د. أمير البياتي
" مثلما لايمل المعسكر المعادي – معسكر المحتل وأعوانه وعملائه والمنتفعين منه وبه- من تشويه مسيرة البعث العظيم زوراً وبهتاناً متناسين الانجازات العظيمة التي حققها الحزب وهو ينتقل من تحدٍ الى تحدٍ أكبر، ومثلما يُصر الآخرون على النيل من صورة سيد شهداء العصر في كافة مراحل نضاله ويحاولون شيطنته، وينسبون إليه ماليس فيه،،، فإن واجبنا أن لانمل من نشر الحقائق وتوضيح الصور خصوصاً أن هناك دائماً دماً جديداً يدخل الى الشبكة كل يوم وهو يبحث عن الحقيقة حول كل مايسمع ويشاهد، وحرام أن نخسر مثل هذه العناصر بسبب خوفنا من التكرار."
كانت الأشهر الأربع والعشرين التي أمتدت من 8 آب(أغسطس) 1988 يوم الإعلان الرسمي عن الإنتصار العراقي على قوى الشر القادمة من إيران ومن كان يدفع بها الى إطالة أمد الحرب وتغذيتها ويمدها بالدعم التسليحي والدبلوماسي والإعلامي، الى الثاني من آب/1990 يوم دخلت القوات العراقية الى الكويت، كانت هذه الأشهر القليلة حبلى بالتغيرات والتحديات والقرارات التي رسمت تاريخ العراق والمنطقة وربما العالم الى أمد بعيد...
لم يكن خروج العراق منتصراً من حرب الثماني سنوات حدثاً سعيداً للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها. فها هو عراق البعث يزهو بنصر لم يحقق العرب مثله منذ عصر البطولات العربية الغابرة. وتلقفت الجماهير العربية من محيط الأمة الى خليجها هذا النصر العظيم وهي تشم عطره الذكي الذي غاب عن يومياتها لفترة طويلة، وكحلت أعينها بشعاع الفرح الذي كان يتوهج به العراق من أقصاه إلى أقصاه. لقد وجدت الجماهير العربية في النصر العراقي ضالتها التي كانت تبحث عنها من قرون ورأت فيه الأمل الذي قضت السنين الطوال تحلم به وتناضل من أجل تحقيقه. وفوق هذا وذاك فقد وجدت جماهير الأمة قائدها الذي مافتئت تراقب تكونه وتنامي صورته في أحلامها قبل أن تجده في شخص صدّام حسين،،، قائد النصر والسلام والبناء.
وكان لا بد من وضع حد لتنامي الشعور بالقوة والقدرة على الإنتصار لدى الأمة... نعم، كان لا بد من قتل الشعور بالقدرة على الإنتصار لدى العربي الذي أفقده الإعلام المسيس القابلية على الشعور بالنصر بل ومنعه من حتى من أن يحلم بذلك وهو يراوح بين النكبة والنكسة وكان لا بد من سرقة الشعور بالنصر، ولكن الحضور الطاغي لصدّام حسين وهو يحيي تلك الحشود الهادرة من آلاف العراقيين الفرحين في ساحة الإحتفالات الكبرى و يهدي نصر العراق على العدوان الإيراني إلى أمته العربية وجماهيرها من خليجها الثائر إلى محيطها الهادر كسر الحاجز النفسي الكبير وبدأ العربي يتجرأ بأن يحلم بتحرير فلسطين وباقي أجزاء الأمة المحتلة، وبدأ بالجرأة على التفكير بأن وحدة الأمة ليست ضرباً من الخيال!
قلنا كان لابد من وضع حدٍ لهذا الشعور بالقوة وبالثقة بالنفس وكان لابد من إجراء حاسم وحازم وسريع وقاسٍ يمنع الآخرين من مجرد التفكير بتكرار "الفعلة العراقية الشنيعة"!!! ويضرب الأمة في صميم شعورها الواحد،،، وكانت الورقة الإقتصادية هي الورقة التي ستلعب ضد العراق وكانت الكويت هي التي ستكون رأس الحربة في تنفيذ الهجوم الإقتصادي القادم.
كانت الحرب قد ألقت بثقل تكاليفها الإقتصادية الباهضة على عاتق الإقتصاد العراقي المعتمد إعتماداً شبه تام على العائدات المالية للنفط العراقي المصدر الى الخارج. وكانت دول الخليج العربي وهي تستشعر الخطر الإيراني الذي يطرق على أبوابها الخارجية والداخلية قد ساهمت في دعم المجهود الحربي العراقي مالياً تحت شعارات المساهمات الأخوية ظاهرياً،،، وهي في حقيقية الأمر كانت تمنح العراق ما تمنحه تحت باب الدفاع عن النفس!!! وكان يقولون " منّا المال ومنكم الرجال!". ولم تكن القيادة في العراق مستعدة للتضحية برجال العراق دفاعاً عن كراسي شيوخ الخليج، ولكن الأمر كان إلتقاء مصالح ليس إلا. فقد كان العراقيون يجودون بدمائهم دفاعاً عن وجودهم وأراضيهم وحاضرهم ومستقبلهم،،، وإن كان هذا الدفاع يخدم هذا الطرف أو ذاك فهذا لا يمنح العراقيين الحق بالتوقف عن الدفاع عن العراق العظيم... نحن لا نقول أن البعد القومي كان غائباً عن بال القيادة اثناء الحرب، لكن الدفاع عن وجود العراق كعراق حر موحد ومستقل كان في نفس الوقت دفاعاً عن وجود الأمة وركيزة أساسية لتحقيق المستقبل العربي المشرق الذي يناضل الحزب لتحقيقه. وببساطة شديدة كان الدفاع عن العراق هو دفاع عن الأمة، ولم تكن القيادة العراقية لتتخلى عنه حتى لو خدم هذا الدفاع بشكل جزئي هذا الطرف أو ذاك خصوصاً عندماً يكون هذا الطرف بلداً عربياً شقيقاً.
نقول إن مساهمات دول الخليج مالياً في المجهود الحربي العراقي كانت دفاعاً عن دول الخليج نفسها، فهي لم تكن لتمن بمالها على العراق الذي ضحى بدماء شبابه وخيرة كوادره العسكرية والقيادية في حرب ضروس أحرقت الأخضر واليابس. ولكن هذا ما حصل!!! فلم تكن الدماء العراقية الزكية قد جفت بعد ولم يكن العراق قد أغلق ملفات الحرب الكثيرة والمعقدة مع إيران، ولم يكد العراقيون يبدأون بإدارة عجلة التنمية التي تعثرت أثناء الحرب مرة أخرى، حتى بدأت الكويت تطالب العراق بتسديد ديونه المستحقة لها!!! لقد بدأت الكويت الحرب الإقتصادية على العراق مبكراً وساندها في ذلك بعض حكّام الخليج وبدأ ضخ النفط إلى الأسواق العالمية خارج حدود الحصص المقررة وحرمان العراق من أية عوائد إضافية لتغطية نفقات الحرب وبدأت أسعار النفط بالهبوط وعوائد العراق النفطية بالتلاشي. وساهمت الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي تقف خلف المؤامرة كلها وتحرك الدمى من وراء الستارة، في تضييق الخناق على العراق بإعلانها حصاراً إقتصادياً محدوداً بدأ في كانون الثاني/يناير من عام 1990، بعد أن كان الكونغرس الأمريكي قد أصدر قبل ذلك بشهور قليلة قراراً يقيد فيه التعاملات الإقتصادية الأخرى مع العراق. وبدأت خطوط المؤامرة الإقتصادية تتشابك وتكتمل أمام أعين صدّام حسين والقيادة العراقية لتضعهم أمام اللحظة الحاسمة لإتخاذ القرار المناسب.
وكان القرار بمعاقبة حكّام الكويت،،، وكان القرار بدخول القوات العراقية. فهل إبتلعت القيادة العراقية الطُعم وسقطت في الفخ؟؟؟ وهل تسرّع صدّام حسين وغامر بشعبيته من أجل مزيد من التالق وإشباعاً لغرورٍ أو طيش؟؟؟ بل هم كان هناك حساب دقيق لنتائج دخول الكويت؟؟؟ وهل وهل وهل؟؟؟ وماذا كان سيحصل لو لم "يغامر" صدّام حسين و"يغزو" الكويت؟؟؟أسئلة سنحاول الأجابة عنها عندما نستكمل الحديث...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق