الثلاثاء، نوفمبر 09، 2010

نزار السامرائي / للدم العراقي لون احمر أيضا



فنار
للدم العراقي لون أحمر أيضا
نزارالسامرائي
هل أصبح الدم العراقي رخيصا إلى الحد الذي تحصد فيه أرواح الآلاف من العراقيين في طاحونة موت عبثية ومجانية حتى وصل رقم القتلى من هذا البلد منذ الاحتلال وحتى اليوم إلى أكثر من مليون ونصف مليون من العراقيين ، وهل أن الولايات المتحدة التي احتلت العراق وسط أمواج متلاطمة من الوصلات الإعلامية المتصلة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وإقامة النموذج المشع على دول المنطقة ، لا تستطيع حقا وقف مسلسل الرعب الذي يمثل حلقاته ممثلون وكومبارس ينتمون إلى بلدان مختلفة ولكنهم في واقع الحال يحملون جنسية عالمية واحدة هي جنسية القتل للقتل والتعطش لسفك الدماء بثمن يخس معظم الأحيان ،  ولمجرد إطفاء وهج الرغبة في القتل أحيانا أخرى ؟
أمريكا التي اكتشفت خلطة غريبة في حبر طابعة مرسلة على متن طائرة من اليمن إلى شيكاغو قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس ، كيف عجزت عن الكشف على ست عشرة سيارة مفخخة وكانت مركونة في مواضع مختارة لتوقع أكبر قدر من الرعب الجمعي في الشارع العراقي ؟
حكومة المالكي التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بالحديث المزوق عن أكبر النجاحات في تحقيق الأمن على ورق الخرائط المعلقة على الجدران السميكة والمعزولة عن الخارج ، والتي تدير أكبر عدد من أفراد الأجهزة الأمنية قياسا بعدد السكان ، وتنفق عليها أكثر من نصف ميزانية بلد نفطي ، والتي حققت الأرقام القياسية بالإخفاق على الأرض ، هل كانت جادة حقا في إصرارها على المكابرة في استتباب الأمن ؟ أم أنها تصر على تسويق هذه البضاعة الكاسدة في الشارع السياسي وتصدق مزاعمها المغلفة بألوان الإخفاق المطلق على كل الأصعدة ؟
دستور عام 2005 الذي حرم استخدام الجيش في مهمات داخلية ، وحكومات الاحتلال الأربع التي شنعت على الحكم الوطني أنه استخدم الجيش في مهمات أمنية داخلية ، حصرت في الواقع واجب الجيش في مهمات قمع الداخل ومنعه من التعبير عن حنقه وغضبه على تغييب الحقوق وإضاعة الهوية الوطنية ولم يخض معركة واحدة دفاعا عن حقل نفطي أو حفنة رمل أو قطرة ماء مسلوبة ، وحولت الجيش إلى ذراع قمعية بيد مكتب المالكي عن طريق جلب المئات من الضباط الأميين الذين لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم وأنصاف المتعلمين المنحدرين من مليشيات طائفية تحمل موروثا ثأريا مع كل ما هو مخالف لها بالرأي والانتماء السياسي أو المذهبي ، فأدخلوا إلى المؤسسة العسكرية العراقية المعروفة بتقاليدها المهنية العريقة والمحددة الواجبات بالدفاع عن الوطن وسيادته وأمن مواطنيه قيم تلك المليشيات وارتبطوا بمرجعياتها وتمردوا على أوامر آمريهم وقادتهم فعاش الجيش أسوأ مرحلة في تاريخه نتيجة تعدد مصادر التوجيه والسيطرة ، وتحولت المؤسسة العسكرية إلى مليشيا لا تعرف من التقاليد العسكرية إلا البزة الرسمية والمرتب الشهري الثابت والذي يفوق في سلمه مرتبات أساتذة الجامعة المتخصصين .
بعد أن تم إطلاق وثائق وزارة الدفاع الأمريكية عن طريق موقع ويكليكس ، شهد العالم وبتخطيط من الأطراف التي باتت عارية أمام الرأي العام ، في محاولة لصرف الانتباه نحو أحداث بدت مرتبة تماما ، كان في مقدمة تلك المسرحيات غير المحكمة التأليف والإخراج قصة الطرود البريدية الملغومة ، كان ذلك مطلوبا بإلحاح من قبل إدارة أوباما التي فقدت كل الوهج والبريق اللذين رافقا احتفال الرئيس الأمريكي في حفل التنصيب ، فتيقن المواطن الأمريكي أن الرئيس أي رئيس ليس أكثر من مسمار صغير في هيكل السفينة الأمريكية المبحرة في أعالي البحار الهائجة وأن النوايا لن تستطيع وحدها مهما خلصت في أيصال المركب إلى الشواطئ الدافئة ما لم يقترن ذلك بالجدية في العمل والتخطيط لانتشال البلد من أزماته الحقيقية ، ولما كان العام عام اختبار جدي لمدى نجاح السنتين الماضيتين فلا هو خرج من العراق كما وعد ولا أغلق سجن غوانتانامو والأنكى من ذلك أنه تورط في حرب أشباح في أفغانستان وكانت جثث الجنود الملفوفة بالعلم الأمريكي تصل تباعا لتصنع مع أزمة اقتصادية وصفة فشل مثالية لأوباما الرئيس وتسلخه عن أوباما المرشح وأوباما السناتور ، لهذا كله كان ينبغي وعلى طريقة الكاوبوي الأمريكي البحث عن فلم إثارة من طراز خاص يؤكد أن أوباما مستهدف هو أيضا في مجده الخاص ولم تشفع له أصوله الإسلامية في تجنب غضب قوى إسلامية ما زال الشك كبيرا في وقوفها وراء ما يقال إنها تقف وراءه ، وأن أجهزته متيقظة تماما لما يدبر ضد الولايات المتحدة ، فكان الكشف عن الطرود المفخخة ضربا من السحر وتسخير قوى خفية .
أما في مستنقع المأزق الأمريكي أي العراق ، فالصورة تكاد تكون واحدة أو مستنسخة عن أختها ، فجأة يتم احتلال كنيسة سيدة النجاة بعد فشل عملية سطو على بورصة بغداد في واحدة من أكثر مناطق بغداد بعد المنطقة الخضراء تحصينا وأمنا بحكم تواجد مراكز ومكاتب قيادية لتيارات متنفذة داخل الائتلاف الحكومي والمدعوم من المليشيات وأجهزة الأمن والجيش ، وتتسارع الأحداث بصورة دراماتيكية ، فيؤخذ رهائن من المصلين المسيحيين ، وتصدر الأوامر العسكرية الصارمة ( لإنقاذ ) الرهائن مهما كان الثمن ، تنطلق قوات جاهلة بأبسط قواعد العمل العسكري في الظروف المماثلة وتقتل من الرهائن المفترضين أكثر مما كان الخاطفون سيقتلون حتى في حال يأسهم من تحقيق كل مطالبهم ، وانشغل الإعلام المحلي والإقليمي بواقعة الكنيسة ونسي الناس ويكليكس ، وظن المتفائلون أن هذا أسوأ ما يمكن أن يقدمه العراقيون من ثمن لطي وقائع جرائم ارتكبها القاتل نفسه .
لكن الثلاثاء الدامي للمرة الثالثة وربما أكثر من ذلك ، أوصل رسالة حمراء تقول إن أيام الأسبوع العراقي كلها حمراء قانية لا فضل ليوم على آخر إلا بعدد الأضاحي التي تنحر فيه ، حتى تأكد العراقي بأن عليه أن ينهي عرض حلمه على شاشة الأيام من أن بإمكانه ملاحقة مجرمي الحرب والقتلة أيا كانت جنسياتهم وسحناتهم ولغاتهم ودياناتهم ، وجرى السائل الأحمر وتناثرت الأشلاء .
وقيل إذا أردت أن تعرف الجاني فابحث عن المستفيد ، فهل أدى تعدد القتلة إلى صعوبة معرفة الجاني عن كل واقعة ؟
مهما يكن من أمر ، فإن تواصل القتل لا يمنحه شرعية الاستمرار ولا يبيح لأحد أن يسكت عليه ، ومنع الجريمة أولى من اكتشاف الجاني بعد تنفيذ جريمته ، ونشر مئات الآلاف من أفراد الجيش والشرطة دون أن يتمكنوا من منع القتل ، يفقدهم ثقة المواطن بهم ، ونشرهم بعد وقوع الحدث لا يخفف من آلام المواطن شيئا بل ربما سيفاقمها وربما سيجر معه سقوط ضحايا جدد بسبب حالة الشد العصبي الذي يسود المزاج العام بعد وقوع الحوادث .
وبعد كل هذا ما تزال الحكومة تتحدث عن نجاحات في فرض الأمن في العراق ، وهذه جرأة على الحق لا نظير لها بل وتحسد عليها ، ولو أن أقل القليل مما يحصل في العراق قد حصل في بلد آخر تحترم الحكومات مسؤولياتها تجاه المواطن لكانت قد سقطت عشرات الحكومات قبل أن نسمع بوقوع حادث جديد يسقط فيه ضحايا .
 
 


--

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار