الخميس، يناير 15، 2009

خطابَيِّ الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم... الرسائل والانتقادات!



الجزء الاول
شبكة البصرة
سعد داود قرياقوس
ندرك بأنَّ ثمَّة من يستحيل إقناعهم بجدوى أيَّة خطوة يخطوها حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته، ويصعب عليهم قبول ما يصدر عن الحزب من قرارات ومواقف بصرف النظر عن نوعيتها أو صوابها وأهمَّيتها. فهذه الفئة، للأسف معبَّئة ومهيَّأة نفسيًّا للرفض التلقائي لكلِّ ما قد يصدر عن الحزب دون منح الحزب وأنفسهم فرصة التعامل الخلقي والتقييم الموضوعي للموقف أو القرار.
كما ندرك حقيقة وجود تجمُّعات لا يتجاوز رأسمالها السياسي معاداة الحزب وقيادته ومعارضة سياساته. فأصحاب هذه التجمُّعات يستمدِّون شرعيَّة وجودهم من المجاهرة بمواقفهم المعادية للحزب، والمزايدة على مواقفه. وندرك أيضًا وجود من ينفي دور الحزب ومقاومته في التصدِّي لمشروع الاحتلال ودحره، لا بل يلغي دوره التاريخي وإنجازاته الوطنيَّة والقوميَّة. وجود مثل هذه المواقف السلبيَّة حالة طبيعيَّة لا تثير القلق، فما من حركة استقطبت كلَّ الآراء، وحازت التأييد المطلق. وما من حزب استقطب برنامجه جماهير شعبه قاطبة.
دوافع هذه المواقف السلبيَّة من الحزب ودوره الوطني والقومي، بعيدًا عن تسقيط الآخرين وتحجيمهم، قديمة ومشخَّصة، ويسهل إرجاع أسبابها إلى عوامل متعددِّة لعلَّ أهمُّها: عدم القدرة على التخلُّص من تأثيرات الصراع السلبي بين القوى السياسيَّة العراقيَّة خلال العقود الخمسة الماضية، والانغلاق الفكري، و ضعف الإدارة السياسيَّة، وغياب النهج الاستراتيجي، والعجز عن التعامل مع تطوُّر مراحل الصراع وإدراك المتغيِّرات السياسيَّة، وقصورٌ في فهم ضرورات المرحلة الوطنية، وتأثير الإعلام المعادي للعراق والحزب. بالإضافة إلي القراءة الخاطئة وغير الموضوعيَّة لخطاب الحزب السياسي، والنرجسيَّة وحمَّى البروز والنجوميَّة. وللأسف، عوامل تعود إلي ترسُّبات عنصريَّة ونزعات طائفيَّة مغلفَّة بشعارات سياسيَّة وتعصُّب سياسي وعقائدي.
بصرف النظر عن خطأ تلك المواقف أو صوابها أو دوافعها، فإنَّ لأصحابها الحقَّ في تحديد مواقفهم الشخصيَّة أو الحزبيَّة من قيادة حزب البعث وقراراتها. ولهم حقُّ تقييم الحزب ودوره الوطني وفقًا لمعاييرهم ورؤاهم. نعم، من حقِّ الجميع تبنِّي المواقف المنسجمة مع قناعاتهم الشخصيَّة، أو تلك التي تتطابق مع حساباتهم السياسيَّة. لكن معارضة سياسات الحزب ومناقشة برامجه وبياناته و مواقفه شيء، وتزيف الوقائع وتحريف الحقائق واختلاق الأحداث وتوجيه الاتِّهامات الكاذبة والرخيصة شيء آخر.
وإذا كان بالإمكان تشخيص دوافع الطارئين على الحركة السياسيَّة العراقيَّة، وتفسير هوس الكتًَّاب الهامشيِّين الباحثين عن رصيد ومكانةٍ سياسيَّة بصرف النظر عن مستوى الوسيلة الأخلاقي، فكيف يمكن تعليل نهج مَن يقدِّمون أنفسهم بديلاً سياسيًّا متطوِّرًا، وخيارًا وطنيًّا متميِّزًا في برنامجه ونهجه وسياقاته؟
نورد أدناه نصِّ تعليق موقع "البديل العراقي" المعبِّرعن موقف التيَّار السياسي الذي يتزعَّمه السيِّد عبد الأمير الركابي، الذي استُهلَّ به خطاب المجاهد عزَّة إبراهيم، كانموذج للتحريف الإعلامي والابتعاد عن التقييم الموضوعي واللجوء الى اساليب مدانة اخلاقيا في التهجم على مناضلين معروفين، تاركين للقرَّاء الكرام تشخيص دوافع الموقع وإدارته وأصحابه ومستواهم الاخلاقي، مع الرجاء البحث عن عبارة : "المستقر" في نصِّ خطاب المجاهد عزَّة إبراهيم، حيث تم إحلال عبارة المستقر بدلا عن عبارة المستقل، علمًا بأنَّ هذه ليست المرَّة الأولى التي تقدم فيها إدارة الموقع المذكور على تحريف العناوين وتزييف مضمون الأخبار المتعلِّقة بحزب البعث ومقاومته.

تعليق "البديل":
"لقد بلغت مساومات عزَّة الدوري وعروضه المغرية للمحتلِّين "في طور أوباما خصوصًا" وبهدف استعادة سلطة القتل والقمع درجة الابتذال حقًّا ممَّا لا يستدعي التعليق المسهب.
الجديد الوحيد ربَّما في عرض عزَّة الدوري الجديد - ومعذرة للتكرار- هو أنَّه يريد من أوباما أن يسلِّمه العراق بشرط أن يكون مستقرًّا لكي يقيم معه أفضل العلاقات الاستراتيجيَّة فورًا، وفي هذا اعتراف من الدوري بعدم قدرته هو وملاينه العشرة في مقاومته - الحسبة على ذمَّة الحرامي صلاح المختار - على السيطرة على العراق وشعبه بعد اليوم، ولذلك اشترط أن يكون العراق قبل التسليم مستقرًّا وهادئًا وحبَّابًا (حار ومكسب ورخيص).. ههههه يا ذكي يا عزَّة الدوري، إذا كان أوباما قادرًا على جعل العراق مستقرًّا فلماذا ينسحب منه ويسلِّمه لأمثالك؟ إنَّه سؤال على قَدْ عقليَّتك التي أنتجت هذا العرض التجاري وهذه المساومة المضحكة. ومِشِّ بوزك كما مَشَّى عملاء الاحتلال الطائفيُّون السنَّة والشيعة والأكراد أبوازهم أو يكادون، فالعراق المتحرِّر من الاحتلال ومن دكتاتوريَّتكم البغيضة لشعبه الحرِّ فقط، لا غير."

الهدف من هذه المساهمة يكمن في تقديم قراءة موضوعيَّة لخطابي المجاهد عزَّة إبراهيم، وعرضًا تحليليًّا موجزًا لما أثاره من ردود أفعال ومواقف، بالإضافة إلى مناقشة ما وُجِّه للخطابين من انتقادات. لكن قبل عرض الخطاب الأوَّل وتأثيره، وَ مناقشة منتقديه، أرى من الضروري تثبيت عدد من الملاحظات. دون أن نبخس منتقدي الخطابين حقوقهم. لا بدَّ من الإشارة إلى ضآلة حجم الردود السلبيَّة مقايسة بحجم الردود الإيجابيَّة، والترحيب الواسع في الرسائل و المواقف الواردة في الخطابين. هذا لا يعني عدم وجود تحفُّظات على بعض فقرات الخطابين، قدَّمها أصدقاء رفاق من التنظيمات السياسيَّة المقاومة للاحتلال. الملاحظ أيضًا أنَّ أكثر الردود مغالاة في سلبيَّتها وفقدان موضوعيَّتها، صدرت عن تجمُّعات سياسيَّة لا حضور لها في ميدان الصراع داخل الوطن، وذات ادوار تكاد تكون معدومة في الصراع الأساس مع العدوِّ المحتل، ويقتصر دورها على مساهمات إعلاميَّة خارج القطر يتناسب عكسًا مع حجم ضجيجها. كما و يلاحظ عدم صدور أيَّة مواقف سلبيَّة عن فصائل المقاومة الأساسيَّة على مضمون الخطابين.

الخطاب الأوَّل للمجاهد عزَّة إبراهيم:
وجَّه الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي خطابًا تاريخيًّا تضمن جملة مواقف تعبويَّة ورسائل سياسيَّة مهمَّة، منها رسالة واضحة المعنى والهدف للإدارة الأمريكيَّة ورئيسها مجرم الحرب جورج بوش، بالإضافة إلى توجيه دعوات محدَّدة لمقاتلي الحزب والمقاومة وتوجيهات ميدانيَّة مهمَّة. كما أكَّد الأمين العام في خطابه المواقف مبدئيَّة والراسخة للحزب من المقاومة والتحرير.
أثار الخطاب، كما سبق وأسلفنا جملة ردود أفعال بعضها إيجابيَّة وغيرها سلبيَّة. ما يهمنا هنا استعراض السلبيَّة منها والردُّ عليها. غالبيَّة ما وجِّه من نقد، تركَّزعلى جانبين فقط من الخطاب، وأهمل الجوانب الأخرى مع أهمِّيَّتها. ركَّز المنتقدون أولاً على صيغة التخاطب التي استخدمها المجاهد عزَّة إبراهيم في رسالته إلى المجرم جورج بوش، وثانياً على دعوته المقاومين إلى عدم تعميم التعرُّض إلى جميع منتسبي "أجهزة السلطة،ممَّا يسمَّى "الجيش والشرطة والصحوات والإدارة"، وضرورة التفريق بين مؤسَّسات الاحتلال ورموزه وعملائه وبين المواطنين المنخرطين في تلك المؤسَّسات المذكورة. المؤسف، أنَّ جلَّ ما وجِّه إلى الخطاب من انتقادات، اتَّسمت بالانتقائيَّة في اختيار المفردات، واقتطاع الجمل والفقرات من سياقها، وتحريف المعنى وتشويه الغرض وغياب كامل للموضوعيَّة.
لنتوقَّف أوَّلاً أمام موضوع الصيغ التي استخدمها المجاهد عزَّة ابراهيم في مخاطبة المجرم جورج بوش الصغير. لقد فسَّر منتقدو الخطاب بسذاجة وتحامل واضحين استخدام المجاهد عزَّة إبراهيم تسميات: "أيُّها الرئيس، يا سيادة الرئيس، الرئيس بوش"، وفسَّروها تنازلاً غير مبرَّر، ووسيلة للتقرُّب من الإدارة الأمريكيَّة، و من هذا المجرم!

لنتأمَّل هذا المقطع من الخطاب المتضمَّن الرسالة الموجَّهة للمجرم جورج بوش قبل أن نعرِّج على تلك الانتقادات:
· "نحذِّر كلَّ الجهات العربيَّة، وخاصَّة الجامعة العربيَّة وكلَّ الجهات الدوليَّة وخاصَّة الأمم المتَّحدة من التمادي في الانطلاق والمشاركة في مثل هذه المشاريع التي تطبخ، وتُعد في مطابخ المخابرات الأمريكيَّة والصهيونيَّة. ونقول للغزاة أوًّلاً وللرئيس بوش بشكل خاص إنَّ شعب العراق شعب حضاريٌّ إنسانيٌّ ورساليٌّ، فهو من الأوَّل عاش عليها على مدى التاريخ الطويل والأرض منه، وهو من التاريخ الطويل المجيد الذي صنعه، والتاريخ منه، وهو من الأمَّة المجيدة التي جعلها الله سبحانه وتعالى خير أمَّة أخرجت للناس، والأمَّة منه، وهو من الإسلام الرسالي، والإسلام ودينه وحياته ومنه، شعَّ شعاعه إلى الكون، فكيف يتخلَّى هذا الشعب العظيم المجيد عن أرضه التي أشاد عليها أهمَّ الحضارات وعطَّر ترابها بدمائه؟ وكيف يتخلَّى عن تاريخه العريق الطويل العزيز المجيد الذي كتبه بدمائه؟ فكيف يتخلَّى هذا الشعب العظيم المجيد عن أرضه التي أشاد عليها أغنى الحضارات وروَّى ترابها بدماء رجاله؟ وكيف يتخلَّى عن تاريخه العريق الطويل العزيز المجيد الذي كتبه بدماء رجاله؟ وكيف يتخلَّى عن عروبته التي هو جوهرة من جواهرها المصونة؟ وكيف يتخلَّى عن دينه وهويَّته وانتمائه ومبادئه وقيمه؟ فلا تتوهَّم أيَّها الرئيس، ولا تخدع شعبك، فالحقيقة لا يمكن أن تغطَّى بغربال وقد بانت ساطعة كالشمس في الليل وفي النهار. واذكر وتذكَّر واحذر اليوم الذي ستقف فيه مع فرعون وهامان والنمرود ومع هولاكو وجنكيز خان وهتلر وموسوليني أمام القوي العزيز سريع الحساب وشديد العقاب. سيقاتلكم هذا الشعب العظيم مهما امتدَّ الزمن وطال، ومهما كابرتم وتجبرتم ودجلتم. وسيكون بإذن الله ومدده وعونه حسمًا هنا في العراق وعلى أرضه انهيار إمبراطوريَّتكم وبنائها الإمبريالي العالمي. وأقول لك يا سيَّادة الرئيس باسم الشعب العظيم وباسم الأمَّة المجيدة: سيبقى هذا الشعب العراقي العظيم يقاتلكم حتَّى قيام الساعة. فارحل عن بلادنا أيُّها الغازي الباغي. يكفيك ما قتلت وشرَّدت وهجَّرت وخرَّبت ودمَّرت. ويكفيك تجربة أكثر من خمس سنوات من الصراع الملحمي مع شعب الحضارات وجنده جند الرحمان، الأشباح الربانيَّة التي أرعبتكم وأرَّقت نومكم وحطَّمت عنجهيَّتكم وأحلامكم ونواياكم الشرِّيرة. يكفيكم تضليلاً وكذبًا وخداعًا.
· المقاومة الوطنيَّة الباسلة في توسُّع وتصاعد، وسنقاتلكم في الزمن المفتوح ما دام لكم وجود استعماري على أرضنا عسكريًا كان أم سياسيًا أم اقتصاديًا أم أمنيًا. فلا تغرنَّك قوَّتك. كان قبلك قوم عاد هم أشد قوَّة منك حيث قالوا: مَن أشدَّ منَّا قوَّة فجاءهم الجواب من جبَّار السموات والأرض: أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ اللهَ الذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُم قَوَّةً.
· ومن هنا، فإنَّك ترى اليوم قوَّتك بأمِّ عينيك تتهاوى على أرضنا، وقد هرب حلفاؤك وأصدقاؤك ورجالك الواحد تلو الآخر. ولا يغرنَّك مَن يصفِّق لك من العملاء والجواسيس يلهثون وراءك للتصدُّق عليهم من السحت الحرام. فهؤلاء ليس لهم من الأمر شئ. وستذهب وسيذهبون معك جميعًا إلى مزابل التاريخ. عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. واعلم أنَّ الأمر كلَّه بيد شعب العراق المقاتل المقاوم، فلن ينطلي عليه شئ بعد اليوم من خداعكم وتضليلكم. واعلم أيُّها الغازي الباغي بأنَّ هذا الشعب قد بنى أمره على أساس القتال الدائم المتصاعد، هكذا صمَّم شعب العراق وعزم وتوكَّل على الله وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
· أيُّها الغازي الباغي إنَّ مقاومتنا ليست جيوشًا رسميَّة مجيَّشة حتَّى تجيِّش عليها جيوشك الرسميَّة المتفوِّقة عدَّة وعُددًا فتنتصر عليها اليوم في هذه المدينة وغدًا في تلك، وهي ليست القاعدة التي قدَّمت نفسها لكم على طبق من ذهب لتذبحوها، وهي ليست جيش المهدي الذي أقنعكم كثيرًا، بل أغراكم بأسلوبه المتخلِّف على تصفيته عسكريًا مع احترامي وتقديري وتعزيزي ومحبَّتي لكلِّ مَن يقاتلكم على أرض العراق لتحرير العراق.
· واعلم أيُّها الرئيس أنَّ مقاومتنا هم جند الرحمن لا تراهم عينك، ولا تصل إليهم يدك، مستورون بستر الرحمن الذي لا عين تراه ولا يد تصل إليه، لا أحد يدري غيره جل َّشأنه متى يصلون عليكم وأين يضربونكم، وكيف يقتلون علوجكم ويحطِّمون عجلتكم المتطوِّرة. ووحدهم الذين يقرِّرون المعارك متى وأين وكيف حجمًا ونوعًا واستهدافًا. ولا يقبلون معركة أنتم تخطِّطون لها وتقرِّرونها، فالأرض أرضهم، والشعب شعبهم والوطن وطنهم، والمجتمع مجتمعهم، والزمن كلُّه لهم، فهم المبادرون وهم المبادئون في كلِّ تفاصيل الصراع. يكفيكم تضليلاً وكذبًا وخداعًا، أكثر من خمس سنوات، والمقاومة في نموٍّ وتوسُّع وازدهار. ولولا الأخطاء الاستراتيجيَّة التي ارتكبتها القاعدة لانهار وجودكم في العام الأوَّل من الصراع.
· وأنت سيادة الرئيس أكثر الناس تعرف هذه الحقيقة، كما أدعوك إلى الإعلان الصريح عن عدد قتلاكم وحجم خسائركم والتي سيعلنها الأمريكان أنفسهم في الزمن القريب القادم شئت أم أبيت. فماذا ستقول للشعوب الأمريكيَّة؟ وماذا ستقول لك هذه الشعوب؟"

من الواضح احتواء النص عبارات: "الرئيس، والسيِّد الرئيس" خمسة مرات.و لا شكَّ في أنَّ استخدام مثل هذه التسميات قد سبِّب إزعاجًا للكثير من أبناء شعبنا لما يكنُّوه من كراهية واحتقار لهذا المجرم وإدارته. من المؤكَّد أنَّ الصيغة المستخدمة في الخطاب ليست المفضَّلة لكاتب هذه السطور لمخاطبة وغيره من كتاب المقاومة ومناهضي الاحتلال لمخاطبة هذا المجرم. لكنَّنا نتفهَّم تمامًا السياق الذي استخدمت فيه الصيغة. من الواضح أنَّ كاتب السطور وغيره من الكتَّاب الذين يخاطبون هذا السفَّاح بما يستحقُّه من تسميات، ليسوا في الموقع السياسي والرسمي للمجاهد عزَّة ابراهيم، فهم غير ملزمين بأيَّة قواعد أو اعتبارت في اختيار المفردات باستثناء الالتزام بالقواعد الأخلاقية، ويملكون مرونة وحرِّيَّة في انتقاء التسميات والصيغ. هذه المرونة والحرِّيَّة ليست متاحة للمجاهد عزَّة إبراهيم في موقعه رئيسًا شرعيًّا لجمهوريَّة العراق، وقائدًا عامًّا للقوَّات المسلَّحة، وأمينًا عامًّا لحزب البعث العربي الاشتراكي. هذه المواقع تفرض الالتزام باعتبارات بروتوكوليَّة واستخدام تسميات رسميَّة في بعض السياقات والمناسبات.
الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم إذا سلَّمنا بعدم شرعيَّة الاحتلال ومؤسِّساته العميلة، واستنادًا إلى فقرات القانون الدولي، يبقى الرئيس الشرعي لجمهوريَّة العراق حتَّى تتاح الفرصة لأبناء شعبنا لتحديد قيادته السياسيَّة بعد اندحار الاحتلال، وقيام الدولة العراقيَّة الحرَّة المستقلَّة. ربَّما لا يتَّفق معنا بعض الكتَّاب في هذه الحقيقة القانونيَّة ولا يقبلونها. هذا حقُّهم المشروع، لكن عدم قبولهم لا يلغي شرعيَّة رئاسة المجاهد عزَّة إبراهيم لجمهوريَّة العراق. فعدم شرعيَّة الاحتلال، تعني بالضرورة استمرار شرعيَّة الحكومة الوطنيَّة العراقيَّة القائمة قبل الاحتلال.
هذا الموقع الرسمي، يفرض على المجاهد عزة إبراهيم الالتزام بسياقات محدَّدة بما فيها أسلوب التخاطب مع الأعداء والخصوم حتَّى وإن كانوا مجرمين وقتلة ومحتلِّين. هذا قطعًا ليس تبريرًا، لكنَّها حقيقة قد يصعب على قليلي التجربة السياسيَّة فهمها، لكن بإمكانهم مراجعة تاريخ العلاقات بين الشعوب والحركات السياسيَّة، وسجلِّ الصراعات الدوليَّة وآليَّات حسمها ليدركوا صواب تفسيرنا.
المثير للغرابة والتساؤل أنَّ جميع منتقدي خطاب المجاهد عزَّة إبراهيم لاستخدامه التسميات المشار إليها، اعتبروها محاولة للتقرُّب من الإدارة الأمريكيَّة، وأغفلوا بانتقاء ملفت،الأوصاف والنعوت الأخرى التي ضمَّنها خطابه المذكور على بوش الصغير، كما تغافلوا عن أسلوب التحدِّي الواضح في الخطاب وتأكيده ثوابت الوطن والمقاومة.

تعالوا نستعرض جانبًا ممَّا وجَّهه المجاهد عزَّة إبراهيم للمهزوم بوش من نعوت تليق به، وبعض المواقف الصلبة والمتحدِّية للرئيس الأمريكي وإدارته ومشروعه الخبيث:
· "إنَّ الغزاة البرابرة لن يخرجوا من بلدنا إلاَّ بالقوَّة القاهرة ٍالتي تجبرهم على الخروج حينما تصبح خسائرهم على أرض العراق أكبر من أطماعهم ونواياهم الشرِّيرة. وعندما يصبح وجودهم في بلدنا يهدِّد كيانهم الإمبريالي العالمي برمَّته. وإنَّكم تعلمون علم اليقين أنَّ هذا الأمر لن يتحقَّق إلاَّ بالمقاومة المسلَّحة المتصاعدة الدائمة ما دام لهذا الغازي المحتلِّ وجود على أرض العراق، حتَّى يخرج آخر جندي غازٍ بدون قيد أو شرط مع كلِّ ثوابت الوطن الأخرى وحقوقه."
· "ونحن شعب العراق المقاوم صاحب الحقِّ والقضيَّة نعلمكم جميعًا أنَّ جميع المشاريع التي تدبَّر وتطرح داخل العراق أو خارجه، التي لا تعترف بالمقاومة المسلَّحة الممثِّل الشرعي لشعب العراق، ولا تدعمها على هذا الأساس للمضيِّ في القتال، قتال العدو حتَّى التحرير الشامل والكامل من كلِّ أشكال الاستعمار والسيطرة والاستغلال والابتزاز."
· "سيقاتلكم هذا الشعب العظيم مهما امتدَّ الزمن وطال، ومهما كابرتم وتجبرَّتم ودجَّلتم. وسيكون بإذن الله ومدده وعونه حسمًا هنا في العراق، وعلى أرضه انهيار إمبراطوريَّتكم وبنائها الإمبريالي العالمي."
· "سيبقى هذا الشعب العراقي العظيم يقاتلكم حتَّى قيام الساعة. فارحل عن بلادنا أيَّها الغازي الباغي."
· "المقاومة الوطنيَّة الباسلة في توسُّع وتصاعد، وسنقاتلكم في الزمن المفتوح ما دام لكم وجود استعماري على أرضنا عسكريًا كان أم سياسيًّا أم اقتصاديًّا أم أمنيًّا. فلا تغرنَّك قوَّتك."
· "ومن هنا، فإنَّك ترى اليوم قوَّتك بأمِّ عينيك تتهاوى على أرضنا وقد هرب حلفاؤك وأصدقاؤك ورجالك الواحد تلو الآخر. ولا يغرنَّك مَن يصفِّق لك من العملاء والجواسيس يلهثون وراءك للتصدُّق عليهم من السحت الحرام. فهؤلاء ليس لهم من الأمر شئ. وستذهب وسيذهبون معك جميعًا إلى مزابل التاريخ."
· "واعلم أيُّها الغازي الباغي بأنَّ هذا الشعب قد بنى أمره على أساس القتال الدائم المتصاعد، هكذا صمَّم شعب العراق وعزم وتوكَّل على الله، وما النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيْزِ الحَكِيْمِ."
· "أيُّها الغازي الباغي إنَّ مقاومتنا ليست جيوشًا رسميَّة مجيَّشة حتَّى تجيِّش عليها جيوشك الرسميَّة."

أين التقرب؟ وأين الموضوعيَّة؟ أين التنازل عن الثوابت؟ وأين محاولات التقرُّب من المجرم بوش وإدارته؟
كيف يمكن تفسير هذه الانتقائيَّة في اختيار العبارات؟ يركِّزون على عبارة الرئيس ويتغاضون عن "أيُّها الغازي الباغي، وسنقاتلكم وسننتصر عليكم." وغيرها من عبارات التحدي والصلابة والإيمان والقوَّة. لن نحاول التغاطي عن معرفتنا بدوافع الانتقائيَّة، لكنَّنا نترك الأمر للقرَّاء الكرام.
النقد الثاني الغير موضوعي الموجِّه للخطاب، ركَّز على الدعوة التي وجَّهها الرفيق عزَّة إبراهيم لمجاهدي المقاومة مطالبًا إيَّاهم التمييز بين الخونة والعملاء من رموز الاحتلال وسماسرته، وبين المواطنين المنتمين لأجهزة السلطة، ممَّا يسمَّى "الجيش والشرطة والصحوات والإدارة"، الذين دفعتهم مفاعيل الاحتلال وانهيار الأمن وسيادة العنف والقتل، وإرهاب العصابات الطائفيَّة، ونهج بعض الفرق المتطرِّفة المحسوبة على المقاومة، والعوامل الاقتصاديَّة، إلى الانخراط في تشكيلات الجيش والأمن العام و"الصحوات" الخيانيَّة بالإضافة إلى أجهزة الإدارة المركزيَّة والمحلِّيَّة.

لنتوقَّف أمام فقرة الخطاب المتعلقة بالدعوة الموجه إلي المقاومين :
· "كما أدعو كلِّ فصائل الجهاد بكلِّ انتمائاتهم ومشاربهم أن يتوحَّدوا ويتوخُّوا في عمليَّاتهم المحتلَّ أوَّلاً، فهو رأس الأفعى. ثمَّ عملاءه المكشوفين، رموز السلطة العميلة وعناوين الخيانة الكبيرة. وأن لا يقاتلوا دون ذلك أحدًا إلاَّ مَن يقاتلهم. ولا يخلطون بين الخونة والعملاء وبين أجهزة السلطة، ممَّا يسمَّى بالجيش والشرطة والصحوات والإدارة، فهؤلاء جميعهم مع الشعب ومع مقاومته الباسلة. لقد اضطرتهم الحاجة والعوز للذهاب إلى هذه الأجهزة. فقاتِلوا رموز العمالة والخيانة، الذين أوغلوا في الجريمة الكبرى مع الاحتلال لبلدهم وقتلاً وتشريدًا لشعبهم. ولا تقاتلوا إلاَّ مَن يقاتلكم. وَقَاتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ الذِيْنَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِيْنَ. صدق الله العظيم.
· "فإلى مزيد من التصعيد لضرب العدو في كلِّ مكان، وعلى امتداد الزمن ليكون هذا العام هو منطلقنا للحسم النهائي للنصر العظيم بإذن الله وبقوَّته الطويلة في تدمير العدو وتحرير الوطن."
فحوى الدعوة واضحة لا لبس فيها. فالمجاهد عزَّة إبراهيم يحذِّر المقاومين أوَّلاً من مغبَّة الانجرار إلى معارك جانبيَّة، ويدعوهم إلى عدم استهداف مَن لا يتعرَّض لهم من أجل المحافظة على الجهد المقاوم، وضرورة التركيز على المفاصل الأساسيَّة والرموز الكبيرة للاحتلال وعملائه.
ثانيًا، مطالبته المجاهدين للتمييز بين مؤسَّسات الحكومة العميلة وأفرادها، وتجنُّب الاستهداف العام والعشوائي للمواطنين الذين دفعتهم مفاعيل كارثة الاحتلال إلى الانخراط في أجهزة الحكومة العميلة و "الصحوات" الخيانيَّة.
مع أنَّ تحليل نشوء ظاهرة "الصحوات"، واستعراض العوامل التي قادت إلى تأسيسها وتوسُّعها لا يندرج ضمن مهام هذه المساهمة، إلاَّ أنَّه من الصائب التذكير بأنَّ ظهور هذه التجمُّعات تمَّ بإشراف مباشر من سلطة الاحتلال وعملائها ودعمهم وتمويلهم بهدف خنق المقاومة وتصفيتها، وخلق نطاق عازل بين قوَّات الاحتلال وفصائل المقاومة.
"الصحوات"، بكلِّ تأكيد مؤسَّسة خيانيَّة صُمِّمت لخدمة الأهداف نفسها التي استندت عليها مبرِّرات تأسيس ما يسمَّى بـ "الجيش العراقي" و "قوَّات الأمن العراقيَّة"،.لكن هذه الحقيقة لا تعني إن جميع المنخرطين في المؤسَّسات المذكورة هم خونة للوطن ولقيم الشعب والأمَّة. لا جدال في وجود آلاف المواطنين المؤمنين بوطنهم وشعبهم والمعادين للاحتلال ضمن تلك المؤسَّسات التي دفعهم بطش مؤسَّسات الحكومة العميلة، وإرهاب المؤسَّسات الإيرانيَّة، وهمجيَّة قطبي الاستقطاب الطائفي وقلَّة الوعي والمغريات الماليَّة إلى الانخراط في مؤسَّسات سلطة الاحتلال والحكومة العميلة.
دعوة المجاهد عزَّة إبراهيم دعوة مسؤولة منطلقة من حرص وطني صائب. ربَّما لا يرى صوابها مطلقو دعوات تعميم القتل والحرق والتدمير. إنَّ تجربة شعبنا خلال المرحلة المنصرمة من الاحتلال تؤكِّد أنَّ الغالبية المطلقة من أبناء شعبنا ترفض الاحتلال مؤسَّساته. ولا شكَّ لدينا في أنَّ بين المنخرطين في مؤسَّسات الحكومة العميلة نسبة كبيرة من رافضي الاحتلال وحكومته العميلة. وأنَّ الآلاف منهم ينتهزون الفرصة المناسبة للانقضاض على قوَّات الاحتلال وعصابات الحكومة العميلة.
إنَّ توجيه دعوات تعويم قتل المنتسبين إلى أجهزة الحكومة العميلة و"الصحوات" دعوات أقلَّ ما يكمن وصفها به كونها دعوات غير مسؤولة وتنمُّ عن عقليَّة عاجزة عن إدرك قيمة المواطن العراقي وتضحياته، وتعبِّر عن نقص واضح في قراءة ميدان المواجهة وتطوُّراته.
ما يثير الانتباه، أنَّ مطلقي مثل هذه الدعوات من المحسوبين على الصف الوطني يقفون بشكل مريب مع المجرم الطائفي جلال الصغير وعصاباته، ويشتركون معهم في دعوات تعميم القتل العشوائي والشامل لكلِّ منتسبي "الصحوات"!
ثمَّة أسئلة يتوجَّب على منظِّري تصفية "الصحوات" الشاملة، الاجابة عليها، لا سيَّما أولئك الذين يطلقون دعواتهم من عواصم الرفاهيَّة الأوربيَّة او يتمتعون بجمال الشفق القطبي بعيدًا عن الميدان ومخاطر تكاليفه، ودون اي دور حقيقي لهم مباشر او غير مباشر في مجرى الصراع في العراق : إذا عوَّمنا قتل كلِّ المنتمين إلى "الصحوات" فلماذا لا نعوِّم قتل جميع المنتسبين إلى ما يسمَّى "الجيش العراقي" و "قوَّات الأمن والشرطة" و "قوَّات الحدود" وموظَّفي الأجهزة الحكوميَّة ومنتسبي الحكومات المحليَّة وموظَّفي البلديَّات؟ أين ينتهي حينذاك مسلسل القتل والدمار؟
كما ان هناك سؤالا مهما، لماذا تجاهل هؤلاء دعوات الفصائل الاخرى في المقاومة وهيئات سياسية مناهضة للاحتلال ومعروفة للصحوات للعودة الى الصف الوطني ونشطوا فقط لتزوير مضامين دعوة المجاهد عزة إبراهيم مع كونها دعوات متطابقة؟ ولماذا مجد بعض هؤلاء العمليات البطولية لبعض جنود عراقيين منتسبين لما يسمى بالجيش العراقي لتصديهم جنود الاحتلال اثر اعتدائهم على عراقيات وعراقيين؟
إنَّ المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، المشروع السياسي الوطني لشعب العراق، انبثقت من أجل حماية المواطنين واسترداد كرامتهم المسلوبة، واستعادة السيادة الوطنيَّة، وهي ليست معنيَّة بقتل المواطنين العراقيِّين حتَّى أولئك الذين دفعهم الجهل وقلَّة الوعي والعوز المادي إلى الانخراط في مؤسَّسات الحكومة العميلة و"الصحوات" وغيرها، باستثناء العملاء الكبار ورموز الاحتلال والخونة الذين ساهموا في احتلال العراق واستباحة شعبه. وهذه الحقيقة مرت بها جميع تجارب وكل ثورات التحرر الوطني حيث ميزت قيادة الثورات والمقاومات بين العميل الأصيل والعسكري المضطر للانخراط في المؤسسة العسكرية،فعفت عنهم او ادخلتهم في دورات اعادة تثقيف كما فعلت الصين وكوبا بعد الثورة، ولم تشرّع قتلهم بالجملة او تضطرهم لمواصلة العمل في صفوف من يخدم الاحتلال باصدار حكم مسبق بالاعدام عليهم.
أختم هذا الجزء بالتأكيد على أنَّ ما ورد في خطاب المجاهد عزَّة إبراهيم لا يشكِّل دعمًا لـ "الصحوات" أو تأييدها على الإطلاق، إنَّها دعوة مسؤولة منطلقة من قائد حريص على شعبه ومقاومته، هدفها تحشيد كل من يستطيع ضد الاحتلال وتهيئته ليكون مع المقاومة في لحظات الحسم. وأنَّ كلَّ ما وُجِّه للخطاب من انتقادات واتِّهامات لا يستند على أيِّ مسوِّغ أو أدلَّة، ولكنَّنا نفهم دوافعها وخلفيَّاتها.
يتبع.........

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار