الشارقة في 28 سبتمبر/وام/
انتقد الكاتب الصحفي حبيب الصايغ المعايير المزدوجة والانشطة المشبوهة لبعض المنظمات المرتبطة بالامم المتحدة خاصة بعد ان استطاعت بعض الدول الكبرى / دول المقر/ النفاذ إلى هذه المنظمات والتأثير في قراراتها وخططها وبرامجها.
وهنا نص المقال المنشور بصحيفة الخليج /اليوم..
بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها واكتوى العالم بنيرانها وشهدت أوروبا بنفسها حجم الدمار الذي لحق بها وذاقت مرارة الحرب وويلاتها، تنادت دول القارة العجوز لتأسيس منظمة دولية هدفها الرئيس منع الحرب قبل نشوبها، والعمل على حماية أمن الدول وحقوقها وحل النزاعات بينها بالطرق السلمية، واشتهرت هذه المنظمة باسم عصبة الأمم وبلغ عدد الدول التي انضمت إلى عضويتها 58 دولة .
غير أن إنشاء تلك المنظمة لم يحل دون نشوب الحرب العالمية الثانية التي انتهت العام ،1945 ما دفع الدول الأعضاء فيها وغيرها من بقية دول العالم المحبة للسلام إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وذلك في العام ذاته، والتي تبنت الأهداف نفسها، ومن أهمها حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، ووضعت لذلك ميثاق الأمم المتحدة ، والذي جاء الفصل الأول من هذا الميثاق ليحدد مقاصد وأهداف المنظمة وفي مقدمها حفظ الأمن والسلم الدوليين واتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهددهما، ثم تعزيز العلاقات الودية بين الأمم واحترام مبدأ المساواة بينها، وتحقيق التعاون الدولي في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتقرير احترام حقوق الإنسان .
وتحقيقاً لتلك الأهداف فقد انبثقت عن هذه المنظمة الأم عديد من المنظمات الدولية الأخرى مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو ومنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأونروا وغيرها، واكتسبت هذه المنظمات الصفة الدولية التي تمتعت بها المنظمة الأم بعد أن وقعت معظم دول العالم على ميثاق الأمم المتحدة وانضمت إلى عضويتها .
وقد حقق بعض هذه المنظمات نجاحات ملحوظة، وفشل بعضها، فيما تفاوت أداء بعضها وتأرجح ما بين الفشل والنجاح، بحسب جهود القائمين عليها ورغبة الدول الأعضاء فيها، وحاز بعضها من دون شك، ثقة كثير من الدول الأعضاء خصوصاً تلك العاملة في المجالات الثقافية مثل اليونيسكو، التي لايزال العالم يذكر لها جهودها في إنقاذ آثار معبد أبي سنبل في أقصى جنوب مصر، والحفاظ على التراث العالمي، واتفاقيات مكافحة تهريب الآثار والاتجار بها .
واستمر الحال هكذا إلى أن طرأت بعض التغييرات السلبية على كثير من هذه المنظمات وعلى رأسها مجلس الأمن المنوط به الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وغيره من المنظمات الأخرى، حيث شاب أداءها ما اصطلح على تسميته ازدواجية المعايير أو ما عرف بسياسة الكيل بمكيالين .
والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، وكذلك فقد طغى الهوى وساد الانحياز وجهات نظر القائمين على أمر هذه المنظمات التي من المفترض أنها قامت على مبدأ عدم التفرقة بين الدول والأفراد على أساس من عقيدة أو جنس أو لغة أو عرق .
ومن جانب آخر، فقد استطاعت بعض الدول الكبرى، وبخاصة دول المقر، النفاذ إلى هذه المنظمات والتأثير في قراراتها وخططها وبرامجها، بل إن بعض جماعات الضغط تمكنت من اختراق هذه المنظمات والتأثير في تلك القرارات والخطط والبرامج، لكن الأنكى من ذلك كله، كان استغلال بعض الأفراد من القائمين والعاملين في هذه المنظمات لمواقعهم في تحقيق أهداف أقل ما توصف به، إنها غير منضبطة ولا تتفق مع الأهداف العامة للأمم المتحدة، بل وتكاد تخالفها جملة وتفصيلاً .
وعندما هبت على بعض الدول العربية مؤخراً رياح ما عرف بالربيع العربي ، أبانت هذه الرياح الأغراض غير المشروعة التي تلعبها بعض هذه المنظمات في زعزعة أمن واستقرار الدول، وكشفت الأدوار المشبوهة من ورائها، التي تأتي في إطار ما أطلقت عليه كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة الفوضى الخلاقة ، وهدفها الرئيس إعادة رسم الخريطة العالمية لمصلحة دولة بعينها، بعد أن خلت لها الساحة من جراء انسحاب القطب الآخر من المواجهة، نتيجة لما أصابه من فوضى خلاقة ولكن من نوع آخر عرف باسم البيروسترويكا .
وفي مصر تحديداً، فاحت رائحة الانحراف من هذه المنظمات المشبوهة التي عرفت باسم منظمات المجتمع المدني لدرجة أزكمت أنوف المصريين جميعاً، وحدثت فضيحة كبيرة عندما تحفظت السلطات هناك على عدد من العاملين في تلك المنظمات وكشفت عن دورها في تدريب الشباب على إحداث الفتنة وإثارة القلاقل، ونشر الاضطرابات، ثم كانت الفضيحة أكبر عندما تم الإفراج عن أولئك الذين تم التحفظ عليهم وترحيلهم بليل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعلى متن طائرة خاصة من طائراتها . وقبل مصر كان العراق، ومن بعدها كانت ليبيا، ثم الآن البحرين، وهكذا تكر المسبحة لتتساقط حباتها واحدة تلو الأخرى .
ولم يعد خافياً على أحد أن إماراتنا الحبيبة ليست في منأىً عن هذه الدسائس، وبخاصة مع ما أفاء الله به عليها من أمن ورفاه، ومع ما تنعم به من نهضة ورقي، يصعب على حساد النعمة، ومثيري الفتنة، ومدبري المكائد التسليم به، فيزدادون نقمة مع تزايد النعمة، ويتحرقون شوقاً إلى زوالها، ويتمنون أن تعود البلاد أدراجها إلى الوراء، ولن يحدث ذلك بفضل اتحاد أبنائها وحكمة شيوخها، وتلاحم الجميع، ووفائهم للآباء المؤسسين الذين صنعوا اتحاداً قوي المبنى، عظيم المعنى، شديد اللحمة، قائماً على دعائم الأخوة والنسب والمصاهرة، استوعب دروس التاريخ، ووعى أحداث الحاضر، وعرف مخاطر المستقبل وما يحاك له من مؤامرات، وعقد أبناؤه العزم على عدم السقوط في هوة الخلاف، وعدم الركون إلى الراحة في مواجهة النشاط المشبوه الذي يتهدده ويسعى، غير موفق ولا ناجح بإذن الله، إلى أن يقوض هذه الأركان المتينة .
إن شعب الإمارات، وقد ذاق حلاوة الاتحاد وجنى ثماره، يقدّر تماماً ما قدمته قيادته الرشيدة من تضحيات، وما حازه من مكتسبات على مدار واحد وأربعين سنة خلت من عمر الاتحاد، وما ينتظر منها تقديمه خلال المديد من السنوات المقبلة، يرفض تماماً كل دعاوى الزيف التي يرددها المرجفون، ويقف متراصاً مصطفاً مستعداً للذود عن اتحاده الذي فيه عزة حاضره وإشراقة مستقبله، ويعرف تماماً عواقب الانجرار إلى ما يريده الحاقدون، وما يردده المهووسون من أباطيل وما يدعونه من زيف، ويثق بنفسه وبقيادته، وبقدراته، وقبل ذلك كله يثق بالله الذي أمر بالاتحاد وبالاعتصام بحبله المتين .
والسؤال الآن هو ماذا ننتظر؟ وهل نقف موقف المتفرج من هذه المنظمات وأمثالها لنفاجأ، لا سمح الله، بالنار تصل إلينا؟ وبعد ما ثبت من أن هذه المنظمات التي انحرفت عن أهدافها المعلنة تلعب في المقام الأول على الاختلافات القائمة والموجودة بين أبناء المنطقة وشعوبها من حيث الأعراق والعقائد واستغلالها في تفتيت وحدتها وتجزئتها، فهل نترك أنفسنا وننساق وراء ما تفعله، بدلاً من أن يزيدنا ذلك تماسكاً واتحاداً؟ وبعد ما عرف من الدور البشع الذي يلعبه بعض القائمين على هذه المنظمات وبعض العاملين فيها، هل نترك لهم المجال ليعيثوا في بلادنا فساداً ولو تستروا وراء منظمات أو تمترسوا وراء تنظيمات؟ العاقل اللبيب لن يحتاج إلى أدنى تفكير ليقول وبصوت عال وحازم لا، وألف لا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق