الخميس، يناير 06، 2011

البعث وسيادة القاضي







عبد الحليم قنديل
2011-01-02


 
في ذكر البعث : لأول وهلة، يبدو المؤتمر الصحافي الذي عقدته شخصيات قالت انها 'بعثية' في دمشق قبل أيام، وإعلانها الاندماج فيما أسمى 'تيار الانبعاث والتجديد'، وبهدف معلن هو لم شمل أجنحة البعث العراقي في حزب واحد، لأول وهلة، يبدو الكلام جادا، وموحيا بنبل المقاصد .
وبعد الوهلة أو القراءة الأولى، تبدو القصة كلها كمشكلة جديدة، وليست سعيا إلى حل أو توحيد، فكلام الجماعة يخاصم قبل أن يصالح، ويوحي أن حزب البعث العراقي انتهى منذ ما أسماه انقلاب صدام حسين في عام 1979، ويمشي بأستيكة على تراث مرحلة كامله من تاريخ البعث، امتدت لثلاثين سنة إلى الآن، كان الحزب فيها يحكم العراق، ثم تحول إلى حزب سري مقاوم بامتياز بعد الغزو الأمريكي، وقدم في المعركة عشرات الألوف من الشهداء، وعاش محنة الاجتثاث بقانون بريمر الذي ورثه نوري المالكي، وتولى عزت الدوري موقع قيادة الحزب بعد استشهاد أمينه العام صدام حسين، وخلق شبكة هائلة من علاقات الميدان، ونسج صلات تحالف كفاحي مع جماعات المقاومة بامتداد جغرافيا العراق من الشمال الكردي إلى الجنوب الشيعي، وتلك ملحمة هائلة لا يصح أن تكون موضع تجاهل من جماعة الانبعاث والتجديد، التي عقدت مؤتمرها في قاعة مكيفة الهواء بدمشق، وبعيدا عن ميادين الدم والنار والمجد، وتعلن، ببساطة، أنها توافق على الحوار مع نوري المالكي وحكومة الدمى، التي تعتبر حزب البعث عدوها الأول.
ولا أحد يقول ان صدام حسين كان حاكما ديمقراطيا، ولا أي حكم سبقه أو لحقه في العراق مما يصدق فيه القول الديمقراطي، فثقافة الدم وحدها تحكم العراق، وقد أثبت صدام، مع محنة الغزو، أنه وطني عراقي وقومي عربي بامتياز، كان ملكه قد ضاع، لكنه لم يبك كالنساء، ولم يطلب اللجوء فرارا من الميدان، بل قاوم مع حزبه إلى أن تم أسره وإعدامه، ثبت في لحظة الزلزلة، وثبت معه نفر من حزبه هم البعثيون بامتياز، وقادوا مقاومة عظمى فريدة من نوعها في التاريخ الانساني، حطموا بها أنف الجيش الأمريكي أكبر أرمادا عسكرية في العالم، نعم لم يكونوا وحدهم، بل كانت معهم جماعات مقاومة إسلامية ائتلفت من حول هيئة علماء المسلمين ورمزها الجليل الشيخ حارث الضاري، لكن جماعة 'الانبعاث والتجديد' لم تكن هناك، ولم تدفع ضرائب الدم، ولا يحق لها أن تعتلي المنابر، وتلقي الدروس والعظات .
نعم، حزب البعث، وأي حزب آخر، ليس معصوما، وليس مجرد جماعة مقاتلة، وفي مسيرته أخطاء عظمى كما مزايا عظمى، وهو الآن في محنة، وكما تخلق المحن أمما، فهي تخلق الأحزاب أو تعيد خلقها، وقد راجع الحزب سياساته، وتخلى عن فكرة أنه يقاتل ليسترد العرش الضائع، ويحكم بمفرده، تخلى عن فكرة الحزب الواحد والحزب القائد، وقدم، من سنوات، فكرة اتحاد جماعات المقاومة الوطنية والإسلامية، وبناء جبهة واسعة تتولى حكم العراق بعد التحرير لفترة انتقالية، وتنظيم انتخابات عامة حرة يحكم بعدها من يفوز، وعارض العملية السياسية الهزلية التي تجري في العراق الآن، ورفض المحاصصة الطائفية، وطالب الأمريكيين بتعويضات عن تدمير العراق، وهي مطالب كان يجدر بتيار 'الانبعاث والتجديد' أن يلتف حولها، وأن يعطي أولوية مطلقة لالغاء قانون اجتثاث البعث، الذي يعامل البعثيين كعراقيين من الدرجة العاشرة، ولا يعطيهم سوى مصائر القتل أو الحرمان أو التهجير، وتلك ظروف قد لا يصح معها سوى الحوار بالسلاح، وليس الحوار بالكلمات في القاعات المكيفة .
ولا نعرف، بعد ذلك، عن أي 'انبعاث' أو 'تجديد' يتحدثون؟ فليس إلا الموات الأنيق بدعوى الانبعاث، وليس من 'تجديد' في القصة كلها، بل هو التبديد والاستهزاء بدم الشهداء.
' سيادة القاضي: لا أنوي التعليق على حكم قضائي، فالقصة كلها مطعون بها أمام محكمة النقض المصرية، وفي انتظار الإنصاف . كنت طرفا في القصة متهما بصفتي رئيس تحرير سابقا لجريدة 'صوت الأمة' المصرية، وفي دعوى نشر عادية جدا، ومما ينتهي إلى البراءة في العادة، وتعلقت بتحقيق صحافي مصور للزميل أحمد أبو الخير عن 'أفراح الأغنياء'، مخرج سينمائي مغمور قدم بلاغا للنيابة العامة، وعلى سبيل الشكوى من نشر صوره، وهو ينزع قطعة من ملابس داخلية لعروسه، ويغمسها في الخمر، ويلقيها على المدعوين، وفي ترف استفزازي يخاصم العادات المرعية .
لم تكن 'صوت الأمة' هي التي انفردت بنشر الصور، بل أذيعت القصة كلها على فضائيات لبنانية ومصرية، وعلقت عليها جريدتا 'الأهرام' و'أخبار الحوادث' المصريتان، ولم يلجأ المخرج إياه إلى مقاضاة أي وسيلة إعلامية سوى 'صوت الأمة'، وأدلى بأقواله للنيابة معترفا بصحة ما نشرناه، وإن طالب بعقابنا لا نعرف لماذا؟ ما علينا، فالأغرب أن النيابة أحالت الدعوى إلى المحكمة، ومن دون أن تطلبني قانونا، أو تستمع إلى أقوالي، وقالت ـ في جرأة لا تحسد عليها ـ انني اعترفت بالإهمال في الاشراف على النشر، وكأنها استحضرت روحي من دون أن يلحظ جسدي، وسايرتها محكمة جنح العجوزة التي حاكمتني غيابيا، ومن دون أن يتصل علمي بما جرى، وقالت في حكمها، بجرأة تحسد عليها، انها حاكمتني حضوريا، وكأنها هي الأخرى تستحضر الأرواح، ثم كان المشهد العجيب في جلسة الاستئناف، التي حضرتها هذه المرة بدلا عن روحي الهاربة، وقدمنا الأدلة موثقة بالصوت والصورة على صحة ما نشرناه، وكشفنا المخالفات الداهسة لصحيح القانون، وساد اليقين بحكم البراءة، لكن سيادة القاضي اختفى فجأة، وبعد أن أعدوا له المنصة لتلاوة الحكم، وترك ورقة صغيرة تلغي الحكم بالسجن سنة، وتستبقى غرامة العشرة آلاف جنيه مصري، ومن دون بيان لسبب أو حيثية ... واللهم اجعله خيرا.

' كاتب مصري




ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار