-- أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي
أستطاع الاحتلال وأعوانه أن يقنع البعض من العراقيين بأن الطريق الوحيد المتاح أمامهم في العراق هو قبول الاحتلال وما تمخض عنه من نتاج عسكري وسياسي واجتماعي. لذلك ذهب الكثير من أهلنا إلى صناديق الاقتراع بقناعات كبيرة إنهم قادرين عبر ممارسة اللعبة الانتخابية من تغيير اتجاهات العملية السياسية، بحيث يحققون سلميا نتائج مهمة من بينها:
1- انتخاب عناصر (وطنية) تشكل حكومة (صالحة).
2- الحكومة الجديدة ستقوم بتقديم الخدمات التي سحقت الحاجة لها شعب العراق برمته.
3- التخلص من الأحزاب التي تعتنق الإجرام بكل أنواعه كعقيدة سياسية أو تقليص نفوذها. وبالمقابل كان موقف الرافضين للاحتلال وعمليته السياسية المخابراتية واضحا وصادقا وصريحا ومبصرا ومصوبا بأن الآمال والطموحات عندما تؤسَّس على معطيات غير واقعية فإنها ستذهب أدراج الرياح ولن يكتب لها أي نجاح.
كان موقفنا المعلن بأننا لو كنا نرى أي خير في الانتخابات ولو كنا نرى فيها أية مصداقية فإننا ما كنُّا لنعارضها ولا نقف بالند لمنهجها كله حتى لو مارسنا حقنا الطبيعي في مقاطعتها. وكنّا في ذات الوقت نتعاطف في داخل نفوسنا مع تطلعات أهلنا لأننا ندرك طيبتهم ونقاء سرائر غالبيتهم المطلقة وبساطة ظنونهم وتطلعاتهم فلا نقول لهم إلا قولا محبا ليّنا سلسا فحواه أنكم تحلمون وتتوهمون بتعاطيكم مع الانتخابات لأنها ليست ممارسة ديمقراطية حقيقية، بل كذبة وخداع يُراد من وراءه توطين الاحتلال وتوطين عملاء الاحتلال وتوطين, كنتائج لذلك, الخراب والدمار والتمزيق والموت بالقتل والإرهاب والاعتقال والاغتصاب والتهجير والإقصاء.
إن توطين العملية السياسية هي في واقع الحال توطين للاحتلال بصيغة مدنية وكل مَن جاء بهم الاحتلال ليس بوسعهم إلا تنفيذ برامج الاحتلال وغاياته ومن بينها:
1- الإبقاء على الطائفية تنخر الجسد العراقي بالشرذمة والقتل لإنهاء الدور الوطني والقومي والإنساني للعراق.
2- تكريس حكم الطوائف والأعراق التي تسعى إلى تحقيق برنامج صفوي يناظر برنامج التشييع الصفوي الفارسي أي يقضي على الشيعة الجعفرية العربية وعلى كل الطوائف الإسلامية الأخرى وينهي وجود كل الأقليات العرقية والدينية المعروفة في العراق لصالح الصوفيين المتفرسين والعرقية الكردية الشوفينية فحسب. 3
- إدامة برامج نهب ثروات العراق عبر السيطرة المباشرة أو غير المباشرة عليها وتوجيه استثمارها وإنتاجها وتسويقها.
4- إنهاء دور العراق المناهض للصهيونية والامبريالية المعادية لنا والمغتصبة لحقوقنا الوطنية والقومية.
5- إلحاق الشق الصفوي المتشكل تدريجيا على أيدي الأحزاب الشيعية الصفوية بإيران ضمنا وعلنا وإلحاق الشق الكردي بالكيان الصهيوني. وهذه معطيات ميدانية للاحتلال وليس تكهنا أو استنتاجا نظريا أو تحليلا يكتفي بجدل المنطق.
6- تكريس الدستور التفتيتي الفيدرالي والكونفدرالي. وتكريس قوانين الاجتثاث والحل والتهميش والإقصاء التي تؤمن إنهاء عروبة العراق وإسقاط أي توجه قومي وذلك بعزل العراق عن روحه وحاضنته القومية شعبيا ورسميا.
وهاهي نتائج المخاض الانتخابي وما تلاه من صعود ونزول في سلم الارتماء بأحضان المشروع الاحتلالي الأمريكي الصهيوني الإيراني المشترك للقوى السياسية والأحزاب والمليشيات التي تبناها الاحتلال كواجهة لعمليته السياسية, سفريات إلى إيران وتركيا وسوريا والأردن ومصر والسعودية في العلن وغيرها إلى الكيان الصهيوني وأميركا وبريطانيا وغيرها من دول العدوان الإجرامي على شعبنا سرا وعلنا ومماحكات إعلامية عجيبة وغريبة وتحالفات تماسكت هنا وتهاوت هناك, ها هو سفر ثمانية شهور أزهقت فيها مئات الأرواح أنفقت فيها ملايين الدولارات وقدمت آلاف الرشاوى وعقدت العشرات من الصفقات في السر والعلن, ينتهي إلى نتيجة واحدة:
لم تعتمد نتائج الانتخابات في تشكيل الحكومة الاحتلالية الجديدة، بل تم اعتماد برنامج الاحتلال ودستور الاحتلال الطائفي العرقي وبس. وسقطت كل آمال وتطلعات ومراهنات المصدقين والمخدوعين والبسطاء وضاعت كلها أدراج رياح الإرادة الأمريكية الإيرانية الصهيونية التي جاءت لتحكم العراق وفق ما تريد وتشتهي وليس كما تشتهي إرادة الناخب المسكين. هذا فضلا عن تيقن الجميع من أن نتائج الانتخابات لم تكن تمثل قطعا واقع حال الرفض الشعبي الهائل لأحزاب الطوائف في الفرات والجنوب وبغداد على اقل تقدير حيث كان الشعب يغلي بالرفض للمالكي وحزبه وحكومته وضد الأحزاب الطائفية الأخرى. بمعنى آخر إن الانتخابات قد زُورت بدءا لصالح أحزاب الطوائف وعندما لم ينجح التزوير نجاحا كاملا انقض الثعلب الطائفي تسنده إيران وأميركا على النتائج المقرة رسميا وسرق الحكم ممن فاز بالانتخابات فعلا ليواجه العراقيون الآن:
1- مرحلة جديدة من الموت والاعتقال والتشييع الصفوي لكل مسلمي العراق سنتهم وشيعتهم الجعفرية العرب بالقوة تماهيا مع نموذج إسماعيل الصفوي.
2- سنوات أضافية من انعدام الخدمات الأساسية ستتصاعد خلالها ونتيجة لها صراعات الإخوة الأعداء للتغطية على نهب المال العام والاستحواذ المريض على المغانم الشخصية والحزبية تحت غطاء الفئوية الإجرامي.
3- إعادة إنتاج لوسائل الإجرام ومنها مبتكرات تعذيب ضد العراقيين النجباء والرافضين للاحتلال كممارسة تتزامن مع الاعتقالات اليومية التي بدأت بعد الاحتلال ولم ولن تتوقف.
4- تكريس لمصالح الدول المحتلة على حساب شعب العراق.
5- انطلاقة جديدة لبرامج الفدرلة وتثبيت الطوائفية والعرقية كأسلوب حياة للعراقيين وكأمر واقع لا مفر منه لإنجاح الفدرالية. وعلى هذا نعيد القول على إن أمام شعب العراق وقواه الخيّرة طريقا واحدا للخلاص، وعليه أن يتبناه كلا أو جزءا على الأقل وهو طريق المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وعمليته السياسية الاحتلالية المخابراتية القذرة. ونقول كلاّ لمَن يؤمن بأن الاحتلال قوة غاشمة عندها أهداف وغايات قدمت من اجلها خسائر جسيمة وليس من السهل أن تتنازل عنها إلا بإلحاق المزيد من الخسائر بها ماديا وبشريا بما يجعل بقاءه غير مجز وفق حسابات الربح والخسارة المادية الصرفة لأنه لا يقيم وزنا للخسائر البشرية. ونقول جزءا, لمن يرى إن السياسة هي إحدى مفاتيح الخلاص إذ عليه أن يتيقن إن السياسة بلا قوة هي الوهم بعينه، ولذلك على هؤلاء شد أزر المقاومين ورفدهم بالحاضنة الشعبية وبالمدد من الرجال والأموال والدعم الإعلامي. ولا طريق لخلاص عراقنا الحبيب إلا بوحدة القوى المناهضة والمقاومة للاحتلال إذ إن وحدة القوى هذه هي السبيل لتحقيق خلاص شعبنا وعودة العراق حرا موحدا سيدا، والوحدة لا تحتاج, في تقديري الشخصي, إلى خطة عمل وبرامج وتصعيد مواقف وحدوية بقدر ما تحتاج إلى قناعات وإلغاء للأنانيات والإقصاء الثأري والحزبي وإيمان بالله وبالوطن اكبر من حسابات المصالح واحتمالات الغد المرتبطة بمقاعد السلطة. حّرروا العراق وليمسك السلطة أي عراقي شريف فنحن أبناء البعث العظيم قد وضعنا هدف السلطة تحت أقدامنا فهو لا يساوي شيئا أمام عقيدتنا التحررية القومية الاشتراكية المؤمنة، ويكفينا التحرير هدفا قائما بذاته وبقدسيته ويكفينا أن نعيد جيش العراق ورجال أمنه البواسل بإلغاء قوانين الحل البغيضة ويكفينا أن نلغي الاجتثاث الذي لوّث تاريخ الإنسانية المعاصر على يد العهر السياسي المنتقم من الإرادة الوطنية والقومية. aarabnation@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق