السبت، نوفمبر 10، 2012

حكومة المنفى السورية ....عبد الباري عطوان





2012-11-09




هذا الحراك غير المسبوق على صعيد ملف الأزمة السورية الذي نرى إرهاصاته في اكثر من مكان، وفي اكثر من شكل، لا يمكن الا ان يتأتى في اطار وجود 'مشروع ما' جرى التحضير له في غرف مغلقة لتحقيق احد هدفين، الاول: اسقاط النظام بالقوة العسكرية ، داخلية (المعارضة المسلحة)، او خارجية (التدخل العسكري). الثاني: هو التفاوض معه من اجل التوصل الى حل سياسي. 
هناك مؤشران فيما يتعلق بالهدف الاول لا بدّ من التوقف عندهما، ومؤشر ثالث يمكن من خلاله ترجيح الهدف الثاني. 
نشرح اكثر ونقول ان التصريحات التي ادلى بها ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وقال فيها ان بلاده تدرس تسليح الثوار في سورية بصورة مباشرة، واهمية هذا التحول الخطير في الموقف البريطاني تنبع من كون رئيس وزرائها لا ينطق عن هوى، وغالبا ما يردد، او يمهّد، لموقف امريكي في هذا الصدد. 
واذا ربطنا هذه التصريحات بعودة الحديث بقوة عن اقامة مناطق آمنة في شمالي سورية، حيث يسيطر الجيش السوري الحر، والجماعات الجهادية على مدن وارياف ومعابر حدودية، فإن الصورة تبدو اكثر وضوحا. 
الاجتماعات المكثفة للمعارضات السورية التي تحتضنها الدوحة هذه الايام، تنفيذا لاقتراحات السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، وبعض القوى الاقليمية، لتكوين جسم جديد جامع يمثل الداخل والخارج، ربما يكون بهدف التفاوض على حل سياسي مستقبلا اكد عليه المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي. 
اللافت ان التيار الثالث الذي يتمتع بوجود قوي على الارض، ونعني بذلك الجماعات الجهادية المتشددة، غير ممثل في اجتماعات الدوحة، الأمر الذي سيثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى التزام هذا التيار بأي اتفاقات او هياكل جديدة للمعارضة ومبادراتها. 
' ' '
مهمة توحيد فصائل المعارضة قد تكون اصعب من اطاحة النظام في دمشق، فمعظم المشاركين يعتقدون انهم الأكثر تأهيلا واستحقاقا للقيادة من غيرهم ، وهذا ما يفسر 'حرب المبادرات' التي اشتعل فتيلها يوم امس في اروقة فندق الشيراتون في الدوحة، ويحاول اطفاءها المستر روبرت فورد، السفير الامريكي السابق في سورية، الذي يعتقد البعض انه يلعب دورا مماثلا لدور الجنرال بول بريمر الحاكم العسكري الامريكي الاول للعراق في ايام الاحتلال الاولى. 
القوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة تريد حكومة منفى تضم كفاءات سورية، وتشكل قاعدة تمثيلية واسعة، لتولي السلطة فور سقوط النظام على غرار ما حدث في ليبيا، ولكن التجربة الليبية ليست وردية تماما، فبعد عام على سقوط نظام العقيد القذافي وقتل زعيمه، ما زالت الاوضاع متوترة على الارض بسبب غياب المصالحة الوطنية، وتفاقم الصراعات القبلية والمناطقية،واستفحال قوة الميليشيات المسلحة. 
ومن هنا فإن السؤال الأهم سيظل حول مدى قدرة الكيان السوري الجديد الذي تتبلور ملامحه في الدوحة، على السيطرة على الاوضاع على الارض في سورية، خاصة الكتائب المسلحة، ناهيك عن الجماعات الجهادية، وفرض الانضباط عليها، والالتزام بتعليمات القيادة السياسية الجديدة. 
صحيفة 'نيويورك تايمز' الامريكية نشرت تقريرا مرعبا في عددها الصادر امس عن 'تجاوزات' التنظيمات المسلحة في المناطق 'المحررة' مثل الإعدامات الميدانية للجنود الاسرى بدم بارد، وتنامي حالة من خيبة الأمل في اوساط قطاعات من الشعب السوري المؤيد للثورة المسلحة، بسبب هذه التجاوزات الموثقة بالصوت والصورة. 
تقرير الصحيفة المذكور وما تضمنه من معلومات حول التعذيب والإهانات والإعدامات لا يمكن ان يكتب مثله اشهر كتّاب النظام السوري واكثرهم قدرة على الفبركة وتشويه الحقائق، ولا نعتقد ان صحيفة 'نيويورك تايمز' موالية للنظام او بوق من ابواقه. 
'ابو احمد' احد مواطني مدينة معرة النعمان قال للصحيفة 'ان متحف الموزاييك تعرض للنهب اولا من قوات النظام، ثم بعد ذلك من قبل الجنود المتمردين' وكأنه يريد ان يقول ان لا فرق كبير بين الطرفين. 
' ' '
الأزمة السورية وبعد عشـــرين شهرا تـــــزداد تعقــــيدا، وتغرق اكثر فأكثر في الحلول العسكرية من قــــبل الطرفــين المتحاربين على الارض، وان كان وصول التفجيرات الى قلب دمشق، والقصف الى القصر الجمهوري وحي المزّة الراقي، لا يحمل فألا طيبا للنظام. 
عندما يقول الرئيس بشار الاسد انه ليس دمية وانه صنيعة سورية، وسيعيش ويموت في سورية، وعندما يقول المتحدثون باسم المعارضة انهم لن يتفاوضوا مع نظام ملطخة يداه بدماء الشعب السوري، فإن علينا ان لا نتوقع نهاية قريبة لسفك الدماء، ونتيقن ان هذه الأزمة ستطول. 
ربما تنجح اجتماعات الدوحة في تحقيق اهدافها في تشكيل حكومة المنفى برئاسة رياض سيف او غيره، بفعل الضغوطات الامريكية والخليجية على فصائل المعارضة، ولكن اي سورية ستحكمها هذه الحكومة اذا ما وصلت فعلا الى السلطة، وكيف ستكون هويتها الجغرافية والبشرية ونسيجها الاجتماعي، ثم كيف سيكون الوصول الى السلطة،عبر التدخل ام التسليح الخارجي، وما هو المقابل؟ 
لا نعتقد ان احدا يملك الإجابة على هذه التساؤلات، او يريد التفكير فيها في الاساس، فإذا كانت السيدة كلينتون اكتشفت وبعد عشرين شهرا ان قيادات المجلس الوطني السوري تعيش في المنفى ولا تعرف البلاد منذ اربعين عاما، فهل ستملك إجابات كهذه؟ نشك في ذلك كثيرا. 

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار