمة رجال. رجال خونة نصبهم المحتلين بعد ان باعوا وطنهم له وكبلوا اياديهم بالاجندات الاجنبية. ازمة كركوك هي ازمة فقدان الارادة الوطنية واختلال موازين الرجال فمتى كان الجزئي يتحكم بالكلي لو لا هذا الاحتلال الجائرالذي فرضه المحتل وعمقته الشوفينية والتعصب الاعمى.
إن مدينة كركوك عبارة عن عراق مصغر، يتكون سكانها من امتداد لجميع مكونات الشعب العراقي ولو بنسب مختلفة. ولقد عاشت هذه المكونات، عربا واكرادا وتركمانا ومسيحيين وغيرهم معاً بسلام عبر التاريخ دونما ينغص صفوهم شيء.
أن التعايش بين المكونات المختلفة لنسيج كركوك الاجتماعي كان سائداً لقرون طويلة، واستمرار ذلك التعايش مرهون بتجاوز الأزمات عبر اعتماد الحوار ولغة التوافق والمساومات وروح المبادرة والاستعداد لتقديم التنازلات المتقابلة بين الأطراف المختلفة دون الاخلال بوحدة ارض العراق..
اننا نتفق مع السيد ابراهيم احمد في تحليله واقتراحه في مقاله استفتاء شعب العراق بشان كركوك.وعدم تطبيق المادة 140 من الدستور، التي سقطت مع سقفها الزمني، والتي يراد منها ضم كركوك إلى إقليم كردستان وبغض النظر عن كون هذه المادة قد أقحمت على الدستور في ابتزاز ومساومات وصفقات سياسية.
يطالب قادة الكورد الحاليون بإجراء استفتاء عاجل في كركوك ضمنوا نتائجه مقدماً بما صنعوا له على الأرض من ترتيبات سكانية ووثائقية مما يجعله أشبه بالضم القسري الذي اتبعه قادة الكورد في سيطرتهم التدريجية على منطقة شمال العراق التي كانت في معظمها آهلة بالآشورين والكلدان والأرمن والتركمان وغيرهم من الأقوام وكما يقول تاريخ المنطقة لآلاف السنين!
إن أكثر فقهاء القانون الدستوري يحذرون من مغبة الاستفتاءات الموضعية والمحلية في تقرير مصير الأرض والبلدات المتنازع عليها فهي كما يقولون لا تعبر عن الجوهر الحقيقي للجوانب القانونية والإنسانية لهكذا قضايا معقدة، كما أنها تتشكل في جو نفسي خاضع للقوة والمال ويغيب فيه تأثير الأطراف الضعيفة والمحاصرة! لذلك فهم لا يقرون حقوقياً سوى الاستفتاءات الوطنية العامة التي تمكن كل مواطن في البلاد من ممارسة حقه في هكذا قضايا قبولاً أو رفضاً!
هذا ما يقف عنده فقهاء القانون بمبدئية صلبة ويحذرون بقوة من استفتاءات تشبه الاغتيالات للأرض وناسها وتاريخهم وتراثهم حين يضحى بها على مذبح الأطماع القومية! إن الوطن في نظر هؤلاء ليس مصرفاً تجارياً يمكن لزبائنه أن يسحبوا ودائعهم فيه أو يناقلونها كيف يشاءون. إنه قارب كبير مبحر على مر العصور لذا فإن أي تغيير يحدثه فيه أحد ركابه قد يؤذي الجميع ويعرضهم للغرق!
ويورد الاستاذ ابراهيم احمد في تحليله المثال المهم الاتي:
لقد أثيرت هذه المبادئ العامة في نقاشات حامية في كندا عند التصويت على مصير مقاطعة كوبيك الناطقة بالفرنسية حيث طرح انفصالها على التصويت مرتين، الأولى عام 1980 وقد هزم بها الانفصاليون بفارق كبير، والثانية في عام 1995 وقد هزم بها الانفصاليون بفارق ضئيل، ولكن المحكمة الدستورية العليا في كندا كانت على استعداد لإلغاء نتائج التصويت الانفصالي استناداً إلى المبدأ القانوني القائل أن التصويت المحلي لا يجسد الحق الإنساني لمواطني البلاد جميعاً ولا يضمن جوهر العدالة المنشود.
إن أجراء استفتاء محلي أو موضعي في كركوك سيشكل سابقة خطيرة في العراق وفي المنطقة، تؤدي إلى قضمه وإذابته كسطح الجليد تحت لهاث الطامعين به من مختلف الاتجاهات!
ان مسألة كركوك لاتخص العرب وحدهم ولا التركمان جلهم ولا الاكراد بجمعهم وانما تخص كل عراقي وعراقية من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب. ان هذه المسالة لها بعد استراتيجي يخص العراق وامنه الوطني وسلامة ترابه ووحدة اراضية. ان الحل المنطقي لمشكلة كركوك هو في تغليب عراقيتها على عنصرية كافة الاطراف، فالمدينة عراقية،بالرغم من خصوصيتها التركمانية، فانها مدينة مفتوحة لكل العراقيين، ولا توجد فيها اغلبية مطلقة لاي من مكوناتها العرقية، لهذا فان التاكيد على عراقيتها هو الحل الامثل الذي يخدم الجميع ولتأكيد هذا المفهوم وتأسيسا على ماتقدم يجب اجراء :
الاستفتاء العام على مصير كركوك (وليس استفتاء موضعي او المحلي)، تشمل الشعب العراقي بمكوناته كافة، رجاله ونسائه شبابه وشيوخه (المحافظات 18) يطرح في الاستفتاء سؤلا محددأ (هل توافق على ضم كركوك الى كردستان. نعم أو لا). النتيجة تقررها صناديق الاقتراع. وبعد ذلك الذي لايفوز ليشرب من نفط بابا كركر حتى الثمالة ويسكت ويخرس الى الابد.
واذا لم يكن بالامكان اجراء مثل هذا الاستفتاء، بسبب الاحتلالات والاجندات الاجنبية والاقليمية، ينبغ على الشعب العراقي العظيم ان يخرج في تظاهرة عامة يزلزل الارض تحت اقدام المحتلين وامعاته من الخونة والعملاء، تستنكر فيها محاولات وأد كركوك وسلخها من حاضنتها العراقية.
هذه مهمة وطنية تقع مسؤوليتها على عاتق جميع العراقيين وعليهم ان يثبتوا للعالم بانهم شعب لايفرط بذرة من تراب وطنه وكيف اذا كانت تلك الذرة شمعة العراق التي تنور ظلام ليلها منذ الالاف السنين!!!
أن الشعب العراقي الاصيل مدعو اليوم للوقوف بحزم وقوة وشجاعة بوجه أي ابتزاز أو مساومات في هذه القضية الجوهرية التي ستشكل معياراً عاماً لمستقبل أرض العراق، كما إن على قوى المعارضة للاحتلال والتقسيم والتفتيت وكل القوى الوطنية الشريفة وفي المقدمة منها فصائل المقاومة العراقية الباسلة أن تنسى خلافاتها وتبلور موقفاً وطنياً عراقياً واحداً يبقي على كركوك مدينة لكل العراقيين.
وختاما نود ان ننصح القادة السياسيين الاكراد ان يكفوا عن الحفر الاستراتيجي في العراق و كركوك بخاصة لان زعزعة اساس البنيان ستهدم البنيان بالكامل وعندها يكون الاكراد اول الخاسرين. اقراؤو التاريخ، ونرجوا ان لاتكون القراءة، هذه المرة، بالمقلوب!!
كلمة اخيرة: ايها العراقيون كركوك قنبلة موقوتة، إذا لم تتعاملوا معها بحكمة وعقلانية وحزم فإنها ستنفجر، وسوف تفجر معها العراق و المنطقة بأسرها.
بغداد اوائل أب 2008
wamardan@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق