نقلا عن صحيفة القدس العربي
يتباري العديد من السياسين في اضفاء طابع الخيالية والوهم علي مصطلح (نظرية المؤامرة) ,وقد يدفعهم الغلو في هذا الاعتقاد، الي نفي حتي الحقائق الموضوعية، التي شكلت الحدث السياسي الحاصل في زمانه ومكانه، والتي تشير بوضوح لايقبل الجدل الي اياد خفية صنعت الحدث، هي قوي طامعة في اذلال الامة، وتمزيقها، وتبديد ثرواتها المادية والمعنوية، والحيلولة دون امتلاكها ناصية العلم والمعرفة. وقد تشكل هذا الرأي في خضم النكسات والهزائم التي مرت بها الامة، والانكفاءات المتكررة لمشاريع قومية ووطنية،كانت تمثل ارادة الجماهير العريضة، كان الحكام والنخب السياسية يعزون سبب فشلها الي مؤامرات الاستعمار والصهيونية، حتي لو كان السبب في ذلك هو قصر نظرهم، وتخاذلهم هم ولاعلاقة لايةعوامل خارجية في ذلك، لكن الايغال في هذا الرأي، وتبرئة العوامل الخارجية تماما من الاحداث التي مرت بها الامة، قد جعل دراسة احداث مهمة وكبيرة، دراسة غير واقعية،شابتها الضبابية، وتشوه التاريخ السياسي لقادة بارزين، من امثال جمال عبدالناصر وياسر عرفات وصدام حسين،وحركات سياسية عريقة، كحزب البعث العربي الاشتراكي، وزرع البلبلة في صفوف الجماهير، وولد اليأس والقنوط والاحباط لدي الكثير من المؤمنين بالقومية العربية، وحرف زاوية النظر بالاتجاه الخاطيء. ولعل ابرز مثال علي ذلك ماحصل في 2/اب (أغسطس) بين العراق والكويت. كان العام 1988 قد اطل علينا وبانت تباشير نصر مؤزر للعراق في حربه الدفاعية عن العراق والامة العربية، وكنا نحن ضباط جهاز المخابرات العراقية، أول من اشر هذه النتيجة في تقريرنا المرفوع الي رئاسة الجمهورية- مكتب السيد الرئيس، مستندين فيه علي معلومات مصادرنا في العمق الايراني، وفي المؤسسات الساندة والفاعلة في عملية صنع القرار في ايران، ولم نستغرب رد الرئيس صدام حسين بخط يده علي تقريرنا، وهو يبارك جهودنا وينبه الي عدم الغفلة، فالحرب فيها جميع الاحتمالات، وان علينا البقاء متنبهين مستيقظين.مرت الاشهر بطيئة بانتظار لحظة الحسم في اعلان توقف الحرب، كانت مفاصل الدولة العراقية قد اصابها التشنج علي مدي سنوات الحرب، وكنا كالعادة مزدحمين بالعمل والدراسة والتحليل، لما يخبئه المستقبل ولما ستؤول اليه نتيجة الحرب، حتي وضعت اوزارها في 8/8/1988،. تنفس العراقيون الصعداء، وكنا منهم، وايقنا بان زوال هذه الغمة سيفتح افاقا واسعة امام الكل،وستشرق شمس السلام من جديد علي ربوع بلادنا، فتنير العقول والقلوب، وستعاود مسيرة التنمية والطفرات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية التي شهدها العراق في اعوام السبعينيات، قفزاتها المتسارعة، لتعود الينا بحبوحة العيش التي لمسها الجميع. كانت الاشهر الممزوجة بالفرح الحقيقي تمضي مسرعة كالعادة، بعد ان تخلص الجميع من كابوس الحرب، وظلالها المقيتة، واصبح لدينا الوقت الكافي لننظر الي انفسنا، وعوائلنا، بعد ان كان كل اهتمامنا منصباعلي جبهات القتال، كان تكريم الجهود قد بدآ لكل قطاعات الدولة، الفاعلة والساندة والمشاركة في القتال، كل حسب استحقاقه، وكنا نحن في جهاز المخابرات، احد تلك القطاعات، التي حظيت بالتكريم، وقد اصاب الجميع الارتخاء في غمرة هذه الطقوس المفرحة، حتي كاد ان يغيب عن اذهاننا، باننا عين الوطن الساهرة، والتي ينبغي ان تبقي يقظة.كان العام 1989 قد حل علينا،وتلقينا بغبطة كبيرة، نبأ رغبة الشهيد الرئيس بلقائنا، للتهنئة بالنصر، والتحدث الينا، وفي غمرة الزهو بالثناء علينا من قبل سيادته في اللقاء، طرق اسماعنا ماكنا قد غفلنا عنه، وهو يقول تنبهوا واستفيقوا فان الحرب كانت مؤامرة لايقاف عجلة تقدم العراق، وعليكم حماية بلدكم مما هو قادم، والذي قد يكون اعظم، بعد ان فشلت مؤامرة الحرب مع ايران، وان اعداء بلدكم قد عقدوا العزم علي تدمير العراق بكل الذرائع والحجج.كان حديث الرئيس بمثابة انذار لنا، كي نحشد الجهود للعمل الاستخباري النوعي، وضرورة الاهتمام بكل اشارة تتضمن تهديدا للامن الوطني والقومي، وكنا قد انتبهنا نحن المجموعة المختصة بمتابعة أحدي الدول الاسيوية قبل فترة قصيرة لاشارة أستخبارية، وردت الينا من احد مصادر معلوماتنا، وهي تشير الي ان احد الخبراء الذين يدربون الطيارين العراقيين في كلية القوة الجويةالعراقية، وهو من جنسية تلك الدولة التي نتابعها، يحاول جمع المعلومات عن عدد الطائرات العراقية المقاتلة، وانواعها، وتسليحها، وعدد الطلعات الجوية، وماهي الاجراءات التطويرية التي تجري عليها في العراق،وكذلك عدد الطيارين، والقواعد الجوية في البلاد،ومستوي التحصينات فيها. وقد دهشنا لذلك، كون الدولة التي ينتمي اليها ذلك الخبير، ترتبط بعلاقات قديمة مع العراق،و لم يسجل قيامها باي خرق امني ضدنا،ولاتوجد اية حالة عداء تدعوها لجمع معلومات استخبارية بهذه الاهمية عنا. ولدي دراسة الموضوع ومناقشته مع عدد من الضباط الذين يتابعون بقية الدول،وجدنا بان المعلومات، التي يحاول الخبير جمعها،هي نفس المعلومات التي طلبها الموساد من عملائه في العراق، فتيقنا بان الرجل قد يكون مكلفا من قبلهم، اي انه عميل سري لهم، او انه يعمل لصالح مخابرات بلده، التي بدورها ترسل المعلومات الي المخابرات الاسرائيلية في اطار تعاون استخباري معمول به في دول العالم، ومتعارف عليه في العمل المخابراتي.وبعد دراسة القضية توصلنا الي قرار مراقبة الخبير، لنتمكن من التقرير ان كان يعمل مع مخابرات بلده، أم مع الموساد بدون علم دولته، وتم اخضاع الخبير للعديد من اجراءات الفحص، لتحديد علاقاته واتصالاته في أوساط المجتمع، وكذلك مراقبة تردداته علي سفارة بلده، وهل هي ضمن الحدود المعتادة أم غير الطبيعية، كما جري الاتصال بعدد من اصدقائه العراقيين، لمعرفة طبيعة احاديثه، واهتماماته السياسية والعسكرية والاقتصادية، وجذوره العرقية والدينية، وسفراته خارج العراق، والدول التي يتردد عليها باستمرار. وكان حصيلة هذه الاجراءات ان تبين بان المذكور علي علاقة وطيدة مع مسؤول محطة المخابرات في سفارة بلده في بغداد، وان الاخير هو الذي طلب منه الحصول علي هذه المعلومات،ومعلومات اخري علي درجة كبيرة من الاهمية، والتي تمس امن العراق، وقيادته السياسية، مما رجح لنا اليقين بان سفارة بلده في العراق، تمارس نشاطا تجسسيا لصالح اسرائيل، بعد ان عجزت الاخيرة عن اختراق الامن الوطني العراقي، وانها بادرة ذكية من الموساد في التعاون مع تلك الدولة الصديقة للعراق لجمع المعلومات عنه، كون العلاقة بين العراق وتلك الدولة طبيعية وتعاونية في مجالات كثيرة، وان رعاياها يمكن ان يصلوا الي معلومات مهمة، نتيجة حصول شركاتهم علي عقود عمل كبيرة في العراق.تم اعلام الرئاسة-مكتب الرئيس بالمعلومات التي توصلنا اليها، وكان استغراب الرئيس الشهيد صدام حسين، اكبر من استغرابنا، وهو يضع ملاحظته علي تقريرنا، العائد منه بخط يده( لماذا يفعل اصدقاءنا ال...ذلك معنا؟ يتم طرح الموضوع عليهم في اول اجتماع للجنة التعاون المشترك معهم). بعد هذا الرد وجدنا من المناسب التأكد بوسائل اخري اكثر فاعلية، عن صحة وحقيقة الموضوع، لتعزيز موقف المفاوض العراقي، وعدم ايقاعه في احراج، فقررنا القيام بعملية التفتيش السري( اختراق )، لسفارة ذلك البلد في بغداد، وبالذات غرفة ضابط محطة المخابرات في السفارة، حيث كان عدد من ضباط المخابرات، يعملون بصفة دبلوماسيين فيها. كانت السفارة محصنة بشكل جيد، يحميها من الخارج عدد من عناصر شعبة حماية السفارات العراقيين، ومن الداخل يحميها عدد من عناصر أمن تلك الدولة، ويسكنون في داخلها، ولايغادرونها اطلاقا بصورة جماعية، خاصة بعد انتهاء الدوام الرسمي في السفارة، لذلك كان من الصعوبة بمكان دخول السفارة بشكل سري، واجراء عملية التفتيش السري فيها، غير ان وجود علاقة متينة بين الحرس العراقيين، وامن السفارة فتح باب الامل امامنا، كي ننفذ خطتنا، حيث طلبنا من الحرس العراقيين، اقامة دعوة عشاء لهم في احد المطاعم القريبة من السفارة، بغية اخلاء السفارة، وانطلاقنا لتنفيذ الخطة، غير ان عناصر الامن رفضوا الدعوة، لخوفهم من مسؤول محطة المخابرات في السفارة، الذي غالبا مايقوم بزيارات فجائية للسفارة عند منتصف الليل للتفتيش عليهم، والتأكد من عدم مغادرتهم السفارة، وكان أقتراحهم أن تكون الدعوة في غرفة سكنهم في السفارة، بعد منتصف الليل، وان تتضمن الدعوة جلب المشروبات الكحولية التي كانوا مولعين بها. اقتحام سري لسفارة صديقة تم تحديد موعد الدعوة، وتهيئة كافة مستلزماتها، وابتدأت من بعد منتصف الليل، واستمرت حتي الساعة الثالثة صباحا، حيث خلد حراس السفارة الي النوم العميق، بعد شرب كميات كبيرة من الكحول، وتمكن احد عناصر الحرس العراقيين، والذي اعتمدنا عليه، من ان يسرق مفاتيح غرف السفارة منهم، ويفتح الابواب لدخولنا اليها، حيث تم تصوير كافة السجلات والوثائق الموجودة في غرفة محطة المخابرات، وارجاع كل شيء الي مكانه، وكان خروجنا من السفارة مع خيوط الفجر الاولي، حيث توجهنا الي مكاتب عملنا لأخذ قسط من الراحة، بانتظار بداية الدوام الرسمي، بغية الاطلاع فيما بعد علي الوثائق التي حصلنا عليها، والتي قد تبرئ تلك الدولة الصديقة للعراق، من تهمة التعاون مع اسرائيل ضد العراق، أو تدينها. أصبح الصباح ولشدة شوقنا لمعرفة ماحوته تلك الوثائق، وقفنا علي باب غرفة زملائنا في قسم الترجمة، في بداية الدوام، غير اننا أحبطنا وهم يبلغوننا بان الوثائق مكتوبة( بالشيفرة)، التي هي عبارة عن مجاميع رقمية تدل علي حرف او جملة، كي لايتم استراقها وفهم محتواها عند ارسالها الي دولتهم، فعدنا الي مكتبنا وعقدنا أجتماعا لحل هذا الموضوع،الذي بدد امالنا، وتوصلنا الي ضرورة الاستعانه باحدي الجهات الفنية المتطورة في العراق، والمختصة بالمسح اللاسلكي، عسي ان توصلنا الي نتيجة من خلال مراقبة الترددات اللاسلكية للسفارة، حيث كانت السفارات الاجنبية في العراق ترسل تقاريرها الي دولها، من خلال البث اللاسلكي المشفر، لعدم وجود خدمة الانترنيت.كان انتظارنا لنتائج المراقبة اللاسلكية يحظي بصبر شديد، وكانت هواتفنا لاتنقطع عن المسؤولين عن هذا العمل، للاستفسار عن ماتم التوصل اليه، وبعد قرابة الخمسة اشهر من العمل المضني والصبر، طلب المسؤولون في المراقبة الاجتماع بنا، وقد اذهلتنا الدهشة وهم يبلغوننا في ذلك الاجتماع، بان عملية كسر الشفرة الخاصة بتلك السفارة قد تمت بنجاح، حيث استلمنا جدولا يبين كل رقم ومايقابله من الحروف، أسرعنا الي مكتبنا، وقمنا بتحويل جميع الوثائق التي حصلنا عليها في عملية تفتيش السفارة، من حالة الارقام الي حالة الحروف، حيث استغرق منا العمل اسبوعا كاملا، لكثرة عدد الوثائق، ثم قمنا بارسالها الي قسم الترجمة، لترجمتها الي العربية بصورة واضحة.أعيدت الينا بعد عدة ايام، مرفقة بالترجمة الحرفية لها الي اللغة العربية، وقد حوت معلومات كانت السفارة قد صنفتها الي سري وسري للغاية وسري وشخصي، قد تناولت معلومات غاية في الخطورة، حصلت عليها السفارة من خبرائها المتواجدين في العراق، وخاصة في مجالات الجيش،والقوة الجوية، والمستشفيات العسكرية،والتصنيع العسكري، والمطارات العسكرية، والجسور، واماكن القيادة السياسية، ومن خلال مصادر سرية وعلنية أخري، وقد صنفت الوثائق من قبلنا علي ان غالبيتها تصب في مصلحة الموساد وجهده المتواصل للحصول عليها،لكن الذي لم يخطر علي بالنا اطلاقا، وجدناه من ضمن الوثائق، وهي معلومات في غاية الاهمية، مرسلة من مركز مخابرات تلك الدولة، الي محطة مخابراتهم في السفارة، طالبين تدقيقها اولا، وتوسيع قاعدة المعلومات المتوفرة فيها ثانيا، وكانت الوثائق كما يلي: سري للغاية (وثيقة رقم ـ1ـ)وردتنا معلومات من دولة ثالثة . أن دولة عربية مجاورة للعراق تم دفعها لاحداث أزمة سياسية معه لصالح اهداف سياسية واقتصادية لدول اخري. ستتفاقم الأزمة بسرعة وقد تؤدي الي نشوب حرب في المنطقة تتحالف فيها اطراف دولية واقليمية ضد العراق. تنتهي الحرب بمقتل الرئيس العراقي وتغير النظام فيه. تدقيق المعلومات الواردة اولا. بيان معلومات مصادركم في القوات المسلحة العراقية ثانيا. تزويدنا بالمعلومات المتداولة في وزارة الخارجية واعضاء السلك الدبلوماسي في بغداد. أنبؤونا سري للغاية (وثيقة رقم- 2-)لاحقا لرسالتنا. معلوماتنا تشير الي ان الدولة التي ستحدث أزمة بينها وبين العراق هي دولة خليجية. جري الضغط عليها لاستغلال ديونها المتراكمة عليه لاحداث مشكلة سياسية. تدقيق ماورد. معلوماتكم عن الدول المجاورة للعراق التي لها ديون عليه. أنبؤونا.سري للغاية ( وثيقة رقم-3- )لاحقا لمعلوماتنا. ستجري اثارة مشاكل حدودية واستغلال حقول نفطية مع العراق . الهدف تأزيم الوضع للحصول علي مكاسب اكبر من العراق. تدقيق ماورد. بيان معلوماتكم عن المشاكل الحدودية مع دول الجوار. أنبؤونا.ولكن الوثائق لم تصل صداملم يكن ماورد في الوثائق المذكورة شيئا معتادا بالنسبة لنا، وبعد عدة ايام من النقاشات والحوارات التي تواصلت ليل نهار حول المعلومات الواردة فيها، فقد أختلفنا في الرأي حولها، طرف كان يتوقع بان الوثيقة مموهة ومدسوسة لارباك المخابرات العراقية، وهذا الاسلوب معمول به في الحروب التي تجري بين أجهزة المخابرات، وقد استند اصحاب هذا الرأي علي الموقف الممتاز الذي وقفته دول الجوار العربي خاصة معنا في الحرب مع ايران، وان علاقاتهم مع العراق علي درجة عالية من التطور الايجابي، وطرف اخر كان يذكر بمقولة الرئيس صدام حسين في لقائه معنا، بان حرب ايران كانت مؤامرة وان المؤامرة القادمة ستكون اكبر، ولابد ان المعلومات الواردة في الوثائق تصب في هذا الاتجاه، وان اعلام الرئاسة بالموضوع لابد ان يتم فورا، وهذا الذي جري، كما تم توجيه مصادرنا في السفارات العاملة في بغداد بمراقبة احاديث واتصالات الدبلواسيين فيها، لغرض تعزيز المعلومات التي توفرت لنا في هذا الخصوص.كانت ضمائرنا في غاية الاطمئنان ونحن ندرأ عن الوطن شرا اخر، فعمل اجهزة المخابرات يتلخص بجمع وتحليل المعلومات، وايجاد رؤية واضحة لصاحب القرار السياسي، تسهل عليه عملية اتخاذ القرار، وهذا مافعلناه، ولم نكن ننتظر الا تعليق الرئيس صدام حسين علي معلوماتنا كعادته في التوجيه والتصويب، لكن الايام كانت تمضي ولم يرد لنا اي شيء بخصوص الموضوع، وكنا نعلل السبب بانشغاله بحفلات تكريم وتوسيم ضباط الجيش، وكوادر الدولة التي ساهمت في الجهد الحربي في الحرب العراقية الايرانية، وعودته الي الجولات والزيارات الي مدن وقري العراق . كانت الايام تمضي مسرعة، ونذر الازمة بين العراق والكويت بانت في الافق، حتي تأكد لنا بان معلوماتنا صحيحة، وان الجهود التي بذلناها كانت في الموقع الصحيح.كنا قد غادرنا بناية جهاز المخابرات قبل بداية العدوان الي مواقع بديلة، واستمرينا في العمل في اماكننا الجديدة، بعد ان دمر العدوان بنايتنا ومكاتبنا، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها، وعدنا من انتشارنا في احياء وشوارع بغداد ضمن خطة حماية العاصمة، عدنا للعمل المعتاد في المكاتب. لم يمضي وقت طويل حتي فوجئنا بكتاب بتوقيع الرئيس صدام حسين وهو يعاتبنا متسائلا (هل يعقل ان يكون هكذا عدوان، وبمثل هذه الضخامة، لم تتوفر لديكم اية معلومات أستباقية عنه، ياجهاز المخابرات ؟).كانت نبرة العتب تشير الي الزعل منا، وعدم الرضا عن ادائنا، لكن دهشتنا كانت اكبر من ذلك، فهل يعقل أن الرئيس لم يطلع علي معلوماتنا التي حصلنا عليها، كيف؟ ولماذا؟ولم يكن أمامنا الا الاجابة نعم كانت لدينا معلومات ياسيادة الرئيس، وتم ارسالها اليكم قبل الحرب مرفقة بتحليلنا وتصوراتنا، التي اشارت بوضوح الي نية العدوان مجددا علي البلد،فجاء الجواب مسرعا من سيادته (ترسل المعلومات الينا فورا، وصورة من الكتاب الذي ارسلتموه الينا)، لكننا وقفنا عاجزين عن تلبية طلب سيادته، لان الارشيف الخاص بعملنا، كان قد احرق بالكامل،بعد ان نقلناه قبل الحرب من مقر جهاز المخابرات الي مكان اخر، ظننا انه امن، لكن العدوان استهدف البناية ودمرها تدميرا كاملا بما فيها من ارشيف، ثم توصلنا الي ضرورة اعلام الرئيس بذلك وهاذا ماحدث،فكان جواب سيادته(فورا يستذكر جميع الضباط الذين اشتركوا في العملية، المعلومات التي حصلتم عليها، وارسالها فورا)، فعقدنا اجتماعا فوريا أستذكر فيه الجميع المعلومات، وكيف حصلنا عليها، ثم جري اعدادها في تقرير تفصيلي شامل الي سيادته. مضت الايام مسرعة، وفجاة تم استدعاؤنا من بيوتنا ليلا الي مقر الدائرة، لان السيد الرئيس في انتظارنا في مكان ما.دخلنا علي سيادته في مكتبه، فنهض من خلف منضدته الواسعة المليئة بالاضابير، مرحبا بنا ومصافحا كل واحد،بحميمية عالية، علي الرغم من اننا لاحظنا وكأن شررا يتطاير من عينيه، كان حريصا علي تجنبه، لاعطائنا نوعا من الطمأنينة، جلس ثم جلسنا، فتجنب الحديث عن اي موضوع سوي عن احوالنا، وعن عوائلنا، وماهي الاضرار التي اصابت الجهاز من القصف،ثم استرسل بالحديث والنصح بتوخي الدقة في العمل، والابتعاد عن ظلم الناس لان خسارة انسان تعني خسارة عائلة عراقية،وليس فردا، ثم نظر الينا واحدا واحدا، طالبا الحديث عن المعلومات التي توصلنا اليها والتي لم تصله كما تبين لنا، لان حلقة الاتصال التي توصل المعلومات الامنية من الاجهزة الامنية الي سيادته، فقدت بوصلتها الوطنية! ....
القدس العربي
يتباري العديد من السياسين في اضفاء طابع الخيالية والوهم علي مصطلح (نظرية المؤامرة) ,وقد يدفعهم الغلو في هذا الاعتقاد، الي نفي حتي الحقائق الموضوعية، التي شكلت الحدث السياسي الحاصل في زمانه ومكانه، والتي تشير بوضوح لايقبل الجدل الي اياد خفية صنعت الحدث، هي قوي طامعة في اذلال الامة، وتمزيقها، وتبديد ثرواتها المادية والمعنوية، والحيلولة دون امتلاكها ناصية العلم والمعرفة. وقد تشكل هذا الرأي في خضم النكسات والهزائم التي مرت بها الامة، والانكفاءات المتكررة لمشاريع قومية ووطنية،كانت تمثل ارادة الجماهير العريضة، كان الحكام والنخب السياسية يعزون سبب فشلها الي مؤامرات الاستعمار والصهيونية، حتي لو كان السبب في ذلك هو قصر نظرهم، وتخاذلهم هم ولاعلاقة لايةعوامل خارجية في ذلك، لكن الايغال في هذا الرأي، وتبرئة العوامل الخارجية تماما من الاحداث التي مرت بها الامة، قد جعل دراسة احداث مهمة وكبيرة، دراسة غير واقعية،شابتها الضبابية، وتشوه التاريخ السياسي لقادة بارزين، من امثال جمال عبدالناصر وياسر عرفات وصدام حسين،وحركات سياسية عريقة، كحزب البعث العربي الاشتراكي، وزرع البلبلة في صفوف الجماهير، وولد اليأس والقنوط والاحباط لدي الكثير من المؤمنين بالقومية العربية، وحرف زاوية النظر بالاتجاه الخاطيء. ولعل ابرز مثال علي ذلك ماحصل في 2/اب (أغسطس) بين العراق والكويت. كان العام 1988 قد اطل علينا وبانت تباشير نصر مؤزر للعراق في حربه الدفاعية عن العراق والامة العربية، وكنا نحن ضباط جهاز المخابرات العراقية، أول من اشر هذه النتيجة في تقريرنا المرفوع الي رئاسة الجمهورية- مكتب السيد الرئيس، مستندين فيه علي معلومات مصادرنا في العمق الايراني، وفي المؤسسات الساندة والفاعلة في عملية صنع القرار في ايران، ولم نستغرب رد الرئيس صدام حسين بخط يده علي تقريرنا، وهو يبارك جهودنا وينبه الي عدم الغفلة، فالحرب فيها جميع الاحتمالات، وان علينا البقاء متنبهين مستيقظين.مرت الاشهر بطيئة بانتظار لحظة الحسم في اعلان توقف الحرب، كانت مفاصل الدولة العراقية قد اصابها التشنج علي مدي سنوات الحرب، وكنا كالعادة مزدحمين بالعمل والدراسة والتحليل، لما يخبئه المستقبل ولما ستؤول اليه نتيجة الحرب، حتي وضعت اوزارها في 8/8/1988،. تنفس العراقيون الصعداء، وكنا منهم، وايقنا بان زوال هذه الغمة سيفتح افاقا واسعة امام الكل،وستشرق شمس السلام من جديد علي ربوع بلادنا، فتنير العقول والقلوب، وستعاود مسيرة التنمية والطفرات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية التي شهدها العراق في اعوام السبعينيات، قفزاتها المتسارعة، لتعود الينا بحبوحة العيش التي لمسها الجميع. كانت الاشهر الممزوجة بالفرح الحقيقي تمضي مسرعة كالعادة، بعد ان تخلص الجميع من كابوس الحرب، وظلالها المقيتة، واصبح لدينا الوقت الكافي لننظر الي انفسنا، وعوائلنا، بعد ان كان كل اهتمامنا منصباعلي جبهات القتال، كان تكريم الجهود قد بدآ لكل قطاعات الدولة، الفاعلة والساندة والمشاركة في القتال، كل حسب استحقاقه، وكنا نحن في جهاز المخابرات، احد تلك القطاعات، التي حظيت بالتكريم، وقد اصاب الجميع الارتخاء في غمرة هذه الطقوس المفرحة، حتي كاد ان يغيب عن اذهاننا، باننا عين الوطن الساهرة، والتي ينبغي ان تبقي يقظة.كان العام 1989 قد حل علينا،وتلقينا بغبطة كبيرة، نبأ رغبة الشهيد الرئيس بلقائنا، للتهنئة بالنصر، والتحدث الينا، وفي غمرة الزهو بالثناء علينا من قبل سيادته في اللقاء، طرق اسماعنا ماكنا قد غفلنا عنه، وهو يقول تنبهوا واستفيقوا فان الحرب كانت مؤامرة لايقاف عجلة تقدم العراق، وعليكم حماية بلدكم مما هو قادم، والذي قد يكون اعظم، بعد ان فشلت مؤامرة الحرب مع ايران، وان اعداء بلدكم قد عقدوا العزم علي تدمير العراق بكل الذرائع والحجج.كان حديث الرئيس بمثابة انذار لنا، كي نحشد الجهود للعمل الاستخباري النوعي، وضرورة الاهتمام بكل اشارة تتضمن تهديدا للامن الوطني والقومي، وكنا قد انتبهنا نحن المجموعة المختصة بمتابعة أحدي الدول الاسيوية قبل فترة قصيرة لاشارة أستخبارية، وردت الينا من احد مصادر معلوماتنا، وهي تشير الي ان احد الخبراء الذين يدربون الطيارين العراقيين في كلية القوة الجويةالعراقية، وهو من جنسية تلك الدولة التي نتابعها، يحاول جمع المعلومات عن عدد الطائرات العراقية المقاتلة، وانواعها، وتسليحها، وعدد الطلعات الجوية، وماهي الاجراءات التطويرية التي تجري عليها في العراق،وكذلك عدد الطيارين، والقواعد الجوية في البلاد،ومستوي التحصينات فيها. وقد دهشنا لذلك، كون الدولة التي ينتمي اليها ذلك الخبير، ترتبط بعلاقات قديمة مع العراق،و لم يسجل قيامها باي خرق امني ضدنا،ولاتوجد اية حالة عداء تدعوها لجمع معلومات استخبارية بهذه الاهمية عنا. ولدي دراسة الموضوع ومناقشته مع عدد من الضباط الذين يتابعون بقية الدول،وجدنا بان المعلومات، التي يحاول الخبير جمعها،هي نفس المعلومات التي طلبها الموساد من عملائه في العراق، فتيقنا بان الرجل قد يكون مكلفا من قبلهم، اي انه عميل سري لهم، او انه يعمل لصالح مخابرات بلده، التي بدورها ترسل المعلومات الي المخابرات الاسرائيلية في اطار تعاون استخباري معمول به في دول العالم، ومتعارف عليه في العمل المخابراتي.وبعد دراسة القضية توصلنا الي قرار مراقبة الخبير، لنتمكن من التقرير ان كان يعمل مع مخابرات بلده، أم مع الموساد بدون علم دولته، وتم اخضاع الخبير للعديد من اجراءات الفحص، لتحديد علاقاته واتصالاته في أوساط المجتمع، وكذلك مراقبة تردداته علي سفارة بلده، وهل هي ضمن الحدود المعتادة أم غير الطبيعية، كما جري الاتصال بعدد من اصدقائه العراقيين، لمعرفة طبيعة احاديثه، واهتماماته السياسية والعسكرية والاقتصادية، وجذوره العرقية والدينية، وسفراته خارج العراق، والدول التي يتردد عليها باستمرار. وكان حصيلة هذه الاجراءات ان تبين بان المذكور علي علاقة وطيدة مع مسؤول محطة المخابرات في سفارة بلده في بغداد، وان الاخير هو الذي طلب منه الحصول علي هذه المعلومات،ومعلومات اخري علي درجة كبيرة من الاهمية، والتي تمس امن العراق، وقيادته السياسية، مما رجح لنا اليقين بان سفارة بلده في العراق، تمارس نشاطا تجسسيا لصالح اسرائيل، بعد ان عجزت الاخيرة عن اختراق الامن الوطني العراقي، وانها بادرة ذكية من الموساد في التعاون مع تلك الدولة الصديقة للعراق لجمع المعلومات عنه، كون العلاقة بين العراق وتلك الدولة طبيعية وتعاونية في مجالات كثيرة، وان رعاياها يمكن ان يصلوا الي معلومات مهمة، نتيجة حصول شركاتهم علي عقود عمل كبيرة في العراق.تم اعلام الرئاسة-مكتب الرئيس بالمعلومات التي توصلنا اليها، وكان استغراب الرئيس الشهيد صدام حسين، اكبر من استغرابنا، وهو يضع ملاحظته علي تقريرنا، العائد منه بخط يده( لماذا يفعل اصدقاءنا ال...ذلك معنا؟ يتم طرح الموضوع عليهم في اول اجتماع للجنة التعاون المشترك معهم). بعد هذا الرد وجدنا من المناسب التأكد بوسائل اخري اكثر فاعلية، عن صحة وحقيقة الموضوع، لتعزيز موقف المفاوض العراقي، وعدم ايقاعه في احراج، فقررنا القيام بعملية التفتيش السري( اختراق )، لسفارة ذلك البلد في بغداد، وبالذات غرفة ضابط محطة المخابرات في السفارة، حيث كان عدد من ضباط المخابرات، يعملون بصفة دبلوماسيين فيها. كانت السفارة محصنة بشكل جيد، يحميها من الخارج عدد من عناصر شعبة حماية السفارات العراقيين، ومن الداخل يحميها عدد من عناصر أمن تلك الدولة، ويسكنون في داخلها، ولايغادرونها اطلاقا بصورة جماعية، خاصة بعد انتهاء الدوام الرسمي في السفارة، لذلك كان من الصعوبة بمكان دخول السفارة بشكل سري، واجراء عملية التفتيش السري فيها، غير ان وجود علاقة متينة بين الحرس العراقيين، وامن السفارة فتح باب الامل امامنا، كي ننفذ خطتنا، حيث طلبنا من الحرس العراقيين، اقامة دعوة عشاء لهم في احد المطاعم القريبة من السفارة، بغية اخلاء السفارة، وانطلاقنا لتنفيذ الخطة، غير ان عناصر الامن رفضوا الدعوة، لخوفهم من مسؤول محطة المخابرات في السفارة، الذي غالبا مايقوم بزيارات فجائية للسفارة عند منتصف الليل للتفتيش عليهم، والتأكد من عدم مغادرتهم السفارة، وكان أقتراحهم أن تكون الدعوة في غرفة سكنهم في السفارة، بعد منتصف الليل، وان تتضمن الدعوة جلب المشروبات الكحولية التي كانوا مولعين بها. اقتحام سري لسفارة صديقة تم تحديد موعد الدعوة، وتهيئة كافة مستلزماتها، وابتدأت من بعد منتصف الليل، واستمرت حتي الساعة الثالثة صباحا، حيث خلد حراس السفارة الي النوم العميق، بعد شرب كميات كبيرة من الكحول، وتمكن احد عناصر الحرس العراقيين، والذي اعتمدنا عليه، من ان يسرق مفاتيح غرف السفارة منهم، ويفتح الابواب لدخولنا اليها، حيث تم تصوير كافة السجلات والوثائق الموجودة في غرفة محطة المخابرات، وارجاع كل شيء الي مكانه، وكان خروجنا من السفارة مع خيوط الفجر الاولي، حيث توجهنا الي مكاتب عملنا لأخذ قسط من الراحة، بانتظار بداية الدوام الرسمي، بغية الاطلاع فيما بعد علي الوثائق التي حصلنا عليها، والتي قد تبرئ تلك الدولة الصديقة للعراق، من تهمة التعاون مع اسرائيل ضد العراق، أو تدينها. أصبح الصباح ولشدة شوقنا لمعرفة ماحوته تلك الوثائق، وقفنا علي باب غرفة زملائنا في قسم الترجمة، في بداية الدوام، غير اننا أحبطنا وهم يبلغوننا بان الوثائق مكتوبة( بالشيفرة)، التي هي عبارة عن مجاميع رقمية تدل علي حرف او جملة، كي لايتم استراقها وفهم محتواها عند ارسالها الي دولتهم، فعدنا الي مكتبنا وعقدنا أجتماعا لحل هذا الموضوع،الذي بدد امالنا، وتوصلنا الي ضرورة الاستعانه باحدي الجهات الفنية المتطورة في العراق، والمختصة بالمسح اللاسلكي، عسي ان توصلنا الي نتيجة من خلال مراقبة الترددات اللاسلكية للسفارة، حيث كانت السفارات الاجنبية في العراق ترسل تقاريرها الي دولها، من خلال البث اللاسلكي المشفر، لعدم وجود خدمة الانترنيت.كان انتظارنا لنتائج المراقبة اللاسلكية يحظي بصبر شديد، وكانت هواتفنا لاتنقطع عن المسؤولين عن هذا العمل، للاستفسار عن ماتم التوصل اليه، وبعد قرابة الخمسة اشهر من العمل المضني والصبر، طلب المسؤولون في المراقبة الاجتماع بنا، وقد اذهلتنا الدهشة وهم يبلغوننا في ذلك الاجتماع، بان عملية كسر الشفرة الخاصة بتلك السفارة قد تمت بنجاح، حيث استلمنا جدولا يبين كل رقم ومايقابله من الحروف، أسرعنا الي مكتبنا، وقمنا بتحويل جميع الوثائق التي حصلنا عليها في عملية تفتيش السفارة، من حالة الارقام الي حالة الحروف، حيث استغرق منا العمل اسبوعا كاملا، لكثرة عدد الوثائق، ثم قمنا بارسالها الي قسم الترجمة، لترجمتها الي العربية بصورة واضحة.أعيدت الينا بعد عدة ايام، مرفقة بالترجمة الحرفية لها الي اللغة العربية، وقد حوت معلومات كانت السفارة قد صنفتها الي سري وسري للغاية وسري وشخصي، قد تناولت معلومات غاية في الخطورة، حصلت عليها السفارة من خبرائها المتواجدين في العراق، وخاصة في مجالات الجيش،والقوة الجوية، والمستشفيات العسكرية،والتصنيع العسكري، والمطارات العسكرية، والجسور، واماكن القيادة السياسية، ومن خلال مصادر سرية وعلنية أخري، وقد صنفت الوثائق من قبلنا علي ان غالبيتها تصب في مصلحة الموساد وجهده المتواصل للحصول عليها،لكن الذي لم يخطر علي بالنا اطلاقا، وجدناه من ضمن الوثائق، وهي معلومات في غاية الاهمية، مرسلة من مركز مخابرات تلك الدولة، الي محطة مخابراتهم في السفارة، طالبين تدقيقها اولا، وتوسيع قاعدة المعلومات المتوفرة فيها ثانيا، وكانت الوثائق كما يلي: سري للغاية (وثيقة رقم ـ1ـ)وردتنا معلومات من دولة ثالثة . أن دولة عربية مجاورة للعراق تم دفعها لاحداث أزمة سياسية معه لصالح اهداف سياسية واقتصادية لدول اخري. ستتفاقم الأزمة بسرعة وقد تؤدي الي نشوب حرب في المنطقة تتحالف فيها اطراف دولية واقليمية ضد العراق. تنتهي الحرب بمقتل الرئيس العراقي وتغير النظام فيه. تدقيق المعلومات الواردة اولا. بيان معلومات مصادركم في القوات المسلحة العراقية ثانيا. تزويدنا بالمعلومات المتداولة في وزارة الخارجية واعضاء السلك الدبلوماسي في بغداد. أنبؤونا سري للغاية (وثيقة رقم- 2-)لاحقا لرسالتنا. معلوماتنا تشير الي ان الدولة التي ستحدث أزمة بينها وبين العراق هي دولة خليجية. جري الضغط عليها لاستغلال ديونها المتراكمة عليه لاحداث مشكلة سياسية. تدقيق ماورد. معلوماتكم عن الدول المجاورة للعراق التي لها ديون عليه. أنبؤونا.سري للغاية ( وثيقة رقم-3- )لاحقا لمعلوماتنا. ستجري اثارة مشاكل حدودية واستغلال حقول نفطية مع العراق . الهدف تأزيم الوضع للحصول علي مكاسب اكبر من العراق. تدقيق ماورد. بيان معلوماتكم عن المشاكل الحدودية مع دول الجوار. أنبؤونا.ولكن الوثائق لم تصل صداملم يكن ماورد في الوثائق المذكورة شيئا معتادا بالنسبة لنا، وبعد عدة ايام من النقاشات والحوارات التي تواصلت ليل نهار حول المعلومات الواردة فيها، فقد أختلفنا في الرأي حولها، طرف كان يتوقع بان الوثيقة مموهة ومدسوسة لارباك المخابرات العراقية، وهذا الاسلوب معمول به في الحروب التي تجري بين أجهزة المخابرات، وقد استند اصحاب هذا الرأي علي الموقف الممتاز الذي وقفته دول الجوار العربي خاصة معنا في الحرب مع ايران، وان علاقاتهم مع العراق علي درجة عالية من التطور الايجابي، وطرف اخر كان يذكر بمقولة الرئيس صدام حسين في لقائه معنا، بان حرب ايران كانت مؤامرة وان المؤامرة القادمة ستكون اكبر، ولابد ان المعلومات الواردة في الوثائق تصب في هذا الاتجاه، وان اعلام الرئاسة بالموضوع لابد ان يتم فورا، وهذا الذي جري، كما تم توجيه مصادرنا في السفارات العاملة في بغداد بمراقبة احاديث واتصالات الدبلواسيين فيها، لغرض تعزيز المعلومات التي توفرت لنا في هذا الخصوص.كانت ضمائرنا في غاية الاطمئنان ونحن ندرأ عن الوطن شرا اخر، فعمل اجهزة المخابرات يتلخص بجمع وتحليل المعلومات، وايجاد رؤية واضحة لصاحب القرار السياسي، تسهل عليه عملية اتخاذ القرار، وهذا مافعلناه، ولم نكن ننتظر الا تعليق الرئيس صدام حسين علي معلوماتنا كعادته في التوجيه والتصويب، لكن الايام كانت تمضي ولم يرد لنا اي شيء بخصوص الموضوع، وكنا نعلل السبب بانشغاله بحفلات تكريم وتوسيم ضباط الجيش، وكوادر الدولة التي ساهمت في الجهد الحربي في الحرب العراقية الايرانية، وعودته الي الجولات والزيارات الي مدن وقري العراق . كانت الايام تمضي مسرعة، ونذر الازمة بين العراق والكويت بانت في الافق، حتي تأكد لنا بان معلوماتنا صحيحة، وان الجهود التي بذلناها كانت في الموقع الصحيح.كنا قد غادرنا بناية جهاز المخابرات قبل بداية العدوان الي مواقع بديلة، واستمرينا في العمل في اماكننا الجديدة، بعد ان دمر العدوان بنايتنا ومكاتبنا، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها، وعدنا من انتشارنا في احياء وشوارع بغداد ضمن خطة حماية العاصمة، عدنا للعمل المعتاد في المكاتب. لم يمضي وقت طويل حتي فوجئنا بكتاب بتوقيع الرئيس صدام حسين وهو يعاتبنا متسائلا (هل يعقل ان يكون هكذا عدوان، وبمثل هذه الضخامة، لم تتوفر لديكم اية معلومات أستباقية عنه، ياجهاز المخابرات ؟).كانت نبرة العتب تشير الي الزعل منا، وعدم الرضا عن ادائنا، لكن دهشتنا كانت اكبر من ذلك، فهل يعقل أن الرئيس لم يطلع علي معلوماتنا التي حصلنا عليها، كيف؟ ولماذا؟ولم يكن أمامنا الا الاجابة نعم كانت لدينا معلومات ياسيادة الرئيس، وتم ارسالها اليكم قبل الحرب مرفقة بتحليلنا وتصوراتنا، التي اشارت بوضوح الي نية العدوان مجددا علي البلد،فجاء الجواب مسرعا من سيادته (ترسل المعلومات الينا فورا، وصورة من الكتاب الذي ارسلتموه الينا)، لكننا وقفنا عاجزين عن تلبية طلب سيادته، لان الارشيف الخاص بعملنا، كان قد احرق بالكامل،بعد ان نقلناه قبل الحرب من مقر جهاز المخابرات الي مكان اخر، ظننا انه امن، لكن العدوان استهدف البناية ودمرها تدميرا كاملا بما فيها من ارشيف، ثم توصلنا الي ضرورة اعلام الرئيس بذلك وهاذا ماحدث،فكان جواب سيادته(فورا يستذكر جميع الضباط الذين اشتركوا في العملية، المعلومات التي حصلتم عليها، وارسالها فورا)، فعقدنا اجتماعا فوريا أستذكر فيه الجميع المعلومات، وكيف حصلنا عليها، ثم جري اعدادها في تقرير تفصيلي شامل الي سيادته. مضت الايام مسرعة، وفجاة تم استدعاؤنا من بيوتنا ليلا الي مقر الدائرة، لان السيد الرئيس في انتظارنا في مكان ما.دخلنا علي سيادته في مكتبه، فنهض من خلف منضدته الواسعة المليئة بالاضابير، مرحبا بنا ومصافحا كل واحد،بحميمية عالية، علي الرغم من اننا لاحظنا وكأن شررا يتطاير من عينيه، كان حريصا علي تجنبه، لاعطائنا نوعا من الطمأنينة، جلس ثم جلسنا، فتجنب الحديث عن اي موضوع سوي عن احوالنا، وعن عوائلنا، وماهي الاضرار التي اصابت الجهاز من القصف،ثم استرسل بالحديث والنصح بتوخي الدقة في العمل، والابتعاد عن ظلم الناس لان خسارة انسان تعني خسارة عائلة عراقية،وليس فردا، ثم نظر الينا واحدا واحدا، طالبا الحديث عن المعلومات التي توصلنا اليها والتي لم تصله كما تبين لنا، لان حلقة الاتصال التي توصل المعلومات الامنية من الاجهزة الامنية الي سيادته، فقدت بوصلتها الوطنية! ....
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق