بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
شبكة البصرة
القس لوسيان جميل - تلكيف - نينوى
قرائي الأعزاء
بين الأخبار القصيرة التي نجدهـا يوميا علـى موقع ياهو فرنسا، وجدت هذا الخبر المنقول عن L'Express:Fr، والذي سأترجمه من اللغة الفرنسية وأعلق عليه، بما يستحقه لأهميته.
اما هذا الخبر فيقول: قرآن مكتوب (مخطوط) بدم صدام حسين يزعج العراق. ويردف كاتب الخبر قائلا: ان هذا الكتاب المقدس المخطوط بدم صدام حسين قد بقي مخبأ خلال سبع سنوات. ثم يواصل قائلا: فهل يكون على المسئولين ان يعرضوه امام الجمهور ام يتلفوه؟ فهناك ذخيرة Relique خاصة جدا مخبأة داخل قاصة عائدة لجامع يقع شرق بغداد، اذ في نهاية التسعينيات كان صدام حسين قد عمل على ان يتم خط نسخة قرآن بــ 27 لترا من دمه، أخذ منه تدريجيا خلال سنتين. فهذا الكتاب المقدس، المخفـي منذ سقوط بغداد عام 2003، وان كان كتابا مشئومـا، فهو يضايق القيادات العراقية فـي الوقت الحاضر، كما تقول صحيفة الغارديان اليومية. ثم يتساءل صاحب الخبر قائلا: فهل يجب اتلاف "قرآن الدم" هذا، كما حدث مع تمثال صدام حسين الضخم الذي حطمه الجنود الأمريكـان في نيسان 2003، ام يجب الاحتفاظ به "كعلامة لوحشية صدام"، كما تساءل علي الموسوي الناطق باسم رئيس الوزراء نوري المالكي؟ ثم ينهي الكاتب كلامه قائلا: ففي كل البلد، القصور والتماثيل والصروح تواصل التذكير بعقدين من الدكتاتورية التي يحاول العراقيون في الوقت الحاضر ان يضعوها وراءهم. هذا وقد التقت الغارديان مع الخطاط عباس شاكر جودي البغدادي، الذي هو مقيم اليوم في الولايات المتحدة، والذي صرح بخصوص سنتين امضاهما بخط "قرآن الدم"، بأن تلك كانت حقبة مؤلمة بالنسبة لي وأريد ان انساها.
(انتهت ترجمة الخبر).
التعليق:
بدءا احب ان ابدأ تعليقي الخاص بكلام يقول:
مهما كانت مشاعري الخاصة تجاه شخص الشهيد صدام حسين، إلا ان تعليقي هذا، ينبع من تمسك مبدئي وأخلاقي بشخص كان ولا زال رئيس دولتي الشرعي الذي اغتالته يد الشر الأمريكية، وليس غيرها، بتأييد اوربي وغير اوربي واضح، وصمت عربي مشبوه. أقول ليس غير امريكا من اغتال صدام حسين بجبن ونذالة، لأن العراقيين الذين حاكموا الشهيد صدام حسين ونفذوا به حكم الاعدام، لم يكونوا اكثر من اناس منفذين لعملية الغدر، بدافع الكراهية التي كانوا يحملونها لهذا الرجل وللعروبة التي كان يحملها، في وقت كان المد الديني، ولاسيما المد المذهبي الخميني، الذي تحول الى مد طائفي، قد تصاعد كثيرا، لأسباب لسنا الان بصددها.
وعليه اقول الآن :
باني لا ارى في الاعتداء على شخص الشهيد صدام حسين اعتداء على العراق كدولة ووطن فقط، ولا ارى فيه اعتداء دوليا وأمريكيـا على الحزب الذي كـان ينتمي اليه الشهيد صدام حسين، حزب البعث العربي الاشتراكي، حسب، لكنني ارى فيه اعتداء على كل مواطن عراقي، ومنهم كاتب هذه الاسطر التي يبغي من كلامه هذا القاء الضوء على بعض كتاب الغرب وإعلامييهم المضللين الأشرار،
هذا اذا لم نقل ان اغتيال صدام حسين، كان بالفعل اغتيالا لدولة العراق الشرعية، وانه كان اعتداء علـى كل العرب وعلى كل المسلمين، لا بل كان اعتداء على البشر اجمعين، ايا كـان دينهم ومذهبهم وانتماؤهم الاجتماعـي، لأن هذا الاعتداء جاء وفق ارادة شريرة همجية ضربت كل ما هو ثابت وأصيل وسام عند البشر من قيم بشرية وظيفتها اخراج البشر من فوضى شريعة الغاب المتحللة من اية اخلاق انسانية مشتركة بين البشر، هذه الأخلاق التي تعد العامل الأساس في أنسنة الانسان.
والجدير بالذكر هنا هو اني قد سبق وقلت اكثر من مرة في كتاباتي بأن الأمريكان كان يهمهم القضاء على العروبة اولا قبل قضائهم على التوجه الاسلاموي مثلا، سواء كان سنيا ام شيعيا، فالهوية العربية هي التي كانت تخيفهم وتؤرقهم، مثلما صار يخيفهم ويؤرقهم كل ما يذكر بهذه الهوية التي كان يحملها رجل مبدئي عنيد اسمه "صدام حسين"، كما كـان يخيفهم ويؤرقهم كـل من كـان يحمل هذه الهوية بقوة، أي البعثيون الذين نالوا القسط الأوفر من الاستهداف والتصفية قبل وأثنــاء وبعد الاحتلال الأثيم.
هذا وقد سررت كثيرا عندما وجدت البارحة من يتكلم عن هذه الحقيقة بشكل ادبي منظمومعقول بشخص الكاتب السيد سلام الشماع.
ومن هنا بالتالي نجد هذا الحقد الاسود عند من سماه الصحفي المتجني على القرآن الكريم المخطوط بدم الشهيد صدام حسين، بـ "قرآن الدم" محرضا على ان ينال هذا القرآن ما نال تمثال صدام من مصير، أي الاتلاف، من خلال تساؤل خبيث يضعه كاتب الخبر على لسان من نصبهم الاحتلال حكاما على العراقيين، فضلا عن وضعه على لسان انتهازي هو خطاط هذا القرآن الذي لا يقلق العراقيين، كما يريد ان يفهم الكاتب الخبيث قراءه الغربيين، لكنه يقلق فقط اشباه العراقيين الذين قبلوا ان يحكموا العراق بالوكالة عن المحتل ونيابة عنه، وبحسب توجيهاته، فهؤلاء يؤرقهم حقا كل ما يذكر بصدام حسين من اشخاص ورموز.
لذلك انا لا اعتقد انه يفيد احدا ان يقفز من فوق الحقائق الدامغة ويحصر صفة العراقية بمن ليسوا عراقيين سوى بالجنسية، لأن العراقي، ايا كان اسمه، لا يفعل ما فعله هؤلاء ببلدهم. لذلك فان الكاتب الحاقد على العروبة وعلى الاسلام وعلى صدام حسين يكذب كثيرا ويحاول ان يضلل قراءه عندما يقول بان العراقيين يحاولون ان يضعوا تاريخ صدام وتاريخ البعث وراءهم، في حين ان من يحاول ذلك هم المحتلون وأعوانهم وليس غيرهم.
اما حقد العالم الغربي والعالم الاوربي، سواء نجده عند السياسيين او عند غالبية الصحفيين والإعلاميين الغربيين، فهو حقد له جذوره الماديـة المعروفـة، ولذلـك هو حقد اسود يظهر في كل كلمة يقولونها، ضد العروبة ورجالها وضد الاسلام ورجاله ايضا، مقتنصين كل ما فيه مجال للالتباس والضبابية (الضباب عرس الذئاب)،
لكي يطعنوا ويشيطنوا حاملي الهوية العراقية بأبعادها القومية والإسلامية والحضارية، كما يحدث في الخبر الذي ترجمته لحضرتكم، ظنا منهم انهم هكذا يستطيعون ان يعطوا الشرعية لاحتلالهم وهمجيتهم وقلة اخلاقهم ولصوصيتهم الاقتصادية ونهجهم في نهب خيرات الآخرين، ومنهم خيرات العراقيين.
وفي الحقيقة ان ما جذب انتباهي في هذا الخبر بالدرجة الأولى لم يكن العنوان نفسه: قرآن مكتوب بدم صدام حسين يزعج العراقيين، ولكنه كان الطريقة المشبوهة الحاقدة التي تناول فيها كاتب الخبر خبره هذا، لاسيما وأن الخبر نفسه ليس جديدا علـى العراقيين، لأننـا كنـا نعرف من زمن بعيد ان الشهيد صدام حسين كـان قد كلف احد الخطاطين، كما هو مذكور في الخبر، فـي ان يخط له نسخـة مـن القرآن الكريـم بدمـه.
فمـا ازعجني بالحـق والحقيقـة في هذا الخبر، هو الكلمات السيئة والمشبوهة التي دسها كاتب الخبر لوصف هذا القرآن وتكرار هذه الكلمات اكثر من مرة، ليس فقط من اجل القاء شبهة العنف على القرآن الكريم نفسه، ولكن ايضا من اجل القاء شبهة الوحشية على الشهيد صدام. فقد وصف الكاتب المخطوط بـ "قرآن الدم" اكثر من مرة le Coran du sang، كما استخدم كلمة Macabre (مشئوم او ما يشير الى الموت) لوصف هذه المخطوطة، على الرغم من انه وصف هذا القرآن بالذخيرة ايضا.
اما الامور الأخرى فقد كانت مجرد تحريض على اتلاف هذا المخطوط،، كما فعل الأمريكان بتمثال الشهيد صدام يوم غزوا العاصمة بغداد. فكاتب الخبر الحاقد يعرف جيدا، وبحسب تصريحه ذاته، ان العراق ممتلئ بذخائر صدام، ولكن مع ذلك يعتبر ان هذه الذخيرة ذخيرة خاصة يجب اتلافها. طبعا هو لا يقول يجب اتلافها، ولكن يضع ذلك على شكل تساؤل على لسان السيد الموسوي الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء نوري المالكي، كما يضع رغبة اتلاف هذه الذخيرة على لسان الخطاط نفسه، دون ان يتساءل ما هي قيمة كلام يقوله خطاط يقبع الان في ارض المحتلين: امريكا، وماذا يمكن ان يقول شخص مثل شخص الموسوي عن هذا القرآن، بعد ان دأب الكاتب الحاقد على حصر صفة العراقي بمن يعبث اليوم بالعراق، من خلال ما يسمى العملية السياسية التي ليست اكثر من تجمع غير متجانس من كل من يقبل ان يحكم البلد تحت الامرة الدائمة للمحتل، كما دأب الكاتب على تسمية هؤلاء الذين قبلوا خدمة المشروع الأمريكي العدواني بالعراقيين، في حين انه يتجاهل وجود العراقيين الحقيقيين الرافضين للاحتلال، من طراز الذين اذاقوا المحتلين الأمرين ودمروا عنجهيتهم، كما اجبروا وكلاء المحتل ان يختبئوا وراء اسيجة كونكريتية في العاصمة بغداد، ومناطق اخرى في المحافظات اسموها المناطق الخضراء، من باب التضليل والتعتيم على فشلهم المحقق.
وهكذا فان ما ينفرنا اكثر من الكاتب :
هو انه لم يستطع ان يتحلى بأي قدر من الموضوعية، ولم يستطع ان يناقش، بينه وبين نفسه على الأقل، المفردات التي استخدمها ضد قرآن صدام وضد الشهيد صدام نفسه، لأن مقارنة بسيطة بين وحشية المحتلين والوحشية المزعومة التي ينسبها الكاتب مجانا لشخص صدام بدون تورع، تجعل من اعلاميي الشر الغربيين مسوخا بشرية مقززة.
كما ان الكاتب، وإمعانا فـي الدجل والكذب والشر يحـاول عبثا تبرئة المحتليـن من جريمتهم ووحشيتهم، في العراق وفي غير العراق، بلصق تهمـة الوحشية بصدام حسين، لكي يعطي " المشروعية المستحيلة " للمحتلين وأعوانهم.
فالعراقيون، ايها السيد الكاتب الغشاش، ليسوا محتارين بنسخة القرآن المكتوبة بدم الشهيد صدام حسين، لأن العراقيين لا يمكن ان يحتاروا اصلا بأية نسخة من نسخ القرآن الكريم، فكم بالأحرى اذا كانت هذه النسخة مكتوبة بدم رئيس دولتهم الشرعي الذي اغتالته اياديكم الشريرة؟ لذلك نقول: ان المحتلين وحدهم وأزلامهم محتارون ولا يعرفون ماذا يفعلون بهذه النسخة القرآنية، لأنهم قد فقدوا التحسس بالأمور الانسانية النبيلة والمقدسة، ولأنهم يشعرون بأن هذا القرآن سيكون حكما عليهم، وديانا لأعمالهم الشريرة في الدنيا وفي الآخرة، بسبب ما فعلوه بالعراقيين الشرفاء الابرياء من اضطهاد وتنكيـل، وبسبب الخيانة الوطنية التي ارتكبوهــا، في حين لا يعني خط القرآن بالدم إلا امرا واحدا: وهو العهد على الدفاع عن العراق حتى الاستشهاد.
وفي الحقيقة ان دراساتنا الأنثروبولوجية ترينا ان امورا كثيرة كانت في الماضي تصدق بالدم، لان الناس في ذلك الزمن كانوا يحتاجون الى رموز حية وناطقة تعبر عما يضمرون. فالدم يرمز الى الحياة اكثر مما يرمز الى الموت، الأمر الذي لا يمكن ان يفهمه صحفي لا هم له سوى مصلحته الصحفية، ولو كان ثمن هذه المصلحة الكذب والدجل والافتراء.
وهنا لا ننسى ان العهد القديم قد دشن بالدم، دم الخروف الفصي، كما دشن العهد الجديد بدم يسوع المسيح، الذي لولاه لكانت بشارته اقل قوة وتأثيرا.
كما علينا ان لا ننسى ان جميع الشهداء في كل الأديان بذلوا دمهم مهرا لقضية عزيزة مقدسة لديهم، كما بذل كثير من المحبين دمهم من اجل من كانوا يحبون، اذ ليس حب اعظم من ان يبذل الانسان ذاته من اجل احبائه، كما يقول السيد المسيح في انجيل يوحنا، وبالتالي ليس حب اعظـم من ان يبذل الانسان دمه من اجل مبادئه ورسالته الانسانية التي يؤمن به. ولكن هل يفهم اعداء الانسان هذا الكلام؟
ولذلك فان العمل الذي قام به صدام حسين لا يدل على الوحشية، كما يريد كاتب الخبر الذي نحن بصدده ان يقوله لنا. فما قام به الشهيد صدام حسين يسمى في الدراسات الكتابية الأنثروبولوجية بـ "العمل الرمزي"، Acte symbolique، وهو فعل معروف في جميع الحضارات الانسانية القديمة والحديثة، اما العمل الرمزي المكتوب بدم رئيس دولة مهددة فواضح وضوح الشمس، لكل من له عينان تبصران وقلب يفهم ويحس بقيمة الأشياء الانسانية العظيمة، لان هذا العمل الرمزي يعني قبول من قام به بالموت اذا اقتضى الأمر في سبيل القيم التي يفرضها هذا العمل. كما يمكن اعتبار ما قام به الرئيس الشهيد قبولا "استباقيا" في قبول الموت في سبيل القيم الانسانية والدينية المذكورة، وهو تعهد ونذر امام الله بأن يكون المتعهد جاهزا ومستعدا لقبول الموت متى فرض عليه دون تردد.
وعليه فان خط قرآن بدم الشهيد صدام لا يعني الوحشية كما يريد الأشرار السطحيون ان يفهمونا من خلال تأويلاتهم. وإنما يعني قبول الشهادة لا اكثر ولا اقل. وهنا نقول: قد يحاول التافهون والفارغون من الروح والقيم الانسانية النبيلة ان يتخلصوا من هذا القرآن الذي يخيفهم ويزعجهم حقا، غير انهم واهمون كثيرا، لأن التخلص المادي من القرآن المكتوب بدم الشهيد صدام لا يعني تخلصا من المعاني التي تمثلها هذه النسخة من القرآن، التي لا تأخذ حقيقتها المقدسة من دم الشهيد صدام، ولكن الشهيد صدام يأخذ منها حقيقته الانسانية العظيمة.
فضلا عن هذه الاعتبارات، ومن خلال المعاني اعلاه، يمكننا ان نسوق القاعدة التالية ونقول:
اذا استطاع العتاة ان يتخلصوا من مادية قرآن صدام بحرقه او اتلافه مثلا فانى لهم ان يتخلصوا من المعاني التي يحويها هذا الكتاب المكتوب بدم شهيد، اسمه الرئيس صدام حسين.
وانى لهم ان يتخلصوا من شخص كان في حياته وظيفة وخدمة فدائية في سبيل الوطن كما صار الان خدمة ووظيفة انثروبولوجية رمزية بعد مماته. وفي الحقيقة نحن هنا ضمن ظاهرة انثروبولوجية معروفة تقول: "لا تخافوا ممن يستطيع ان يقتل الجسد (وكل ما هو مادي) فانه غير قادر على قتل الروح. ان هذا الكلام قيل عن المسيحيين الاوائل ولهم، وهو يصح تماما على كل انسان يقبل ان يموت من اجل مبادئ الحق والخير، ومنهم الشهيد صدام حسين."
26- 12- 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق